اضطرابات التواصل
اللجلجة:
استخدم في اللغة العربية عدة مصطلحات للإشارة إلى اللجلجة منها التمتمة، و الفأفأة، والرتة، والعقلة، والحُبسة، و اللعثمة. . وكلها تعبر عن اضطرابات الكلام التى تتضمن الترديد، والتكرار، و التوقف، وعدم القدرة على النطق بسهولة ويسر. أما بالنسبة للمصطلحات الانجليزية يشيع استخدام مصطلحي Stuttering & Stammering للتعبير عن نفس المشكلات الكلامية .
اللجلجة فهي شكل أساسي من أشكال اضطرابات الطلاقة , وتشكل مشكلة اللجلجة 1% من المجتمع , إذ يصل عدد من يعانون من اللجلجة في الولايات المتحدة وحدها إلى مليوني طفل وراشد. وعلى الرغم من أن اللجلجة تنتشر في جميع المجتمعات ، إلا أن بعض الأحداث تشير إلى انتشار اللجلجة في مجتمعات بعينها أكثر من مجتمعات أخري , ولكن لا يوجد مجتمع لا توجد به لجلجة , وإذا فرضنا أن مجتمع ما يبلغ عدد سكانه 250 مليون نسمة ؛ فإن عدد من يعانون من اللجلجة بينهم يبلغ حوالي 2.5 مليون شخص تقريباً. و 85% من هذه الحالات اللجلجة تبدأ في مرحلة ما قبل المدرسة , ويزداد عدد الأولاد المتلجلجين عن عدد البنات بنسبة تصل إلى 1 -4 . ومن المثير للدهشة أن 80% من الحالات يظهر في نفس الوقت , وبعضهم يشفي من اللجلجة تماماً .
وتنتشر اللجلجة بين جميع الفئات , فتوجد لدي الموهوبين والمتخلفين , كما توجد لدي الفلاسفة ورجال السياسة والملوك والكتاب والعلماء , ومن أشهر المتلجلجين نبي الله موسي ، وأرسطو , وفي العصور الحديثة إسحاق نيوتن ، وشيرشل ، وجورج الرابع ملك انجلترا .. وغيرهم .
وكلما استمرت اللجلجة لفترة طويلة لدى الشخص , كلما أدت إلى ظهور مشكلات انفعالية مصاحبة لها . فالذي يعاني من اللجلجة نجده يشعر بالحرج والذنب والإحباط والغضب , وكثير منهم يشعر باليأس , الأمر الذي يؤدى إلى خفض شعوره بقيمته كإنسان وتقديره لذاته ، والممكن أن تكون مصحوبة بصعوبات التواصل أو بالمشكلات الاجتماعية والانفعالية , ومن الممكن أن يكون لها تأثير على مفهوم الذات لدي الفرد , وأهدافه وطموحاته وتوقعاته لنفسه , وأسلوبه الأساسي لمسايرة الحياة .
إن اللجلجة تؤدى إلى عدد كبير من الصراعات الاجتماعية والانفعالية ، للطفل أو الراشد المتلجلج ولأسرهم ولأصدقائهم ومعلمهم وكل من يتفاعل معهم .
إن أغلب الذين يعانون من اللجلجة لديهم ردود فعل تجاه تلك المشكلة , إذ يصبحوا مفرطي العدوان , وينكروا وجود هذا الاضطراب , ويسقطون ردود فعلهم على المستمعين ، وهذا إلى جانب شعورهم بالخجل والقلق , ويتجنبوا التحدث مع الآخرين وتجنب المواقف الاجتماعية , لدرجة تؤدى إلى عزلتهم اجتماعياً , ومن الممكن أن تنخفض بشدة رغبتهم في التعليم والعمل والإنجاز الاجتماعي .
هكذا يمكن جمع أشكال اللجلجة التي تظهر لدي المتلجلجين ، فيما يلي :
(1) الإعادة:
تكرار جزء من الكلمةv مثل (ك . ك . كل يوم)
تكرار الكلمة كلها مثل أنا . أنا . أنا مسافرv
v تكرار العبارة ككل لماذا ذهبت لماذا ذهبت لماذا ذهبت
تطويل الصوت مثل جااايv
(2) الإدخال:إقحام أصوات أو مقاطع أو كلمات أو عبارات اعتراضية مثل أم , إذ .
(3) المراجعة: وذلك بأن يقطع فكرة ويرجع إلى فكرة أخرى من مثل أن يقول:" أنا رحت اليوم.. وين لعبتي؟ ومن ثم يكمل كلامه".
(4) التطويل: ويكون ظهور هذا السلوك قليلاً في النمط ، كأن يقول الطفل: أنا اسسسسمى..
أما عن موضع اللجلجة -المكان الذي يتكرر ملاحظة اللجلجة فيه في تتابع الكلام - فنجد أن الاضطراب لا يسير على وتيرة واحدة , فقد تظهر اللجلجة في أصوات الكلمة الأولي للعبارة أو الجملة , وقد يتم تكرار الكلمة الأولي أو الكلمات الأولي أكثر من الكلمات الأخيرة للجملة . فعلي سبيل المثال نجد الشخص المتلجلج يقول : أنا أنا أنا مسافر , ولا نسمعه يقول مثلاً أنا مسافر مسافر مسافر , كما نجد هذا التكرار في المقاطع الأولي من الكلمة أكثر تكراراً من المواقع الأخيرة منها .
وتحدث اللجلجة كثيراً في الأصوات الساكنة أكثر من الأصوات المتحركة على الرغم من أن أغلب المتلجلجين يعانون من اللجلجة في الأصوات المتحركة , كما أنهم يواجهون صعوبة في الكلمات الطويلة أكثر من الكلمات القصيرة , وتكون الكلمات الأكثر تكراراً أقل استخداماً لدي المتلجلجين من الكلمات الأقل تكراراً . كما أن الكلمات الأطول هي الأقل استخداماً ؛ وذلك لأنها هي الأصعب في النطق , وبالتالي تكثر فيها اللجلجة (Bloodstein,O. 1987)
تشخيص اللجلجة :
تشير الشواهد السببية أن أغلب أشكال عدم الطلاقة التي أشرنا إليها تلاحظ لدي المتحدثين الطبيعيين , فالكلام الطبيعي لا يعني الطلاقة التامة , ولا يوجد شخص طلق الكلام دائماً بنسبة 100% . وتظهر أشكال الطلاقة مثل كلمة أم , وتكرار الأصوات والعبارات في كلام أغلب الناس إن لم يكن كلهم , كما ينتشر التوقف في مدد متباينة خاصة لدي صغار الأطفال ممن لا تتقدم مهاراتهم اللغوية في النمو . ومن الممكن أن نلاحظ تكرار جزء من الكلمة أو تطويل الصوت في الكلام اليومي لدي أغلب المتحدثين , ولكن كيف يتم تمييز المتلجلج عن المتحدث بطلاقة في عدم الطلاقة ؟ هناك العديد من الإجابات علي هذا السؤال. ولكن من المؤكد إلى حد ما أن هناك ثلاث أسس لتمييز المتلجلج عن غير المتلجلج ، هي :
الأساس الأول : تكرار اللجلجة
إن كل من المتحدثين بشكل طبيعي والمتلجلجين يختلفون في مقدار عدم الطلاقة , فالشخص الذي يتحدث بشكل طبيعي يكون أقل في اللجلجة ، ويعتمد هذا علي موقف التكلم والموضوع والمستمع ومقدار معلوماته عن الموضوع ... والعديد من العوامل الأخرى . فعندما يتكلم الشخص في موضوع يعرفه وفي ظروف مريحة , وعندما يكون المستمع متعاطف فإن المتحدث يكون أكثر طلاقة , ولكن عندما يكون الموضوع غير معروف أو هناك ظروف مثيرة للضغط والمشقة النفسية , أو يكون المستمع غير متعاطف، أو يكون المتحدث متعباً فإنه يعاني أكثر من عدم الطلاقة .
والتباين الموجود في مقدار الطلاقة بين الطبيعيين موجود أيضاً بين المتلجلجين , فعدم الطلاقة لدي المتلجلجين تتقلب من يوم لآخر ، ومن موقف لآخر.
إن اللجلجة تظهر بنسبة 10% تقريباً في كلام من يعانون من اللجلجة (Bloodstein,O. 1987) . وبالتالي فإن نسبة الـ 10% من عدم الطلاقة شئ غير عادي وتعد هذه النسبة معيار يتم في ضوءه تشخيص اللجلجة .
وبسبب صعوبة تحديد كيف يكون الأشخاص الطبيعيين لا يتكلمون بطلاقة في أحاديثهم تماماً ؟ ، وما هو أقل مستوي لعدم الطلاقة لتشخيص اللجلجة ؟ يحاول الخبراء تحديد كيف يستجيب المستمعين للمقادير المختلفة من عدم الطلاقة . وعندما يتسامح المجتمع وقدر محدود من عدم الطلاقة يصبح هذا القدر طبيعي . وقد يُطلب من الأشخاص الطبيعيين الاستماع إلي عينات كلامية تشتمل علي قدر مختلف من عدم الطلاقة ويصدروا حكمهم علي هذا الكلام إذا كان طبيعي أو غير طبيعي.
هذا النوع من الحكم من قبل المستمعين يشير بشكل عام إلي أنه قد تم تحديد الكلام بأنه يتسم بأنه غير طبيعي أو متلجلج عندما يبلغ حوالي 5% من الكلام المنطوق (Bloodstein,O. 1987) , وبالتالي فإن بعض المعالجين يستخدمون معيار الـ 5% من عدم الطلاقة لتمييز المتلجلجين من غير المتلجلجين وعند استخدام هذا المعيار يراعي المعالجين كل أنواع عدم الطلاقة التي تشتمل على المقاطعة وتكرار الكلمات والعدد الكلي للكلمات المقروءة أو المنطوقة , ومن خلال هاتين الطريقتين للقياس يمكن لأخصائي التخاطب معرفة نسبة معدل الطلاقة .
الأساس الثاني : أنواع اللجلجة
يري بعض المعالجين أنه من الضروري التمييز بين الطبيعيين والمتلجلجين علي أساس نوع عدم الطلاقة وليس مقدارها , وعلى الرغم من أن كل أنواع عدم الطلاقة تظهر لدي المتحدثين الطبيعيين فإن هناك أشكال من النادر حدوثها لديهم . فعلي سبيل المثال نجد أن تكرار جزء من الكلمة أو تطويل الصوت من الأشكال غير المتكرر حدوثها لدي الطبيعيين مثل التقطيع وتكرار الكلمات والعبارات . ومن ناحية أخري فإن أنواع عدم الطلاقة هذه تظهر قليلاً في كلام المتلجلجين . ولقد أوضح بعض الخبراء أن المتحدثين بطلاقة لا يجزءون الكلمات أو المقاطع ولكنهم يكررونها , أما المتلجلجين فيجزءون الكلمات والمقاطع الصغيرة , وهكذا تكون عدم الطلاقة لديهم غير طبيعية (Van Riper,C. 1982) , ولذا فإن بعض المعالجين يشخصون اللجلجة علي أساس تكرار جزء الكلمة وتطويل الصوت .
وتشخيص اللجلجة علي أساس أشكال عدم الطلاقة ليس له معيار كمي , فوجود تكرار جزء من الكلمة أو تطويل الصوت يكفي لتشخيص اللجلجة وليس لعدم الطلاقة هنا أي معيار كمي مثل المعيار السابق ( 5% ). ويري معظم الخبراء أن تكرار جزء من الكلمة وتطويل الصوت أكثر ارتباطاً بالتوتر العضلي وبذل الجهد الشاق , وقد يظهر تكرار الكلمة أو مقاطعه دون بذل مجهود أو توتر عضلي .
وفي الحقيقة يركز بعض المعالجين بقوة علي التوتر والمجاهدة في أشكال التنفس غير الطبيعي الذي يرتبط بأشكال محددة لعدم الطلاقة . ووفقاً لهذا فإن أي شكل لعدم الطلاقة يعد لجلجة إذا أنتج بجهد وشد عصبي , فعلي سبيل المثال عندما يقول الطفل ماذا ماذا ماذا تفعل , وعند تكراره لهذه الكلمة يعبس وجهه ويكون متوترا ويبذل مجهودا , هنا يعد ما يقوم به لجلجة .
الأساس الثالث : مدة اللجلجة
هناك بعض المعالجين يشخصون اللجلجة علي أساس المدة التي يستغرقها الشخص في اللجلجة , وقد تكون عدم الطلاقة بسيطة لدرجة أن لا يدركها إلا الخبراء , وقد تكون طويلة لدرجة أن لا يخطئها أحد .
ووفقا لهذا فإن المتحدث يعد متلجلجاً إذا كانت مدة اللجلجة غير طبيعية, ويقوم أغلب المعالجين بتشخيص اللجلجة إذا استمرت لمدة ثانية (Ingham, 1975)
إن معيار المدة قد يشتمل أو لا يشتمل علي معيار التكرار , فعندما تكون المدة قصيرة جداً فالتكرار لابد أن يؤخذ بعين الاعتبار عند تشخيص اللجلجة , وعندما تكون المدة طويلة بشكل ملحوظ يمكن تجاهل تكرار اللجلجة, ويتم تشخيص اللجلجة عندما تكون المدة قليلة ويزيد تكرار اللجلجة ، أو عندما تكون المدة طويلة وينخفض التكرار .
السلوكيات المرتبطة باللجلجة :
بالإضافة إلي الأسس السابقة والخصائص والأنواع المحددة لعدم الطلاقة فإن هناك العديد من السلوكيات ذات الصلة تميز اللجلجة , وكما لا حظنا سابقا فإن السلوكيات الحركية ، واستجابات التجنب من الممكن أن تكون جزء من مشكلة اللجلجة، وقد أوضحها هيجدي Hegde,M.( 1991) على النحو التالي :
(1) السلوكيات الحركية :
إن السلوكيات الحركية المرتبطة باللجلجة متعددة وتختلف بين المتلجلجين ويكون لدي الشخص أنماط خاصة من تلك السلوكيات الحركية , والتي يتم ملاحظتها علي وجه المتلجلج , فنجد أن أغلب الراشدين المتلجلجين يرمشون بأعينهم ويتحرك أنفهم وجبينهم وبعضهم يغلق عينيه بإحكام ، وبعضهم ترتعش شفتيه، وبعضهم يبقي فمه مفتوحاً عندما يحاول نطق كلمة التي تبدأ بحرف / ب /التي تستلزم الشفتين مضموتين , والبعض الآخر يفتح ويغلق فمه وهو لا ينتج أصوات . وبعض المتلجلجين يحكم غلق فكه الأعلى والأسفل لدرجة أن رأسه تهتز , وكان أحد الأطفال يبلغ عشرة أعوام شديد اللجلجة يثني جذعه لدرجة أن فكه يصطدم بركبته , وكان أحد الأشخاص المتلجلجين يبلغ من العمر 35 عاماً تهتز رقبته كل مرة يتلجلج فيها , وهناك متلجلج آخر يهتز رأسه ببطء نحو كتفه الأيسر أثناء اللجلجة .
وقد ترتبط أيضاً حركات اليد والقدم باللجلجة فوجدنا أحد المتلجلجين يأرجح يديه بقوة لدرجة أن زوجته تبتعد عنه أثناء الكلام . والعديد منهم يأرجحون يديهم أو يمسكون بقوة في المائدة أو يقرصون أنفسهم بقوة .
وهناك شواهد تشير إلى أن التوتر العضلي يرتبط بالكلام لدي المتلجلجين ، إذ أن أغلبهم يشعر بإحكام الحلق وعضلات الفك والمعدة عند إنتاجهم للكلام غير القلق . وترتبط أغلب الإيماءات الوجهية بشدة التوتر في عضلات الكلام. وفي بعض الأحيان يشعر المتلجلج بالتوتر في جسمه كله . ويمكن ملاحظة ظهور اضطرابات في التنفس لدي بعض المتلجلجين ففي بعض الأحيان يحاول الكلام وهو يزفر الهواء . وإذا كان المتحدثين الطبيعيين يتوقفون ويتنفسون كثيرًا أثناء الكلام فإن المتلجلج يحاول استمرارا الكلام برغم حاجته إلي الهواء .
ولذلك يشير المتلجلجين إلى أنهم يحاولون إخراج آخر ذرة هواء من حنجرتهم , وفي بعض الأحيان نجد أن بعض منهم يتوقف ويشهق في منتصف الكلام بشكل ضروري , وقد يكون تنفسهم أثناء الكلام عبارة عن هزة أو اضطراب حركي .
ويظهر المتلجلجون السلوكيات الحركية لأنه يتم تعزيز تلك السلوكيات بين الحين والحين , فالشخص عندما يتلجلج في جزء من الكلمة ويهز يديه بإحباط ويكمل الكلمة وباقي الجملة بنجاح فإن هذا تعزيز لتحريك اليدين , وعندما يتلجلج في المرة الثانية فإنه يقوم بهز يديه , وفي مرة أخري قد تتزامن حركة جفون العين أو الحاجب مع اللجلجة , وهكذا فإن العديد من السلوكيات التجنبية قد ترتبط بين الحين والحين بنهاية اللجلجة , وفي النهاية تصبح تلك السلوكيات جزء من اللجلجة وعمل هذه السلوكيات بشكل مباشر يجعل المتلجلجين يتحدثون بطلاقة .
وعلى الرغم من ذلك فإن السلوكيات الحركية المرتبطة باللجلجة هامة لتشخيصها , حيث أن هذه السلوكيات لا تظهر لدي جميع المتلجلجين , وليس بالضرورة أن ترتبط تلك السلوكيات بالعمر أو عدد السنوات التي يعاني فيها الشخص من اللجلجة , فالطفل الذي لا يتعدي عمره الخمس سنوات ، ولا يزيد تاريخ إصابته باللجلجة عن عدة شهور قليلة قد يظهر سلوكيات غريبة ، بينما الرجل الذي يبلغ من العمر 50 عاما ويبلغ تاريخه مع اللجلجة 45 عاماً قد يظهر سلوكيات حركية بسيطة . وتظهر تلك السلوكيات الحركية أثناء إنتاج كلام غير طلق أو متوتر , وبالتالي فإن ارتباط هذه السلوكيات ليست ضروري لتشخيص اللجلجة ولكن من ناحية أخري المبالغة في الحركات والتوتر العضلي يجعل تشخيص اللجلجة أمر محقق .
(2) الانفعالات السلوكية وسلوكيات التجنب :
إن الشخص المتلجلج عرضة لمعايشة تأثيرات انفعالية وسلوكية محددة بسبب الصعوبة الكلية في الكلام , إن الطفل الذي لا يزيد عمره عن ثلاثة سنوات والذي يبدأ في التكرار أو التطويل قد لا يدرك معني صعوبة الكلام , ولكن عدم الإدراك هذا لا يدوم طويلاً فسرعان ما يشعر بالإحباط الذي يصيبه عندما يعبر عن نفسه , ويبدأ الطفل في إدراك التوتر والسلوكيات الغريبة التي ترتبط بالكلام . وقد نجد الوالدين لا يستجيبون للجلجة الطفل علي الأقل لمدة محدودة ، ولكن من يلعب معهم من الأطفال قد يعلقون عليه ، ولو لم يكن هذا الطفل يعرف أن هناك خطأ في كلامه فإن مثل هذه الاستجابة سوف تؤثر بشكل واضح عليه , والمشاعر السلبية وسلوكيات التجنب لدي الشخص المتلجلج من الممكن أن يكون لها أصل في إدراك أنه مختلف .
والوالدين الذين لا يبدون أي ردود أفعال تجاه مشكلات الطفل الكلامية حتى لا تؤثر عليه بشكل سلبي ، فإن مثل هذه الاستجابة لا يجب أن تكون سلبية أو نقدية . والاستجابة المهذبة والتي تتميز بالعطف تجعل الطفل يدرك صعوبته , وتجعل وعيه بالمشكلة أبسط . ويقدم الراشدين المساعدة للطفل من خلال التعجيل بقول الكلمة والبعض الآخر يتجنب الطفل بشكل مهذب , والبعض يقول له خذ نفساً عميقاً وانطق الكلمة , معتقدين أن هذا سوف يساعده , ولكن مثل هذه الاستجابات تعطيه إحساس شديد بعدم الرضا عن مشكلته .
إن الطفل المتلجلج عادة ما يواجه استجابات مختلفة من الآخرين , فنجد بعض الوالدين ينتقدون الطفل علي عدم الطلاقة , ويحثونه علي الجد في استمرار الطلاقة , كما أن استجابات المضايقة والحملقة أو النظرة المليئة بالدهشة والاستغراب من قبل الغرباء من الممكن أن تعقد المشكلة للطفل .
إن تكرار اللجلجة في كلمات أو مواقف محددة يؤدي في النهاية إلي تجنبها ويجد كل متلجلج أن هناك كلمات أكثر صعوبة من الأخرى , فقد يجد بعض المتلجلجين صعوبة في أن يقول كلمة مثل " كباب " , ويطلب طعام آخر لا يحبه بسبب عدم قدرته علي نطق تلك الكلمة . ومثال ذلك أيضاً طفل عمره 10 سنوات وكان اسمه الأخير يصعب نطقه فكان يضطر إلى تغيير اسمه الأخير للخروج من المأزق .
وكانت هناك أيضاً امرأة عمرها 35 عاماً لا تطلب طعاماً في مطعم قط، ولا تأكل بمفردها خارج البيت بسبب ما تعانيه من اللجلجة .
وشاب آخر يبلغ من العمر 23 عاماً كان يقوم بمقابلة المعلم قبل التسجيل في الفصل ويتأكد أنه لا توجد واجبات كثيرة وأنه يمكن استبدال المقابلة الكلامية بالكتابية, ورجلٌ آخر يفضل أن يضل الطريق في مدينة لا يعرفها علي أن يسأل شخص ما عن العنوان الذي يريده .
وعندما زار هذا الرجل إحدى المدن ذات مرة أخذ يبحث عن مطعم وظل ساعتين في البحث بالسيارة حتى أغلقت جميع المطاعم ولذا فإن سلوكه التجنبي جعله يقضي هذه الليلة مستيقظاً وجائعاً . وعموماً فإن المتلجلجين يتجنبون الكلام مع الغرباء أو طلب الخدمات أو شراء أي شئ أو دخول المطاعم ، أ و الرد علي الهواتف.
(3) أسلوب التجنب والإحجام :
أحد الأساليب التي يستخدمها المتلجلجين أثناء الحديث هو اللف والدوران حول الكلمة التي يريدونها حتى يقولها الشخص المستمع ، وعندما يقولها المستمع يؤكدون عليها , ولقد أندهش أحد أخصائيي التخاطب عندما قال له المتلجلجين وكان عمره 15 عاماً أن زوجة أبي ستأتي الآن فقال له أليست أمك قال نعم أمي . وكانت أم لبنتين تستخدم أسماء بناتها وتقول أبنتي الكبرى و أبنتي الصغرى فيقول من يعرفهما " مي " أم " مها " فتقول الأم مي . وكان أحد المتلجلجين يخطئ في شهر يونية ويولية فيقول سوف أقضي أول وثاني شهر بعد مايو في الغردقة .
إن سلوكيات الإحجام مثل السلوكيات الحركية ليست مهمة لتشخيص اللجلجة , ولكنها تحدث كنتيجة للجلجة , فالشخص لم يتعلم مثل هذه المواقف – مواقف الإحجام -ما لم يتلجلج فيها , وبالتالي فإن اللجلجة تأتي أولا ثم يتبعها التجنب والإحجام , ومن ناحية أخري فإن التجنب يدعم بقوة تشخيص اللجلجة .
ولقد أشارت التقارير أن جميع المتلجلجين يعايشون انفعالات مؤلمة ترتبط باللجلجة , مثل هذه الانفعالات تصبح أقوي كلما كبر الطفل ، وارتباط اللجلجة بكلمات أو مواقف محددة يخلق قلق من تلك الكلمة أو تلك المواقف الكلامية , ويري المتخصصين أن هذا القلق هو السبب في سلوكيات الإحجام والتجنب .
ومن الممكن أن يتنبأ العديد من المتلجلجين بمقدار محدد من اللجلجة قبل أن يواجهوه , وعند القراءة الجهرية نجد المتلجلج ينظر نظرة سريعة في الموضوع لكي يجد إذا ما كانت هناك كلمات صعبة أم لا .
وأثناء الحوار فإن المتلجلجين يفكرون بشكل مستمر قبل أن يقولوا كلمات صعبة , وتعرف هذه الظاهرة بالتوقع .
وتعد أساس سلوكيات التجنب وعندما يكون من المتوقع حدوث مشكلة في أحد المواقف فإن المتلجلج يتجنب هذا الموقف ولو عايش المتلجلج مشكلة في أحد المواقف سابقاً فعندما يتكرر هذا الموقف يتوقع حدوث نفس المشكلة .
(4) ماذا يقول المتلجلجون :
يصف المتلجلجون اللجلجة بأنها أحداث غير قادرين علي ضبطها , وهي عبارة عن شئ يحدث لهم ، وليسوا مسئولين كلياً عنه .
ويصف أحد الكتاب الأمريكيين نفسه – وكان يعاني من اللجلجة – فيقول كنت أحب التخيل وكانت اللجلجة غير ملحوظة ولا يشعر بها أحد غيري ، فكنت أشعر بأنها نافذة تفتح فجأة أمامي عندما أتكلم , إذ أشعر بعائق في حلقي ومما لاشك فيه كان بداخلي كلمات كثيرة ولكني غير قادر علي إخراجها كمرور سيارة الإسعاف أثناء ساعات الذروة والازدحام .
عند محاولة التغلب علي العائق يصبح بعض المتلجلجين غاضبون من مواجهة نوبات تشبه نوبات الصرع ، فيظهر العرق البارد علي جبينهم ، وتجحظ عيونهم ، وترتعش شفاههم ، وتهتز أيديهم كما لو كانت لزمات حركية , ويسيل لعابهم في كل اتجاه , ويبدو عليهم أنهم يحاولون إخراج الكلمات من علي لسانهم بصعوبة . وليس من الصعب أن نجد أن أغلبهم يعتقد أن به مس من الجن , وعندما يتحدث من يعانون من اللجلجة الشديدة عن أنفسهم يقولون أنهم غير قادرين علي التحكم في أجسادهم .
ويذكر أحد المتلجلجين إنني أشعر بأن هناك شخص يمسك بطرف لساني أو أن لساني يلتصق بسقف حنكي , ويقول المتلجلجون أنه كلما ازدادت محاولة تغلبهم علي العائق كلما ازدادت المشكلة سوءً . ويشعر المتلجلجون بالحيرة من السبب الذي يجعل بعض الكلمات تنحشر بداخلهم وفجأة تنطلق دون أن يفعلوا أي شئ !! ، ويري المتلجلجون أن أغلب المستمعين يتفاعلون بطريقة غير محببة مع مشاكلهم الكلامية , فمنهم من يتهكمون علي المتلجلجين ، وعلى الرغم من أن مثل هذا التهكم قد يحدث لمرة واحدة إلا أنه لا ينسي . وبين الحين والحين نلاحظ مثل هذه السلوكيات كأن يدير المعلم وجهه عن الطفل , أو يقول الأب اترك هذه الكلمة .
في الحقيقة فإن أغلب الناس الذين يستمعون إلى الأشخاص المتلجلجين يكونوا مهذبين , ويرغبون في تقديم المساعدة إليهم , ولكن لسوء الحظ فإن المتلجلجين : لا يريدون أن يقوم الآخرين بإنهاء الجملة لهم ، ولا يريدون أن يدير المستمع وجهه عنهم بأدب , ولا يريدون أن يقول لهم أحد فكر قبل أن تقول . وذلك لأنهم يعرفون بدقة ماذا يريدوا أن يقولوا ولكنهم غير قادرين ؛ لأن اللجلجة ليست سببا للتفكير المضطرب.
وقد يسمع المتلجلجين بعض التعليقات من الآخرين ، ولكن دون فائدة ، فنجد من يقول له اهدأ قبل أن تتكلم , إن شعور المتلجلج بالتوتر في المواقف الكلامية جزء من المشكلة , وكذلك الحال عندما يقول له شخص آخر خذ نفساً عميقاً قبل أن تتكلم ، ولكن كل ذلك ليس له فاعلية ما لم يتم علاج مجري الهواء أثناء إنتاج الكلام وإشراف أخصائي التخاطب علي ذلك .
علاج اللجلجة :
أثناء عملية القياس يقوم الأخصائي بوضع الخطة العامة للعلاج ، وخلال ذلك من الممكن أن تثار تساؤلات تتعلق بتقدم خطة العلاج والآثار المترتبة عليها أثناء التقييم . وعادة ما يكون والدي الطفل مهتمين ببعض الأمور مثل :
وعلى الرغم أن تلك التساؤلات ذات أهمية كبيرة ؛ إلا أنه من الصعب الإجابة عنها بدقة وبشكل مباشر . وعموماً فإن كل شخص يتقدم في عملية العلاج بطريقة مختلفة عن غيره . ومع هذا فإنه من الضروري التنبؤ بنتيجة ومدة العلاج , كما أن المقاييس القاعدية التي تُجرى قبل العلاج قد تكون لها أهمية كبيرة . وهناك أمور عديدة تعد منبئا لتقدم وسرعة العلاج مثل كيف يرى الشخص قدرته على التحكم في مصيره ورغبته في مساعدة نفسه ؟ , وما مدي قدرته على مسايرة الضغوط ؟ , هذا بالإضافة إلى ضرورة تحديد سماته الكلامية .
وهناك بعض البرامج الإكلينيكية لا تؤكد على قياس سلوك الكلام قبل العلاج لأنها لا تهدف إلى الانتقال بعيداً عن تلك السلوكيات كجزء من العلاج حتى أن علاجهم قد يخطط لتعليم سلوكيات جديدة تكون غير موجودة في الأساس وقت القياس (Shams,G & Florance,C. 1980) , وفي تلك الأمثلة نجد أنه يتم قياس تقدم العلاج على أنه اتجاه نحو الهدف وليس بعيد عن حالة ما قبل العلاج . وفي نظريات أخرى أثناء تركيزهم على علاج اللجلجة نجد أنها تهتم بالقياس القاعدي في مرحلة ما قبل العلاج لأنواع وشكل وتكرار ومدة اللجلجة , ويتحدد تقدم العلاج من خلال قدرة الشخص على تحسين حالته من الحالة القاعدية . فعلى سبيل المثال إذا كان الشخص يتلجلج بنسبة 50% من كلمات موضوع للقراءة يتم قياس التحسن بتقديم نفس الموضوع بعد العلاج وملاحظة أن الشخص أصبح يتلجلج بنسبة 25% من الكلمات فقط وهكذا .
والخلاصة هي أن العلاج عملية معقدة وبعيدة المدى وليس كل قياس يتم إجراؤه قبل العلاج , ويجب على الأخصائي أن يعيد قياس لجلجة الشخص أثناء كل جلسة , وكذلك قبل وأثناء وبعد العلاج . وفي نفس الوقت فإن المفحوص والمحيطين به في البيئة سيقومون بتقييم تقدم العلاج . وتتفاعل كل تلك المتغيرات كلما اتجه الشخص نحو علاج لجلجته .
تحديد المرحلة العمرية :
هناك اتجاهات متعددة نحو علاج اللجلجة وأسبابها . ولقد تغيرت بعض أفكارنا , وظل البعض الآخر ثابت بمرور الوقت , وكما هو متوقع فإن الأفكار المتبقية هي التي أثبتت بشكل عام نجاحها وفاعليتها . أما بالنسبة للأساليب التي تغيرت ولا تزال تتغير فهي الأساليب غير الناجحة أو قليلة الفاعلية . وعموماً فإن طريقة العلاج سيعتمد على عمر الذي يعاني من اللجلجة ، حيث تختلف الأساليب المتبعة مع صغار الأطفال الذين ما زالت تنمو لديهم عن المراهقين والراشدين الذين يعانون من المشكلة منذ سنوات عديدة . ولقد أوضح كل من شيمس وإليزابيث Shames, G & Elisabeth, H. ( 1982) عدد من تلك الأساليب :
علاج صغار الأطفال ذوى اللجلجة :
إن الأساليب العلاجية المتبعة مع الأطفال في مرحلة المهد ، ومرحلة ما قبل المدرسة الذين تنتشر بينهم اللجلجة أساليب ثابتة نسبياً ، ولها معدلات مرتفعة من النجاح . وهناك طرق عديدة للتدخلات العلاجية للجلجة المبكرة ،ومنها :
العلاج المباشر :
يستلزم هذا النوع من العلاجات رؤية نشطة ومنتظمة لتقبل الطفل الذي يعاني من اللجلجة للعلاج ، ويعنى هذا في بعض الأحيان التعامل بشكل مباشر مع أعراض الكلام لدى الطفل ، ولكن في أحيان أخرى كثيرة يعنى مشاهدة الطفل أثناء العمل حوله , ودون التركيز بشكل مباشر على سلوك اللجلجة . إن الافتراض النظري هو أن لجلجة الطفل عرضية حيث أنها عرض لبعض المشكلات الأساسية ذات الطبيعة النفسية أو البينشخصية .
العلاج البيئي :
هو إجراء علاجي يركز على المتغيرات التي تجرى في بيئة الطفل والتي يعتقد أنها تساهم في استمرار اللجلجة . ومن خلال الملاحظة المباشرة ومقابلة الوالدين والأسرة يحاول الأخصائي تحديد تلك العوامل وتغيير بيئة الطفل حتى تنخفض العوامل التي تؤدى إلى استمرار اللجلجة أو تزول تماماً
الإرشاد النفسي للأسرة والوالدين :
كما أوضحنا فإن العديد من سمات بيئة الطفل يرتبط بجوهر الأسرة وأفرادها , ومن خلال تحديد وتغيير بعض الأنماط السلوكية للأسرة يستلزم علاقة إرشاد نفسي للمجموعة ككل . وحتى يتحقق الهدف النهائي فإنه من الضروري إلقاء الضوء على احتياجات الأسرة والطفل , ويتم تصميم الإرشاد النفسي للأسرة والوالدين لمساعدتهم على فهم كيف تؤثر سلوكياتهم ومشاعرهم على سلوك اللجلجة ، وكذلك فهم وتقبل تلك الانفعالات.
وفي بعض الحالات يشعر الأخصائي بأن كلام الطفل مقيد ويحيطه عدم الطلاقة الطبيعية عندما يكون هناك قلق واهتمام مستمر من الوالدين .
وفي مثل هذه الحالات يكون اهتمام الوالدين هدف حقيقي للتدخل العلاجي , هذا التدخل لا يعني تزويد الوالدين فقط بالمعلومات عن عدم الطلاقة الطبيعية وإنما على الأخصائي أن يعترف بمشاعر الوالدين ويتعامل معها , وفي هذه الحالة يكون الوالدين هم المفحوصين وليس الطفل . إن التركيز في البداية يكون على الطفل ولكن الموقف الإرشادي يعيد تعريف المشكلة في ضوء الوالدين وتاريخهم وتفاعلاتهم ومشاعرهم وسلوكهم من منظور أكبر من منظور الكلام والوالدين , وتبدو المسألة في التركيز على الوالدين كأفراد .
وهناك شروط مسبقة لهذا النوع من التدخل العلاجي هي : مهارات المقابلة والإرشاد ، ومعلومات عن اللجلجة ، وإرادة الطفل ، وديناميات الأسرة , وبدون تلك المهارات فإن أفضل طريقة يخدم بها الأخصائي الأسرة هي إحــالة تلك الأسرة إلى شخص ذو تدريب ومهارات مناسبة . إن الجمع بين الإرشاد النفسي للأسرة والوالدين مع المعالجة البيئية يمثل أعلى معدل من النجاح العلاجي لمشكلة اللجلجة , وقد يرجع سبب هذا النجاح إلى قصر تاريخ الطفل من مشكلة اللجلجة وبداية نموها وهي لا تزال في أطوارها الأولى .
العلاج بالتفاعل اللفظي بين الطفل والوالدين :
يرتبط هذا العلاج بأساليب علاج خفض الحساسية والافتراض الذي يبرزه هذا النوع من العلاج هو أن اللجلجة في مرحلة الطفولة تنمو في محيط اجتماعي من خلال التفاعل اللفظي السلبي مع الوالدين ، وإهمال الوالدين لدعم الطفل واستمرار لجلجته . وبعد ملاحظة الأخصائي للتفاعلات اللفظية بين الطفل والوالدين يجب أن يحدد بدقة أسباب لجلجة الطفل ، ويوجه الوالدين للأساليب العلاجية الصحيحة التي يمكن من خلالها خفض لجلجة الطفل , وأن يفعل عكس ما يلاحظه الوالدين بعد عدم الطلاقة . وعندما تنخفض اللجلجة لدى الطفل إلى 1% أو أقل يتم تقديم الوالدين للعلاج لتعلم مزيد من الأشكال المنتجة للتفاعل اللفظي الصحيح مع الطفل وتطبيقها في المنزل .
العلاج النفسي :
من الممكن إحالة الأطفال ذوى المشكلات النفسية والانفعالية التي تؤثر على اللجلجة إلى العلاج باللعب أو العلاج النفسي , تلك العلاجات تؤكد على أن اللجلجة عرض لمشكلة نفسية دينامية متأصلة وعميقة . وهذا النوع من العلاجات لا يهتم إلا قليلاً باللجلجة في حد ذاتها , وإنما يركز على المسايرة النفسية للطفل والحيل الدفاعية واضطرابات الشخصية والقلق , وبعض المشاعر السلبية الأخرى والعلاقات البينشخصية . ويرى أنصار هذا النوع من العلاج أنه من الممكن إزالة المشكلات النفسية وبالتالي التخلص من أعراض اللجلجة من خلال المنظور النظري والأساليب الكلينيكية لتلك العلاجات , ومما لاشك فيه أنه من الضروري أن يقوم بهذا العلاج متخصصين مدربين على هذا النوع من العلاجات , ولقد ساعدت تلك العلاجات ذات التوجه النفسي بعض الأطفال ، ولكنها لم تثبت فاعليتها لدى القدر الأكبر منهم في خفض أو إزالة سلوك اللجلجة كمساعد لباقي أشكال علاج الكلام (Bloodstein,O. 1975) .
العلاج السلوكي لتشكيل الطلاقة :
منذ عدة سنوات من تأثيرات النظرية التشخيصية للجلجة تم تجنب العمل مباشرة مع كلام الذين يعانون من اللجلجة, حيث يرى الخبراء أن العمل مباشراً مع اللجلجة المبكرة للطفل من الممكن أن يزيد من وعى الطفل بمشكلة اللجلجة لديه ويزيد بداخله الشعور بالقلق والشعور بالذنب والشعور بأنه شخص مختلف عن الآخرين , وهناك نزعة منطقية نحو هذه الفكرة وخصوصاً عندما يركز العلاج المباشر على اللجلجة وتقبلها وضبطها .
ولقد قدم وليمز Williams,D.(1957) علاج يركز على سهولة وطبيعة التكلم ويشجع الأطفال على أن يكون سلوكهم هادئ وسهل الأمر الذي يساعدهم على الكلام بطلاقة. كما قدم كل من ريان وفان كيرك Ryan,B & Van Kirk,B. (1974) علاج يهدف إلى زيادة طول وتعقيد ألفاظ الطفل بالتدريج. وقام أيضاً كل من شيمس وفلورانس Shames and Florance, (1986) باستخدام طريقة أخرى هي " نمط إبطاء الكلام " هي في الأساس استمرار التصويت بين الكلمات ويتشكل للعمليات الطبيعية لسلوك التحدث , تلك العلاجات جميعها تعمل على تنظيم طريقة لتعزيز التسهيل العام للبيئات الكلامية اليومية للطفل .
علاج خفض الحساسية :
هو شكل آخر للعمل المباشر مع الطفل ولكنه لا يركز مباشرة على كلام الطفل الذي يعاني من اللجلجة وقدمه إجلاند Egland,G. (1954) . وتتشابه الطريقة التي تكمن خلف هذا العلاج مع الطرق التي تطرحها المعالجة البيئية . إن لجلجة الطفل هي استجابة للضغوط البيئية . ومن ناحية أخرى تم التمييز بين الضغوط غير العادية والضغوط الشديدة ، والضغوط المتوقعة والمعقولة والتي توجد في المواقف الأسرية الطبيعية , واللجلجة التي يتم تشخيصها بأنها استجابة للضغوط الطبيعية من الممكن أن تنخفض من خلال زيادة تحمل الطفل لهذه الضغوط .
ويعمل علاج خفض الحساسية على زيادة قدرة الطفل على تحمل لتلك الضغوط بالتدريج , ويتم هذا من خلال الأنشطة الفردية التي عادة ما تكون على شكل لعب ، وتؤدى تلك الأنشطة إلى خفض اللجلجة إلى أقل مستوى وهذا ما يعرف بالمستوى القاعدي للطلاقة . وعادة ما نتمكن بشكل كامل من إزالة اللجلجة أثناء تلك الأنشطة . وقد تتطلب جلسات خفض الحساسية إزالة التحدث كلية والتفاعل بشكل غير لفظي , وعدم طرح تساؤلات مباشرة واستخدام اللعب المتوازي الصامت ، وتجنب الموضوعات المثيرة للمشقة النفسية أثناء العلاج واستمرار مستوى منخفض من الاستثارة واستمرار بطء التفاعل وغير ذلك. وبالتدريج يقوم الأخصائي بإعادة تقديم تلك العوامل ذات الضغط النفسي إلى جلسة العلاج ويقوم بمراقبة وتوجيه سلوك الطفل ذو الاستجابة الانفعالية ومحاولة منعه لفترة قصيرة من المشاركة في الكلام غير الطلق .
ومن الممكن أن يحدث هذا ثلاث أو أربع مرات في الجلسة , ويقوم الأخصائي بتقديم بعض الضغوط في الجلسة دون إبراز اللجلجة ويكون الهدف هو زيادة مدى تحمل الطفل للضغوط , وبهذه الطريقة تنخفض الحساسية لتلك الضغوط الطبيعية , وفي النهاية فمن الممكن أن يشارك أفراد الأسرة في الجلسة لمساعدة الطفل على تعميم الطلاقة في البيئة الأسرية حيث تظهر تلك الضغوط بشكل طبيعي ، ويتم بشكل تدريجي تنشئة الطفل في الضغوط الطبيعية للأسرة , ومن الممكن أن تتعلم الأسرة هذه العملية وأن تواظب عليها لخفض بعض الضغوط عندما يكون الهدف منها هو المساعدة في تغيير الطفل لا في تغيير مجري حياة الأسرة نفسها.