الخيال الفكري عند الفصامي
<!-- / icon and title --><!-- message --> لو ان احد افراد الاسرة او افراد اسرة صديقك او اسرة اقارب لك يشكو من اعراض غريبة في السلوك او ما يصدر عنه من تصرفات،فستجد نفسك بحاجة لان تعرف كيف تتعامل في مجريات امور الحياة اليومية او حتى تتعاطف معه في ازمته الحالية وربما تزوره او تزور اسرته وربما تمد يد العون لحالته الطارئة، ولو افترضنا ان ما سنرويه من اعراض قد تكون خطرت ببال اي منا نحن البشر،ربما انت،وربما انا،او احد الاصدقاء وعاشها لثوان او دقائق وقد غادرتنا لبعض الوقت لكن تبقى من الغموض الذي بها اكثر من الوضوح ولكن ما سنتحدث عنه، الحالة المزمنة لهذا المرض.
الفصام مجموعة متنوعة ومتباينة وغير مفهومة تماما من الاضطرابات بها من الاضطرابات الضلالية والهلاوس المستمرة وبها مجموعة اكبر من الاعراض العقلية الحادة العابرة حتى بات أمر المجموعة الثانية هي الاكثر شيوعاً لدى الفصامي.
الفصامي يتسم سلوكه في احيان كثيرة بتصيد اخطاء الناس جميعا وكل ما شأنه اثبات انهم غير منصفين لكنه في الحقيقة انما يفعل ذلك في سلوكه الظاهري فقط ولا تحتل تلك الميول سوى القشرة السطحية من تفكيره ،فقد جعله المرض كما يقول"سلفانواريتي"يسلك على هذا النحو حماية لنفسه ضد الشعور الذي يسري في كيانه كله بفقدان الثقة بالاخرين. ويضيف فالفصام لا يسبب آلماً عضوياً ولكن شدة المعاناة العقلية التي تنشأ عنه ،تبلغ من الضراوة حد يجعل المريض يقبل في سرور مقايضة الماً عضوياً ، بل احياناً يحدث الفصامي عامداً اصابة في جسده آملا ان يخفف الالم العضوي الناتج عن ذلك من هول الالم العقلي. هذا الالم العقلي الهائل هي معاناة تمتد من مراحل الطفولة في الماضي حتى الطفولة المبكرة تمتد وتستمر لما يليها من مراحل العمر الاخرى ،انه يعاني من الاحساس بالرعب الناتج عن رؤيته لنفسه مقطوع الصلة بالعالم فهو لم يعد لديه كيف يستطيع فهم الاخرين وفي نفس الوقت يجد الاخرين انفسهم غير قادرين على فهمه حينئذ يشعر بنفسه وحيداً معزولاً لكنها عزلة مصطنعة وان لديه قناعة تامة بان قوى غامضة تحيط به وتحاول سرقة افكاره ويتحدث معها وهو يمشي في الشارع وتحاول ان تضغط عليه وتحمل ضده شروراً لا يعرف كنهها وتتربص به وربما هناك اناساً معنيين يلاحقونه ليوقعوا به الاذى.
يقول( د.احمد عكاشه) ان الضلالات والهلاوس اعراض مميزة لمرض الفصام ولكن هي موجودة ايضاً في الامراض العقلية الذهانية الاخرى ولكن الاعراض الرئيسة في هذا المرض هي اضطرابات التفكير والوجدان والارادة وكل ما هو غير ذلك فهو ثانوي فيتسم الفصامي كما يضيف عكاشه بانه اضطراب بالتفكير ويقسمه الى :
- اضطراب التعبير عن التفكير
- اضطراب مجرى التفكير
- اضطراب التحكم بالتفكير
- اضطراب محتوى التفكير
مما يعانيه الفصامي هي اعراض مميزة تماماً تختلف عن الناس الاخرين ،فيه من الغموض والصعوبة في التعبير عن افكاره بمكان حتى تظهر على هيئته فهو يعاني قلة وعدم الترابط بين الافكار بحيث لا يستطيع الاستمرار في موضوع واحد لمدة طويلة فضلا عن تطاير الافكار وعدم قدرته على الانتهاء مما بدأه او ربط الافكار ببعضها البعض ، انه يعاني من صعوبة واضحة في ايجاد المعنى السهل للفكرة او الكلمة او الرأي ،فنراه يحوم حول المعنى ويلتف بالاضافات والاستزاده في الكلام حتى يستخدم الالفاظ الضخمة ويدخل في التفصيلات الفرعية التافهة ولكنه لا يستطيع الوصول الى لب الموضوع.
ان الخيال الذي يكونه الفصامي في تفكيره يكاد يمتزج مع الواقع واختلاط الاحداث اليومية الحقيقية مع الخيال الذي رسمه لنفسه وآمن به مما يجعل شكل تفكيره شبيه بما يحدث في الاحلام وتصبح الحقيقة والخيال جزءاً واقعياً في حياته الفكرية. مما يلاحظ ايضاً على مريض الفصام عدم قدرته الواضحة جداً في استيعاب التفكير التجريدي اي لا يعرف الرمزية اطلاقاً ولا يفهم التورية في الحديث وما تحويه من معاني متخفية وراءها . ان السهولة المطلقة في التفكير حتى كادت ان تصبح حالة تقيؤ للافكار ،هي السمة الغالبة على الفصامي فهو يشعر بسباق دائم بين افكاره ، ويشكو من ازدحام رأسه بافكار متعددة ولكن عندما يسأل عن شرحها او تفسيرها او الافصاح عنها يعجز عن ذلك على الاخرين ويقول انهم لا يفهمونه ولا يقدرون معاناته والالامه وانفعالاته وافكاره.
الفصامي لا يظل يفكر بطريقة فصامية طوال الوقت وانما يفعل ذلك حين ترغمه الضغوط النفسية على التخلي عن الطرق السوية في التفكير فضلا عن ذلك يستخدمون ميكانزمات"حيل دفاعية"يشاركهم فيها الاسوياء ومرضى النفس ايضاً على الرغم ان هذه الميكانزمات ليست سوية الى حد ما ولكن في موضوعنا هذا نحاول ان نرى كيف يضطرب التفكير لدى مريض الفصام ، فهو يرى ويعتقد جازماً ان افكاره تمت سرقتها واذاعتها في الراديو ونقلها التليفزيون وتم نشرها في الصحف والمجلات ، واحياناً يعاني من حالة تتمثل في ان الناس يستطيعون قراءة افكاره وما يجول بخاطره وهو اعتقاد خاطئ لو استمعنا اليه ولكنه يعتقد تماماً بما يجري له حتى ينتابه الخوف والذعر الدائم نظراً لما تنطوي عليه افكاره من شرور ضد الاخرين مما يجعله يشعر بانه سينكشف امره امام الجميع،بل احياناً يقوده هذا التفكير الى محاولة للانتحار،وتستمر هذه الافكار والمعتقدات والضلالات حتى يغدو اسيراً لها وهي اعتقادات خاطئة ووساوس وافكار مرضية وهي توهمات وهذاءات حتى يصل به الحال انه يعتقد ان محتويات افكاره سوف تسحب منه بوساطة اجهزة خاصة متطورة ومتقدمة وتلك الاجهزة يعمل بها عملاء يطاردونه ويحاولون استعمال افكاره هذه في انقاذ او تحطيم البشرية.
ان الاسهال الفكري لدى الفصامي وتزاحم الافكار يجعله يتحدث بسرعة وبطلاقة وينتقل من فكرة الى اخرى بدون توقف اذ لا تترابط الافكار فيما بينها كما هو الحال لدى عامة الناس فهو يقطع خيوط ترابطات الافكار التي توجه الافكار بصورة عشوائية تماماً فاحياناً يقطع خيطاً منفرداً واحياناً يقطع مجموعة كاملة واحياناً يقطع شريحة كبيرة من افكاره وهكذا تبدو الافكار المتزاحمة لدى الفصامي حتى يدعي النبوة احيانا او انه احد المرسلين او احد الاصلاحيين الجدد في هذا الكون ويصر اصراراً تاماً بما يعتقد به ويرى علماء النفس ان هذا العرض هو ناتج عن تمزق الادراك الذاتي الصحيح للنفس .
ساحة النقاش