<!-- / icon and title --><!-- message --> بسم الله الرحمن الرحيم
موسى عليه السلام (7) وآية رفع الطور
أول ذكر للطور كان في رحلة عودة موسى عليه السلام إلى مصر؛
قال تعالى: (فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِن جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (29) القصص.
وقال تعالى: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا وَكَانَ رَسُولًا نَّبِيًّا (51) وَنَادَيْنَاهُ مِن جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا (52) وَوَهَبْنَا لَهُ مِن رَّحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيًّا (53) مريم.
وقال تعالى: (وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا وَلَكِن رَّحْمَةً مِّن رَّبِّكَ لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّا أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (46) القصص.
تجمع التفاسير ومعاجم اللغة على أن الطور هو الجبل، وخصص بعضهم الطور بكل جبل ينبت شجرًا، ويقوي ذلك ذكر الشجر في قوله تعالى: (فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي مِن شَاطِئِ الْوَادِي الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَن يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (30) القصص.
وقوله تعالى: (وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِن طُورِ سَيْنَاء تَنبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِّلْآكِلِينَ (20) المؤمنون.
وقد أقسم تعالى بالطور ليذكر بعده كتاب مسطور، وكأن ذكر الطور يجلب معه ذكر الشجر، ومن الشجر تتخذ الأقلام لتسطير الكتب، فقال تعالى: (وَالطُّورِ (1) وكِتابٍ مَسْطُورٍ (2) فِي رَقٍ مَنْشُورٍ (3) الطور. وقال تعالى: (وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ (27) الروم.
وجاء ذكر الطور في سورة التين؛ قد توسط بين ذكر نوعين من الشجر، وبين البلد الأمين الذي بواد غير زرع؛ فقال تعالى: (وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ (1) وَطُورِ سِينِينَ (2) وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ (3) التين.
ثم يأتي ذكر الطور مرة أخرى مع الوعد الذي ضرب لبني إسرائيل في طريق خروجهم من مصر؛
قال تعالى: (يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنجَيْنَاكُم مِّنْ عَدُوِّكُمْ وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى (80) طه.
والملاحظ أن المذكور هو جانب الطور في أول أمر موسى عليه السلام وتكليم الله له، وقصة الوعد مع بني إسرائيل؛ ليدل على أن الطور لما رفع لم يكونوا عليه، بل بجانبه؛
قال تعالى: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آَتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا (93) البقرة.
وقال تعالى: (وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ ... وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا (154) النساء.
وقال تعالى: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آَتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (63) البقرة.
ويستنبط من هذا الرفع أن الطور هو دون الجبل في الارتفاع وأكثر انبساطًا ليصلح لإنبات الشجر، لأن الرفع هو زيادة تعطى للشيء فيزيد مقداره المادي أو المعنوي؛ ومن ذلك رفع القواعد من البيت؛ فالقواعد بقيت مكانها ولم تحمل إنما زيد عليها بالبناء فارتفعت، ورفع بعض الناس أو الأنبياء على بعضهم هو إعطاؤهم زيادة في المال أو العلم أو التكريم فوق ما أعطي غيرهم، فيرتفعوا بهذه الزيادة، وكل شيء يرفع لا بد له من شيء يعتمد عليه يصله بالأرض؛ من جنسه أو من غير جنسه، ولا يفيد الرفع التعليق في الأعلى دون شيء يعتمد عليه أسفل منه.
وتسمية الجبل بالطور أنسب مع ذكر الرفع، فهو لين ينبت الشجر وليس صخرًا صلبًا، وأخوات "طور" في الجذور مما يتكون من حرفي الطاء والراء مع أحد حروف العلة؛ فيه مطاوعة ولين؛ فالشيء الطري خلاف القاسي الصلب، والطير له قدرة على مفارقة الأرض، والعلو في السماء، والإطار يحيط بالشيء ويلتف عليه، أغلق الدائرة أم لم يغلقها، وطرَّ شارب الغلام: نبت وتحدد وبتلك الصفة يحيط بالفم من أعلاه وجوانبه، وقضى وطره: نال من الشيء ثم انصرف عنه.
أما الجبل فاسمه يدل على ثباته وصلابته وقدمه وارتفاعه،؛ فالابن الشقي لنوح عليه السلام قال: (قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاء قَالَ لاَ عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ إِلاَّ مَن رَّحِمَ (43) هود، وقال تعالى: (تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا (90) مريم.
وقال تعالى: (وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَـكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ موسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ (143) الأعراف، فهذه الآيات دلت على ثبات وصلابة الجبل وارتفاع الجبال، ودك الجبل الصلب أظهر لقدرة الله من دك الجبل اللين.
ولما كان ارتفاع الطور يحتاج إلى شيء يرفعه إما بزيادة تحصل عليه، وإما بقوة ترفعه من أسفله، وهي المقصودة في هذا الرفع، وقد علمنا أن الجبال ترفع وتنصب بقوى سفلية، ويصحب ذلك ظهور البراكين والزلازل والنسف والقذف من رؤوس الجبال؛
فذكر الله عز وجل صورة أخرى لهذا الحدث؛ فقال تعالى: (وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُوا مَا آَتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (171) الأعراف.
وجاء تفسير الظلة بالغيمة؛ فقد قال تعالى في هلاك قوم شعيب: (فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (189) الشعراء.
وفسر النتق بالنزع، والقلع، والزعزعة، ومن معاني النتق في اللغة، النثر والنشر، فإن قلع أعلى الجبل ونزعه ونثره، وما يصحب ذلك من دخان ورماد بركاني هو الأقرب لهذه الصورة، وكله بأمر الله تعالى، ويكون ما يقذفه له حدود يصل إليها، وهي قريبة منهم، ولو اشتد الأمر وزاد لوصلهم؛ (وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ)، وليس واقع عليهم، لأنه لو وقع عليهم لسحقهم، ولم يقف عند ثباته فوقهم، لكن واقع بهم تفهم على أنه سيصلهم ويأخذهم في طريقه بعد أن أهلك أو دمر ما دونهم... ويقوي ذلك ما ذكر أنهم سجدوا على حاجبهم الأيسر لينظروا ما يحدث بأعينهم اليمنى.
ولم أجد في التفاسير الكثيرة التي اطلعت عليها من تعليق على الفرق بين واقع عليهم، وواقع بهم، بل فسرت واقع بهم بواقع عليهم.
أما الصاعقة التي أماتتهم ثم أحياهم الله أكانت من أجزاء الحدث أم أنها كانت في موقف سابق له؟!
قال تعالى: (وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (55) ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (56) البقرة.
وقال تعالى: (يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَن تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِّنَ السَّمَاء فَقَدْ سَأَلُواْ مُوسَى أَكْبَرَ مِن ذَلِكَ فَقَالُواْ أَرِنَا اللّهِ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُواْ الْعِجْلَ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ فَعَفَوْنَا عَن ذَلِكَ وَآتَيْنَا مُوسَى سُلْطَانًا مُّبِينًا (153) النساء.
أبو مسلم/ عبد المجيد العرابلي
emansamy

Emi

  • Currently 94/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
31 تصويتات / 771 مشاهدة
نشرت فى 21 ديسمبر 2006 بواسطة emansamy

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

1,306,694