<!-- message -->
تغلب على التشاؤم بين التفاؤل الغافل، والتشاؤم القاتم المر، هناك نقطة متوسطة تجدها في توازن عقلي دقيق، وصحة عاطفية وجسمية، وانطلاق نحو بناء النفس وتحقيق إمكاناتها. فالتشاؤم هو حالة من الحالات التي يتعرض لها بعض الشباب في مقتبل العمر، كما يتعرض لها بعض النساء والرجال في مطلع الكهولة. فإذا لم يقاوموها في نفوسهم، ليسلكوا السبل العلمية التي كشفت عنها التجارب، لمحو آثارها السيئة واتجاهاتها القاسية، فإنها تفضي بهم إلى حياةٍ، هي الأسى والألم والضيق، وقضت رويداً رويداً على منابع النشاط في كيانهم، وعرضتهم وعرضت المجتمع عن طريقهم لمآس يضيع معها كل جد وإنتاج، وكل إحساس بالقيم وبالمعاني الخيرة التي يتوق الإنسان إلى تحقيقها والاستمتاع بها. فما هو التشاؤم؟! فالتشاؤم هو نزعة في الذهن، إلى رؤية كل شئ أسود قاتماً، وأخذ الجانب السيئ من كل شئ، وإهمال وإغفال ما عداه. ولا يصبح هنا الخلط بين التشاؤم الذي هو عادة ذهنية شاملة دائمة، وبين نوبات الكآبة الطارئة، أو "ضيق الخلق" المؤقت الذي يهاجم الإنسان العادي فجأة، ويميل به – في فترات – نحو التبرم بالحياة، والتذمر من تصاريف الأيام. والعاقل هنا هو الذي يعجل فيبدد السحب التي تغشى ذهنه وتفكيره أحياناً، ويسترجع تذوقه لمباهج الحياة وأفراحها وقيمها. كيف يظهر تشاؤمك؟ ونظرة المتشائم للآخرين قاسية؛ إذ يحكم عليهم دون مراعاة منه للظروف، أو اهتمام بالإنصاف، أو تحر للعدالة. فلا يبصر مالهم من حسنات، وينسج حولهم – بخياله – ما يشتهر عنهم من سيئات، ويعطي لكلامهم – من ذاته – تفسيرات، ولأعمالهم تأويلات. ويعتبر نفسه دائمُ ضحية الأحداث في كل موقف وظروف وحالة. ولذا، لا يستطيع أن يحكم أحكاماً صحيحة، عادلة، ويقع كثيراً في أخطاء كبيرة في حق نفسه، وفي علاقاته مع الآخرين، ليصبح جلاداً لنفسه. ماذا يجني المتشائمون؟! يجني التشاؤم على حياة ونفسية صاحبه، وأيضاً على كيان المجتمع كله. وأولى جناياته؛ "تشويه" العقل – إن لم نقل تخريبه تماماً. والجناية الثانية؛ هي تلذذ المتشائم بالكآبة، التي تقود إلى البُغض. وهكذا، تتكون جرائم التشاؤم ولدان البغض، الذي تلده الكآبة، ونوجزها في النقاط الآتية: 1- ضعف البدن، فالمتشائم هزيل وضعيف. 2- خور الهمة، والتوقف عن كل نشاط. 3- الحالات السلبية من كيان الروح، كالحقد، والإيذاء، والتخريب.. الخ. 4- الفضول والتدخل في شئون الناس. 5- التردد والجمود الفكري. 6- الانطواء على الذات، والاستمتاع بالألم، والإحساس بالتعاظم الداخلي. وهذا يعني أن التشاؤم مرض له أسبابه التي يمكن كشفها، ولكل مرض دواء. قاوم هذه الأسباب للتشاؤم نفسه حالات متعددة، متنوعة، وأوضاع تختلف باختلاف كل متشائم على حدة، وأسبابه متعددة كذلك متنوعة فلا نجدها مجتمعة في كل حالة. وهذا التنوع من التشاؤم لا يسمح لنا بمعالجته بدواء واحد ينجح في مداواة جميع الأشخاص المصابين به. فلابد من علاج خاص لكل إصابة تشاؤمية معينة. وهذا يعني أن على كل متشائم أن يخضع لامتحان شخصي، ويبحث عن العلاج النفسي الذي يوافقه، ولا يوافق غيره. والعوامل التي تُنشئ النزعة إلى التشاؤم هي: 1- الحساسية المفرطة، التي تجعل للحوادث البسيطة أهمية لا تستحقها. 2- ضعف الإرادة، فلا يستطيع المتشائم أن يقاوم نزعات نفسه. 3- اعتلال الصحة، ويظهر في أخلاقه وأفكاره وتصرفاته. هذه هي العوامل الأساسية للتشاؤم، فليعمل كل منا على مكافحة هذا الوباء، ومقاومة عوامله وبواعثه، من أجل تحقيق الأهداف الإنسانية العالية. هذا التفاؤل المنقذ: إن المتفائل لا يكون سليماً وجاداً إلا في حالة واحدة؛ أن يكون صاحبه عارفاً أتم المعرفة بنفسه ومكانته وظروفه، واعياً أدق الوعي لموقفه في الحياتين: الشخصية والاجتماعية. ذلك لأن المنطق السليم يتطلب أن نأخذ الأشياء على حقيقتها. ولا يتاح لنا أن نعرف الأشياء على حقيقتها، إلا عندما نكتشف حسناتها وسيئاتها معاً، بكل تمييز ودقة. والتفاؤل الجاد القويم الذي يحمل صاحبه على الجد في نظره إلى نفسه، إلى الحياة. فهو التفاؤل المنقذ الذي يخلصك من الأفكار السوداء، ويوّجهك نحو العمل الإيجابي المثمر. وهو يشغل الموقف "الوسط" بين التشاؤم الأرعن المتخاذل والتفاؤل الغافل، ويستقطب طاقات النفس ويحشدها لبذل جهد واع، في سبيل غاية أو مُثل أعلى، يُراد بلوغها، وبه يظهر التوازن العقلي، الذي بدونه ينتهي كل إنسان إلى السقوط والإخفاق. إن المتفائل الجاد يزن كل شئ بدقة، فهو يستخلص دوماً أفضل الفوائد من الموقف التي تضعه الظروف وسطها، حتى إذا رسم خط سلوكه، ثبت عليه دون تردد أو تخاذل، وسار فيه والابتسام فوق شفتيه. فمن أراد تحصيل التفاؤل، أي توازن العقل، وضمان النجاح، وجب عليه أن يبذل جهد الذكاء الذي لا ينخدع بالمظاهر، وجهد الإرادة التي تقاوم الانطباعات والانفعالات العاطفية، وتفرض على صاحبها الحزم والشدة في امتلاك أعصابه، والمثابرة على العمل، والجلد على مقاومة الصعاب، والابتسام الهادئ الرصين في معالجة المشكلات، واندفاعات الإحساس. صحتك النفسية والتفاؤل: فإذا أردت أن تتحلى بالتفاؤل المعقول، وجب عليك أن تداوي إحساسك، وأن تتجرع المر لتحس بعذوبة الحياة. ومداواة الإحساس في إطار الحياة النفسية الخالصة، تقتضيك العمل بثلاث "وصفات" جوهرية هي: - امتنع - في الأزمات العاطفية والانفعالية – عن كل حركة أو عمل من شأنه أن يثبت انفعالك، ويمده في الزمن. - حلل انفعالاتك. - تلمس دوماً وسائل الترفيه، وأسباب التسلية والرياضات العقلية والبدنية. ولكن عافية النفس منوطة إلى حدٍ بعيد أيضاً بصحة الجسم؛ فلابد من مراعاة هذه الثنائية في الطبيعة البشرية، التي تخلق علاقات لا فكاك منها بين الجسم والنفس. ذلك لأن الصحة في البدن تعزز التفاؤل، فهي تذكي من روح الجد، وتمهد للإرادة وسائل النشاط وتبسط أمام صاحبها قدرة على مواجهة الواقع الموضوعي. فإذا أريد تحصيل التفاؤل، وجب رعاية البدن. وتتخلص القواعد الصحية لمن يرشح نفسه للتفاؤل الواعي، في خمس هي: * الثقافة البدنية، هي معرفة التمارين والمبادئ الصحية وتطبيقها. * اتباع نظام غذائي سليم. * مراقبة الجهاز الهضمي بعامة، والأمعاء بخاصة. * القيام بتمارين تنفسية. * الرجوع إلى الطبيب كلما احتاج الأمر. أما تأثير الحالة النفسية على الصحة، ثم على يقظة الفكر، وصحة العقل، فيتركز دائماً في عنصر الطمع؛ لأن من يطمع ويلح به الطمع، يفقد توازنه العقلي. جرب أن يصرع عقلك طمعٌ، أو شهوة، أو رغبة، أو منصب، أو وظيفة. وتحقق من ذلك؛ فهذا التماسك عافية نفسية كاملة. المستقبل لك: إن الحياة – بعد كل حساب – ليست غير تمرين رياضي في شتى ميادينها، وحقولها، وآفاقها، وألوانها، واتجاهاتها، وأشكالها. الحياة جميلة، والوجود جميل. النور يملأ النهار، والنجوم تعمر الليل، فلا تنظر فقط إلى وقت الظلام. والدنيا لا تعبس في وجه من يبتسم لها، ولا تُظلم في عقل نير، لا تضطرب في قلب طاهر يرضي الله سبحانه ويعيش بقربه. فلِمَ الكآبة؟ ولِمَ التشاؤم؟ .. لا تتوقف لترثي الليالي، وتستغرق في الندم! ما مضى فات، فانظر للمستقبل، دوماً للمستقبل. وما لم تعمله بالأمس تستطيع أن تعمله غداً، بل الآن. اطلب من الله أن يهبك عزيمة لتعينك على بدء طريقك للتفاؤل البناء. وإنك عليه لقادر. فاعمل.. اجتهد.. تعلم.. لاحظ.. اسهر.. افرح.. أنشد مع المنشدين.. أنصت إلى الطبيعة.. تأمل الكون.. استمع لهمس الحب لله وللآخرين في قلبك.. انبذ الأحقاد والآلام.. واترك الماضي واعمل للمستقبل. |
نشرت فى 3 ديسمبر 2006
بواسطة emansamy
عدد زيارات الموقع
1,306,690
ساحة النقاش