authentication required

الحمد لله الذي أنزل القرآن ختاماً لكتبه ورسالاته إلى البشر أجمعين، وأودع فيه من الأسرار مالا ينقضي وما لا ينتهي إلى يوم القيامة، الحمد لله الذي جعل القرآن معجزة خالدة لخاتم الأنبياء والرسل، معجزة عقلية ذهنية علمية، معجزة اكتملت فيها كافة جوانب الإعجاز: في اللغة، في البيان، في الإخبار بما فات، وما يجري وما هو آت، معجزة أحتوت من الأمور العلمية والمسائل الكونية والقواعد السياسية والأسس والكليات الاقتصادية والتفصيلات الاجتماعية والحقوق الإنسانية والنظم البشرية .. ما لا يستطيع أي مخلوق أن يأتي بمثله على مر الزمان، وسيظل القرآن الكريم معجزة الإسلام الخالدة، وبرهانه الباقي، منذ نزل بين أناس فصحاء وعلى قوم بلغاء، ولطالما يتلى بين باحثين وعلماء. ونحن في زمن الكشوف العلمية، والاختراعات التكنولوجية، في زمن ثورة المعلومات والهندسة الوراثية، وارتياد الفضاء والاتصال بالكواكب الأخرى وزيارتها، في زمن " القرية الواحدة " يعرف فيه القاصي والداني، ويتصل فيه أهل القطب بأهل اللب، بل نحن في زمن " الحجرة الواحدة " بفضل ثورة الاتصالات العارمة، نحن في هذا الزمن الحاضر علينا أن نوظف هذه العلوم والمعارف في تفسير آيات كتابنا المجيد، وإن لم نفعل فقد قصرنا تقصيراً يحاسبنا الله عليه، وإن لم نفعل فكيف بمن سيأتون بعدنا من أجيال يحترموننا أو يجلوننا، كيف يحترمون أو يجلون جيلاً لم يعط في خدمة القرآن ـ والدعوة الإسلامية عموماًـ عطاء غيره ممن سبقه من أجيال.

وبالرغم من أن نتائج دراسات وبحوث الإشارات العلمية للآيات القرآنية أضحت ضرورة في الدعوة الإسلامية، وخصوصاً في المجتمعات غير المسلمة، المجتمعات المتقدمة علمياً وتكنولوجيا، فإن البعض لا يزال يعارض هذا المنحى في الدراسات والبحوث، سواء عن جهل به أو عن خوف من تحديث أساليب الدعوة، وقد درجوا على أساليب معروفة قديمة كانت صالحة لعصور سابقة.[1]. وعلى أية حال، فالمعارضون لهذا الاتجاه البحثي ـ قداماهم ومحدثوهم ـ ليس لهم نصيب من المعارف الطبيعية أو العلوم المدنية، وإنما سوادهم ـ إن لم يكن جميعهم ـ أصحاب معارف وعلوم نظرية وحسب، ويستطيع الباحث أن يركز كلامهم في نقاط محددة، وهي نقاط ـ أو حجج ـ يمكن دحضها بعد الوقوف عليها جيداً، وهذا ما قمنا به في هذا المقال، بتوفيق من الله تعالى، ولا نبتغي في هذا سوى مرضاته بخدمته لكتابه العظيم، والسعي لنشر دينه الحنيف في أرجاء الأرض قاطبة. ولا ندعي أننا أتينا على الموضوع بجميع تفاصيله، وإنما نقدم ما أفاء الله به علينا وما أسعفتنا به المراجع وما سمع به الوقت، (وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً)[2]. المنكرون لاتجاه استعمال نتائج الكشوف العلمية والبحوث التجريبية في تفسير أو تفهم الآيات الكونية بالقرآن ليسوا بالكثرة التي ينتشر بها علماء الفريق الثاني، ونحن هنا نورد آراء أهم رواد المنكرين كما يلي :

 أبو إسحاق الشاطبي: يمثل هذا التيار علماء قدامى وعلماء محدثون، ولعل الشاطبي صاحب (الموافقات) يعتبر من أقدم النكرين لهذا الاتجاه في تفسير آيات القرآن، وقد بسط القول في إنكاره، والرد على القائلين به. ويقول أبو إسحاق الشاطبي (المتوفى سنة 790هـ ) في كتابه (الموافقات في أصول الشريعة): إن كثيراً من الناس تجاوزوا في الدعوى على القرآن الحد، فأضفوا إليه كل علم يذكر للمتقدمين أو المتأخرين: من علوم التطبيقات والتعاليم (أي الرياضيات والهندسة وغيرها)، والمنطق وعلم الحروف، وجميع ما نظر فيه الناظرون من أهل الفنون، وأشباهها، وهذا إذا عرضناه على ما تقدم( أي : تم ذكره في كتاب الموافقات) لم يصح. ثم يضيف الشاطبي إلى هذا ما ينفي به حق القائلين بالتفسير العلمي، فيقول: وإضافة إلى هذا، فإن السلف الصالح من الصحابة والتابعين ومن يليهم كانوا أعرف الناس بالقرآن، وبعلومه، وما أودع فيه. ولم يبلغنا أنه تكلم أحدهم في شيء من هذا المدعى.. سوى ما ثبت فيه من أحكام التكاليف وأحكام الآخرة، وما يلي ذلك. ولو كان لهم في ذلك خوض ونظر لبلغنا منه ما يدلنا على أصل المسألة، إلا أن ذلك لم يكن، فدل على أنه غير موجود عندهم، وذلك دليل أن القرآن لم يقصد فيه تقرير لشيء مما زعموا. ثم عرض الشاطبي لأدلة الداعين إلى " التفسير العلمي " وأخذ يدحضها مركزاً على مستندهم ويتمثل في الآيتين : (ونزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء) [سورة النحل], وقوله تعالى:( ما فرطنا في الكتاب من شيء) [سورة الأنعام]. وقال بأن المقصود بالتبيان هنا هو إظهار أحكام التكاليف، والتعبيد، وأحكام الآخرة، وما يتعلق بأصول الهداية، وليس بصدد العلوم الكونية. وفي الآية قال بأن الكتاب المقصود هنا هو " اللوح المحفوظ " ولم يقل كما يقولون بأنه القرآن الكريم. ومما يذكر أن الشاطبي هذا من علماء القرن الهجري الثامن، الذي ظهر فيه الزملكاني صاحب كتاب (التبيان في إعجاز القرآن)، وابن تيمية صاحب كتاب في الإعجاز هو (جواب أهل العلم والإيمان)، والخطيب القزويني صاحب كتاب ( التلخيص لمفتاح السكاكي)، ويحيى بن حمزة العلوي، والأصبهاني، وابن قيم الجوزية وابن كثير، والزركشي. وهو إلى جانب ما أورده في كتابه(الموافقات) جعل الاستعانة على فهم القرآن الكريم، مقصور على العرب خاصة، وليس إلى غيرهم. وكان مما قاله ونقله عنه الدكتور أحمد العمري[3]: " إن هذه الشريعة أمية لأمة أمية ". ويعقب العمري على هذه المقولة بقوله: جعل الشاطبي هذا القول قاعدة، دخل منها إلى أن الشريعة جارية على مذاهب العرب، وبنى على ذلك أن كثيراً من الناس قد تجاوزوا في الدعوى على القرآن، فأضافوا إليه كل علم من العلوم، على النحو الذي ذكرناه في نص قول الشاطبي في الفقرات السابقة. ثم إن صاحب (القرآن يتحدى)[4]يرد على الشاطبي مقولته " إن هذه الشريعة أمية لأمة أمية " من وجوه : 1. إن إطلاق " الأمية " على الشريعة مجازفة لا تستند إلى أي دليل، خاصة وأن الكلام إنما يدور حول العلوم المندرجة في القرآن الكريم، ومن البداهة أن علوم القرآن لا تدخل تحت حصر، لأنه كلام الله تعالى، والحصر من صفاتنا لا من صفات القرآن. 2. إن أحداً لم يدع استنباط جزئيات العلوم الكونية من القرآن، مثل الرياضيات والفلك، وإلا لكن القرآن في مادته لا يخرج عن مادة أي كتاب من تأليف البشر. بل إن المناقشة تدور حول موضوع آخر غير هذا، وهو أن التبحر في العلوم الكونية يكشف لنا عن وجوه الإعجاز ما لم نكن نعلمه في عصرنا. 3. إن كان بعض الذين طبقوا هذا المنهج قد جانبهم الصواب، فإن هذا يحدث لكل من يعالج قضية من القضايا، أو مسألة من المسائل العلمية التي تقبل النقاش، فالعيب ليس في المنهج، وإنما العيب فيمن تصدوا لتطبيقه، ولا أهمية عندهم لذلك. 4. الاعتراض على من قال: إنه يستنبط العلوم من القرآن الكريم ليس بحجة، ولا تحجير على فضل الله تعالى، ولا يوجد اثنان من العلماء يتساويان في فهم كتاب الله عز وجل. ومن قبل هذا فلقد انبرى محمد الطاهر بن عاشور [5]( وهو من المفسرين التونسيين المعاصرين) في تفسيره " التحرير والتنوير " إلى تفنيد مقولة الشاطبي بأن الشريعة أمية لأمة أمية، فقال: إن هذه المقولة واهية لوجوه ستة: 1. إن ما بناه عليه، يقتضي أن القرآن لم يقصد منه انتقال العرب من حال إلى حال، وهذا باطل. بقول الله سبحانه: ( تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك، ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا.. ) [سورة هود/49]، فهذا تصريح بأن القرآن يحتوي كثيراً من الحقائق التي يجهلها قومه، والتي هي من قبيل أنباء الغيب والمعجزات. 2. إن مقاصد القرآن راجعة إلى عموم الدعوة، وهو معجزة باقية، فلابد أن يكون فيه ما يصلح لأن تتناوله أفهام من يأتي من الناس في عصور انتشار العلوم في الأمة. 3. إن السلف قالوا: إن القرآن لا تنقضي عجائبه، يعنون معانيه، ولو كان كما قال الشاطبي لانقضت عجائبه، بانحصار أنواع معانيه. 4. إن من تمام إعجازه أن يتضمن من المعاني ـ مع إيجاز لفظه ـ ما لم تف به الأسفار المتكاثرة. 5. إن مقدار أفهام المخاطبين به ابتداء لا تقتضي إلا أن يكون المعنى الأصلي مفهوماً لديهم، فأما ما زاد عن المعاني الأساسية فقد يتهيأ لفهمه أقوام، وتحجب عنه أقوام. ولنطالع الآن رأي الداعية الشيخ محمد الغزالي بخصوص مقولة الإمام الشاطبي (إن هذه الشريعة أمية لأمة أمية)، يقول الشيخ محمد الغزالي[6] : هناك قضية هامة وردت فيما سبق،وهي : قضية أمية الأمة، وأمية الشريعة، التي أتى الشاطبي على ذكرها.. وهي قضية خطيرة، إذا أخذناها على إطلاقها فإنها تؤدي إلى محاصرة العقل.. فهل يُعقل أن تكون هذه " الأمية " خالدة ؟ أم أنها مرحلة مؤقتة، كان العرب عليها، ومن ثم انتهت وأصبحت الأمة تكتب وتحسب ؟ وأرى أن الأمة، في مرحلة من حياتها، قد تكون أمية لا تقرأ، ولا تكتب ولا تحسب، ثم يتغير حالها إلى مرحلة أخرى، فتصبح أمة عالمة قارئة.. فهل يمكن أن تبقى الأمة متوقفة على الوسائل الأمية في النظر والحكم والعلم ؟ الأمة اليوم أصبحت تقرأ وتكتب وتحسب .. فالتقرير على أن الأمية صفة قسرية أو ملازمة للأمة، وأن الأحكام يجب أن تبقى مناسبة لمرحلة الأمية، أظن أنه أمر يتعارض مع طبيعة الحياة، وصيرورتها كما يتعارض مع خلود الرسالة وقدرتها على الاستجابة لدواعي العصر. وأمر الإصرار من بعض العلماء على " الأمية " عجيب ! وهو ما أدى إلى التعسف والتوقف عند بعض المفهومات وعدم تجاوزها.. " إنا أمة أمية لا تكتب ولا تحسب " [7] ! لكن هل هذا يعني أن تبقى الأمة أبداً لا تقرأ، ولا تكتب، ولا تحسب ! وهل هذا يعني أيضاً أن نبقى بعيداً عن الكسب العلمي؟ وكانت أول آية نزلت تفرض التعلم والتحول إلى القراءة والكتابة ؟ والسؤال أيضاً: بعد نزول القرآن: هل تبقى الأمة أمية؟ لقد كانت أمة أمية، ثم جاء هذا العلم المزدوج المضاعف الكثير في كتاب الله، فكيف تبقى أمية بعده ؟ هذا مستحيل. والسؤال هو : هل كلمة " أمية " التي وردت في الحديث نسبة للجهل أو الأمة ؟ فاليهود يرون أن " النبي أمي " تعني : النبي المبعوث من غيرهم، أو من بقية العالم . ويخيل إلىّ أن المقصود " بالنبي الأمي " : النبي الذي خرج بعيداً عن الدائرة التي كان يؤخذ منها الأنبياء، وهي إسرائيل، وإن كان هناك أنبياء عرب. (ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم ) [سورة البقرة]. ولما سألت الرسول صلى الله عليه وسلم أبيّ بن كعب [8]عن أفضل آية عنده، قال: آية الكرسي. قال له " ليهنك العلم أبا المنذر "[9]. أي ليكن العلم هنيئا لك ويقول تعالى : (وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم )[سورة النساء]. فالعلم هو صفة القرآن ... وصفة المشتغلين به. فكيف يقال : " إن الأمة أمية مع القرآن ؟ هذا مستحيل . والقرآن وجه لاقتحام أسوار الحياة والتغلغل في أسرارها، ومجال العلم الإلهي فيها والحكمة الإلهية فيها. فكيف يُقال : إن الرسالة أمية؟ ألا يمكن أن يكون هناك أفق آخر للقضية ؟ وهو : أن التكاليف والعبادات وما إلى ذلك، يمكن أن تكون لها صفة العموم، وتشمل الناس جميعاً بمختلف مستوياتهم الفكرية والعلمية، والرسالة ميسرة لكل بحسب كسبه. كأني ألمح في بعض الوجوه أن التعاليم الإسلامية كالأمر بالصلاة والصوم.. الخ، لا تستدعي سوية معينة من الكسب العلمي، حتى يستطيع الإنسان أن يدركها، وإلا كيف يمكن أن نخرج ذلك من الأمة الأمية ؟ ! وتعقيباً على ما ذهب إليه الشاطبي، أقول: إن العرب إذا كانوا في ذلك العصر أمة أمية، فالأمية لا يمكن استمرارها .. هذا شيء. والشيء الآخر : إن الخطاب ليس للعرب ولكنه للناس ـ المتعلم وغيره ـ كما أنه ليس لزمان واحد فقط. كان العرب أمة أمية ... وكان الفرس والرومان هم المثقفون.. وعندما أنظر إلى الفرس والروم أجد أنه كانت لديهم جهالات ربما لم تكن موجودة عند العرب .. وربما أن العرب أحسن من الروم والفرس، في جاهليتهم تلك : (الله أعلم حيث يجعل رسالته) الأنعام. قول الرسول صلى الله عليه وسلم : " إنا أمة أمية " أي تجهل الكتابة والحساب في عصر معين ـ لا يقتضي أن تبقى أمية دائماً، والقرآن خطاب خالد مجرد من حدوث الزمان والمكان. ففكرة أمية الأمة، وأمية الشريعة، والإصرار على بقاء المرحلة البدوية واستمرارها مرفوض.. أمة تستقبل القرآن لابد أن تكون أميتها قد زالت بهذا القرآن نفسه.. فإذا كان القرآن يدل على مصادر معرفة في أساس المنطق الحديث، وأساس حضارة أوربا، فكيف تكون الأمة أمية؟ هذا أمر مستبعد. القرآن لم ينزل على العرب وحدهم، ولم ينزل لفترة معينة، وإنما هو خالد عبر الزمن.. فكيف يمكن أن ينتفع أصحاب الكسب العلمي والمعارف العلمية في المستقبل إذا اعتبر خطاباً أمياً للأميين؟ والأمر العجيب: أن الشاطبي، على الرغم من قدراته العقلية في تحديد مقاصد الشريعة، قال بهذا! محمد الذهبي: الدكتور محمد حسين الذهبي هو الآخر من رواد التيار المناوئ لنزعة ما يسمى "التفسير العلمي " للآيات الكونية الواردة بالقرآن الكريم . ولكنه يعرف هذا التفسير بأنه العمل الذي يحكم الاصطلاحات العلمية في عبارات القرآن، ويجتهد في استخراج مختلف العلوم والآراء الفلسفية منها. وهناك عدد من الجوانب التي ورد بها الذهبي دعوة القائلين بالتفسير العلمي، ساقها الدكتور سعاد يلدرم[10]في بحث له بالمؤتمر العالمي الأول للإعجاز العلمي في القرآن الكريم والسنة المشرفة المنعقد بإسلام أباد (باكستان) سنة 1408هـ (1987م) .. وهي آراء بثها الذهبي في كتابه (التفسير والمفسرون)، وموجز هذه النقول: 1. الناحية اللغوية: تغيرت ألفاظ قرآنية وتوسعت دلالاتها على مر الزمان. وتعددت معاني اللفظ الواحد، فبعضها عرفته العرب وقت نزول القرآن، وبعضها لا علم للعرب به وقت نزول القرآن، ... فهل يعقل أن نتوسع في فهم ألفاظ القرآن توسعها يجعلها تدل على معان جدت باصطلاح حادث ؟ 2. الناحية البلاغية: وموجز القول فيها أن الذهبي توصل إلى ضرر البلاغة القرآنية من جهة التغير العلمي للقرآن. وحجته هي الذين خاطبهم الله بهذا القرآن وقت نزوله إذ كانوا يجهلون هذه المعاني، رغم أن الله يريدها من خطابه إياهم، لزم أن يكون القرآن غير بليغ، لأنه لم يراع حال المخاطب؟ وإن كانت العرب تعرف هذه المعاني وقت نزول القرآن بين ظهرانيهم، فلم لم تظهر نهضة العرب العلمية منذ نزل القرآن؟ . 3. الناحية الإعتقادية: وتتلخص في أن قواعد العلم ونظرياته لا قرار لها ولا بقاء، فإذا ذهبنا إلى تقصيد القرآن ما لم يقصد إليه من نظريات ثم ظهر بطلانها، فلسوف يتزعزع اعتقاد المسلمين في القرآن. هذا، وإن كان الدكتور الذهبي قد شدد على المسرفين في التفسير العلمي للقرآن، إلا أنه بدا غير معترض على الفكرة في حد ذاتها، لأنه قال في أواخر ما كتب : وحسبهم أن لا يكون في القرآن نص صريح، يصادم حقيقة علمية ثابتة. وحسب القرآن أنه يمكن التوفيق بينه وبين ما جد ويجد من نظريات وقوانين علمية، تقوم على أساس من الحق وتستند إلى أصل من الصحة. محمد رشيد رضا: على الرغم من أن بعض الباحثين اعتبر الشيخ محمد رشيد رضا ممن أجازوا لغة " التفسير العلمي للقرآن " [11]إلا أننا طالعنا ما أوضح لنا أنه من المانعين لهذا الاتجاه [12]، باعتباره صارفاً عن القرآن وهديه وتشريعه، وينبغي على الذين سلكوا هذا المسلك الذي يخرج بالتفسير عن وظيفته، ويعمد إلى تأويل القرآن على غير تأويله، كالرازي في تفسيره، ومن تأثر بخطاه. أن يعيدوا النظر في ذلك. وقد عرض محمد رشيد رضا آراءه هذه في مقدمة تفسير المنار. محمد المراغي : الشيخ محمد مصطفى المراغي (شيخ الأزهر السابق المتوفى سنة 1364هـ يقول : يجب ألا نجر الآية إلى العلوم كي نفسرها، ولا العلوم إلى الآية، ولكن إن اتفق ظاهر الآية مع حقيقة علمية ثابتة فسرناها بها. وحينما ألف الدكتور عبد العزيز إسماعيل كتاب (الإسلام والطب الحديث) عرضه على الشيخ المراغي فأثنى الشيخ في مقدمته على المؤلف وحمد له جهوده، ولكنه لم يوافقه على مسكله في تحميل الآيات القرآنية ما لا تتحمله، فقال: لست أريد من هذا ـ يعني ثناءه على الكتاب ومؤلفه ـ أن أقول إن الكتاب الكريم (أي : القرآن) أشتمل جميع العلوم جملة وتفصيلاً بالأسلوب التعليمي المعروف، وإنما أريد أن أقول إنه أتى بأصول عامة لكل ما يهم الإنسان معرفته به، ليبلغ درجة الكمال جسداً وروحاً، وترك الباب مفتوحاً لأهل الذكر من المشتغلين بالعلوم المختلفة ليبينوا للناس جزئياتهان بقدر ما أوتي منها في الزمان الذي هم عائشون فيه[13]. هذا، وكان الشيخ محمود شلتوت (شيخ الأزهر الأسبق) والشيخ محمد المدني، والدكتور محمد عبد الله دراز من علماء هذا التيار أيضاً. عاطف العراقي: الدكتور عاطف العراقي أستاذ الفلسفة بكلية الآداب جامعة القاهرة، كنا من قبل نراه يكتب صنو اسمه (أستاذ الفلسفة الإسلامية)، لكنه الآن يكتفي بذكر الكلمتين (أستاذ الفلسفة) !!! وهو من أشهر الذين تأثروا بفكر الأب جورج قنواتي في مصر، وهو الذي احتضن الدكتور العراقي وساعده كثيراً. تحدث الدكتور العراقي في ندون (الدين والعلم والفلسفة) التي نظمها نادي العلوم جامعة القاهرة، ونقلتها جريدة عقيدتي [14] المصري، فجاء إلى الدراسات العلمية للآيات الكونية الواردة بالقرآن، وقال ما نصه: استخلاص النظريات العلمية من الآيات القرآنية خطأ كبير يسيء للدين ويضيره أكثر مما يفيده، فقد لاحظنا في السنوات الأخيرة من دأب على الربط بين النظريات العلمية التي قد تتغير بمرور الزمن وقد يثبت خطؤها في حين أن القرآن ثابت.... وقد وجدنا من قال إن معظم النظريات العلمية الحديثة من الجاذبية والإلكترونات وغيرها قد وردت في القرآن منذ أربعة عشر قرناً.. وأشار الشيخ محمد عبده والكواكبي والشيخ بخيت وغيرهم إلى ذلك وساقوا أدلة خاطئة لإمكان استخلاص نظريات علمية من القرآن .. الأمر الذي جعل الدكتور طه حسين يهاجمهم في كتابه (من بعيد) بتفنيد حججهم والتهكم عليها بقوله : " يبدوا لي أنهم يسرفون في أكل الفول والعدس الذي ينصرف إلى أدمغتهم فيؤدي إلى تصرفات فاسدة في ظل التغير العلمي يوما بعد يوم، وخاصة إذا جاء أناس وقالوا بتأييد القرآن لنظرية علمية ثم جاء عالم آخر غداً وأثبت خطأها، فماذا يكون موقف العلماء الذي فسروا العلم بالقرآن. أما التهكم الذي صدر عن الدكتور طه حسين فما كان يليق بمثله أن يأتي به، ولكنه وقد وصل إلى هذا المستوى، وذلك من خلال العديد من المقالات التحليلية النقدية للأستاذ أنور الجندي في بابه الثابت بمجلة منار الإسلام الظبيانية (مؤلفات في الميزان)، وقد جمعت المجلة هذه المقالات في كتاب أصدرته بنفس عنوان الباب " مؤلفات في الميزان " . عبد الكريم الخطيب : وممن يهزأ بنزعة " التفسير العلمي " للقرآن الكريم عبد الكريم الخطيب الذي قال في تحقيق صحافي[15]: إنه نوع من التهريج والإدعاء (!!!)، يقوم به أصحابه فيلصقون بالقرآن أشياء أشد ما تكون بعدا عنه. ويضرب مثالاً بالآية القرآنية : (والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون ) [سورة الذاريات]، فيقول : إن أصحاب هذا التفسير يتحدثون عن التمدد والتزايد في الألوان، فمن أين جاءوا بهذا؟ ويأتي بمثال آخر هو الآية (أولم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها ) [سورة الرعد] وقد قال هؤلاء عن ذلك بتآكل الشواطئ البحرية. ويؤكد الخطيب أن العلم متغير لا يثبت على حال، حيث تنقض النظريات القائمة بنظريات حديثة. هذا، ولا يفوتنا أن نذكر رائدين من رواد المنكرين، وهما الشيخ أمين الخولي، وبنت الشاطيء (الدكتور عائشة عبد الرحمن). ونستطيع أن نلخص آراء المعارضين لاتجاه " التفسير العلمي للقرآن الكريم في النقاط الآتية: 1. إن القرآن نزل ليفهمه العرب في الصدر الأول من الإسلام، وأن علينا معاشر المسلمين أن نحذوا حذوهم فيما فهموه من آياته البينات بحسب مدلولات ألفاظه المفهومة، لأنهم عرب أدرى بلغتهم، وأقدر على فهم معاني كلماتها منا. لما كانت البلاغة هي المطابقة لمقتضى الحال، فإن التفسير العلمي للقرآن يضر ببلاغة القرآن، لأن من خوطبوا بالقرآن في وقت نزوله، إن كانوا يجهلون هذه المعاني، وكان الله يريدها من خطابه إياهم، لزم على ذلك أن يكون القرآن غير بليغ، لأنه لم يراع حال المخاطب !! وإن كانوا يعرفن هذه المعاني فلم لم تظهر نهضة العرب العلمية من ليلة نزول القرآن الذي حوى علوم الأولين والآخرين؟ [16] 2. إن القرآن الكريم لا شأن له بالعلوم الطبيعية، فهو لم ينزل ليحدث الناس عن نظريات العلوم، ودقائق الفنون، وأنواع المعازف، وإنما هو كتاب أنزل للناس للإرشاد والهداية وبيان التكاليف وأحكام الآخرة. إن هناك دليلاً واضحاً من القرآن على أن القرآن ليس كتاباً يريد الله به شرح حقائق الكون، وهذا الدليل هو ما روى عن معاد أنه قال : يا رسول الله : إن اليهود تسألنا ويكثرون مسألتنا عن الأهلة، فما بال الهلال يبدو دقيقاً ثم يزيد حتى يستوي ويستدير ثم ينقص حتى يعود كما كان؟ . فأنزل الله هذه الآية : (يسألونك عن الأهلة، قل: هي مواقيت للناس والحج)[سورة البقرة][17]. 3. إن " التفسير العلمي " للقرآن يعرض القرآن للدوران مع مسائل العلوم في كل زمان ومكان. والكشوف العلمية والبحوث الكونية ما هي إلا فروض ونظريات، يعتقد رجال العلوم فترة من الزمان في صحتها ثم لا يلبثون بأنفسهم أن يبطلوها. ومن ثم فلا يجوز للمسلم الغيور على قدسية القرآن أن يقحم آياته في أشياء ومعارف تتغير وتتبدل، حتى إننا نرى ما كان حقيقياً بالأمس يصبح خطأ اليوم، وما هو حقيقي اليوم قد يصبح خطأ غداً .. فكيف نستخدم علوما هذا شأنها في تفسير آيات خالدة باقية لا يتطرق إليها أدى تغيير أو تبديل.؟ إننا إذا ذهبنا إلى تقصد القرآن ما لم يقصد من نظريات، ثم ظهر بطلان هذه النظريات، فسوف يتزلزل اعتقاد المسلمين في القرآن الكريم، لأنه لا يجوز للقرآن أن يكذب اليوم ما صححه بالأمس[18]. هكذا يتضح لنا أن المانعين أو المنكرين لظاهرة " التفسير " العلمي لآيات القرآن ذات الإشارات الكونية، يكتفون بالوقوف عند المعاني الظاهرية فقط لهذه الإشارات دون الدخول فيما تتضمنه هذه الإشارات أو تدل عليه من سبق علمي أو بيان لحقيقة علمية لم يتوصل العلم إليها إلا حديثاً، بل يرون هذا العمل صارفاً عن الغاية الرئيسية للقرآن، وهي : هداية الإنسان وإصلاح حاله! ولنتفرغ الآن لدحض حجج المانعين للتفسير العلمي في القرآن، المعارضين لبيان أوجه الإعجاز العلمي فيه، كما يلي: دحض الحجة الأولى: في دحض هذه الحجة يجب أولاً أن نوضح أموراً: الأمر الأول: إن القرآن الكريم نزل للبشرية حتى يوم القيامة على اختلاف ثقافات عصورهم وتنوع علوم أهلها، وهو إذ يخاطب العقول على اختلاف المواهب والثقافة والتدبر والتدبر والتفكر، وكل عقل يأخذ منه ما يطيقه وما ينتفع به، فإذا عجزت بعض العقول عن إدراك بعض المعاني لآيات القرآن وجب علينا أن نستعين بكبار العلماء الباحثين، فإن الله تعالى يقول : ( فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ) [سورة النحل]، وكم استنبط العلماء والفقهاء والباحثون من آيات القرآن الكريم معاني وأحكاماً لم يعرفها السابقون، ذلك أن القرآن كما عبر عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم : (حبل الله المتين، وهو الذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، وهو الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به الألسنة، ولا يشبع منه العلماء، ولا يخلق على كثرة الرد ـ أي التلاوة ـ ولا تنقضي عجائبه). فالدارس للقرآن الكريم يأخذ منه بمقدار موهبته الفكرية وإيمانه القوي، وثقافته العلمية، ومعارفه العديدة، وتفكيرها العميق، وكلما نما العقل البشري، واتسعت مداركه، وتنوعت ثقافته، وتعددت تجاربه، وغزرت معارفه، أدرك من القرآن الكريم ما لم يدركه سواه. الأمر الثاني : إن القرآن الكريم من أوجه إعجازه إعطاؤه معاني متعددة للعبارة الواحدة الواردة فيه: 1. وأكثر من هذا أننا نجد أحياناً عبارة واحدة تعطينا معنى خاصاً، وفي الوقت نفسه تعطينا ما يبدو مضاداً لهذا المعنى. ومثال ذلك قول الله تعالى : ( وآية لهم الأرض الميتة أحييناها وأخرجنا منها حباً فمنه يأكلون * وجعلنا فيها جنات من نخيل وأعناب وفجرنا فيها من العيون * ليأكلوا من ثمره وما عملته أيديهم أفلا يشكرون) [سورة يس ]. فالمعنى الأول المفهوم من الآية الكريمة أن الله خلق لنا الثمر لنأكل منه وهو الذي صنعته ولم يصنعه بشر، أي أن " ما " في " وما عملته أيديهم " نافية لفعل البشر في الصنع والخلق، لكن للآية معنى آخر غير المعنى الأول و هو : أن الله خلق الثمرات لنأكل منها طازجة، ولنأكل مما صنعته أيدينا من هذه الثمرات، الطهي أو العصير أو التمليح أو التجفيف أو التقديد، أي أن " ما " التي أشرنا إليها سابقاً هنا موصولة وليست للنفي. وأصبح للآية معنيان، وربما لها أكثر، وكل منهما صحيح، وعطاء الله لا ينفذ. 2. وهناك آيات عديدة تعطينا معاني عديدة، يظهر بعضها في زمن، ويظهر بعض ما فيها في أزمان متوالي، تبعاً لازدياد فنون الثقافة والكشوف العلمية المتوالية، وأن على العلماء المسلمين المعاصرين إيضاح هذه المعاني حسب ما لديهم من علوم ومعارف حديثة تخدم مفاهيم هذه الآيات. الأمر الثالث: حينما تستخدم العلوم الكونية والمعارف الطبيعية في تجلية آيات قرآنية وبيان أوجه العظمة ونقاط الإعجاز فيها، إنما نفعل كما يفعل اللغويون وأصحاب البيان، فاستخدام علوم اللغة العربية في بيان أوجه الإعجاز القرآني لم يكن موجوداً في عصر النبوة، وقد ظهرت في عصور متأخرة، والعلماء قاطبة يجمعون على استخدامها في بيان أوجه الإعجاز في القرآن، فلماذا نجيز لهؤلاء استخدام علومهم ونحرم على علماء الكونيات والطبيعيات أن يسخروا علومهم في تجلية جوانب الإعجاز العلمي للآيات الكونية في القرآن ؟ !! وفيما يلي أمثلة قليلة لنوضح بها أن العلوم الكونية والمعارف الطبيعية لا تقل أهمية عن علوم اللغة العربية ( التي لم يعترض أحد على استخدامها لبيان أوجه الإعجاز القرآني) في بيان وتجلية جوانب من إعجاز الآيات الكونية: المثال الأول : يقول الحق ـ تبارك وتعالى ـ :(أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت ) [سورة الغاشية ] فهل الأمر الإلهي بالنظر إلى الإبل لمجرد مناسبتها لخطاب البدو والأعراب؟ فإذا كان هذا صحيحاً فكذلك لا تزال الدراسات الحديثة تكشف عن معجزات أحيائية رائعة في ذلك المخلوق الرائع، الذي نستطيع أن نثبت أنه خص بالذكر من بين ما لا يحصى من مخلوقات الله، نموذجاً يتدبر في دراسته المتدبرون، هذا إضافة إلى أن النظر هنا ليس معناه نظر حدقة العين، وإنما النظر بمعنى التدبر والتبصر والدراسة والبحث. المثال الثاني : يقول الحق تبارك وتعالى : (حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير .. ) [سورة المائدة]، فليس من الصحيح المقنع أن علة التحريم في لحم الخنزير هي ما تناقلته بعض التفاسير من أشياء يسهل الرد عليها ودحضها، ومنا الرائحة الكريهة، أو أن الخنزير يتغذى على الأقذار أو ما شابه هذه الأقوال الضعيفة، ولكن علينا ـ بعد إيماننا بتحريمه والامتثال للأمر الإلهي بالطاعة ـ أي نفهم ما أثبته العلماء المعاصرون من حقائق تقرر أن تحريمه لعلة مستقرة فيه، وليس لعلة عارضة عليه يحل لحمه بزوالها[19]. المثال الثالث: يقول الحق ـ تبارك وتعالى ـ : ( فلا أقسم بالشفق * والليل وما وسق * والقمر إذا اتسق * لتركبن طبقاً على طبق * فما لهم لا يؤمنون * وإذا قرئ عليهم القرآن لا يسجدون * بل الذين كفروا يكذبون )[سورة الانشقاق ]. فسر بعض المفسرين قوله تعالى : ( لتركبن طبقاً عن طبق) بالصعود الروحي من سماء إلى سماء، وفسرها آخرون بصعود رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السماوات : سماء تلو سماء، وفسرها آخرون بصعود رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السماوات : سماء تلو سماء في رحلة المعراج العظيمة التي طوى فيها هي ورحلة الإسراء الزمان والمكان.هذا وإن كانت بعض التفاسير قد قنع بها المسلمون في عصورهم السابقة، فإن بعض التفاسير يشوبها الغموض فيما عرضته من شرح لهذه الآية، لذلك جاء نفر من العاملين في حقل الإعجاز العلمي للقرآن ليزيل هذا الغموض في الفهم [20]، إنه يرى الآيات السابقة على هذه الآية (19) تمهد لها، فالله يقسم ببعض ظواهر الكون الطبيعية التي خلقها بقدرته وأحكم فيها صنعته، الشفق : الوهج الأحمر الذي يتشتت من ضوء الشمس عقب غروبها أو قبل شروقها، الليل : ظلام الفضاء الكوني وما يحتويه من أسرار، القمر إذا اتسق: اكتمل وأصبح بدراً .. جواب القسم هو " لتركبن طبقاً عن طبق " أي لتسافرن من مرحلة إلى مرحلة في عصر قادم، ولتصعدن من طبقة إلى طبقة في الجو ( تروبوسفير ـ الأزموسفير ـ الإيونوسفير ـ الإكسوسفير ) وذلك رحلة اختراق طبقات الجو إلى الأجرام السماوية المجاورة فكان رائد الفضاء يخترق طبقة تلو الأخرى، وهو إخبار بمستقبل سيحدث في حياة الناس، وهو السفر عبر الفضاء واجتياز الأجواء. المثال الرابع: يقول الحق ـ تبارك وتعالى : ( وأرسلنا الرياح لواقح ) [سورة الحجر]. يمكن فهم عدة مفاهيم لهذه الآية الكريمة، منها: أن الله يرسل الرياح حاملة المطر الذي ينزل في الأرض فيحيي مواتها، فينبت النبات والثمرات، حيث يشرح المفسرون معنى الريح اللاقح بأنها كل ريح تأتي بخير، وعكسها الريح العقيم. ومن مفاهيم هذه الآية أيضاً أن الرياح تحمل حبوب اللقاح (غبار الطلع ) Pollen Grainsمن أعضاء الذكورة في النباتات إلى أعضاء الأنوثة في أفراد أخرى من هذه النباتات، فيتم الأخصاب، فتثمر النباتات الثمار التي نأكلها ونحيا بها. ومن مفاهيم الآية أيضاً أن الرياح تحمل الحشرات تلك التي تحمل حبوب اللقاح لتقوم بنفس العملية التي ذكرناها لنفس الغرض المذكور. ومن مفاهيم الآية أيضا أن الرياح تلقح التربة أي تمدها بالعناصر اللازمة لخصوبتها، ومنها الأزوت الذي يوجد طبيعياً في الهواء مثلاً. ومن المفاهيم الجديدة لهذه الآية : ( وأرسلنا الرياح لواقح فأنزلنا من السماء ماء فأسقيناكموه وما أنتم له بخازنين )[سورة الحجر] ما أفاء الله به على أستاذنا الدكتور محمد جمال الدين الفندي [21]حيث يقول : تثير الرياح السحاب، أي تكونه وتدفعه حيث تدأب على إمداده وتغذيته ببخار الماء الذي تحمله وتجلبه معها من البحار والمحيطات. وكذلك تغذية بجسيمات صغيرة تسمى (نوى التكاثف) ووظيفة هذه (النوى) هي تجميع جزيئات الماء في مناطق إثارة السحب لتكون قطرات صغيرة من الماء أو من بللورات الثلج، والفرق بين السحابة التي تمطر والسحابة التي لا تمطر هو : أن الأولى لها مدد مستمر من بخار الماء، ونوى التكاثف بواسطة الرياح أو الهواء الصاعد، أما الثانية فليس لها أي مدد. وينجم عن استمرار الرياح في (تلقيح ) السحاب الي تثيره ببخار الماء ونوى التكاثف نزول المطر. ومن هنا تكون " الفاء " في قوله تعالى " فأنزلنا " هي فاء السببية ، أي : نجم عن هذا التلقيح نزول المطر. أما قوله سبحانه :( وما أنتم له بخازنين) ففيه إشارة أخرى إلى معجزة أخاذة هي الدورة المائية بين السماء والأرض، حيث إن ماء المطر يعود مرة أخرى إلى المحيطات والبحار عن طريق الأنهار أو المياه الجوفية، وتعود الشمس فتبخر بعض ماء المحيط والبحر لتعود الدورة من جديد وهلم جرا. المثال الخامس: يقول الحق ـ تبارك وتعالى ـ (إن كل نفس لما عليها حافظ ) [سورة الطارق]، فما هي مفاهيم الحفظ الذي يقيمه الله على كل نفس حماية لها ؟ . إن من مفاهيمه أن الله يحفظنا من الأخطار المحدقة بنا لأنه سبحانه (خير حافظاً وهو أرحم الراحمين ) [سورة يوسف]، فهو يحفظنا دون أن ندري من أخطار لا ندركها. ومن معاني هذا الحفظ أن الله سخر بعض ملائكته لتسجيل علينا أقوالنا وأفعالنا، ليجازينا عنها بما نستحقه من جزاء كما قال سبحانه : ( وإن عليكم لحافظين * كراماً كاتبين * يعلمون ما تفعلون ) [سورة الانفطار]. ومن معاني هذا الحفظ أن على كل منا رقيبا يحفظه من أن يدمر الآخرين، أو يعيث في الأرض فساداً إلا حين يشاء الله أن يجعل بعض الناس فتنة للبعض الآخر. ومن المعاني الحديثة لهذه الآية وهذا الحفظ، أن يقرر العلماء حقيقة وجود كرات الدم البيضاء (White Blood Corpuscles) داخل جسم الإنسان والتي مهمتها الدفاع عن الجسم إذا تسللت إليه الجراثيم الممرضة (Pathogens) وقد اتسعت البحوث على هذه الكرات وعلى وظائفها ودورها في هذا الحفظ، فيمكن الرجوع إلى مثل هذه البحوث إذا أردنا التفصيل العلمي. ومن المعاني الحديثة لهذه الآية وهذا الحفظ، ما كشفه الأطباء من وجود خطوط دفاعية داخل الجسم تكافح الجراثيم الغازية له، منها مثلا: الشعيرات والمخاط في الأنف ـ إذا تسللت الجراثيم عن طريق الأنف ـ ودمع العين ـ إذا تسللت الجراثيم عن طريق العين ـ ودفاع اللوزتين ـ إذا تسللت عن طريق الفم ـ وغير ذلك كثير مفصل في كتب الطب الحديث[22]. ومن المعاني الحديثة أيضاً لهذه الآية وهذا الحفظ ما توصل إليه علماء الأحياء، وهو : أن الله سبحانه زود كل كائن حي بما يحفظه ويحميه في ميادين الصراع القائمة بين الأحياء، فزود الإنسان بعقل يحميه من عوامل الفتك والأفتراس، وبه يستطيع تسخير كل ما هو كائن في الكون، كما أنه سبحانه زود السلاحف بالدروع، وزود الثعابين بالسم، والغزلان بالخفة والسرعة، والنباتات الضعيفة بالأشواك.. وهكذا كل كائن خلقه الله سبحانه زوده بما يحميه. المثال السادس: يقول الحق ـ تبارك وتعالى : (هو الذي يريكم آياته وينزل لكم من السماء رزقاً، وما يتذكر إلا من ينيب ) [سورة غافر]، فالمعنى العام للآية هو أن الله سبحانه يرينا آياته حينا وجيلاً بعد جيل، وينزل لنا من السماء رزقاً، ولا يعرف آيات الله العديدة ونعمه الجزيلة، ولا يتذكرها إلا من آمن بالله ورجع إليه بالإنابة والمتاب. لكن ما المقصود بالرزق المنزل من السماء ؟؟؟ يقول المفسرون القدامى : إن الرزق المنزل من السماء هو ماء المطر، وهذا فعلاً رزق عظيم يحفظ علينا حياتنا من نبات وحيوان وإنسان، ولكن يمكن إضافة معان حديثة على مفهوم الرزق هنا. ومن المعاني الحديثة لهذا الرزق تلك الأشعة الحرارية التي تصلنا باعتدال من الشمس، فلو انقطعت عنا لماتت جميع الأحياء من شدة البرودة، ولتجمدت مياه المحيطات والبحار والأنهار، ومن ناحية أخرى، فإنه لو زاد مقدارها عن الذي تنزل به لتبخرت مياه جميع الأحياء من ذلك ومن شدة الحرارة. ومن هذه المعاني الحديثة تلك الأشعة الضوئية التي يتوقف عليها النبات في إمكانية بنائه الضوئي(Photosynthesis) لغذائه الداخلي، وعلى النبات يحيا الإنسان والحيوان، وعلى الحيوان أيضاً يحيا الإنسان. ومن هذه المعاني الحديثة رماد الشهب الذي يتساقط على الأرض، وتبلغ أعداد هذه الشهب عشرات الملايين في كل يوم، فتحترق حين ملامستها للغلاف الجوي، ويسقط رمادها على الأرض، فيزيد التربة خصباً وصلاحية للإنتاج والإثمار. ومن المعاني التي اهتدى إليها العلم الحديث لذلك الرزق هو غازات مثل ثاني أكسيد الكربون (Carbon dioxid) والأوكسجين (Oxygen) والأزوت (Nitrogen) وكلها ضروري وحتمي لحياة الكائنات الحية، نباتية كانت أو حيوانية. ثم إن من المعاني المقصودة أيضاً للرزق هو ذلك الرزق الروحي المعنوي، ويتمثل في الكتب والرسالات السماوية التي نزلت على الرسل الكرام لهداية الناس وانتشالهم من جهالات وظلمات وضلالات الدنيا، فأحييت قلوبهم ونفوسهم. المثال السابع: يقول الحق تبارك وتعالى : (والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون ) [سورة الذاريات]، هذه الآية فسرها الأقدمون تفسيراً صحيحاً سليماً منطقياً، ومجمل قولهم: أن هذا الكون رغم اتساعه ورغم ما ضم وحوى من أجرام، فإن لدى الخالق العلي القدير المزيد والمزيد. ويقول الدكتور الفندي في معان حديثة تضاف إلى ما فهمه الأقدمون بل تزيد من مفاهيم الآية: إن الناس في بادئ الأمر كانوا يظنون بمركزية الأرض للكون، وأن السماء تنتهي عند القبة الزرقاء، وأن النجوم معلقة غير بعيدة في تلك القبة، ثم عرف الناس فيما بعد: المجموعة الشمسية التي لا يزيد قطرها عن خمس ساعات ضوئية (الساعة الضوئية هي المسافة التي يقطعها الضوء في ساعة كاملة بسرعته البالغة 300.000 كم/ثانية)، ثم امتدت أبعاد السماء إلى مجرتنا التي سماها المسلمون (الطريق اللبني)، أو (طريق اللبانة) وقطر هذه المجرة ـ أو الجزيرة الكونية ـ هو 100.000سنة ضوئية ثم باستخدام المناظير الفلكية اكتشف الإنسان المجرات الأخرى وعرف أقرب المجرات إلى مجرتنا، وهي مجرة المرأة المسلسلة، وتبعد عنا بنحو 700.000 سنة ضوئية، أما القبة الزرقاء فهي مجرد ظاهرة ضوئية تحدث في جو الأرض. ثم اتسعت السماء أمامنا حتى وصلت ـ في ظل الفلك الراديوي ـ إلى حدود 20.000مليون سنة ضوئية !!! ثم لقد كشفت لنا المناظير الراديوية تعبيراً رائعاً في قول الله تعالى (فلا أقسم بمواقع النجوم * وإنه لقسم لو تعلمون عظيم ) [سورة الواقعة]. المثال الثامن: يقول الله تعالى : ( وما يستوي البحران هذا عذب فرات سائغ شرابه وهذا ملح أجاج، ومن كل تأكلون لحماً طرياً وتسخرجون حلية تلبسونها، وترى الفلك فيه مواخر لتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون) [سورة فاطر]. من البدهي أن بعض الحلى تستخرج من البحر المالح، وقد يستبعد بعض الناس أن تكون المياه العذبة مصدراً للحلى أيضاً، ولكن العلم والبحوث أثبتا غير ذلك . فاللؤلؤ كما أنه يستخرج من أنواع معينة من البحار يستخرج أيضاً من أنواع معينة أخرى من صدفيات الأنهار، فتوجد اللآليء في المياه العذبة في إنجلترا وأسكتلندا وما كان يسمى تشيكوسلوفاكيا وفي اليابان... ويدخل في ذلك ما تحمله المياه العذبة من المعادن العالية الصلادة كالماس الذي يستخرج من رواسب الأنهار الجافة المعروفة بالبرقة. ويوجد الياقوت كذلك في الرواسب النهرية الموجودة بالقرب من باندالاس في بورما العليا وفي سيان وسيلان. ومن الإعجاز شبه الكريمة التي تستعمل في الزينة: حجر التوباز، وهو موجود في الرواسب النهرية في مواقع كثيرة ومنتشر في البرازيل وروسيا وكذلك الزيدكون، فهو حجر كريم جذاب تقترب خواصه من خواص الماس، ومعظم أنواعه تستخرج من الرواسب النهرية. أتضح إذاً بالكشوف العلمية أن الحلية أصناف وأنواع وأشكال، وأنها من الهاءين : الملح والعذب، وليس من الملح وحده كما كان يظن الناس، بل اكتشفوا حديثاً ما أشار إليه القرآن قديماً. المثال التاسع : يقول الله تعالى : ( تخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي، وترزق من تشاء بغير حساب) [سورة آل عمران]. أما ما فسرت به الآية فهو موجود في كتب التفسير المعروفة، لكننا نرى أن هذه الآية تشير إلى دورة الحياة والموت، وهذه الدورة معجزة من معجزات الخالق التي يزخر بها الكون، وتتلخص هذه الدورة في تحول الماء وثاني أكسيد الكربون والنيتروجين والأملاح غير العضوية الممتصة من التربة ـ في النباتات الخضراء وأنواع معينة من البكتريا ـ وفي وجود الطاقة الشمسية، إلى مواد عضوية هي:مادة الحياة في الأحياء، والاتجاه المعاكس لهذه الدورة، أي الشق المضاد، هو تحول المادة الحية إلى مادة غير حية، أي تحول أجزاء من المادة الحية إلى طاقة ومواد أخرى غير مرغوب فيها هي النفايات، وقد يتحول الجسم كله إلى ذلك، وهذا إذا انسل منه سر الحياة ومات، فكل هذه المواد العضوية تتحول كيميائياً إلى مواد غير عضوية بسيطة، جاهزة للدخول في تركيب مواد عضوية والتحول إلى مواد حية جديدة... وهكذا تتكرر الدورة من مادة حية إلى مواد غير حية، ومن الأخيرة على الأولى، أي الحي يخرج من ميت، والميت ينتج من حي، وسبحان رب المعجزات ومقدرها، سبحان الله الخالق القادر المبدع. المثال العاشر: يقول الله تعالى :( وقال الذين كفروا لا تأتينا الساعة، قل بلى وربي لتأتينكم، عالم الغيب لا يعزب عنه مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين )[سورة سبأ]. إن الإنسان منذ آلاف السنين وهو دائم التفكير في طبيعة المادة، وقد افترض الفيلسوفان الإغريقيان ديمقراط وليوسيبوس منذ 300 ـ 400 سنة قبل الميلاد، أ،ه إذا شطر الشيء شطرين، ثم شطر كل منها شطرين آخرين، وهكذا مرات، فإننا سنحصل في النهاية على الوحدة البنائية للمادة، وأطلقا على هذه الوحدة اسم " الذرة Atom" أي : الجوهر الذي لا ينقسم، أو الجزء الذي لا يتجزأ .. ثم تطور الفكر البشري في هذا الموضوع تطوراً كبيراً، عبر العصور المتوالية، وجاء لوشميدث Loschmidt(1865م) ، ثم هيتروف Hitrof (1914م) ستونيStony ولسون Wilsonلينارد Leonard، رذرفورد Rutherfordبوهر Bohrهايزنبرج Heisenbergنيوتن Newtonأينشتين Einstein، فأصبحنا نعلم الآن أن الذرة لها مثقال، وأنها قابلة للانفلاق وأن بها محتويات (أصغر منها). وإن جولة سريعة في كتب التفسير المعروفة لتوضح لنا تأويلات المفسرين لكلمة " ذرة " فمنهم من قال بأنها النمل الصغير، ومنهم من قال بأنها الهباءة( ويقصد بها دقائق الغبار في الجو، وتظهر بوضوح عندما يسقط شعاع شمس عليها خصوصاً في حيز مظلم)... هذا وإن كان الناس قديماً يقنعون بهذه التفسيرات، فإننا لدينا من المعطيات العلمية ما يوضح أشياء أو على الأقل شيئاً لم يكن معلوماً مطلقاً وهو ما أشارت إليه الآية القرآنية بكلمات (ولا أصغر من ذلك)، فالأصغر من الشيء هو محتويات الشيء، والأصغر من الذرة هو محتويات الذرة إلكترون، بروتون، نيوترون، كوارك... حقاً إنه كلام العليم القدير( وما يعذب عن ربك من مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء، ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين ) [سورة يونس].وفي هذه الآية نقرأ: " من " وهي لفظة تدل هي الأخرى على محتويات الذرة وإمكانية انشقاقها وتجزئتها، لأن " من " للتبعيض.. بل إنك لو عدت إلى النص القرآني الأول لقرأت : عالم الغيب ، وذلك قبل أن تأتي كلمة : " ذرة " مما يدل على أن الذرة لا تزال في عالم الغيب، فالإنسان يتعرف عليها بآثارها، لكن لم يرها رأي العين، أو هي : غيب لجل الناس حتى وإن عاينها نفر من الباحثين المتخصصين. وفي ختام دحض هذه الحجة من حجج المانعين أو المنكرين لتيار الدراسات والبحوث العلمية للآيات الكونية، يقول الأستاذ عمر عبيد حسنة[23]: وقد يكون من أخطر الإصابات التي لحقت بالعقل المسلم فحالت بينه وبين التدبر وكسر الأقفال، ووضع الأغلال والآصار، والتحقق بالفكر القرآني والرؤية القرآنية الشاملة، والاغتراف منها لعلاج الحاضر، والامتداد صوب المستقبل، واعتماد مصدراً للمعرفة والبعث الحضاري ـ التوهم بأن الأبنية الفكرية السابقة التي استمدت من القرآن في العصور الأولى، هي نهاية المطاف، وأن إدراك أبعاد النص مرتهن بها، في كل زمان ومكان، وما رافق ذلك من النهي عن القول في القرآن بالرأي، وجعل الرأي دائماً قرين الهوى، وسوء النية وفساد القصد، وفي هذا ما فيه من محاصرة للنص القرآني، وقصر فهمه على عصر معين، وعقل محكوم برؤية ذلك العصر، وحجر على العقل، وتخويف من التفكير، الأمر الذي يحول بين الإنسان والتدبر المطلوب إليه بنص القرآن. لقد أورثنا مناخ التقليد الجماعي الذي عطل فينا ملكة الاجتهاد، والإبداع، والإنجاز لقرون طويلة نوعاً من العجز المزمن، جعلنا دون سوية التعامل مع القرآن، وإدراك سننه في الأنفس والآفاق، والاقتصار على بضع مئات من الآيات نظر فيها الأقدمون على أنها الأحكام التشريعية .. ولا نزال ـ إلى اليوم ـ نبدي فيها ونعيد من خلال ميراث الفقهاء وليس من خلال ميراث موقعها من الرؤى القرآنية، حيث للآيات مقاصد عدة : تربوية، واجتماعية، ونفسية، وكونية، ومنبهات حضارية، ووسائل الكشف العلمي حيث لا يخرج الحكم التشريعي عن أن يكون واحداً منها. وبعد، فهذه أمثلة قليلة سقناها لندلل على أن القرآن الكريم لا يفسره عالم واحد ولا جيل واحد، ولكن كلما اتسعت فنون الثقافة العلمية وكثرت الكشوف وتنوعت الاكتشافات العلمية ظهرت لنا معان عظيمة، وانجلت وتجلت أمامنا أوجه لإعجاز آيات الله البينات لم تظهر من قبل. دحض الحجة الثانية: إن المعارضين لهذا الاتجاه يتذرعون بأن القرآن كتاب هداية للبشر، ولا شأن له بالعلوم الطبيعية أو البحوث الكونية، وقولهم هذا على جانب من الحق، ولكنه ليس الحق كله، فهو كتاب هداية بالأحكام، وبالنظر والتأمل في بديع صنع الله ـ سبحانه وتعالى ـ ... كيف ذلك ؟ إن الله شاءت حكمته أن ينوع وسائل هدايته لخلقه، لأنه خبير بهم عليم بقدراتهم واستعداداتهم، فهو تارة يخاطبهم بما يمس قلوبهم مسا رقيقاً رفيقاً، وتارة أخرى يقرع عقولهم قرعاً قوياً شديداً، فكان من أبرز ما جلا به أبصارهم وأنار بصائرهم حضه إياهم على التدبر في آيات خلقه وصنعه، وإلا فما هي الحكمة الربانية من وراء سوق الآيات الكونية في القرآن الكريم.. آيات تذكر السماوات والأرض، والشمس والقمر ومنازله والمشارق والمغارب، والبروج والنجوم والكواكب، والليل والنهار، والفجر والغسق، والظلمات والنور، والبحار والأنهار والعيون، والرياح اللواقح والعقيم، والسحاب الثقال والمركوم والمنبسط، والبرق، والمطر، والجبال الراسيات، والجدد البيض والحمر والغرابيب السود، والأرض الهامدة والأرض المهتزة الرابية، والجنان والنخيل، والأعناب، والتين والزيتون، والطلع والسدر واليقطين، �

  • Currently 78/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
26 تصويتات / 592 مشاهدة
نشرت فى 7 سبتمبر 2006 بواسطة eslam2050

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

24,690