يتردد في كتب العقيدة الإسلامية، بـعـض الألفـاظ والمصطلحات ، ينبغي أن نحدد معناها، وأن نتعرف عليها، لأن ذلك أمر ضروري ، منعاً للالتباس واختلاط المفاهيم ، وسنشير فيما يلي إلى ثلاثة مصطلحات هي : أهل السنة والجماعة ، والسلف ، وأهل الحديث.
1 - أهل السنة والجماعة :

ويجمع هذا المصطـلـح وصفين اثنين لأصحابه ، وهما: السنة والجماعة. (قد تقدم فيما سبق شرح معنى السنة فـي اللغة العربية وفي الاصطلاح الشرعي العام ، وفيما يراد بها في كتب العقيدة. ولذا نشير هـنـا إلى معنى الجماعة ، ومن ثم نجمع بين هذين الوصفين فيتضح لنا عندئذ معنى هذا المصطلح المركب منهما. )

 الجماعة في اللغة: مأخوذة من الجمع ، وهو ضم الشيء بتقريب بعضه من بعض. يقال: جمعته فاجتمع .

قال ابن فارس في (معجم مقاييس اللغة):

( الجيم والميم والعين أصل واحد ، يدل على تضامّ الشيء. يقال : جمعت الشيء جمعاً: والجُمَّاع : الأُشابة من قبائل شتى.. وقدر جماع وجامعة ، وهي القدر العظيمة..).

والجميع: ضد المتفرق،والمجموع: الذي جمع من هنا وهنا،وإن لم يجعل كالشيء الواحد.

وفلاة مجمعة: يجـتـمـع القوم فيها ولا يتفرقون ، خوف الضلال ونحوه ، كأنها هي التي جمعتهم. وكلمة جامعة: كثيرة المعاني على إيجازها، وجمعها: جوامع، كما في الحديث: « أوتيت جوامع الكلم » .

والجماعة: العدد الكبير من الناس.. وهي أيضاً طائفة من الناس يجمعها غرض واحد .

والجماعة هي الاجتماع، وضدها: الـفـرقــة .. وصــار لـفـظ الجـمـاعــة اسـمـاً لنفس القوم المجتمعين .

 ومن هذه النصوص اللغوية وأمثالها نلاحظ أن الجماعة تتكون من جملة عناصر هي : الضم والتقريب بين أناس من هنا وهناك ، أي من جماعات شتى ، وفيها معنى العظمة والكثرة ، وأن الاجتماع وعدم التفرق يهدف إلى عدم الضلال والضياع ، وللجماعة الكثيرة هــذه هــدف وغــرض واحد تلتقي عليه ، فهي تسير على منهج واحد لتصل إلى غرضها وغايتها. ولـعــل هذه الصفات والأمور كلها لا تخرج عن المفهوم العام والمعنى الذي يريده العلماء من هذا المصطلح (أهل السنة والجماعة) .

 وقد أمر الله تعالى في كتابه الكريم بالجماعة والائتلاف ، ونهى عن الفرقة ، والاختلاف فقال : {واعْتَصِـمُـــوا بِحَـبْــلِ اللَّهِ جَمِيعاً ولا تَفَرَّقُوا} [آل عمران: 103]، {ولا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا واخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ البَيِّنَاتُ وأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [آل عمران: 105].

وتواردت أحاديث النبي -صلى الله عليه وسلم- في الأمر بملازمة الجماعة والتحذير من مفارقتها ، كقوله -صلى الله عـلـيه وسلم- في حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- : « من خرج من الطاعة وفارق الجماعة فمات ، مات ميتة جاهلية» .

وعن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : « مــن أراد بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة، فإن الشيطان مع الواحد، وهـــو مـــن الاثنين أبعد » .

وعن النعمان بن بشير -رضي الله عنه- قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : « الجماعة رحمة ، والفرقة عذاب» 00 الخ.

 واختلف العلماء في المراد بهذه الجماعة التي أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- في هذه الأحاديث وما في معناها - بملازمتها.

وقد أجمل الشاطبي - رحمه الله - ذلك في خمسة أقوال :

1 - أنها السواد الأعظم من أهل الإسلام ، فالسواد الأعظم هم الناجون من الفرق ، فما كانوا عليه من أمر دينهم فهو الحق ، ومن خالفهم مات ميتة جاهلية سواء خالفهم في شيء من الشريعة أو في إمامهم وسلطانهم ، فهو مخالف للحق.

2- أنها جماعة أئمة العلماء المجتهدين ، فمن خرج مما عليه علماء الأمة مات ميتة جاهلية ، لأن جماعة الله هي العلماء ، جعلهم الله حجة على العالمين ، وهم المعنيون بقوله -صلى الله عليه وسلم- : « إن الله لن يجمع أمتي على ضلالة » ، وذلك أن العامة عنها تأخذ دينها ، وإليها تفزع عند النوازل ، وهي تبع لها. فمعنى قوله « لن تجتمع أمتي » : لن يجتمع علماء أمتي على ضلالة.

فعلى هذا القول : لا مدخل في السؤال لمن ليس بعالم مجتهد ، لأنه داخل في أهل التقليد ، فمن عمل منهم بما يخالفهم فهو صاحب الميتة الجاهلية. ولا يدخل أيضاً أحد من المبتدعين.

3- أن الجماعة هي الصحابة على الخصوص ، فإنهم الذين أقاموا عماد الدين وأرسوا أوتاده ، وهم الذين لا يجتمعون على ضلالة أصلاً ، وقد يقع من سواهم فيها. ألا ترى قوله -صلى الله عليه وسلم- : « لا تقوم الساعة إلا على شرار الناس » .

4 - أن الجماعة هي جماعة أهل الإسلام ، إذا اجتمعوا على أمر ، فواجب على غيرهم من أهل الملل اتباعهم ، وهم الذين ضمن الله لنبيه عليه الصلاة والسلام أن لا يجمعهم على ضلالة ، فإن وقع بينهم اختلاف ، فواجبٌ تعرُّف الصواب فيما اختلفوا فيه.

قال الشافعي : الجماعة لا تكون فيها غفلة عن معنى كتاب الله وسنةٍ ولا قياسٍ ، وإنما تكون الغفلة في الفُرقة.

وكأن هذا القول يرجع إلى الثاني ، وهو يقتضي أيضاً ما يقتضيه ، أو يرجع إلى القول الأول وهو الأظهر.

وفيه من المعنى ما في الأول : من أنه لا بد من كون المجتهدين فيهم ، وعند ذلك لا يكون مع اجتماعهم على هذا القول بدعة أصلاً ، فهم - إذاً - الفرقة الناجية.

5- ما اختاره الإمام الطبري من أن الجماعة جماعة المسلمين إذا اجتمعوا على أمير. فأمرَ عليه الصلاة والسلام بلزومه ، ونهى عن فراق الأمة فيما اجتمعوا عليه من تقديمه عليهم.

وقد قال صلى الله عليه وسلم : « من جاء إلى أمتي ليفرق جماعتهم فاضربوا عنقه كائناً من كان».

وحاصله: أن الجماعة راجعة إلى الاجتماع على الإمام والموافق للكتاب والسنة،وذلك ظاهر في أن الاجتماع على غير سنَّةٍ خارج عن معنى الجماعة المذكورة في الأحاديث المـذكــورة ، كالخوارج ومن جرى مجراهم .

 وما ننتهي إليه في معنى أهل السنة والجماعة: أنها الفرقة التي وعدها النبي -صلى الله عليه وسلم- بالنجاة من بين سائر الفرق. ومدار هذا الوصف على اتباع سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- وموافـقـــة ما جاء به من الاعتقاد والعبادة والهدي والسلوك، ومـلازمــة جماعة المسلمين ، وهو الحق الذي ينبغي التمسك به.

فعن عمرو بن ميمون قال : قدم علينا معاذ بن جبل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فوقع حبه في قلبي ، فلزمته حتى واريته في التراب بالشام ، ثم لزمت أفقه الناس بعده : عبد الله بن مسعود ، فذكر يوماً عنده تأخير الصلاة عن وقتها ، فقال : صلُّوها في بيوتكم واجعلوا صلاتكم معهم سُبْحة. قال عمرو ابن ميمون : فقيل لعبد الله بن مسعود: وكيف لنا بالجماعة؟ فقال لي : يا عمرو بن ميمون ، إن جمهور الجماعة هي التي تفارق الجماعة. إنما الجماعة ما وافق طاعة الله وإن كنت وحدك .

 وقد سُمِّيَتْ بأهل السنة والجماعة لتمسكهم بسنة النبي صلى الله عليه وسلم ، والعمل بها ، واتباعهم لما جاء به؟ ولأنهم يعتصمون بالحق وما عليه جماعة المسلمين فلا يفترقون في الدين ، وبذلك يكونون على الصراط المستقيم الذي هو دين الإسلام المحض الخالص ، وهو ما في كتاب الله تعالى ، فهو السنة والجماعة ، فإن السنة المحضة هي دين الإسلام المحض .

 وأهـل الـســنـة والجـمـاعـــة ليسوا محصورين في جماعة معينة أو فئة أو بلد أو زمن دون الآخر، إذ كل من اتصف بسـمات أهل السنة وكان على منهجهم فهو داخل في دائرة أهل السنة والجماعة. وبهذا يلتقي مفهوم أهل السنة مع مفهوم السلف -الأتي-.

2- السلف :

* قال ابن فارس في ( معجم مقاييس اللغة ) :

( سلف، السين واللام والفاء، أصل يدل على تقدُّم وسَبْق . من ذلك السلف ، الذين مضوا، والقوم السُّلاف: المتقدمون. والسلاف: السائل من عصير العنب قبل أن يعصر ، والسلفة : المعجّل من الطعام قبل الغداء..) .

وقال الراغب الأصفهاني في ( المفردات ) :

"السـلـف : المتقدم، قال تعالى : {فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفاً ومَثَلاً لِّلآخِرِينَ} [الزخرف 56] ، أي: معتبراً مـتقــدماً ، وقال تعالى : {فَلَهُ مَا سَلَفَ} [البقرة 275] ، أي يتجافى عما تقدم من ذنبه.. ولفلان سلَفٌ كريم : أي آباء متقدمون ، جمعه أسلاف وسلوف..).

وقال الدامغاني في (الوجوه والنظائر لألفاظ القرآن):

( السلف في القرآن على وجهين : فوجه منهما ، الـسـلـف: الـعـبرة والعظة ، كقوله تعالى {فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفاً} [الزخرف 56] ، يعني عظة لمن يأتي بعدهم .

والوجه الثاني، السلف: ما تقدم من الزمن الأول، كقوله تعالى {وأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ} [النساء 23] ، أي : مضى من الزمن الأول ) .

* وفي الاصطلاح الشرعي : تطلق كلمة السلف بإطلاقين أحدهما خاص والآخر عام .

ففي الإطلاق الخاص عرَّفه كل طائفة من العلماء بحسب مذهبهم ، فقال علماء الحنفية: السلف من أبي حنيفة إلى محـمد بن الـحـسـن (189هـ) ، ويقابله الخلف : من محمد بن الحسن إلى شمس الأئمة الحلواني (448 هـ) .

ومن ينتسب إلى مذهب الإمام أحمد بن حنبل يقول: السلف: الإمام أحمد بن حنبل، ومَنْ تقدَّمه من الصحابة والتابعين .

وعلماء الشافعية والمالكية وعلماء الكلام، يقولون: السلف ما كان قبل الأربعمائة ، والخلف ما كان بعد الأربعمائة .

* وفي الإطلاق الشرعي العام ، يراد بالمسلف : كل من يُقلَّد مذهبه في الدين ويُقْتَفى أثره فيه ، كالصحابة والتابعين والأئمة المجتهدين .

ثــــم أصبح مع التطور التاريخي لظهور الفرق الإسلامية منحصراً في المدرسة السلفية التي حافـظـــت على العقيدة والمنهج الإسلامي طبقاً لفهم الأوائل الذين تلقَّوه جيلاً بعد جيل ، وأبرز سماتهم التمسك بمنهج النقل ؛ ولهذا عرفوا في البداية بأنهم "أهل الحديث" للتمييز بينهم وبيـن مــــن انسلخ عن هذا المنهج من الشيعة والمعتزلة والخوارج وغيرهم . كما أنهم يعرفون أيضاً بأنهم ( أهل الأثر ) ، وهذه النسبة إلى الأثر، تعني:الحديث وطلبه وأتباعه .

* ومن هذه الإطلاقات لكلمة السلف نخلص إلى أن هذا اللفظ يشمل : الصحابة والتابعين، وتابعيهم من الأئمة الذين يقتدى بهم، كالأئمة الأربعة: أبي حـنـيـفــــة ومالك والشافعي وأحمد بن حنبل، وسفيان الثوري ، وابن عيينة ، وحماد بن سلمة، وحماد بن زيد، وابن أبي شيبة، والبخاري ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.. وغـيـرهم مـــــــن الأئمة الأجلاء الأعلام الذين شُهِد لهم بالإمامة في الدين والورع والتقوى ظاهراً وباطناً ، وتـلـقــى الـناس كلامهم بالقبول والعمل به خلفاً عن سلف دون اعتبار لزمن معين . وعندئذ يـتـحــدد مذهب السلف بما كان عليه الصحابة الكرام والتابعون وتابعوهم من الأئمة المذكورين .

* ويخرج عن السلف كل من رُمِيَ ببدعة أو اشتهر بلقبٍ غير مرضيّ من الفرق المخالفة للسنة ولمذهب الصحابة وما كانوا عليه، مثل: الروافض، والخوارج، والقَدَرية، والمرجئة، والجبرية، والمعتزلة، والمشبهة أو المجسِّمة وسائر الفرق الضالة، فهؤلاء ليسوا على ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم ، بـل هــــــم مخــالفون لهم، ومخالفون لأهل السنة والجماعة من فقهاء الأمة وعلمائها الذين يقتدى بهم في الدين .

وكذلك : ليس من مذهب السلف - رحمهم الله - حمل الناس على اعتقادٍ لم يعتقده الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، ولا امتحان الناس بما لم يمتحنهم الله تعالى به ، والعمل على الفتنة وتفريق صفوف الأمة .

وليس من مذهب السلف - وإن ادّعاه قوم - أن يُطلِق إنسانٌ لسانه بالطعن والشتم على الأئمة المتقدمين ، ولا سيما الأئمة الأربعة ، ويحط من قدرهم بنسبتهم إلى الجهل أو الخطأ أو تعمد التغيير في الأحكام ، ويستدل على مُدَّعاه بآية يأخذها على ظاهرها دون أن يفقه معناها ، أو يستدل بحديث لا يدري قول الأئمة فيه ، ويدعو الناس والعوام إلى الأخذ من القرآن أو الحديث من غير اتباع لقول أحد من الأئمة ، ويقول : هذا كتاب الله وسنة رسول الله بين أيدينا ، فأي حاجة بنا إلى تقليد فلان أو فلان ، وهم رجال ونحن رجال !

هذا القول ليس بحق ، أو هو حق أريد به باطل ، بل هو محض باطل أراد به صاحبه تشكيك الناس ، أو الوصول إلى الشهرة بينهم ، إذ ليس بوسع كل أحد أن يأخذ أي حكم يريده من القرآن أو السنة إلا بمراجعة ما ورد من الأئمة في ذلك الحكم ، فهم أقرب عهداً بالرسول - صلى الله عليه وسلم - ، وأكثر علماً وإحاطة بما جاء عنه ، وفي الآيات والأحاديث ما هو منسوخ ، وما هو مقيد ، وما هو محمول على غيره ، كما هو مذكور في علم الأصول .

وليس من مذهب السلف أيضاً : تأويل القرآن الكريم بالرأي الفاسد ، دون النظر إلى ما ورد عن أئمة اللغة وما فسر به الصحابة وما ورد فيه من آيات وأحاديث ، وإلا فإنه يأخذ بعض الآيات والأحاديث ، يضرب بعضها ببعض ، أو يأخذ بعض الأدلة ويترك سائرها ، أو يترك المحكم من النصوص في القرآن والسنة ، فيأخذ ما يتفق وعقله وينبذ ما لا يتفق معه أو لا يعرف وجهه ومعناه ، أو يحمل نصوص الشرع على وفق هواه ومذهبه الذي ينتحله باطلاً .
3- أهل الحديث :

* الحديث في اللغة : ضد القديم ، ويستعمل في كثير من الكلام وقليله ، وهو اسم من التحديث بمعنى الإخبار . ثم سمي كل ما صدر عن النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير أو وصف خَلْقي أو خُلُقي .

وبعض العلماء يضيف إلى ذلك : ما أضيف إلى الصحابي أو التابعي أو ما صدر عنهما . وعندئذ تصبح كلمة الحديث مرادفة للخبر عند علماء الحديث . وهو مرادف كذلك لكلمة ( الأثر ) عند بعض العلماء.

وتقدم - فيما سبق - أن الفرق بين السنة والحديث : أن الحديث كل واقعة نسبت إلى النبي صلى الله عليه وسلم ولو كان فَعَلَها مرة واحدة في حياته الشريفة ، أو رواها عنه شخص واحد .

* وأما السنة : فهي الطريقة المتواترة للعمل بالحديث بل القرآن أيضاً . فقد ورد - مثلاً - في القرآن الكريم : الأمر بإقامة الصلاة ، وبين فيه بعض تفاصيلها أيضاً ، فالرسول صلى الله عليه وسلم بموجب ذلك قال : « صلُّوا كما رأيتموني أصلي » . واستمر على تلك الكيفية وكذلك الصحابة والتابعون وسائر المسلمين . وهكذا الأمر في الصيام والزكاة والحج وسائر الأوامر القرآنية .

فالصورة العلمية التي رسمها الرسول صلى الله عليه وسلم لألفاظ القرآن هي السنة ، وهي في الحقيقة تفسير عملي للقرآن .

* فإذا تعرفنا على معنى الحديث ، فإننا نستطيع أن نتعرف على : ( أهل الحديث ) ؛ وهم الذين سلكوا طريق الصالحين واتبعوا آثار السلف من الماضين ، وكان لهم عناية خاصة بأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم : جمعاً وحفظاً ورواية وفهماً وعملاً في الظاهر والباطن ، فكانوا بذلك ألزم الناس لسنن النبي صلى الله عليه وسلم ، لا يقدِّمون بين يديه ، ولا يرفعون صوتهم فوق صوته بتقديم رأي أو هوى أو استحداث بدعة .

ومنهم : كلُّ عالم فقيه ، وإمام رفيع نبيه ، وزاهد في قبيلة ، ومخصوص بفضيلة ، وقارئ متقن وخطيب مُحْسن ، وهم الجمهور العظيم ، وسبيلهم السبيل المستقيم ، لأنهم أخذوا دينهم وهديهم من الكتاب والسنة وطريق النقل ، فأورثهم ذلك اتفاقاً في الدين وائتلافاً ، رغم بعد ديارهم واختلاف أزمانهم .

* وكان المتقدمون يطلقون مصطلح "أهل الحديث" على المدرسة التي تقابل أهل الكلام ، أي مقابل علماء الكلام الذين عابهم السلف لما أدخلوا في الاعتقاد من مصطلحات وأفكار غريبة عن المنهج الإسلامي ، ولذلك اشتد النكير عليهم من علماء السنة . وهم أنفسهم - أي علماء الكلام - كان يطلق عليهم ( أهل الرأي ) . لأنهم يقدمون آراءهم على الكتاب والسنة، ويعطون عقولهم سلطة الحكم على النصوص الشرعية . وهؤلاء هم من أعداء السنن حقيقة كما جاء وصفهم عن عمر -رضي الله عنه- .

* ثم أصبحت كلمة ( أهل الحديث ) تطلق بمعنى أخص على فئة معينة ممن يعنون بدراسة الحديث النبوي رواية ودراية،أو رواية فحسب، أو ممن ينتسبون إلى هذا الأمر ويجتمعون عليه نظراً ، ولو لم يكن لهم نصيب يذكر من العلم بالحديث النبوي الشريف .

وينبغي التنبيه إلى تغير المصطلحات بمرور الأزمـنـة، واختلاف مدلولاتها بين عصر وآخر عند كثير من الناس .

وإذا كان الأئمة - يرحمهم الله - يطلقون على أهــل الحديث - في الماضي - أنهم الفرقة الناجية والطائفة المنصورة ، فإن اصطلاح أهل الـحـــديث قد ضاقت دائرته عند الكثيرين حتى صار عَلَماً على فئات تكون من أهل الحديث، ولكنها ليست أهل الحديث.

ولذلك لا يحسن إطلاق (الفرقة الناجية) على فئات محددة تتسمى بأهل الحديث ، وإن كانت هي - فعلاً - من أهل الحديث ، بل ينبغي إعادة هذا الاصطلاح إلى مفهومه الموسع الصحيح .

* وإذا لاحظنا فيما سبق أن مفهوم ( أهل السنة والجماعة ) يلتقي مع مفهوم ( السلف )، فإن مفهوم ( أهل الحديث ) أو ( أهل الأثر ) بالمعنى الواسع لا يخرج عنهما كذلك، ولـذلـك لــم يكـن مذهـب السـلـــف أو أهل السنة مذهباً جديداً مبتدعاً ، بل هو المنهج الذي كان عليه الرسول صلى الله عـلـيه وسلم وصحابته الكرام والتابعون لهم بإحسان ، وكذلك سائر الأئمة ، وإنما تميزوا - فـيـمــا بعد - بهذا اللقب أو التسمية في مقابل أهل البدع والأهواء والفرق المخالفة ، ومن هنا جاء الحديث عن عقيدة أهل السنة والجماعة .

فإذا لم يكن ما يدعو للمقابلة والـتـمـيز لعدم وجود ما يناهضها ، يعود الحديث عندئذ عن العقيدة الإسلامية ، هكذا بعامة ، والله الموفق .

emansamy

Emi

  • Currently 47/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
16 تصويتات / 349 مشاهدة
نشرت فى 26 يونيو 2006 بواسطة emansamy

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

1,306,770