التسممات والأمراض الغذائية ... قلة الوعي والرقابة ورداءة مهارة العاملين تهدد صحة المستهلك !
انتشرت في السنوات الأخيرة حالات متعددة من التسمم الغذائي نتيجة تغير العادات الغذائية وطرق إنتاج الأغذية بسبب التغيرات الاجتماعية والاقتصادية في المجتمعات، فقد ازداد عدد الأفراد الذين يتناولون وجباتهم في المطاعم وأماكن تقديم الوجبات السريعة، كما اتجهت العائلات والأفراد إلى استخدام الوجبات سهلة التحضير (مثل الأغذية المطبوخة جزئيا، والأغذية المجمدة، والأغذية المبردة، والأغذية المعلبة)، وربما البحث عن الأغذية الأقل سعرا بغض النظر عن مدى جودتها الغذائية والصحية.وقد أدى ذلك إلى تحديات كبيرة في صناعة الأغذية ففي ظل التنافس بين المصنعين لرفع كفاءة الإنتاج وخفض التكلفة الاقتصادية، قد يلجأ البعض إلى تقليل حجم العمالة والاستعانة بعمالة أقل خبرة وكفاءة، فمثلا إذا زاد عدد الأبقار في مزرعة ألبان دون زيادة في العمالة، فإن هذا يؤدي إلى تقليل الوقت المتاح للرعاية والاهتمام بالنواحي الصحية لقطيع الأبقار، ويؤدي ذلك إلى زيادة فرص التلوث للمنتجات الغذائية لهذه الحيوانات من لبن ولحوم. لذلك نجد أن هناك عوامل مهمة أدت إلى زيادة حالات التسمم الغذائي، وعموما فإن الأغذية المعاملة بالبسترة والتعقيم تعتبر أغذية مأمونة، كما تكون الظروف البيئية للغذاء غير مناسبة لنمو البكتريا عند ارتفاع الحموضة أو الملح أو السكر أو انخفاض الرطوبة. ونظرا لعدم وجود دراسات أو معلومات وإحصائيات في الدول النامية، وأحيانا صعوبة الحصول أو نشر تلك المعلومات، لذلك سيتم التطرق إلى بعض التقارير والدراسات في الدول المتقدمة.
يجب تناول الحليب ومنتجاته بعد التأكد من معاملته حرارياً مزارع الدواجن
تتميز مزارع الدواجن بأنظمة مكثفة بدرجة عالية، حيث يكون هناك أعداد كبيرة من الدجاج في حيز محدود، مما يتسبب في سرعة انتشار الأمراض بينها، وقد أظهرت دراسات مسحية عن لحوم الدواجن المعروضة في بريطانيا للفترة من 1979-1990م أن التلوث بالسالمونيلا يتراوح بين 42-79% من الدجاج الذي تم فحصه، كما أوضحت دراسات أخرى أن حوالي 100% من أنواع معينة من الدجاج تحمل ميكروبات كامبيلوباكتر في أمعائها. مزارع الألبان
يعتبر تلوث الحليب بروث الحيوانات أمراً لا يمكن تجنبه تماما، حتى في ظروف الإنتاج تحت إجراءات صحية جيدة، وتمثل حالات التسمم والعدوى الناتجة من الحليب الخام أو غير المعامل مشكلة صحية رئيسية، وللأسف هناك من يدعو إلى تناول الحليب دون معاملة حرارية، معرضا حياة المستهلكين إلى خطر حقيقي وهام. وقد أشارت تقارير عن حدوث حالات تسمم غذائي عن طريق منتجات حليب الماعز والأبقار والجمال، وأهم هذه التقارير كانت عن السالمونيلا والليستيريا والحمى المالطية والقولون البرازية "أي كولاي" E.coli 0157 والتي قد تتسبب في الفشل الكلوي، والكامبيلوباكتر، والمكورات العنقودية، وقد أصاب التسمم ببكتريا S.typhimurium عام 1985 م في ولاية الينوي بأمريكا 200ألف فرد، كما أصيب 1500شخص في كندا بالتسمم بالسالمونيلا نتيجة تناول جبن ملوث، كما أشارت تقارير عديدة إلى حدوث حالات تسمم نتيجة تناول أجبان من حليب خام لم يعامل حراريا.
التغذية الجماعية
تعتبر التغذية الجماعية مثل تغذية الطلاب في المدارس والجامعات وتغذية المستشفيات وخطوط الطيران وتغذية العسكريين من أهم وأخطر أنواع تناول الوجبات، فالتساهل في أنظمة السلامة الغذائية قد تحدث كارثة صحية جماعية كبيرة، لذلك يجب الاهتمام بالمطابخ وأماكن إعداد الوجبات، بحيث تكون مطابقة للمواصفات والتشريعات الصحية الغذائية.
العاملون في مجال الأغذية
للأسف فإن معظم العمالة في مجال الأغذية في الدول النامية تنتمي إلى مستوى اقتصادي وعلمي منخفض، مع ضعف مستوى النظافة الشخصية، وعدم توفر المهارة والكفاءة في السلامة الغذائية عند تداول وتحضير وتخزين الأغذية، مما يزيد من فرص تلوث وانتشار الأمراض الناتجة عن الغذاء، وللأسف فإن معظم العمالة الوافدة لدى دول الخليج العربي هي من دول موبوءة ببعض الأمراض المعدية، وقد أشارت بعض التقارير إلى أن هؤلاء الوافدين كانوا من أسباب انتشار كثير من الأمراض البكتيرية التي تنتقل عن طريق الغذاء، كما تم عزل عدة طفيليات معوية من براز العاملين في مجال الأغذية وخدم المنازل من خلال الفحص الروتيني، وقد أدى الاعتماد على خدم المنازل من بعض الدول الموبوءة ببعض الأمراض المعوية والاعتماد عليهم في طهي وإعداد الوجبات الغذائية على انتشار الأمراض وحالات التسمم الغذائي على مستوى المنازل.
نقص الوعي الصحي
معظم حالات التسمم الغذائي التي تحدث على مستوى المنازل والمطاعم والمدارس والتجمعات الكبيرة من مستشفيات ومعسكرات وشركات هي بسبب عدم الإلمام بالقواعد الصحية السليمة في تداول وإعداد وتخزين الغذاء لدى العاملين في هذا المجال، ومن العوامل الرئيسية التي تساهم في التسممات الغذائية ونقل الأمراض عن طريق الغذاء هي عدم غسيل الخضار بالمعقمات، وعدم تسييح الأغذية المجمدة بطريقة صحيحة، وعدم طهي الغذاء جيدا، وعدم حفظ الأغذية بعد التجهيز والإعداد، وسوء النظافة الشخصية أثناء إعداد الوجبات، وسوء تداول الغذاء.
ضعف تشريعات سلامة الأغذية وعدم كفاءة تطبيقها
إن عدم وجود نظام جيد لمراقبة جودة وسلامة الغذاء يؤدي إلى صعوبة ضمان توفير مصادر أغذية مأمونة، وتعتبر المواصفات والتشريعات المحلية في معظم الدول النامية غير كافية في كثير من نواحي المواصفات الصحية والقياسية لإعداد وتصنيع وتداول وتخزين الغذاء وكذلك في متابعة مستجداتها، كما يلاحظ بها عدم كفاءة المتابعة الفعالة لمدى تطبيق أنظمة السلامة الغذائية، وللأسف تعاني هذه الدول من عدم وضوح وصدق أصحاب القرار والمشرعين في تعاملها مع المجتمع، حيث يزيد التعتيم من أخطار المشكلة بدلا من معالجتها بصدق وشفافية، مع أهمية مواجهة المشكلة بزيادة الوعي الصحي لدى المجتمع.
ضعف تدريب العاملين في مجال مراقبة الأغذية
لا يجد عادة العاملون في مجال مراقبة وفحص الأغذية الاهتمام الكافي لتدريبهم وتطوير قدراتهم بالدرجة الكافية في كثير من الدول النامية، ونادرا مايكونوا على إلمام كامل بما هو حديث في هذا المجال. لذلك يجب الاهتمام بتزويدهم بالمهارات والخبرات التي تساعدهم في أداء عملهم بكفاءة أفضل.
ساحة النقاش