صباح تفالى
مهما صار سوف يظل الحب ينبض فينا.. وسوف يظل إحساسنا يختلج بداخلنا يميتنا ويحيينا وينسينا بلاوينا.. أبدا لن نستطيع العيش من غير الحب.. حتى حين مزاولة أكبر مآسينا.. فأطفالنا وآباؤنا وأهلنا وأصحابنا يموتون أمام أعيننا.. إن كان موتا عاديا أو قتلا أواعتداء يدمينا.. وحلالنا أحيانا يسبى من بين أيدينا فتصيبنا ألف حسرة وحسرة تردينا.. لكننا بالحب والصبر والإيمان بالقدر خيره وشره.. نستمر في الحب لنتآلف ونتضامن ونتزوج ونخلف حتى لا ينقرض نسلنا وتتبخر أفراحنا وأمانينا..
والوجع المعشش في طرقاتنا.. مع الحب الحاضن لقلوبنا أيضا يتضاربان كل يوم بمكامننا.. أحيانا يتناغم الفرح فينا.. وأحيانا أخرى يلتهب الحزن بأضلعنا قهرا وأنينا.. لا علاقة لما نعيشه من أحداث في وأد حبنا أو هجر أحبابنا وأهالينا.. أو التوقف عن احتضان أحاسيسنا بكل رغبة تنادينا.. لأنه النور الوحيد الذي يضيء ليالينا.. والحلم الجميل الذي نعيش من أجله حين نعانق الشوق والحنين.. وهو الخيط القوي الذي يربطنا بهذه الحياة على مدى الشهور والسنين.. فيجعلنا نتغلب على همومنا ونتخطى مصائبنا بكلمة طيبة أو لمسة حنونة ممن نحب احتواءه لنا إذ يلمنا فيرضينا..
وحين يصبح الحب حلما.. يرعى فرحة في الخفاء تسكن قلوبنا.. تنتظر بزوغا أو إشراقا حين نتضايق بما فينا.. فإننا نظل نحلم ونحلم ونحلم إلى ما لا نهاية بما فيها رواسينا..
وربما نكبر ولازلنا نحلم.. ونمرض ونحبط ونرسب ونسقط ونخسر الكثير من صحتنا وثروتنا وغوالينا.. لكن بالإصرار والعزيمة ترانا نجعل من الصبر والحب مرهما يداوينا.. ونستمر في ممارسة حبنا.. وأحلامنا تصاحبنا حتى نتقدم أكثر وأكثر في السن ونشيخ.. وربما إلى أن ينتهي العمر ولم نحظ بما نتوق.. فتضحى الأحلام من بعدنا منكوسة عالقة تشيعنا وتبكينا.. لكن الروح تعلم أن هناك رب في الآخرة سوف يسعدنا حين يحيينا..
وهكذا إلى أن يقترب غصن الشباب من الذبول.. وتعتكف الكهولة في كهف الشيخوخة يوما حين تمر كل الفصول.. ويحين موت كل الجذور.. ويعلن الفناء الحضور.. ورغم ذلك يظل القلب يخفق.. والنفس ترجو رجاء بأمل ينطق.. والعقل يخطط ويخطط بالمطلق.. لآخر العمر لعل الحظ يضمنا يوما ويواتينا.. ونكرر ذلك من غير يأس أو تذمر بدافع الحب والرغبة والطموح المكلل بالحماس وإرادة تقودنا وتقوينا.. وهنا تتجلى قوة الإيمان والطموح حين نظل نحلم ونحب حتى من لا يحبنا على أمل أن يميل قلبه نحونا يوما.. فنسعد حين يتحقق تلاقينا.. ويظل السر في الحب هو ذلك الإحساس الممتع الذي تنتشي منه أرواحنا وأجسادنا.. وتستلذ منه نفوسنا.. كحلم ونعمة وكرحمة من الله للقلوب التعيسة والسعيدة.. خصوصا حين نصادف من نحب في لحظة حظ باسمة تبسطنا وتشجينا..
فالحب يخذر أحزاننا ومعاناتنا وبلاوينا.. يخذرنا لنسبح في عالم من العيش الجميل.. ويصبح سببا لطموحنا ولهفتنا.. وحافزا لاستمرار أمنياتنا ومصدرا لدعواتنا حين تجور علينا الأيام وتضنينا.. بل هو دعاء الروح للقلب.. ونبض القلب والجسد.. يعانق حلمنا وفرحة آمالنا إلى أن يتحقق ما نتمناه ونود استجابته من العلي القدير خالقنا ومنجينا..
وحين يكبر حب الله في قلوبنا.. ونسمو بحبنا إلى أعلى مراتب النبض الخالد.. وتتعلق جوارحنا بسعادة ما بعد هذه الحياة الفانية.. تتغير نظرتنا إلى الحياة.. ليهون أمامنا كل شيء.. بمجرد أن ندرك أننا إن لم نسعد هنا حتما سوف نسعد هناك حيث نجزى على كل جهدنا ومساعينا..
فأوجاع الدنيا لا تتوقف أبدا.. ومفاجآتها لا تنتهي.. إن كانت سارة أم ضارة.. والفرح قد يزورنا في أي وقت وقد يهجرنا فجأة ويجافينا.. وأرى أن الصدمات تجعلنا نستطعم حلاوة السعادة والحياة.. ونتوصل إلى كنه الفرحة الحقيقية بعد ابتلاء وعناء قد يعتلينا..
وبعد حزن يقهرنا وصبر يواسينا.. ومع كل الحب الممزوج بشوائب الدنيا وأفراحها وكل ما تحمله الحياة من حلو ومر يلاقينا.. تستمر مسيرتنا وكلنا امل وانتظار دون انهيار يعترينا.. إلى أن تنتهي أعمارنا ولا يظل منا إلا أعمالنا المحفوفة بمعطياتنا ونتائج صبرنا وثواب أو جزاء يروينا.. وهي حصيلة حب يغنينا أو كره ينهينا.. تخلد من بعدنا لنلقاها عند الله بكل تفاصيلها تنادينا لتقاضينا..
وفي يوم ما وبعد مهرجان من العيش المتقلب.. وإعصارات الدنيا المتتابعة.. وثوراتها الصاخبة.. التي نصدها بصبرنا وحبنا وصمودنا.. نضحى بعالم الخلود.. حيث العيش الدائم بلا حدود.. حين يريدنا الله عنده للحساب والجزاء فيفنينا..
فبالحب نتحصن ونتجمل لنصل إلى تحقيق أهدافنا في الدارين.. ومن خلاله يسهل عيشنا لتستمر خطاوينا.. وبه نتعطر إلى يوم غير معلوم نجهل متى يأوينا.. لتظل ذكرانا كالأثر الجميل.. يتحسسه عند الحنين أهلنا وأصحابنا وكل محبينا..
وبه أيضا ألقاكم وأستودعكم عند الله الذي لا تضيع ودائعه.. خالقنا.. محيينا ومنجينا..