وما نُرسلُ بالآياتِ الا تخويفا
الشمس والقمر آيتان من آيات الله العظيمة الدالة على كمال قدرته وعظيم خلقه سبحانه وتعالى ، ولذا نجد أن الله يذكرها دائما في كتابه العزيز عند ذكر الآيات العظيمة الدالة على أنه الإله الحق المتفرد بالخلق ، قال تعالى ( ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر لا تسجدوا للشمس ولا للقمر واسجدوا لله الذي خلقهن إن كنتم آياته تعبدون ) . ولما حاج إبراهيم عليه السلام النمرود ذكر له من خصائص الله التي لا ينازعه فيها أحد كتسيير الشمس وتحريكها ، قال تعالى ( فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الذي كفر ..........) الآية. وإن اختلال نظام هاتين الآيتين من الدلائل العظيمة على
قرب القيامة ونهاية هذا العالم ، فطلوع الشمس من المغرب من علامات الساعة الكبرى التي لا ينفع بعدها إيمان وصلاح كما صح بذلك الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . كما أن ذهاب الشمس والقمر دليل على قيام الساعة قال تعالى ( فإذا برق البصر ، وخسف القمر ، وجمع الشمس والقمر ، يقول الإنسان يومئذ أين المفر ) ، قال السعدي رحمه الله ( وخسف القمر ) أي ذهب نوره وسلطانه ، ( وجمع الشمس والقمر ) وهما لم يجتمعا منذ خلقهما الله تعالى فيجمع الله بينهما يوم القيامة ، ويخسف القمر وتكور الشمس ويقذفان في النار ليرى العباد أنهما عبدان مسخران وليرى من عبدهما أنهم كانوا كاذبين.
ومن الظواهر التي كثرت هذا الزمان الكسوف والخسوف في الوقت الذي لم يقع شيء من ذلك في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا مرة واحدة . إن كسوف الشمس والقمر لا يعد من الظواهر الطبيعية أو الأشياء الفلكية التي ليس لها مسببات شرعية ، فعلم الناس بوقوع الكسوف أو الخسوف قبل وقته لا ينافي في أنه له مسببا شرعيا بينه النبي صلى الله عليه وسلم حين انكسفت الشمس لما مات ابنه إبراهيم فقال الناس : انكسفت لموت إبراهيم ، فقال عليه الصلاة والسلام : " إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته- وفي رواية ( يخوف الله بهما عباده ) – فإذا رأيتموهما فادعوا الله وصلوا حتى تتكشف " متفق عليه من حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه.
لقد فزع النبي صلى الله عليه وسلم أشد الفزع لكسوف الشمس ودعا للصلاة، وقام قياما طويلا قريبا من سورة البقرة ، وقال : لم أر كاليوم من الخير والشر وأخذ ينفخ في سجوده ويقول: " ربي ألم تعدني ألا تعذبهم وأنا فيهم، ربي ألم تعدني ألا تعذبهم وهم يستغفرون ونحن نستغفرك " . ثم خطب الناس بعد الصلاة خطبة بين لهم أن هذا الكسوف تخويف من الله لعباده وأمر الناس بالصلاة والصدقة والاستغفار والعتاقة حتى ينجلي ما بهم.
ولكن لما بعد الناس عن ذلك العصر المنير أصبح الخسوف والكسوف أمرا عاديا ، بلا زاد القبح وعظم الشر فصار من المناظر الجميلة التي تلتقط لها الصور وتواجه بالتصفيق الحار ليس من الكفار بل مع الأسف من بعض المسلمين اللاهين العابثين. لقد أصبحنا نرى اليوم من أهل الإسلام ما يدمع العين ويحرق القلب عندما يخوفهم الله فما يزيدهم إلا طغيانا كبيرا ، وبدلا من التوبة والاستغفار والفزع والرجوع إلى الله تعالى قابلوا ذلك باللعب والصفير .
إن ما نراه من تصرفات من أناس ينتسبون للإسلام عند وقوع هذه الآيات العظيمة نذير عذاب قريب قال تعالى : ( وما نرسل بالآيات إلا تخويفا ) وقال تعالى ( فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا ولكن قست قلوبهم وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون ).
إن على الأمة أن تعلم أن حدوث مثل هذه الأمور استعتاب من الله للعباد ، قال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه لما زلزلت الكوفة ( إن ربكم يستعتبكم فاعتبوه ) أي يطلب منكم أن تزيلوا عُتبه بالتوبة والاستغفار والإنابة .
إن وقوع هذه الآيات العظيمة أمر داع إلى التوبة والرجوع إلى الله والصلاة في الحال وهجر المعاصي والذنوب ، وإلا حلت العقوبة ونزل العذاب وتبدلت الحال وهلك الصغير والكبير عندها لا ينفع دعاء ولا بكاء . لقد أعرض أقوام عن الآيات المنذرة فأتاهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون ، فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين، وحق عليهم أن يكونوا في الهالكين ، قال ابن مسعود رضي الله عنه " السعيد من وعظ بغيره " ، قال تعالى على لسان هود عليه السلام أنه قال لقومه ( فإن تولوا فقد أبلغتكم ما أرسلت به إليكم ويستخلف ربي قوما غيركم ولا تضرونه شيئا إن ربي على كل شيء حفيظ )
نشرت فى 11 يوليو 2006
بواسطة emansamy
عدد زيارات الموقع
1,306,737
ساحة النقاش