"طشت" و"جلابية قديمة" و"شبشب مقطع" وشخص من أولاد الكار.. هذه هي لوزام تأشيرة الدخول الى عالم المذبح أو درب المسمط ، كما يسمونه. حكايات عجيبة وشفرات لغة مختلفة وعلاقات خاصة جدا تربط مجتمع المدبح بأحشاء المواشى وملوك للبيع غير الشرعي ولا مانع من وجود مجال للغش طالما ان هناك مكسب سيدخل الجيب. ووسط كل هذا يقف الفقراء الذين يعرفون طريقهم الى "سوق الحتت" املا فى بقايا قطعة لحم او قراعة عجل او ضبة .. و" يا سلام لو انتهى الامر بالحصول على قرون وودان عجل سمين"!! حكايات كثيرة سمعنا عنها ، قبل أن نقرر أن نكون جزءا منها بمغامرة دخلنا بها عالم المدبح للبحث عن ثلاثة اشياء مهمة ، التعرف على " ملوك الدبح البرانى" ، عمل مع اصحاب الطبالى والطشوت والمرة الثالثة بحثا عن وجبة قطعة عظم هى بمثابة وجبة شهية للفقير المعدم الذى يعرف من اين يكون الدخول الى عالم المدبح. مغامرة كانت تتطلب البحث اياما طويلة عن واحد من اصحاب الكار ندخل تحت حمايته باعتبارنا "ولايا" جار عليهم الزمن واخترنا سوق الحتت فى السيدة زينب والسوق المجاور لمجزر المنيب بالجيزة لنقضى بداخلهم اياما نعرف فيها بعض من اسرار هذه الاماكن عن قرب ولنعرف ماذا يأكل الفقراء الذين يقودهم الزمن للتعامل مع هذه الاسواق. كثير من المعلومات والمصطلحات عرفناها وتوصلنا من خلالها الى نتيجة واحدة وهى ان الفقير وحده هو الذى يدفع الثمن فى هذا البلد . من مجزر البساتين تخرج الذبائح بعد الكشف عليها "زى الفل" وتنتقل الاحشاء الى "سوق الحتت" والذى ما زال يقع مكان المدبح القديم خلف مستشفى 57357 ، والمدبح لمن لا يعرف هو اول مكان تم تخصيصه لذبح المواشى بكافة أنواعها صممه على باشا مبارك فى عصر الخديوى اسماعيل. وارض المدبح فى الاساس كانت مدينة العسكر وهى ثانى مدينة تم انشاؤها فى مصر بعد الاسلام ولكن بعد بنائها اكتشفوا موقعها السيىء لانها كانت تقع بين منطقة فم الخليج المملؤة بالمياه ومن فوقها جبل المقطم . ولذلك هجرها الجنود وتم بناء القطائع التى بها قلعة الكبش حاليا. والعاملون بالمسمط متخصصى "الكرشة" و"الممبار" جاء اغلبهم من السمطا بسوهاج الذين يقال انهم كانوا ممن اشتهروا بالتحنيط ايام الفراعنة ويقال انهم رفضوا العمل بالسخرة فى حفر قناة السويس وجاءت فرقة منهم لتحرير اقاربهم ليصبحوا من المطاريد ويستقرون فى المدبح حيث كان المجزر القديم للقاهرة يجاور سور قلاوون "عين الصيرة" حاليا لينشأ بجواره سوق الحتت الذى برع فيه البيشكار هو الشخص المسؤل عن الذبح واخراج الاحشاء الداخلية والريس الذى يقوم بسلخ الجلد وشق العجل نصفين. دخول السوق ذهبنا الى عم سكر فى الموعد المحدد امام مستشفى 57357 بالسيدة زينب و سألناه الم يتم هدم المذبح فقال نعم، قلنا اذن عملية الشراء والبيع للمواشى انتهت فى هذا المكان فرد قائلا لا فهناك الكثير من عمليات البيع والشراء مازالت تتم فى هذا المكان عم سكر رفض ان ندخل معه سوق الحتت لاننا كما قال لنا كنا نرتدى لبس هوانم لا يصلح مع عالم المذبح ليتولى بنفسه احضار ملابس رثة "عافت النفس"عن ارتدائها ودارت بيننا وبينه مناقشات حادة لكنه اصر على ان دخول السوق باى شىء غير هذه الملابس سيصبح مغامرة غير محمودة العواقب . مفاوضات طويلة مع عم سكر حتى اقنعناه بان نحضر نحن الملابس التي تصلح الى حد ما للمهمة وبالفعل وافق عليها وان بدا غير مقتنعا لندخل الى سوق البرانى المتخصص فى بيع العجول والمواشى التى لا تخضع لاى رقابة وكان الشرط الاساسى لعم سكر هو الا نبدأ فى الكلام مع اى شخص الا اذا طلب منا عم سكر ذلك لننطلق الى سوق بين الوكايل وهى منطقة يقف فى اولها اشخاص يبيعون الخراف والماعز ينظرون اليك بمجرد دخولك الى المكان دون ان يتحدثوا او يسألونك عما تفعل فقط يتابعونك بأعينهم اينما ذهبت ليطلب منا عم سكر عدم الالتفات اليهم. وعلى الفور دخلنا حارة ضيقة بها دكان تم طلاؤه باللون الابيض لتجد نفسك فى شبه حارة مغلقة اذا دخلتها وانت لست من اهل المكان وافتعلت مشكلة فلا تبحث لنفسك عن مخرج فحارة الضبايعة والمناديلى والقبانى مغلقة على من يسكنونها ومن يتعاملون فى المواشى ذات المواصفات الخاصة ولا مكان لغريب داخلها. المهم اننا بمجرد دخولنا سوق بين الوكايل ومعنا عم سكر اقترب منا احد صبية المعلمين الكبار يسألنا خير طلبات السيادة ولان عم سكر عرفه احدهم وسلم عليه بدأ فى استعراض البضاعة التى لدية وهو مواشى عزب
هذه الاسماء بعد ذبحهم للاناث او للعجول المريضة يتم تصنيفها بحسب المكان الذى ستذهب اليه فاللحم النظيف يذهب الى دكاكين الجزارة بالأماكن الراقية ويطلق عليها "بنزهير" أما البريمو فهو العجل الدرجة الأولى ثم يليه الدرجة الثانية والثالثة والرابعة أما العجول المريضة التى لا تصلح فى الاساس للاستخدام فهذه درجتها صفر ومن نصيب بائعات الطبالى والطشوت. المهم اننا سألنا عن السعر وتفاوضنا للشراء ليتدخل عم سكر ويخبر صبى المعلم اننا سنحضر فى اليوم التالى ومعنا ثمن عجل برانى عزب انثى محترمة لذبحها وأخذ لحمها فى الرابعة صباحا. تركنا صفوان وهو الاسم الحركى لصبى واحد من اكبر معلمى الذبح البرانى فى سوق بين الوكايل لنذهب الى "نظاجة" وهى واحدة من أشهر فتوات المذبح وأكبر معلمة فى بيع الكرشة والممبار والتى لابد من الحصول على موافقتها لدخول سوق الحتت ولذلك عندما اخبرها عم سكر بأننا نريد العمل والوقوف بطشت ممبار وكرشة بجوارها تفحصتنا من فوق لتحت لتسأله : ودول من اى داهية يا سكر، ليرد عليها : دول نسوان غلابة على باب الله من بولاق . لتقول لنا وهى ترفع حاجب وتنزل بالاخر : من سته الصبح تكونوا قدامى والهدوم بتاعتكم دى تغيروها . وطبعا لم نحضر فى اليوم التالى والا كان امرنا انكشف. أكل الفقراء وهنا قررنا الذهاب الى سوق اخر غير الذى دخلناه أول مرة وهو سوق المنيب المجاور للمجزر وهذه المرة تجرأنا وأخذنا معنا زميلنا المصور أحمد عبد الرحيم الذى استعجب عندما احضار جلباب صعيدى قديم وكوفيه وكاميرا صغيرة لينطلق معنا الى مكان بيع الكرشة والممبار وأحشاء المواشى لنرتدى ملابس الشغل التى اعترض عليها عم سكر مرة أخرى وقام بنفسة باضافة الطين والتراب عليها حتى نظهر فى نفس صورة السيدات اللاتى يقصدن هذا السوق. ومن بعيد وقف عم سكر يتابعنا ونحن ندخل على عطيات التى طلبنا منها السماح بمشاركتها فى بيع الفشة أو الرئتين وكان حظنا فى فشة بتلو واخبرنا عطيات اننا سنأخذها منها بسعر الواحدة 15 جنيه لكنها اصرت على ان السعر العادل بالنسبة لها هو 25 جنيه وعندما اعترضنا ووجدت فينا عدم رغبة حقيقية فى الشراء وجهت الينا لفظا معيبا نزل على اسماعنا كالصاعقة ليضحك عم سكر من بعيد ويقول لو لم تقل هذا اللفظ لشكيت انها من بنات كار المذبح. لننتقل بعد ذلك الى عفاف ام الشلاتيت هكذا ينادونها فى السوق . عرفها عم سكر الذى ارادت الصدفة ان يراه سوكة وهو سمسار مسؤل عن جمع " السقط" من المجزر وبيعه لنساء الطبالى والطشوت ومنهم عفاف التى اوصاها سوكة علينا اكراما لعم سكر لنبدأ معها عملية فصال جديدة لشراء فص كبدة "معفن" انتهت صلاحيته وانبعثت منه رائحة لا يطيقها بشر تحملناها بالعافية لنسألها : الفص دة بكام يا خالتى ؟. قالت الكيلو ب 15 جنيه وانت هاتبيعوها بعشرين وفورا قامت بوضع فص الكبدة ذو اللون البنى الفاسد والرائحة النتنة على الميزان لنجد اننا تورطنا فى اربعة كيلة كبدة فاسدة ستصيب من يجرؤ على تناولها بالفشل الكبدى وطبعا يجب ان نحمل الكبدة ونقف بجوار عفاف لبيعها للزبائن او ان نقوم بلفها ساندوتشات كما اخبرها سوكة السمسار وهنا كان لابد ان تتظاهر زميلتى حنان السمنى بأنها فقدت كيس الفلوس واننا سنعود للبحث عنه وبسرعة اخذنا طريقنا بعيدا عن عفاف التى لو اعطيناها فرصة للتفكير لكان نصيبنا علقة ساخنة بالشباشب التى خرجت توا من المجزر. أكل الغلابة عم سليمان نظر الينا ثم بدأ فى تقطيع العظم واخراج أجزاء لاول مرة كنا نراها فى حياتنا - بلا مبالغة - قطع من الدهن تشبه النخاع موجودة فى رأس العجل ليمسك عم سليمان بضبة احد العجول ويبدأ فى تكسير أسنانه وبين الحين والاخر يرمقنا بنظرة ونحن ندعو له بالستر والصحة، ليرد علينا: والله محتاجين الدعوة فى الايام السوداء التى نعيشها دقائق ويملأ لنا عم سليمان كيس اسود محترم بالعظم الذى كان يقف عليه بحذائه البلاستيك الطويل ويملأ ارضية الدكان لنمد ايدينا اليه بخمسة جنيه من فئة الربع جنيه والخمسون قرشا. تردد عم سليمان فى اخذها منا ليأخذ الفلوس امام اصرارنا وهو يردد صحيح ارحموا عزيز قوم ذل لينادى علينا عم سليمان بعد ان تركناه بدقيقة واحدة وفى يدة شىء أسود عرفنا ان اسمة القراعة وهو جبهة العجل والتى قرر عم سليمان اعطائها لنا كنوع من العطف والشفقة على سيدتين تجريان على اطفال ايتام وزوج مريض بالمستشفى خاصة وان القراعة كما عرفنا من المتخصصين فى المهنة تعتبر كنز بالنسبة للغلابة لانها تحتوى على اشهى انواع اللحوم وهى من الاشياء المفيدة لمرضى النقرس كما انها مطلب اساسى لاصحاب مصانع الحلويات حيث يستخدمونها فى صناعة افخر أنواع الملبن. اما العظم الذى اخذناه من عم سليمان فيأخذ طريقه الى مصانع معينة فى منطقة المدابغ او الشرابية ليتم تجهيزه ليصبح عظما محروقا وهو خلطة مخصوصة لتقطير المولاس الذى يتم تصنيع قصب السكر منه فى مصنع الحوامدية. شغل بالعافية ليستوقفنا عم محمود الذى يتخذ من دكان فى احد البيوت مسكنا ومكانا للعمل حيث يعيش ومعه سبعة من الاولاد والبنات داخل هذا المكان الضيق الذى لا تطيق البقاء فيه لحظة واحدة . عم محمود سألنا اذا كنا نوافق على العمل معه فى تنظيف الحوافر والذهاب بها الى مصنع الغراء وطبعا كانت لدينا الحجة التى اخرجنا بها عم سكر وهى اننا كنا فقط عاوزين نشترى حتتين عظم وقرون وتنظيف القراعة لتكون عشوة للعيال. عظم الغذاء وهنا نظر الينا المعلم الذى كان للتو قد وافق على ان نعمل لديه وقال شوفوها عاوزة اية واسمطوا الحاجة الى معاها . ارتباك اصابنا لبعض الوقت وحيرة اصابت عم سكر الذى اخرج سيجارة وبدأ فى تدخينها وهو يتحدث مع المعلم عن ظروف السوق بعد العيد ونحن لا نعرف ماذا سنفعل عندما وجدنا انفسنا وجها الى وجه اما رأس خروفين وثمانية ارجل معزاوى لنجد المعلم يوجه حديثة الى السيدة، ويقول : لا يا ست دول عاوزين مية باردة والمية عندى خلاص غليت .. حمدنا الله على الستر وكانت الساعة قد قاربت على الرابعة ليطلب المعلم من عم سكر احضارنا غدا صباحا لان "الشغل كتير". بضاعة فاسدة وكنا نسأل انفسنا هل فعلا من الممكن ان تباع هنا لحوم الحمير والكلاب الميته والاجابة انه ربما يتم ذلك لكنه يتم بعيدا فى احواش المقابر وتكون عن طريق اشقياء يبيعونها فى شكل ساندوتشات على قارعة الطريق او فى الموالد الشعبية فقد يعثر احدهم على حمار ميت فيقوم بتشفيته وتحويله الى وجبة متكاملة يتناولها الغلابة وهم لا يدركون ولكن ليست هذه هى الصورة الوحيدة. فالاخطر هو غياب الرقابة عن هذه الاسواق وخلط الجيد بالردىء طمعا فى المكسب السريع فقد تجد بعض الجزارين الذين يقومون بالذبح البرانى لا يتورعون عن اخذ انثى حامل ويذبحونها ويأخذوا الجنين فيما يعرف "الزلط" ويحولون لحم الجنين الذى لم يكتمل الى لحم مفروم يباع بسعر زهيد او تجده وقد خلط قطع الكرشة والممبار التى تعفنت مع اخرى ثم يملأها فيما يعرف "بالزق" لتزن اكثر من حجمها ويدفع فيها الزبون اكثر مما تستحق. مولد اسمه المذبح وسوق الكرشة الذى ربما ما زال يحتاج الى جولات ومغامرات كثيرة لنكشف عالمه الذى مازال به الكثير من الاسراv |
ساحة النقاش