المراحل الثلاثة للمقاومة العراقية
<!-- / icon and title --><!-- message --> المراحل الثلاثة للمقاومة العراقية


والاستراتيجية الأمريكية لإحتوائها






«إن ستراتيجية الغزاة هي حرب صاعقة. فإذا إستطعنا أن نصمد لثلاثة سنوات أو أكثر، فسيكون من الصعب عليهم أن يصبروا تحت ضغطنا». تلك كانت كلمات الزعيم الصيني «ماو تسي تونغ» في عام 1937 عندما كان يتحدث عن غزو اليابانيين للصين. ويبدو أن كلمات «ماو تسي تونغ» التي أطلقها قبل 68 عاماً لا زالت تنطبق الآن على واقع المقاومة الوطنية العراقية بعد غزو العراق من قبل أمريكا وحلفائها. لا بل أن واضعي الستراتيجية العسكرية الأمريكية للعراق أدركوا الآن أن نظرية «ماو تسي تونغ» تلك يجب أن تؤخذ بنظر الإعتبار من أجل وضع الخطط الخاصة بالقضاء على المقاومة العراقية التي تمثل أكبر عائق يواجه الولايات المتحدة ليس في العراق فحسب بل في منطقة الشرق الأوسط بكاملها. فمخططي الستراتيجية العسكرية الأمريكية في العراق يعلمون جيداً أن المراحل الثلاثة لمقاومة الإحتلال التي حددها «ماو تسي تونغ» قد تم تطبيقها من قبل الفيتناميين الشماليين والفيت كونغ وكانت عِلماً عسكرياً قاتلاً تم تنفيذه بكل دقة، إنتهت بتحرير فيتنام بعد أنهكت القوات الأمريكية في حرب وجدت أنها لن تنتهي إلا برحيلهم، وهذا ما يبدو أن المقاومة الوطنية العراقية تطبقه على الأرض منذ إحتلال العراق ولحد الآن.

وتبعاً للنظرية التي وضعها «ماو تسي تونغ» والتي أثبتت نجاحها في فيتنام، فإن أول مرحلة من مراحل نجاح المقاومة هي مرحلة "الثبات والبقاء". وهذا ما أكدته تجربة المقاومة الوطنية العراقية بعد إحتلال العراق، حيث ظهرت المقاومة منذ اليوم الأول لإحتلال بغداد، وكانت بذلك تمثل مرحلة "الثبات والبقاء" والإستمرار بمقاومة الغزاة التي بدأها الجيش العراقي الباسل منذ اليوم الأول لغزو العراق.

تتميز المقاومة المسلحة خلال المرحلة الأولى حسب نظرية «ماو تسي تونغ»، بتطوير بنيتها التحتية وتفعيل حملة تجنيد المقاتلين وكسب التأييد الشعبي، إضافة إلى صياغة آيديولوجيتها وتنظيم جهاز الدعاية لنشر تلك الآيديولوجية. ويتزامن ذلك مع عمليات هجومية من شأنها "هز" قوات الإحتلال وعملائها المتعاونين معها وليس بالضرورة من أجل تأثير عسكري مهم، وهذا ما حدث بالضبط في العراق. ففي العراق تميزت تلك المرحلة بعمليات من نوع زرع المتفجرات على جوانب الطرق وإستعمال قذائف آر بي جي والقنص، إضافة إلى عدد من العمليات النوعية بين آونة وأخرى. وقد أدت تلك العمليات التي نالت من القوات الأمريكية والقوات الأمنية للحكومة العميلة التي نصبوها تشجيعاً غير محدود من الشعب العراقي، إضافة إلى أشكال متعددة من الدعم تناله المقاومة سواء في الداخل أو الخارج.

إن إستمرار نجاح المرحلة الأولى من المقاومة أوقد بكل تأكيد شعلة نشاط المرحلة الثانية الهجومية الواسعة، وهذا ما تحاول قوات الإحتلال مواجهته والحد منه في الفترة الراهنة. ففي هذه المرحلة نمت المقاومة من شن عمليات متفرقة وعلى نطاق صغير إلى عمليات نوعية مؤثرة جداً ومخطط لها بعناية ومنسقة بشكل عالٍ وعلى نطاق واسع شمل جميع أنحاء العراق، وخصوصاً على أهداف غاية في الأهمية لقوات الإحتلال. وتميزت المرحلة الثانية للمقاومة بنمو قدرتها على جمع المعلومات الإستخبارية الدقيقة الأمر الذي أدى بها لشن عمليات عديدة قاتلة أكثر إتقاناً وأكثر تأثيراً على قوات الإحتلال والقوات الأمنية للسلطة العميلة.

وكما ذكرنا في مقال سابق، فإن المقاومة الوطنية نمت بشكل غير مركزي في المرحلة الثانية، الأمر الذي جعل من إستشهاد أو إلقاء القبض على عناصر منها ليس ذو تأثير مهم وكبير على نشاطاتها وعملياتها. وقد حدد «ماو تسي تونغ» هذا الأمر أيضاً حين قال أنه "لا يمكن للقيادة في هذه المرحلة أن تكون مركزية، وإذا كانت كذلك، فسيكون نشاطها ذو نطاق محدود"، وهذا ما ينطبق اليوم على المقاومة الوطنية العراقية.

كما ويقول «ماو تسي تونغ» أن المرحلة الثالثة للمقاومة هي المرحلة الحاسمة والفاصلة. إذ أن المقاومة في هذه المرحلة تكون قد نمت بشكل أوسع مما يجعلها قادرة على تحقيق النصر من خلال شن حرب تقليدية وأخرى غير تقليدية. إن المقاومة الوطنية العراقية لم تصل بعد إلى هذه المرحلة، وهو ما تسعى قوات الإحتلال لمنع حدوثه، إذ بعكسه سيجد المحتلون أنفسهم بوضع ينتهي برحيلهم الخائب عن أرض العراق. ومع ذلك، نعتقد بأن قوات المقاومة بجميع فصائلها تدرك صعوبة الوصول إلى المرحلة الثالثة، خصوصاً مواجهة قوات الإحتلال بعمليات حربية تقليدية، لذا فإن ستراتيجية المقاومة ستستمر برأينا في المرحلة الثانية على المدى المنظور إلى أن تقبل قوات الإحتلال بحقيقة عدم جدوى وجودها في العراق، وقد يكون ذلك مشابهاً لما عانت منه قوات البحرية الأمريكية في لبنان عام 1983 والصومال في عام 1993.

وما يبدو أنه إسترشاداً بنظرية «ماو تسي تونغ» حول المراحل الثلاثة لمقاومة الغزاة التي ثبت نجاحها مسبقا، فإن دوائر البنتاغون قد وضعت ستراتيجيتها المقبلة من خلال ما يسموه «إحتواء المقاومة الوطنية العراقية في مرحلتها الثانية والعودة بها إلى المرحلة الأولى بأسرع ما يكون». فقد بدأت قوات الإحتلال خططها تلك بعملياتها الإجرامية الأخيرة في الفلوجة، مدينة الأبطال والعز والإباء، والتي تعتبرها القيادة العسكرية الأمريكية أولى مراحل تنفيذ تلك الخطة. ومع بدء تنفيذ هذه المخطط لإحتواء المقاومة، ورغم الجرائم التي إرتكبتها تلك القوات في الفلوجة بإستعمالها لجميع أنواع الأسلحة وحتى المحرم منها دولياً كالأسلحة الكيمياوية، فإن المقاومة لم يفت عضدها، بل إزدادت عنفواناً ونشاطاً في مناطق أخرى لم تشن فيها عمليات نوعية من قبل.

ونتيجة للفشل الذريع لقوات الإحتلال بالتصدي للمقاومة الوطنية العراقية، قام أنتوني كوردسمان الخبير الستراتيجي من مركز الدراسات الستراتيجية والدولية في واشنطن بزيارة للعراق في منتصف العام الماضي إجتمع خلالها بالعديد من قادة الوحدات العسكرية والإستخبارية الأمريكية في محاولة منه لفهم طبيعة عمل المقاومة ولغرض الخروج بنصائح يقدمها للإدارة الأمريكية حول كيفية كبح جماحها والقضاء عليها.

وكتب كوردسمان بعد زيارته تلك للعراق تقريراً للبنتاغون بعنوان "التمرد والتمرد المضاد" قدم فيه النصح للبنتاغون وللإدارة الأمريكة قائلاً "إن المقاومة تمثل «مرضاً» إن لم تقضي عليه فسيستشري بسرعة وتصبح إمكانية القضاء عليه صعبة إن لم تكن مستحيلة". وتبعاً لتحليله هذه، نصح كوردسمان بضرورة تطوير طرق "المخابرات البشرية" والإبتعاد عن مصادر المخابرات التقنية وضرورة تجنيد ضعف ما هو موجود منهم الآن على الأقل، بإعتبار أن المخابرات البشرية هي أساس النجاح في القضاء على المقاومة. وحول هذا الموضوع أيضاً، أكد كوردسمان على ضرورة وأهمية المترجمين وأفراد المخابرات المدربين جيداً للقيام بهذا العمل، والذي أكده بعد ذلك جون أبي زيد، قائد القيادة المركزية للقوات المسلحة الأميركية، حين تحدث حول ضرورة الحصول على المعلومات المخابراتية الآنية والسريعة عن عمليات زرع المتفجرات على جوانب الطرق والكمائن والهجمات بقذائف الهاون والتي لا تأتي إلا من قبل عملاء لدوائر المخابرات.

إضافة لما ورد، أكد كوردسمان على ضرورة العمل الجدي من أجل تحييد المقاومة وعزلها عن المحيط الداعم لها. وفي رأينا أن المخابرات الأمريكية والصهيونية تتعاونان الآن في العراق أكثر من أي وقت مضى وبشكل يؤكد أنهما تقومان بمحاولات حثيثة لعزل المقاومة عن الشارع العراقي من خلال زرع عدم الثقة بين المقاومة الوطنية العراقية والشعب العراقي المناهض للإحتلال وكما رأينا مؤخراً من خلال عمليات قتل المواطنين المدنيين الأبرياء التي ألصقتها قوات الإحتلال والإعلام السائر بركابها بالمقاومة الوطنية، وتلك هي واحدة من أكثر الوسائل إجراماً وخسة للمخابرات الأمريكية والصهيونية العاملة على الساحة العراقية.

من هنا نرى أن المخطط الحالي لتشويه صورة فصائل المقاومة الوطنية ومحاولة تحجيم الدعم الشعبي لها قد أخذ مساراً خطراً على مسيرتها النضالية من أجل تحرير العراق من قوى الإحتلال وعملاءه، ولكن هذا ما تدركه بالتأكيد جميع قوى المقاومة والقوى السياسية الوطنية الداعمة لها وجميع أبناء شعبنا الأبي. وبهذا فإن تلك المحاولات العقيمة الخائبة لأجهزة مخابرات قوات الإحتلال والسلطة العميلة ستندحر بلا شك أمام إستيعاب جميع فصائل المقاومة الوطنية لهذه الأساليب التي منيت بالفشل. بل والأهم من ذلك أن المقاومة الوطنية العراقية تعي جيداً أن نظرية إحتواءها وإبعاد الدعم الشعبي عنها قد إنعكست سلباً على قوات الإحتلال، الأمريكية منها بشكل خاص، حيث تعاني دوائر البنتاغون من صعوبات جمة في تجنيد متطوعين للعمل في قواتها سببها بدون شك الهزائم التي منيت بها قواتهم في العراق، الأمر الذي دعى أحد الكتاب الأمريكان لتوجيه رسالة إلى الكونغرس الأمريكي يطلب فيها سن قانون يسمح بتجنيد شباب من جنسيات غير أمريكية وعرض مختلف الإغراءات لغرص تجنيدهم في الجيش الأمريكي.

فأمام إصرار شعبنا على دعم المقاومة بجميع فصائلها العسكرية والسياسية سيجد المحتلون وعملائهم أنفسهم عاجلاً وليس آجلاً أن إستمرار وجودهم على أرض الرافدين ليس إلا مسألة وقت، ووقت قصير جداً.

emansamy

Emi

  • Currently 60/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
20 تصويتات / 369 مشاهدة
نشرت فى 15 يونيو 2006 بواسطة emansamy

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

1,306,785