المقدمــة

أَغرَقت الحياة المدنية الحديثة بوسائلها المختلفة حياة الناس، وملأتها بالشبهات والشهوات والمعاصي والسيئات، حتى أصبح المرء يقع في الذنوب رغم أنفه بعدما تكاثرت المغريات بالشرور وقلَّت البواعث على الخيرات فأصبحت القلوب بحاجة إلى من يوقظها والنفوس بحاجة إلى من يبث العزم واليقظة في جوانبها ومن ثم فإن العودة إلى الله سبحانه وتعالى وتوثيق الصلة به هي المخرج من كل ما يحيط بالإنسان من مغريات وشهوات كما أن التوبة الدائمة إلى الله سبحانه وتعالى أصبحت ضرورة ملازمة للإنسان ليكفِّر بها عن الذنوب التي تلاحقه ويلاحقها، في هذه الحلقة نتناول أهمية التوبة وضرورتها وفضلها ووجوبها ومقوماتها وأركانها كما نتعرض لثمراتها ومكاسبها وأثرها على الإنسان في الدنيا والآخرة وذلك من خلال حوارنا مع فضيلة العلامة الدكتور يوسف القرضاوي.

المقدم
فضيلة الدكتور .. في البداية لو نظرنا إلى واقع الناس نجد كما أشرنا في المقدمة، المغريات والشهوات والشبهات أصبحت تحيط بالإنسان في كل ما يراه في الحياة، هل هذا الأمر سببه أيضاً المدنية الحديثة أم أنها طبيعة الحياة الدنيا منذ أن خلق الله الإنسان أن يجد المغريات تجذبه دائماً إلى المعاصي والبعد عن الله.

القرضاوي
لقد خُلق الإنسان وفيه استعداد للخير واستعداد للشر، وخُلق على طبيعة مزدوجة كما نرى في خلق آدم، قبضة من الطين ونفخة من الروح، فالطين يدفع به إلى الأسفل والروح تنـزع به إلى الأعلى وهناك صراع بين هذين النموذجين أو هاتين الركيزتين في النفس الإنسانية، فأحياناً الإنسان يغلب طينه وينـزل إلى الأسفل ويكون كالأنعام أو أضل سبيلاً، وأحياناً ترقى به الروح ونفخة الروح فيصبح كالملائكة ولذلك حينما تحدث الله عن النفس قال (ونفس وما سواها * فألهمها فجورها وتقواها * قد أفلح من زكاها * وقد خاب من دساها) فالنفس مُلهَمة بطبيعتها الفجور والتقوى، الاستعداد للفجور والاستعداد للتقوى، عندها استعداد لأن ترقى واستعداد لأن تهبط، لذلك كان على الإنسان أن يُغالب نفسه، الله سبحانه وتعالى أراد أن يكون هذا النوع من المخلوقات نوعاً مختاراً، لم يخلقه كالملائكة مفطوراً على الطاعة (لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون) ولم يخلقه كالبهائم أو السباع يفعل ما توصيه الغريزة إنما هو إنسان عنده عقل وعنده إرادة وعنده حرية الاختيار، فلذلك الإنسان لابد أن يجاهد نفسه ولو استجاب لغرائزه وللمغريات الأخرى ومن هذه المغريات أن الإنسان سُلِّط عليه الشيطان، قال أحد الصالحين:

بالنبـل عن قـوس له توتيـر

إني بليـت بأربـع يرميـنني

يا رب أنت على الخلاص قدير

إبليس والدنيا ونفسي والورى

المقدم
فضيلة الدكتور في ظل هذه المغريات، ما هي في تصورك أسباب انغماس الناس أيضاً في الشهوات؟

القرضاوي
أنا أقول أن الإنسان بطبيعته ميَّال لأن يخطئ والله خلقه هكذا ولذلك في الحديث "كل بني آدم خطَّاء وخير الخطَّائين التوابون" وأول إنسان وهو أبو البشر آدم أخطأ وأكل من الشجرة المنهي عنها وقال الله تعالى (وعصى آدم ربه فغوى * ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى) فإذا كان آدم قد أخطأ فلا عجب أن يخطئ بنوه فهي وراثة من قديم، الإنسان بطبيعته ممكن أن يخطئ ممكن أن يستجيب لغرائزه ونفسه الأمارة بالسوء ممكن أن يستجيب لشيطانه، ممكن أن يستجيب لشياطين الإنس الذين يغرونه، ممكن يستجيب لزينة الدنيا وزخرفها، ممكن هذا كله يحدث، في عصرنا طبعاً أضيفت أشياء جديدة وهي كثرة المغريات بالشر وكثرة العوائق عن الخير وكثرة الأدوات وقوتها، زمان الذي كان يهدم بماذا؟ يهدم بفأس أو معول الآن يهدم بلغم، ممكن عمارة من 80 دور بلغم أن يجعل عاليها أسفها في لحظات، فالهدم في طريق الإنسان إلى الخير وتعويق الإنسان عن الطاعة وإغراء الإنسان بالمعاصي في عصرنا أصبح هذا أمر وخصوصاً العولمة؛ عولمة الشر عولمة المعاصي، الدعوة إلى الإباحية إلى المادية إلى نسيان الآخرة إلى الاستغراق في متاع الدنيا، أصبح هذا هو الأمر السائد ولذلك كان على الإنسان أن يقاوم مقاومة شديدة، ويجاهد نفسه مجاهدة غلابة، حتى ينتصر على نفسه وعلى شيطانه، والله تعالى يقول (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين).

المقدم
معنى ذلك أن التوبة هي المخرج الرئيسي للإنسان لكي يستطيع أن يقاوم هذه المغريات الدائمة وهذه الذنوب التي ـ كما أشرنا في المقدمة ـ يرتكبها الإنسان رغم أنفه شاء أم أبى، أهمية التوبة هنا وضرورتها في ظل هذا الواقع؟

القرضاوي
معنى كلمة توبة في اللغة العربية، تاب يعني رجع، فالإنسان بالمعصية يشرد عن ربه، يشرد عن الطريق المستقيم، بالتوبة يرجع إلى الفطرة السوية، ويرجع إلى الحالة الطبيعية، ويصطلح على الله عز وجل فمن أجل هذا كانت التوبة ضرورية حتى يستقيم الإنسان مع نفسه ومع فطرته ومع أمر ربه ويعيش متكيِّفاً تكيُّفاً سليماً لأن العاصي في الواقع المعصية ليست فقط تضر الإنسان في آخرته تضره في دنياه قبل آخرته، الذين يعصون الله تبارك وتعالى يضيعون الصلوات ويتبعون الشهوات ويقترفون المنكرات وينتهكون الحرمات، هؤلاء ليسوا أسوياء، ليسوا مستريحين في حياتهم، إنهم يشعرون في داخل أنفسهم بعدم الاستقامة مع الحياة، يشعرون دائماً بالضيق، يشعرون دائماً بعدم الرضا عن النفس، فهم في حاجة إلى أن يصلحوا أنفسهم، التائب هذا استقام مع نفسه واستقام مع ربه، واستقام مع فطرته، وعمل لدنياه وآخرته لم يخسر شيئاً، التائب لم يخسر شيئاً بالعكس هو يكسب لنفسه هذه الاستراحة النفسية والسكينة.

المقدم
لكن يا فضية الدكتور الواقع يزيّن غير ذلك، الشيطان يزيّن للإنسان المعصية، الناس المنغمسون في الشهوات أيضا تزين لهم الشهوات وهم يزينونها للناس ويعتقد كثير من الناس أن هؤلاء يعيشون في نعيم وهؤلاء يعيشون في سعادة وبالتالي تجد بعض الناس لا تُقبِل على الذنب لأنها لا تستطيع أن تصل ولا تستطيع أن تحقق هذا، كيف يتوازن هذا مع ما ذكرته فضيلتك الآن من أنه فعلاً الغارقون في الذنوب هم في حقيقة الوضع تعساء ويشعرون بالتعاسة ليس بالسعادة؟

القرضاوي
هذا هو الواقع وهذا يظهر في مناسبات معينة، يظهر عندما يخفق الإنسان في أي شيء في الدنيا، يعني لا تجد عنده أي صلابة، لا يستند على ركن ركين ولا إلى حصن حصين، لو أخفق في تجارة وخسرت تجارته، لو أخفق في حب واحدة كان يحبها، لو فشل في امتحان سرعان ما يذهب لينتحر والعياذ بالله، لو كان غنياً فافتقر يجد الذين كانوا يصاحبونه ويسهرون معه في السهرات وفي المخدرات وفي المسكرات هؤلاء انفضوا عنه تماماً، وعاش وحيداً مستوحشاً، إذن حياة المعصية هذه حياة لا قيمة لها لأنها حياة إذا قسناها بالمقاييس الصحيحة تكون حياة ليس لها وزن، الحياة الحقيقية هي حياة الطمأنينة بالاستقامة والطاعة والإيمان، وهذه هي التي قال فيها بعض الصالحين: "نحن نعيش في سعادة لو علموا بها الملوك لجالدونا عليها بالسيوف" أي من فضل الله أن الملوك لا يعرفون قيمتها فتركونا نستمتع بها دون أن ينافسونا عليها، هذه هي السعادة الروحية هي التي قالتها أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب لعمر حينما تغاضبا يوماً فقال لها: لأُشقِيَنَّك، قالت له: لا تستطيع لأنه لو كانت سعادتي في مال لحرمتني منه، أو في زينة لقطعتها عني ولكني أرى سعادتي في إيماني وإيماني في قلبي وقلبي لا سلطان لأحد عليه غير ربي، فهذه هي السعادة التي يحسها التائبون إلى الله، والذين وضعوا أيديهم في يد الله إنها السكينة التي قال الله فيها (هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم) إنها الطمأنينة (الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب).

المقدم
لكن بعض الناس الذين غرقوا في المعاصي والسيئات وقضوا فيها سنوات طويلة يكادوا ييأسوا من رحمة الله ويقولوا أن كم الذنوب الذي وقعنا فيه والكبائر التي قمنا بارتكابها والمعاصي أكبر من أن نلجأ إلى الله سبحانه وتعالى ونطلب منه أن يغفر لنا هذا الأمر خاصة إذا كان هذا الأمر يتعلق ليس بخطأ الإنسان تجاه نفسه، وإنما تجاه العباد وتجاه الآخرين أيضاً، يقول كيف أستطيع أن أرد هذه الحقوق، فيظل منغمساً فيما هو فيه فما هو الموقف في هذا؟

القرضاوي
هذا خطأ من غير شك وهذا من موانع التوبة، التوبة لها بواعث ولها موانع، ومن موانع التوبة أن تستحكم الذنوب في حياة الإنسان وتُطبِق عليه، ويشعر باليأس ويقول أنني عشت طول حياتي مرتكباً للمنكرات مقترفاً للكبائر غارقاً في أوحال الذنوب ولو نزلت في المحيط الهادي لن يطهرني، بعض الناس يظن هذا وهذا خطأ من غير شك، ليس هناك ذنب يعظم على عفو الله عز وجل مهما كان، الله تعالى يقول (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم) الذنوب جميعاً بالتوبة حتى الشرك حتى الكفر، لأن الإنسان إذا كان مشركاً وكافراً وتاب يتوب الله عليه (قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف) والله تعالى قال للمؤمنين (فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم)، (فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين) فالتوبة تجُّب ما قبلها ومنها التوبة من الشرك والتوبة من النفاق والتوبة من الكبائر والتوبة من الصغائر، التوبة من كل ذنب حتى المنافقين ربنا سبحانه وتعالى قال (إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيراً * إلا الذين تابوا وأصلحوا واعتصموا بالله وأخلصوا دينهم لله فأولئك مع المؤمنين) ولكن بشرط أن يتوبوا فباب التوبة مفتوح للجميع، كل ما في الأمر أن تكون توبة صادقة توبة خالصة، توبة نصوحاً كما عبر القرآن الكريم لأن بعض الناس يظن التوبة مجرد كلام يُقال وبعض الناس يأتي للمشايخ ويقول له توِّبني يا سيدنا الشيخ.

المقدم
نعم ولهذا نحن نسأل ما هو شكل التوبة النصوح كما قال الله سبحانه وتعلى وما هي أركان التوبة التي يرجو الإنسان من خلالها أن يكون الله سبحانه وتعالى قد غفر له ذنوبه؟

القرضاوي
التوبة لها أركان أو مقومات ولها شروط، وأركان التوبة الأساسية ثلاثة: ركن الندم فمن مقومات التوبة يوجد مقوِّم نفسي وهذا كما قال الإمام الغزالي يتكون من علم وحال وعمل. علم وهو الجانب المعرفي في التوبة الإنسان يعرف خطأه وأنه سلك مع الله سلوكاً غير لائق ويعرف آثار هذه الذنوب وآثار المعاصي في دنياه وفي آخرته وعلى نفسه وعلى صحته وعلى أخلاقه وعلى أسرته وعلى أولاده يعرف هذا ويعرف مقام الله عز وجل ويعرف حاجته إلى التوبة هذا الجانب المعرفي، والجانب المعرفي يترتب عليه جانب وجداني ويسميه الإمام الغزالي الحال وهذا الذي نقول عنه الندم فبعد أن يعرف الإنسان هذا يترتب عليه أن يندم، إذا انتبه القلب إلى آثار المعاصي ندم الإنسان، هذا الندم هو شعور توتر يحس به الإنسان بلذعة تلذع كأنها نار تحرقه احتراق داخلي، ربنا حدثنا عن نفسية التائبين في سورة التوبة فقال (وعلى الثلاثة الذين خُلِّفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه ثم تاب عليهم ليتوبوا) هذه حالتهم ضاقت عليهم الأرض بما رحبت على سعة الدنيا تهيأ له كأنها أصبحت كرة صغيرة وضاقت عليه نفسه وظن ألا ملجأ من الله .. لابد من هذه الحالة النفسية هذا الشعور بالحسرة والحزن على ما فات وما فرط في جنب الله، هذا الشيء الأول، بعد ذلك يؤثر هذا في ناحية أخرى وهي ناحية العزم والتصميم بالنسبة للمستقبل، ندمت على ما فات لابد من العزم على إصلاح ما هو آت، لا يكفي أن أكون زعلان وحزنان ومتحسر على ما مضى، لابد أن يؤدي هذا إلى أنني لن أعود إلى المعصية أبداً، قالوا: كما لا يعود اللبن إلى الضرع إذا خرج منه، فهو لابد أن يكون ساعة التوبة مصمماً على ألا يعود إلى هذا الذنب أبداً، هذا من ناحية ومن ناحية أخرى هناك جانب عملي بعد ذلك، بعد الجانب الوجداني والإرادي، يوجد جانب عملي وهو أن يُقلع بالفعل عن المعصية وهذا الجانب العملي له فروع منها أن يستغفر الله تعالى بلسانه: (ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين) ومنها أن يغير البيئة ففي الحديث الصحيح "إن رجلا قتل 99 نفساً وذهب إلى عابد وقال له: أنا قتلت 99 نفساً فهل لي من توبة؟، فقال له: ليس لك من توبة أبداً فقتله وأكمل به 100 نفس، ثم ذهب إلى عالِم فقال له: قتلت مئة نفس فهل لي من توبة؟ قال له: ومن يحول بينك وبين التوبة ولكن اترك البلد التي أنت فيها واذهب إلى بلدة صالحة أخرى" معنى هذا أن الإنسان عليه أن يغير البيئة، الشِلَّة القديمة لابد أن يغير أصحاباً بأصحاب، وإخواناً بإخوان هناك أناس يدعونه إلى الخير إذا رآهم رؤيتهم تدله على الخير، كلامهم يحث على الطاعة، مصاحبتهم تغريه بتقوى الله، فلازم يغير البيئة، ومن ناحية أخرى قال صلى الله عليه وسلم "واتبع السيئة الحسنة تمحها" وكما قال الله تعالى (إن الحسنات يذهبن السيئات) فعليه أن يغير السيئة بحسنة، يبدل السيئة بالحسنة وخصوصاً حسنة من جنسها، فلو كان يعُقُّ والديه فعليه أن يبالغ في برِّهما، كان يقطع أرحامه عليه أن يصل الأرحام، كان يغتاب الناس عليه أن يذكر حسناتهم، كان يقرأ الكتب الغير مفيدة فعليه أن يقرأ كتاب الله ويقرأ الكتب الإسلامية، كان يشتغل مذيع للضلال، عليه أن يشتغل مذيع للصدق وللخير، كان يؤلف كتب تضلِّل الناس عن الله فعليه أن يؤلف كتب ترد الناس إلى الله وتدعو الناس إلى الله، فالسيئة يعمل حسنة من جنسها، فهذه هي أركان ومقومات التوبة، ليست مجرد أن يقول تبت إلى الله ورجعت إلى الله وندمت على معصية الله.

المقدم
التوبة سلوك فعلي وليست مجرد توبة لسانية أو كلمات يرددها الإنسان.

القرضاوي
نعم هي سلوك ناتج عن وجدان وعن توتر وعن هذا الندم وهذا العزم يتبعه سلوك، فإذا صدقت التوبة لابد أن يتبعها سلوك ولذلك القرآن يقول (وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحاً ثم اهتدى) ويقول (والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاماً * يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهاناً * إلا من تاب وآمن وعمل عملاً صالحاً فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفوراً رحيماً) فلابد من التوبة من تجديد الإيمان فالتوبة تجدد الإيمان لأن الذنوب تخدش الإيمان فلابد أن نرمِّم هذا الإيمان بالتوبة وهو إيمان يتبعه عمل للصالحات.

المقدم
فضيلة الدكتور حدثتنا عن أركان التوبة، ولتحقيق هذه الأركان لابد لها من شروط حتى تصل لله سبحانه وتعالى هذه التوبة وتدوم على الإنسان أيضاً ما هي أهم شروط التوبة؟

القرضاوي
أهم شروط التوبة أن يرد الإنسان المظالم، فليس معنى التوبة أن يقول الإنسان تبت إلى الله، وقد أكل حقوق الناس وأكل أموالهم بالباطل وجمع الملايين من هنا ومن هناك ويظن أنه بمجرد ما يتوب إلى الله أن كل هذا انتهى .. لا، حقوق العباد هذه لابد أن ترد إليهم (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها) وخصوصاً الحقوق المالية، الحقوق الأدبية كأن يكون اغتاب واحد أو شتمه أو تكلم في حقه أو مثل ذلك، بعض العلماء كان يقول أن عليه أن يذهب إليه ويقول والله أنا اغتبتك في المجلس الفلاني وقلت عنك كذا وكذا، وأرجو أن تسامحني، ولكن شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم والمحققين قالوا أن هذا لا فائدة منه بل يوغر صدره وهو ما كان يعلم هذا، فإذا كان يعلم يذهب له ويقول له سامحني فيما قلت عنك إنما إذا لم يكن يعلم فلا داعي لأن يثير همه وقلقه على شيء ما كان يعرفه، يستغفر فيما بينه وبين الله عن هذا الأمر ويدعو له ويذكره بالحسنات كما كان يذكره بالسيئات في المجالس التي كان يذكره فيها بالسوء، إنما المشكل هو الحقوق المالية، لأن الذنوب نوعان، ذنوب فيما بين الله وبين الإنسان، وذنوب فيما بين الإنسان وما بين الآخرين من عباد الله، وهذه هي الأخطر، الإنسان لو كان يشرب الخمر وتاب إلى الله فمضرَّتُه على نفسه وجنى على نفسه وخصوصاً إذا كان يشرب من ماله ولم يسئ إلى الآخرين ولم يأخذ مال من آخرين ولم يعتدِ على أحد، إنما المشكل فيما إذا كان إنساناً أخذ أموالاً من الناس بغير حق نهباً أو اختلاساً أو سرقة أو رشوة أو ظلماً أو من تجارة في الحرام أو كان يغش الناس يأتي ببضائع فاسدة ويبيعها للناس على أنها صالحة، أو أطعمة ملوثة بالإشعاع، فالناس التي تتاجر في مثل هذه الأشياء ويتاجر في المخدرات، وهناك أناس تكسب الملايين من وراء هذه الأشياء ثم يقول تبت إلى الله ويروح يحج، والله لو حجيت ألف مرة هذا لا ينفع، لابد أن ترد هذه الحقوق ولو تجردت ولم يبقَ معك فلس واحد، فإذا كان يعرف المظلومين مثلاً واحد ضم أرض لناس آخرين إلى أرضه وهي ليست حقه فيذهب ويقول لهم سأرجع لكم أرضكم، لو أخذ من ناس ألف ريال مثلاً وهو يعرف أنه قد أكل على هذا الشخص هذا المبلغ قديماً، ولكن قيمة هذه الألف قديماً يرى كم تساوي حالياً فقد تكون هذه الألف ريال قديماً تشتري بيت والآن لا تساوي شيء، يردها بمقدار اليوم حتى يكون عادلاً، إذا لم يكن يعرف الذين ظلمهم، مثلاً واحد تاجر وعاش طول عمره يظلم الناس في هذه التجارة، ظلم الآلاف المؤلفة، فماذا يفعل هذا وكذلك واحد ظلم الناس ومات هؤلاء الناس، إذا ماتوا يرجع الحق إلى ورثتهم، دوَّر على ورثتهم لم يجد لهم ورثة ففي هذه الحالة عليه أن يتصدق عن هؤلاء الذين ظلمهم فإذا أقروا يوم القيامة بهذه الصدقة لهم ثواب الصدقة، وإذا قالوا: نحن نريد أموالنا وليس صدقة فيعطيهم من حسناته، وربنا يقبل منه هذه الصدقة إن صحت توبته، المهم أنه لابد أن يرد الحق أو يستحلَّهم، الحديث الصحيح الذي رواه البخاري وغيره أنه "من كانت له مظلمة عند أحد فلابد له أن يتحلَّل منها" أي يروح ويقول له: أحلَّني من هذا يعني تنازل عن حقك لي اعف عني، اسقط حقك، فأنا لا أقدر أن أسدد لك هذا، فخذ ثواب فيَّ وسامحني فإذا سامحه فبها، لم يسامحه فالله سبحانه وتعالى أهل لأن يرضي عنه خصومه يوم القيامة، إذا تاب توبة نصوحاً، إذا لم يتب فإن هؤلاء الخصوم سيأخذون من حسناته، لأن يوم القيامة ليس هناك دنانير ولا دراهم ولا ريالات ولا جنيهات، يوجد حسنات وسيئات، اعطينا حقنا، ومن أين أُحضر لكم، والله اعطِنا من حسناتك، فيعطي هذا من حسناته وهذا من حسناته وهذا من حسناته حتى يفلس، النبي صلى الله عليه وسلم سماه المفلس، كل ماله من صلاة وصيام وحج وكل شيء انتهى، أخذه الخصوم ثم بقي بعض الناس يقولون: يا رب لازال لنا حقوق عند هذا الرجل ولم يعد لديه حسنات، فيقول الله تعالى: ضعوا من سيئاتكم على سيئاته خففوا عنكم أنتم من أوزاركم وضعوا عليه حتى يرمى به في النار والعياذ بالله، المهم أنه لا يضيع حق في هذا اليوم، فالإنسان بدل أن يحدث له هذا يحاول هو إما أن يرد الحقوق إذا استطاع أو يسترضي الخصوم، وإذا لم يرضوا عليه أن ينوي أنه كلما جاءه شيء يسدد، دين عليه يحسبها فيقول مثلاً: والله أنا راتبي 3000 في الشهر، فأصرف 1000 وأعطي 2000 للخصوم، أو 1500 لي و 1500 لهم أو 2000 لي و 100 لهؤلاء، طول ما هو عايش يسدد في هذا الدين ويكون أمر يهمّه وليس أمر على هامش حياته، بل يجب أن يحمل ثقل هذا الأمر فهذا لابد منه حتى تُقبل التوبة.

المقدم
من اختلط ماله بأناس كثيرين مثل التجار مثلاً على سبيل المثال فواحد ظل يتاجر 20 أو 30 سنة واختلط الحرام بماله كيف ينقي هذا المال وكيف يستطيع أن يعرف حقوق الناس وقد اختلط الأمر عليه؟

القرضاوي
بالاجتهاد والتقريب، فيقعد يحسب ويقول لنفسه: يا ترى كم النسبة في مالي من تجارتي التي اعتبرها حلالاً صرفاً وكم نسبة المال من التجارة المشوبة بالحرام، يحسب ويضغط على نفسه فالمفروض الإنسان وهو في حالة التوبة يكون عنده حساسية ومرهف الشعور، فهو إذا قدَّر أن ربع ماله هذا من حرام فيقول لنجعله الثلث حتى يكون في حالة ضمان أكثر فعليه أن يجتهد ويقرِّب ويقدِّر والله سبحانه وتعالى أهل التوبة وأهل المغفرة.

المقدم
هذا يا فضيلة الدكتور لمن عاش حياته أو جزءاً منها في الحرام أو ارتكاب الكبائر أو المعاصي ولكن هناك من يؤدي فرائض الله سبحانه وتعالى وتنتابه أيضاً بعض المعاصي التي تتناوش الإنسان على مدار اليوم من كلمة من نظرة من كذا، كيف يتوب هذا الإنسان؟ يعني هناك توبة فاصلة ما بين الحرام وما بين الحلال، ولكن كيف يتوب الإنسان وهو قائم على طاعة الله سبحانه وتعالى ولكن الذنوب أيضاً تأتيه على مدار اليوم.

القرضاوي
وهذا يدلنا على أن التوبة ليست في نهاية العمر كما يظن بعض الناس أن يأتي في آخر حياته ويتوب إلى الله، لا .. التوبة هذه أمر دائم وهو يحتاج إليه الناس جميعاً، القرآن الكريم يقول (وتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون) وذكرها في مسائل بعضها كبائر وبعضها صغائر فقد قال (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم) فغض الأبصار يدخل في عملية الصغائر، وحفظ الفروج يدخل في عملية الكبائر (وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها ..الخ) ثم في آخر الآية قالوا (وتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون) فالتوبة ليست من الكبائر فقط، التوبة من الصغائر، القرآن يقول (يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيراً منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكُنَّ خيراً منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون) فالتوبة تكون من الكبائر، والتوبة تكون من الصغائر، والتوبة تكون من الشبهات، بعض الناس لا يتوب فقط من الصغائر حتى الشبهات حتى المكروهات حتى خلاف الأولى حتى الغفلات، يقول لك: توبة العامة من الذنوب وتوبة الخاصة من الغفلات، حينما يشعر بأنه غفل عن ربه وأن الوقت الذي عقل فيه كان من الممكن أن يسبح الله فيه ويذكره ويعمل خيراً ولكنه قضاه في غفلة فيعتبر هذا أمراً يستحق التوبة، ومن أجل هذا جاء في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يا أيها الناس توبوا إلى الله فإني أتوب إليه في اليوم مائة مرة"، ورويت عنه من صيغ الاستغفار من الذنوب الشيء الكثير الكثير جداً، فهذا يدلنا على أن التوبة مطلوبة من كل إنسان وعلى الدوام، هذا هو الذي يستحق أن يتوب لأنه مغرور والغرور والعياذ بالله يضيع الحسنات، وهو ما يسمى "العُجْب" إذا أُعجِبَ الإنسان بعمله فهذا من المهلكات، الحديث يقول "ثلاث مهلكات شح مُطاع وهوى مُتَّبَع وإعجاب المرء بنفسه" ولذلك قال سيدنا علي "سيئة تسوءك خير عند الله من حسنة تعجبك" وأن يكون مبسوط بها، وقال ابن عطاء الله في حكمه الشهيرة يقول:

وما فتح لك باب القبول

ربما فتح لك باب الطاعة

فكانت سببا في الوصول

وربما قدر عليك المعصية

معصية أورثت ذُلاً وانكساراً خيراً من طاعة عجباً واستكباراً. فلو قال الإنسان ليس لدي ما أتوب منه، قل له: تُب من هذا الشعور بالعُجْب والغرور.

مشاهد من أبو ظبي
لو انتحر شخص هل يتوب الله عليه أم يظل خالداً مخلداً في النار؟

القرضاوي
كيف يتوب الله عليه، فقد انتحر، فالمشكل في الانتحار أنه لا توبة فيه لأنه أنهى حياته بكبيرة، فلو كان فعل هذا مستحِلاً كأن يقول مثلاً: مَن الذي قال أن الانتحار كبيرة؟ فهو كافر والعياذ بالله وخالداً مخلداً في النار إنما إذا فعل هذا وهو يعتقد أن قتل النفس حرام وأنه لا يجوز ولكن ضَعُفَ أمام مصائب حلَّت به أو نحو ذلك فوقع في هذه الجريمة يُرجى أن يتوب الله عليه فشأنه شأن الكبيرة، شأن قتل النفس، هل القاتل له توبة أو ليس له توبة؟ بعض العلماء قال ليس له توبة وبعضهم قال: كل الذنوب لها توبة، فإذا كان الكفر له توبة والنفاق له توبة فلماذا لا يتوب القاتل أيضاً، هناك توبة للقاتل، ولكن ورد عن ابن عباس أن رجلاً جاءه وسأله وقال له: يا ابن عم رسول الله، هل للقاتل من توبة؟ فصَعَّدّ فيه النظر وصَوَّبَه (أي نظر إليه بغضب) فقال له: ليس للقاتل توبة، فقال له أصحابه: كنا نسمعك تقول للقاتل توبة، فقال: إني نظرت إليه فوجدته مُغضَباً يريد أن يقتل مؤمناً، يعني لم يقتل ثم جاء يقول بل هو ينوي قتل أحد ويريد أن يأخذ الفتوى قبل أن يقتل، فيقتل ثم يتوب فأغلق عليه الباب، ولذلك الفتوى قبل الابتلاء بالعمل تختلف عن الفتوى بعد الابتلاء بالعمل، فكل ذنب له توبة، فإذا كان ارتكب الكبيرة وهي من أكبر الكبائر والعياذ بالله وقتل نفسه ونفسه هذه ليست ملكه يتصرف فيها كيف يشاء بل هي وديعة من الله عنده (ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيماً) فإذا ارتكب هذه الكبيرة غير مستحل لها يرجى أن يكون شأنها شأن الكبائر الأخرى كما قال الناظر في علم التوحيد:

فأمـره مفـوَّض لربــه

ومن يمت ولم يتُب من ذنبه

وإن يعذِّب فبمحض العدل

فإن يُثِبه فبمحض الفضـل

ممكن ربنا يعذِّبه ممكن يُشفِّع فيه، ممكن تكون له حسنات تقابل هذه السيئة، لله أن يتصرف فيه كما قال تعالى (إن الله لا يغفر أن يُشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء).

مشاهد من الإمارات
لدي سؤالين
السؤال الأول بالنسبة للذنوب التي يتعلق بها عقوبة أو تعزير هل من شروط التوبة أن يُسلِّم الإنسان نفسه لسلطة قضائية أو الحكومة.
السؤال الثاني: ما هي أفضل صيغة للاستغفار فلو قال الإنسان: استغفر الله وهي في اللغة العربية معناها "إني أطلب المغفرة" أليس من الأفضل أن يقول "اللهم اغفر لي" مثلاً.

القرضاوي
بالنسبة لسؤاله الأول وهو هل يُسَلِّم نفسه أم يتوب بينه وبين ربه؟ أنا أقول أنه يكفي أن يتوب بينه وبين ربه وخصوصاً أن هناك ذنوب يُكتفى فيها بالستر مثل الزنى، فالنبي صلى الله عليه وسلم حينما قال له رجل: يا رسول الله أنا الذي دفعت ماعزاً للأسلمي الذي زنى حتى جاء واعترف عندك، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم "لو سترته بثوبك لكان خيراً لك"، فالستر في هذه الأمور مطلوب المهم أن يتوب فيما بينه وبين ربه توبة نصوحاً مادام لا يوجد حق للعباد، كان بعض العلماء في بعض الأزمنة قالوا أن على الزاني ـ إذا زنى بامرأة ـ أن يذهب لزوجها ويقول له أنا هتكت عرض امرأتك أو ابنتك فسوف يقطع رقبته، ولذلك المحققون قالوا: لا .. ليس مطلوباً منه أن يفعل هذا، لأنه أولاً سيهتك ستر امرأة الناس لا يعرفون عنها شراً فهو سيهتك سترها ويشيع عنها ما لا يعرف، فالأولى أن يستر على نفسه وعليها.
بالنسبة للسؤال الثاني فصيغ الاستغفار كثيرة، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال "سيد الاستغفار أن يقول: اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت أبوء لك بنعمتك عليّ وأبوء بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت" النبي عليه الصلاة والسلام في البخاري قال أن هذا سيد الاستغفار أي أنه أفضل صيغ الاستغفار لأن فيه اعتراف بالذنوب واعتراف بالفقر إلى الله وطلب المغفرة، ولكن هناك صيغ كثيرة النبي عليه الصلاة والسلام علَّم سيدنا أبو بكر يقول "اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم" وفي القرآن كذلك الأنبياء استغفروا الله، سيدنا إبراهيم (ربنا اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين) ولكن أيضاً الأخ يقول أنه بدل أن نقول "استغفر الله" فاستغفر الله هذه أيضاً طلب للمغفرة لأن السين والتاء هي طلب فكأنه يقول "اغفر لي" ولذلك ورد أن استغفر الله من ضمن الصيغ "استغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه" فهذه من الصيغ المأثورة أيضاً.

المقدم
عندي سؤال من أحد المشاهدين في الجزائر يقول: ما حكم الشرع في بناء بيت استعان كبير الأسرة ببعض مواد البناء من المصلحة التي يعمل فيها، علماً بأن أسرته كانت فقيرة جداً وهو أحضر مواد البناء منها، والآن هناك خلافات شديدة بين أفراد الأسرة حول هذا البيت الذي بنوه من مال أو من مواد بناء حرام، فماذا يفعلون هل يهدمون البيت أم ماذا؟

القرضاوي
إذا استطاع أن يقَيِّم هذه الأشياء، ويردها إلى أصحابها ولو من غير ما يقول لهم ما سبب هذه العملية ولو من غير ما يقول لهم ما سبب ذلك، يبعث لهم في شيك أو ما شابه لأنهم حتى لو هدموا البيت فكيف يردون هذه الأشياء إلى أصحابها فيحاول يردها بالقيمة وإن شاء الله تُقبل عند الله عز وجل.

المقدم
هناك مشاهد من السعودية يقول: إنني أعمل منذ عدة سنوات في شركة أجنبية في السعودية، في مجال الدعاية والبيع وأحاول أن أكون مخلصاً في عملي قدر الإمكان، ولكن كنت في بعض الأحيان أضطر لكتابة بعض أسماء العملاء في التقرير اليومي الذي أرفعه إلى المسؤولين، هو لم يقم بزيارة هؤلاء العملاء ولكنه يكتب في التقرير أنه زار فلان وزار فلان وهذا له تأثير في العلاوات فيقول هو الآن أقلع عن هذا الأمر ولكن كيف يُكفِّر عن ذنوبه فيما فعله من قبل، هل التوبة تكفي، هل راتبه الذي أخذه عن هذه الأشياء حلال؟

القرضاوي
طبعاً هذه أشياء صعب الإنسان أن يحددها بالضبط وأن يتوب منها فلابد من توبة عامة، فالأولى بالمسلم في مثل هذه الأشياء التي لا يستطيع أن يحدد فيها القيمة التي يردها، وكيف نقول هل زاد بغير حق، إذا كان مثلاً أخذ علاوة بغير حق فمن الممكن في هذه الحالة أن يتصدق بقيمة هذه العلاوة أو ما شابه، وما عدا ذلك يتوب فيما بينه وبين ربه، يتوب إلى الله توبة نصوحاً ويصلح ما بينه وبين ربه والتوبة تهدم ما قبلها إن شاء الله (إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين).

مشاهد من ألمانيا
سؤالي: هل الحج شرط من شروط التوبة بحيث أنها تغسل الذنوب؟

القرضاوي
الحج ليس شرطاً من شروط التوبة ولكن أداء الفرائض من شروط التوبة، فالإنسان لكي يتوب إلى الله لابد أن يؤدي الفرائض والفرائض الأساسية : الصلاة والصيام والزكاة والحج، فإن كان وجب عليه الحج وإن كان فيه خلاف هل هو واجب على الفور أو واجب على التراخي وسنبحث هذا عندما نتحدث عن الحج، إنما الحج مهم لأنه من المكفِّرات، الإنسان إذا وقع في الذنوب ينبغي أن يكثر من المكفِّرات، الله سبحانه وتعالى أعطانا مغاسل نتطهر فيها، مغسلة بعد مغسلة أو حماماً بعد حمام، هناك حمام الطاعات، الوضوء مثلاً يكفِّر بعض الذنوب، الصلاة صلاة الفرائض، صلاة النوافل، قيام الليل، ذكر الله عز وجل، الصيام "من صام رمضان إيماناً واحتساباً غُفر ما تقدَّم من ذنبه"، "من قام رمضان إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدَّم من ذنبه" العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، الحج، والحديث "من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه" هذه كلها مكفِّرات، الإنسان إذا تكاثرت عليه الذنوب وأحاطت به السيئات فعليه أن يبحث عن هذه المكفِّرات يحاول أن يغسل نفسه يدخل حمام بعد حمام حتى يتطهر، فمن ضمنها الحج حتى يرجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه، ويولد ميلاداً جديداً.

مشاهد من الدوحة
إذا شرب شخص كوب من الماء في رمضان ثم اكتشف أن آذان الفجر يؤذن فما الوضع في هذه الحالة؟

القرضاوي
في الفجر يتسامح في دقيقة أو دقيقتين ولا يضر إن شاء الله.

مشاهد من دبي
لدي سؤالين
السؤال الأول: الله تعالى يقول
(ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكاً ونحشره يوم القيامة أعمى) وفي نفس الكتاب الكريم يقول الله عز وجل (أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون)
فكنت أريد أن أعرف كيف يفرق المسلم بالنسبة لما يحدث معه هل هو نوع من الابتلاء أم هو نتيجة لارتكابه للمعاصي والذنوب.
والسؤال الثاني بخصوص السرقة والرشاوي وما شابه فهناك بعض الأشخاص يقولوا لك نعمل المليون الأول بأي شكل وأي وسيلة ثم بعد ذلك يتوب إلى الله عز وجل ويشتغل في التجارة ويشتهر، هل الرد في هذه الحالة يكون عن إجمالي المبالغ التي اكتسبها من المليون الأول أم الشق الأول فقط.

القرضاوي
ما بني على الحرام فهو حرام، وإذا كان ماله حرام وأنتج مالاً فهو حرام، فإنتاج الحرام حرام ولابد أن يتخلص من هذا كله.
أما ما سأل عنه الأخ بالنسبة لما يصيب الإنسان هل هو ابتلاء أم من ذنوبه، ليست كل الأشياء سواء، فهناك بعض الناس يبتلى من أجل إيمانه مثل الصحابة حينما آمنوا برسول الله صلى الله عليه وسلم نزل عليهم العذاب وصب عليهم العذاب صبا، لم يكونوا قد ارتكبوا معاصي، فنزل القرآن يقول (أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون) وكما قال الله تعالى في سورة البروج (وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد) يعني الناس الذين خُدَّت لهم الأخاديد وشُقَّت لهم الشقوق في الأرض ومُلئت هذه الشقوق بالنار ووُضعوا في هذه النيران تأكلهم النيران، هؤلاء لم يكن لهم ذنب، القرآن يقول (وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد) ما عدا ذلك فالإنسان يصاب بسبب ذنوبه والله تعالى يقول (وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير) حتى أن الله لا يحاسبنا على كل الذنوب، لا .. بل يعفو عن كثير ولكن يعاقبنا ببعض الذنوب كما قال تعالى (ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون) إنما البعض الآخر يسكت عنه (ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك عليها من دابة) إنما يعفو عن كثير ويعاقب عن البعض حتى يتنبه الناس ويرجعوا إلى الله عز وجل.

مشاهد من الأردن
ما أخذ بالقوة أو بالعنوة من الشخص هل يجوز استرداده بالقوة أو بالحيلة أي هل يجوز للشخص أن يغتصب ماله ويسترده كما اغتصب منه.

القرضاوي
هذه مسألة يسميها الفقهاء مسألة "الظفر" إذا ظفر إنسان بعين حقه، فإن كان عين حقه عند هذا الشخص مثلاً أخذ منه شيئاً ووجده بعينه صرة أخذها فيها دنانير أو غيره فوجدها قالوا أن من حقه أن يأخذها، فإذا وجد عين ماله عند هذا الشخص فمن حقه أن يأخذه بالقوة بالعنف بالحيلة، بالسرقة مادام أنه عين ماله، مثلاً رجل اغتصب منه 1000دينار هل يجوز أن يأخذ 1000دينار مثلها هذه التي اختلف فيها الفقهاء.

المقدم
هناك مشاهد من المغرب يقول أن لديه تجارة كبيرة ويعمل عنده ثلاثون شخص في هذه التجارة، 60% م

  • Currently 57/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
18 تصويتات / 400 مشاهدة
نشرت فى 2 يوليو 2006 بواسطة essamRHM

ساحة النقاش

أ/عصام رشاد حسن محمد ((معلم اول حاسب ألى بمدرسة بنى حسين الثانوية ))

essamRHM
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

41,021