الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد؛
"المراد بلزوم جنس عمل الجوارح لأصل الإيمان (عند من قال بذلك) أن الإيمان يزول بالكلية إذا ترك العبد جميع أعمال الجوارح الواجبة، حتى لو قيل: إن تارك المباني( ) لا يكفر. هكذا قال البعض؛ بمعنى أننا لو فرضنا أن أعمال الجوارح الواجبة عشرون عملاً، فإن من ترك عملا ًمن هذه الأعمال أو أكثر تكاسلاً من غير جحود فإنه آثم، ولكن لا يكفر إلا إذا ترك جميع العشرين، أما لو ترك تسعة عشر عملاً، ولم يأت إلا بعمل واحد من أعمال الجوارح الواجبة فإنه لا يكفر لأنه بهذا العمل الواحد يكون قد أتى بجنس عمل الجوارح.
وخالف آخرون فقالوا: عمل الجوارح إذا تركه العبد كله أو بعضه فإنه لا يكفر، فما دام ترْك كل عمل بمفرده ليس مخرجاً من الملة، فكذلك لو ترك جميع أعمال الجوارح فإنه لا يكفر؛ إذ لا فرق بين ترك البعض أو الجميع من جهة التكفير أو زوال أصل الإيمان، لكن الفرق من جهة أن الإيمان ينقص أكثر بازدياد الأعمال المتروكة، ومن ثم يزداد الإثم وتزداد العقوبة الأخروية، لكن لا يخلد العبد في النار، بل يخرج بعدما يعاقب على ذنوبه، أو بشفاعة النبيين، أو الملائكة، أو برحمة أرحم الراحمين.
واحتدم الصراع بين الفريقين، وكان محله حكم تارك جميع أعمال الجوارح الواجبة، ولم يحدث مثل هذا الصراع في حكم مرتكب جميع المحرمات التي لا يكفر بارتكاب واحد منها أو أكثر؛ أي لا يُخرج ارتكاب أيِّ واحد منها العبدَ من الملة؛ لأن الفريق الأول لم يقل بزوال أصل الإيمان بالكلية بارتكاب جميع المحرمات من غير استحلال. وهذه أيضاً نقطة يجب الوقوف عندها، وإن كان كلا الأمرين من الناحية العملية، أو الحكم على المعين، مسألة نظرية بحتة، لا يمكن تطبيقها على المعين، سواء عدم قيامه بأي واجب من أعمال الجوارح، أو ارتكابه لجميع المحرمات المتعلقة بالجوارح.
ولكن أقول: يجب الوقوف عندها من ناحية أن كلتا الصورتين تتعلقان بالالتزام الظاهر، لأنه يشمل فعل الواجبات وترك المحرمات، فالعبد يوصف بالالتزام بتركه المحرمات، كما يوصف بترك الالتزام لتركه الواجبات. ولكن الفريق الأول قال بدلالة ترك جميع أعمال الجوارح على زوال أصل الإيمان، ولم يقل بدلالة ارتكاب جميع المحرمات على زوال أصل الإيمان، مع أنهم احتجوا على قولهم بالتلازم بين الظاهر والباطن، إلا أنهم قصروه على أعمال الجوارح الواجبة، وجعلوا زوالها ولو من غير جحود، ولو قيل بعدم كفر من ترك شيئاً من المباني الأربعة ـ دليلاً على زوال أصل الإيمان؛ بمعنى انتفاء الإيمان بالكلية، وصيرورة العبد كافراً مستحقاً للخلود في النار في الآخرة؛ لأن الجنة لا يدخلها إلا نفس مؤمنة، ولم يقنعوا باجتناب العبد النواقض (حتى لو اجتنبها تديناً، مع النطق بالشهادتين) كدلالة على بقاء أصل الإيمان في قلبه أو (كما عبرت الأحاديث) على وجود مثقال حبة خردل من الإيمان في القلب ينجو بها العبد من الخلود في النار... مع أن ذلك لا يعارض التلازم بين الظاهر والباطن؛ لأن التلازم نسبي؛ بمعنى أنه إذا ضعف الإيمان الباطن جدًا، حتى وصل إلى مثقال حبة خردل فحسب، كان الظاهر ضعيفاً جداً، حتى إنه لا يتعدى ترك النواقض مع الإتيان بالشهادتين أوترك بعض المحرمات كذلك، التي لا يكفر العبد بارتكابها. ومن المعلوم أن الرسول  جعل الصلاح الكلي للقلب مقتضياً الصلاح الكلي للجسد ( )، ومعنى ذلك أن فساد الجسد، إذا لم يكن فساداً كلياً، لم يكن القلب فاسداً فساداً كلياً، ويمكن للفريق الثاني من ثم أن يقول: إن عدم ارتكاب العبد لنواقض الإيمان، لا سيما إذا اجتنب كذلك بعض المعاصي، وكان ذلك مع النطق بالشهادتين، يمنع وصف فساد الجسد بالفساد الكلي، وبالتالي لا يوصف إيمان القلب بالفساد الكلي؛ بل يبقى فيه من الإيمان ولو مثقال حبة خردل، تقابل القليل الذي لم يفسد من الجسد. ثم زاد البعض من الفريقين في الصراع الدائر، أنِ اتهم الفريق الأول، من لم يلتزم مقالة لزوم جنس عمل الجوارح لأصل الإيمان ـ بالإرجاء، واتهم الآخرون من التزم تلك المقالة بأنه من الخوارج، وبذلك تم القضاء على السلفية بينهم؛ لأنهم صاروا في نظر الباحث عن السلفية ما بين مرجئة وخوارج، وكفي بذلك دليلاً على أن هذه المسألة لا خير فيها، ومما لا ينبغي البحث فيه، ولا يسوغ أن يوصف من قال بها بأنه من الخوارج، ولا من لم يقل بها بأنه من المرجئة، ويكفينا الوقوف عند ما وقف عليه السلف، وعدم تجاوز المنصوص عنهم في الاعتقاد، والمسكوت عنه لا يجب علينا اعتقاده أو الخوض فيه، ولا يسوغ تقرير مقولات باستنباطات من بين السطور، من كلام لبعض السلف والعلماء السابقين، وإعادة صياغته بصيغة مستحدثة، وتبرير ذلك بأنه معنى كلامهم أو لازمه؛ فذلك من أسباب الفتن بين المسلمين. وتأمل كلام الشاطبي رحمه الله إذ يقول ( ): فكل مسألة حدثت في الإسلام، فاختلف الناس فيها، ولم يورث ذلك الاختلاف بينهم عداوة ولا بغضاء ولا فرقة، علمنا أنها من مسائل الإسلام، وكل مسألة طرأت فأوجبت العداوة والتنافر والتنابذ والقطيعة، علمنا أنها ليست من أمر الدين في شيء، وأنها التي عني رسول الله  بتفسير الآية، وهي قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا ...﴾ [الأنعام:159]، وقد تقدمت، فيجب على كل ذي دين وعقل أن يجتنبها، ودليل ذلك قوله تعالى: ﴿وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا﴾ [آل عمران: 103]، فإذا اختلفوا وتقاطعوا كان ذلك لحدثٍ أحدثوه من اتباع الهوى وهذا ما قالوه، وهو ظاهر في أن الإسلام يدعو إلى الألفة والتحاب والتراحم والتعاطف، فكل رأي أدى إلى خلاف ذلك فخارج عنه. اهـ
وقال ابن عثيمين رحمه الله( ): لا حاجة أن نقول ما يدور الآن بين الشباب وطلبة العلم: هل الأعمال من كمال الإيمان، أو من صحة الإيمان؟، فهذا السؤال لا داعي له؛ أي إنسان يسألك ويقول: هل الأعمال شرط لكمال الإيمان أو شرط لصحة الإيمان؟ نقول له: الصحابة رضي الله عنهم أجمعين، أشرف منك وأعلم منك وأحرص منك على الخير، ولم يسألوا الرسول  هذا السؤال، إذن يسعك ما يسعهم. إذا دل الدليل على أن هذا العمل يخرج به الإنسان من الإسلام، صار شرطاً لصحة الإيمان، وإذا دل دليل على أنه لا يخرج، صار شرطاً لكمال الإيمان، وانتهى الموضوع. أما أن تحاول الأخذ والرد والنزاع، ثم من خالفك قلت: هذا مرجئ، ومن وافقك رضيت عنه، وإن زاد قلت: هذا من الخوارج؛ فهذا غير صحيح، فلذلك مشورتي للشباب ولطلاب العلم، أن يدعوا البحث في هذا الموضوع، وأن نقول: ما جعله الله تعالى ورسوله  شرطاً لصحة الإيمان وبقائه فهو شرط، وما لا فلا، ونحسم الموضوع. اهـ. وسئل رحمه الله ( ): "تارك جنس العمل كافر"، "تارك آحاد العمل ليس بكافر"، فما رأيكم في ذلك الكلام؟ فأجاب :هذه القاعدة من قائلها؟، هل قالها محمد رسول الله ؟، كلام لا معنى له!! نقول: من كفّره الله ورسوله فهو كافر، ومن لم يكفّره الله ورسوله فليس بكافر، هذا هو الصواب. أما "جنس العمل"، أو "نوع العمل"، أو "آحاد العمل" فهذا كله طنطنة لا فائدة فيها.اهـ.
وسئل رحمه الله ( ): هل إخراج العصاة من النار، فيه دلالة على أن تارك جنس العمل مؤمن؟؛ أي يبقى معه أصل الإيمان ؟ فأجاب : يجب أن تعلم أن مسألة التكفير وعدم التكفير، هذا راجع للكتاب والسنة، وأما ما قعّده بعض الناس، وقال: هل العمل من الإيمان، وهل هو شرط في صحته، أوفي كماله، أو ما شابه ذلك، كل هذا من البحوث التي لا خير فيها، ما ورد أنه كافر فهو كافر، ويُستثنى من عموم الأدلة التي بها الرجاء( ). اهـ. وصدق المولى جل وعلا إذ يقول: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ [النحل:43]. فيكفيك أيها العبد، أن تعلم أن الإيمان قول وعمل، وأن جميع أعمال الجوارح من الإيمان، وأن الإيمان يزيد بفعل الطاعات وينقص بفعل المعاصي. والله تعالى أعلم. " انتهى كلامه حفظه الله.
كتبه أبوعاصم هشام عقدة

 

 




(( خير الناس انفعهم للناس ))

(( الدال على الخير كفاعله ))

اسألكم الدعاء لى فأنا محتاج دعائكم اخوانى واخواتى
المصدر: منتدى فرسان الحق :: فرسان السُـنة
  • Currently 30/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
10 تصويتات / 213 مشاهدة
نشرت فى 13 يوليو 2010 بواسطة facetook

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

19,600