التوديع والفراق


ودع رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب في مسيره إلى العمرة،فقال:"يا أخي لا تنسنا من دعائك".
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا خرج أحدكم إلى سفر فليودع إخوانه،فإن الله جاعل له في دعائهم بركة".
وكان عبد الله بن عمر إذا ودع رجلا يقول:استودع الله دينك، وأمانتك، وخواتم عملك.
قال الشعبي: السُّنة إذا قدم رجل من سفر، أن يأتيه إخوانه فيسلّموا عليه، إذا خرج إلى سفر أن يأتيهم فيودعهم ويغتنم دعائهم.
ودع شعبة بن الحجّاج رجلا خارجاً إلى الحج فقال له :أما إنَّك إن لم تعدَّ الحلم ذلاً، ولا السّفه شرفاً، سلم حجُّك.
ودع عبد الله بن المبارك رجلا، فقال:
ونحن ننادي أنّ فرقة بيننـا
فراق حياةٍ لا فراق ممات
وقال إبراهيم الموصلي:
تقضَّت لباناتٌ وجـدّ رحـيل
ويشف من أهل الصَّفاء غليل

ومدَّت أكفٌ للوداع تصافحـت
وكادت عيونٌ للفراق تسـيل
ولا بد للإلفين مـن ذمِّ لـوعةٍ
إذا ماالخليل بان عنه خـلـيل
فكم من دمٍ قد طلّ يوم تحمَّلت

أوانس لا يودى لهنّ قـتـيل
غداة جعلت الصَّبر شيئاً نسيته
وأعولت لو أجدى عليك عويل

وقال محمد بن مقسم، أنشده له ابنه أبو الحسن أحمد بن مقسم:
فراق الأحـبَّة داءٌ دخـيلٌ

ويوم الرَّحيل لنفسٍ رحيل
سمعت ببينك فاعتـادنـي
غليلٌ ببقلبي وحزنٌ طويل
أهذا ولم يك يوم الـفـراق
فإن كان لا كان زاد الغليل
وأيقنت أنِّي بـه تـالـفٌ
ما قد وصفت عليه دلـيل
حياة الخليل حضور الخليل
ويفنى إذا غاب عنه الخليل
وقال آخر:
بكت عيني غداة البين حزناً
والأخرى بالبكا بخلت علينا
فجازيت التي جادت بدمـع
بأن أقررتها بالوصل عينا
وجازيت التي جادت بدمعٍ

بأن غمّضتها يوم التقـينـا

وقال الزبير بن بكار:شيعني إسحاق بن إبراهيم و قال:
فراقك مثل فراق الحـياة
وفقدك مثل افتقاد الـدّيم
عليك السَّلام فكم من وفاءٍ
أفارق منك وكم من كرم




وقال آخر:
ودّع أحبابه فمـا وقـفـوا

ولا على ذي صبابةٍ عطفوا

كم كبدٍ قطعـوا بـينـهـم
وكم دموعٍ عليهم تـلـف
كأنَّهم لـم يجـاوروك ولـم
تعرفهم والوصال مؤتلـف

وقال آخر:
لم أنس يوم الرَّحيل موقفها
وطرفها في دموعها غرق
وقولها والرِّكـاب واقـفةٌ
تركتني هكذا وتنطـلـق

وقال آخر:?
ليس شيءٌ من الفراق وإن كا
ن أخو الوجد والهاً كلـفـا

أحرق من وقفة المشيِّع للقل
ب يريد الرُّجوع منصرفـا

وقال آخر:
أقول له حين ودَّعـتـه

وكلٌّ بعشرته مبـلـس

لئن رجعت عنك أجسامنا
لقد سافرت معك الأنفس

وقال آخر:
من يكن يكره الفراق فإنِّي
أشتهيه لموضع التَّسلـيم
إنَّ فيه اعتـنـاقةً لـوداعٍ
وانتظار اعتناقةٍ لـقـدوم

وقال آخر:
صاح الغراب بوشك البين فارتحلوا
وقرَّبوا العيس قبل الصُّبح واحتملوا
وغادروا القلب ما تهدا لواعـجـه

كأنَّه بضرام النَّـار مـشـتـعـل
وفي الجوانح نار الحبِّ تقـذفـهـا
أيدي النّوى بزناد الشَّوق إذ رحلوا
لمَّا أناخوا قبيل الصّبـح عـيرهـم
ورحَّلوها وسارت بالدُّمـى الإبـل

وقلَّبت من خلال السُّجف ناظرهـا

ترنو إليًّ ودمع العين منـهـمـل
وودّعت ببـنـان عـقـده عـنـمٌ
ناديت: لا حملت رجلاك يا جمـل
ويحيى من البين ماذا حلَّ بي وبهم
من نازل البين حلَّ البين وارتحلوا
يا راحل العيس عرِّج كي نودِّعهـم
يا راحل العيس في ترحالك الأجل

إنِّي على العهد لم أنقض مودّتهـم
يا ليت شعري لطول البين ما فعلوا
أنشدني أبو القاسم خلف بن قاسم رحمه الله، قال أنشدني أبو بكر بن محمد ابن عبد الله بن الصَّيدلاني، قال: أنشدني أبو الحسن علي بن سليمان بن الفضل الأخفش:
سقياً ورعياً وإيماناً ومغفـرةً
للباكيات علينا حين نرتحـل
يبكي علينا ولا نبكي على أحدٍ

أنحن أغلظ أكباداً أم الإبـل
وقال آخر:
أحجَّاج بيت الله فـي أيِّ هـودجٍ
وفي أيِّ خدرٍ من خدوركم قلبـي

أأبقى نحيل الجسم في أرض غربةٍ
وحاديكم يحدو بقلبي مع الرَّكـب


وقال عمر بن أبي ربيعة:
هاج القريض الذِّكر
لمَّا غدوا فانشمروا
على بغالٍ شـحَّـجٍ
قد ضمَّهنَّ السَّفـر
فيهنَّ هندٌ ليتنـي
ما عمِّرت أعمَّر
حتَّى إذا ما جاءها
حتفٌ أتاني القدر

وقال آخر:
أيا عجباً ممَّـن يودِّع إلـفـه
يمدَّ يداً نحو الفراق فيســرع

هممت بتوديع الحبيب فلم أطق

فودَّعته بالقلب والعين تدمـع


وينظر إليه في قول الآخر:
ودَّعها طرفي فقالت لـه

بالدَّمع أستودعك اللـه
وقال حبيب
مااليوم أوَّل توديعي ولا الثَّـانـي
البين أكثر من شوقي وأحزانــي
حسب الفراق بأنَّ الدَّهر ساعـده
فصار أملك من روحي بجثماني
وماأظنُّ النَّوى يرضى بما صنعت
حتَّى تشافه بي أقصى خرسـان

وقال آخر:
أهدى إليه سفرجلاً فتـطـيَّرا
منه وظلّ مفكِّراً مستعـبـراً

خوف الفراق لأنَّ شطر هجائه
سفرٌ وحقَّ له بأن يتـطـيَّرا

وقال آخر:
أقيم وتظعنين وأنت روحـي
وهل جسدٌ يعيش بغير روح

لئن كان الفراق غداً فـإنِّـي
سأحمل لا أشكُّ إلى ضريحي
تعالي بعد فرقتنا لنـبـكـي
فإنِّي نائحٌ أبـداً فـنـوحـي


وقال أبو الشيص، وهو محمد بن عبد الله بن رزين:
مافرَّق الأحبـاب بـع
د الـلـه إلاَّ الإبــل
والنَّاس يلحـون غـرا
ب البين لمَّا جهـلـوا
وماعلى ظهـر غـرا
ب البين تطوى الرِّحل

ولا إذا صـاح غـرا
بٌ في الدِّيار ارتحلوا
وماغراب الـبـين إلاَّ
ناقةٌ أو جـمـــل
أنشدنيها عبد الوارث عن قاسم عن أبي خيثمة لأبي الشِّيص.
وقال العلوي علي بن محمد:
ولقد نظرت إلى الفراق فلم أجد
للموت لو فقد الفراق سبـيلا
ياساعة البين الطَّويل كـأنَّـمـا
واصلت ساعات القيامة طولا
وقال عبيد الله بن عبد الله بن عتبة الفقيه:
لعمري لئن شطَّت بعثمة دارها
لقد كدت من قبل الفراق أليح
أروح بهمٍّ ثم أغدو بمـثـلـه
ويحسب أنِّي في الثِّياب صحيح
وقال حبيب:
يوم الفراق لقد خلقت طويلا
لم تبق لي جلداً ولا معقـولا
لو جاء مرتاد المنيَّة لم تجـد
إلاَّ الفراق على النُّفوس دليلا

قالوا الرَّحيل فما شككت بأنَّها
نفسي عن الدُّنيا تريد رحيلا
وهذا باب أكثر فيه أهل الظرف، فرأيت اختصاره،قال الحارث بن وعلة، وتنسب إلى العتّابي كلثوم بن عمرو،وهي أبيات كثيرة أولها:
ماغناء الحـذار والإشـفـاق
وشآبيب دمعك الـمـهـراق
غرَّ من ظنَّ أن يفوت المنـايا
وعراهـا قـلائد الأعـنـاق
ويد الحادثات رهـنٌ بـمـرَّا
تٍ من العيش مصرَّات المذاق
كم صفيَّين متّعـا بـاتـفـاقٍ
ثمَّ صارا من بعده لافـتـراق
قلت للفرقدين والَّلـيل مـلـقٍ
سود أكنافه عـلـى الآفـاق
ابقيا ما بقيتما سـوف يرمـي
بين شخصيكما بسهم الفـراق
هوِّني ذا عليك واقنـي حـياءً
لست تبقين لي ولست بـبـاق
يُّنا قدَّمت حـمـام الـمـنـايا
فالَّذي أخَّرت سريع الَّلحـاق
لا يدوم البقاز لـلـخـلـق ل
كنَّ دوام البقـاء لـلـخـلاَّق
إن قضى الله أن يكون تـلاقٍ
بعد ما قد ترين كان التّلاقـي


وقال آخر، وهو نفطويه:
شيئان لو بكت الدِّماء عليهما
عيناي حتَّى تؤذنا بذهـاب
لم يبلغا المعشار من حقَّيهما
فقد الشَّباب وفرقة الأحباب

وقال الغزال:
وإن رجائي في الإياب إليكـم
وإن أنا أظهرت العزاء قصير
وإن كنت تبغين الوداع فبالغي
فدونك أحوالٌ أرى وشهـور

وقال آخر:
ليس الفراق وإن جزعت بضائرٍ

ما لم تفرِّق بينـنـا الأخـلاق
إن لم يحل حدث المنيَّة بينـنـا
فسنلتقي وسيحفظ الـمـيثـاق
والدَّهر يجمع بين كلِّ مفارقٍ
ولكلِّ ملتقيين منـه فـراق
وقال محمد بن عبد الله بن طاهر بن الحسين:
مدَّت إلى البين أطرافاً مخضَّبةً
لمَّا تولَّت وذاقت حرقة البين
وودَّعتني وما همَّت ولا نطقت
وإنَّما ودّعت وحياً بعـينـين
بلى لقد أومأت نحوي بإصعبها

إيماءةً ختلت عنها الرَّقيبـين

وقال آخر:
أتذكر إذا تودِّعنا سليمى
بعود بشامةٍ سقى البشام
يريد: تشير إلينا بمسواكها مودعة.
وقال أبوعوانة: كنت أجالس أبا العتاهية فأراد الخروج إلى مكة فودعني وقال:
إن نعش نجتـمـع وإلاَّ فـمـا
أشغل من مات عن جميع الأنام
قالت أعرابية لابن لها، وقد ودعته وهو يريد سفراً: امض مصاحباً مكلوءاً، لا أشمت الله بك عدواً، ولا أرى محبيك فيك سوءاً.
ودع أعرابي رجلا، فقال كبت الله لك كل عدوّ إلا نفسك، وجعل خير عملك، ما ولى أجلك. بيت قديم:
وكلُّ مصيبات الزَّمان وجدتـهـا
سوى فرقة الأحباب هيِّنة الخطب

قال محمد بن عبد السلام الخشني:
كأن لم يكن بينٌ ولـم تـك فـرقةٌ
إذا كان من بعد الـفـراق تـلاق
كأن لم تؤرَّق بالعراقين مقـلـتـي
ولم تمر كفُّ الشَّـوق مـاء مـآق
ولم أزر الأعراب في خبت أرضهم
بذات اللِّـوى مـن رامةٍ وبـراق
ولم أصطبح في البيد من قهوة النَّوى
بكأسٍ سقانيهـا الـفـراق دهـاق


وقال آخر:
خليليّ إلاَّ تبكيا لي أسـتـعـن
خليلاً إذا أفنيت دمعي بكى ليا
كأن لم تكن بينٌ إذا كان بعـده
تلاق ولكن لا إخال تـلاقـيا

قالوا: كم بين لوعة الفراق وفرح التلاق.


اخترتها لكم من كتاب بهجة المجالس
<!-- / message --><!-- sig --> __________________
emansamy

Emi

  • Currently 30/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
10 تصويتات / 631 مشاهدة
نشرت فى 13 ديسمبر 2005 بواسطة emansamy

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

1,306,719