التربية الاقتصادية غائبة عن مجتمعاتنا العربية
<!-- / icon and title --><!-- message -->
التربية الاقتصادية غائبة عن مجتمعاتنا العربية
ماجدة تامر
تؤكد النظريات الاقتصادية الحديثة على ضرورة إظهار مدى المتغيرات المادية والمعنوية في تغيير أنماط السلوك الاقتصادي للبشر .
ويشمل السلوك الاقتصادي كلا من الأنماط الاستهلاكية و الادخارية والاستثمارية و الإنتاجية • ويرجع السبب في ذلك بالطبع إلى اعتبار علم الاقتصاد من العلوم الإنسانية التي تعنى بدراسة الإنسان من كافة الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وغيرها .
ومع التأكيد العلمي القاطع على أهمية إحاطة المجتمع بالمتغيرات المادية والمعنوية في توجيه السلوك الاقتصادي لكل من الفرد والمنشأة والدولة ، تصبح التربية الاقتصادية في غاية الأهمية •
ومن هنا يتولد لدينا فرع جديد من فروع هذا العلم يسمى ب " الاقتصاد التربوي " والذي يشمل أيضاً " الاقتصاد المنزلي " •
والحقيقة أننا لو أخذنا نماذج من واقعنا اليومي فستتضح لنا تماماً أهمية التربية الاقتصادية والاقتصاد التربوي ، فنحن في العالم العربي ورغم إيماننا بأهمية الاقتصاد كمنهج أساسي في الحياة ، ورغم إيماننا بأهمية تربية الفرد منذ صغره على احترام الأحكام الشرعية والقيم والمبادئ الأخلاقية المرتبطة بالاستهلاك والادخار والاستثمار والإنتاج والتوزيع ، إلا أننا نعيش بالفعل حالة من حالات الانفصام الاقتصادي أو عدم التوافق بشكل كبير بين القيم والضوابط الأخلاقية الإيجابية التي يتطلبها الاقتصاد من ناحية والواقع العملي التطبيقي من ناحية أخرى.
ويرجع ذلك وفق رأي المحللين الاقتصاديين إلى غياب التربية الاقتصادية من حياتنا اليومية على صعيد المؤسسات كافة بما في ذلك الأسرة •
فنحن نمارس عادات وأنشطة اقتصادية كثيرة في جوانب متعددة من الشراء والبيع وغير ذلك ولكن معظمها بعيد كل البعد عن المنهج الاقتصادي السوي. وسواءً كنا مقتنعين بها أم غير مقتنعين أم غافلين عن التفكير بأحكامه وضوابطه فهو أمر واقع •
فمن الناحية الاستهلاكية مثلاً نرى أن ظاهرة الإسراف والتبذير والتقليد والمحاكاة والتباهي والتفاخر هي الظاهرة السائدة على مستوى الفرد والمنشأة والدولة• وتشمل الإسراف والتبذير السلع الاستهلاكية والسلع الإنتاجية والخدمات والموارد الاقتصادية والموارد المالية وكذلك استنزاف طاقات الموارد البشرية وعدم الاهتمام بها وبالتالي عدم مراعاة واحترام موضوع البيئة والذي يعتبر جزءا لا يتجزأ من المنظومة الاقتصادية القائمة ومخلفاتها .
وأما بالنسبة لموضوع الادخار ، غاليا ما يساء فهمه ليصبح على شكل احتكار. وهذا في الحقيقة يؤثر على السلوك الاقتصادي للأفراد بشكل سلبي . إلى هذه الجوانب فإننا نرى أن النشاط الاستثماري والإنتاجي في العالم العربي تغلب عليه الأنشطة الخدمية و الاستثمارية ذات الطابع السمسري مثل المضاربة بالأسهم والعملات والعقارات بصورة مكثفة قد تفوق حاجة المجتمع إليها في أغلب المناطق والحقيقة فإننا أصبحنا نلمس بشكل كبير سيادة النزعة العارمة تجاه اقتناص فرص المضاربة بهدف تحقيق الربح السريع وليس بهدف الإنتاج والمصلحة العامة في أغلب الدول النامية •
وتبرز هنا بالطبع التضحية بالكثير من الأحكام والقيم والمبادئ الأخلاقية المتعلقة بالنواحي الاقتصادية •
فتبدأ بالطبع السلبيات بالظهور مثل الغش التجاري وسرقة حقوق الملكية الفكرية وبراءات الاختراع و انتشار الرشاوى والاختلاسات وأنواع الفساد المالي والإداري كافة، التي قد تستشري ومن ثم تعتاد عليها المجتمعات وتتأقلم معها إذا لم يتم محاربتها والقضاء عليها في حينها • ومن هنا تبرز أهمية الاقتصاد التربوي في خلق المناخ الصحي السليم الذي يقي المجتمع الكثير من الأمراض والمشكلات الناجمة عن الممارسات الاقتصادية المدمرة .
لا شك أن التلاميذ قد يصطدمون في أغلب الأحيان عندما تتبين لهم الفجوة الحقيقية بين ما يدرسونه من قيم ومبادئ وأخلاق وأحكام وضوابط وبين ما يرونه من ممارسات على أرض الواقع.
وهنا قد يغلب تأثير البيت والمجتمع على تأثير المدرسة ولو بعد حين• فإذا حدث ذلك فإن التلاميذ يتأقلمون بلا شك مع مؤسسات المجتمع كل وفق تربيته ، فإن كانت تربيتهم إيجابية وسليمة كان تفاعلهم مع مجتمعهم خيرا وأما إن كانت سلبية ، فسوف يختلف تعاملهم مع المجتمع ويكون تفاعلهم معه سيئا ولا يعول عليه .
وتأتي أهمية التربية الاقتصادية في المدرسة والجامعة كونها تتمة لما تلقاه الفرد في الأسرة و تتويجا لما حصله التلميذ من علوم أخرى. وبالتالي يتمكنون من فهم معنى الاقتصاد الحقيقي الذي يمكن أن يحقق معادلتي الربح والجودة في آن واحد .
فلا يكفي أن يتعلم التلاميذ بأن الغش والسرقة والرشوة مثلا من المحرمات ، بل لابد من الذهاب معهم في منهج علمي أعمق من ذلك يوضح لهم الآثار المدمرة لتلك السلوكيات وأضرارها التي تعود على الجميع أفرادا ومؤسسات بصورة مباشرة أو غير مباشرة وعلى المدى القريب أو البعيد ، و مساوئ كل ذلك على مستقبل المجتمعات والأمم . ولامانع أيضا من إطلاعهم على نماذج عالمية ناجحة ومثل عليا للإقتداء بها .
عدد زيارات الموقع
1,306,735
ساحة النقاش