شريف الشندويلي

المدرب ، التدريب والتطوير اساس النجاح

هذا المقال سنخصصه في البحث عن جواب لسؤال خطير ومهم ، سؤال طالما حير العلماء والباحثين والمتخصصين في تعليم التفكير، بل هو مطلب السواد الأعظم من أصدقاء برنامج ( تعليم التفكير من منظور إسلامي )، فكثير من الأسئلة التي وردت لنا – في البرنامج الإذاعي وقت بثه الأول - كانت بشكل أو آخر تدور حول هذا السؤال ، الذي نستطيع أن نعطيه لقب : "سؤال الجماهير" أو "السؤال الكنز" .

.. ويمكن لنا أن نسميه : "سؤال الأسئلة في علم التفكير" . أو "السؤال الأم" ..

.. إنه سؤال ما من أحد إلا وقد طرحه على نفسه ولو مرة في عمره ، وما من أحد إلا وحاول أن يبحث عن إجابته ، ولكن لأن الإجابة تحتاج إلى تفكير وبحث وبذل الوقت والجهد ينصرف كثير منا عن ذلك ، ويبقى السؤال المهم معلقاً ويقذف به الكسل والإهمال إلى زوايا النسيان .

:

.. أصدقائي السؤال هو : كيف يفكر الناجحون كمشاهير العلماء والمفكرين المعروفين ?، أو بمعنى آخر : ما قواعد التفكير السليم السديد الصحيح التي استعملها الناجحون ؟

.. وقد يطرح بعضنا السؤال بهذه الصورة الميسرة : أنا معجب بعمق ودقة فلان من العلماء في كتاباته ومحاضراته ، وأريد أن أصبح مثلَه ، فكيف لي أن أفعل ذلك ؟

:

.. والجواب عن هذا السؤال شغل علماء التفكير قديماً وحديثاً ، وبحثوا عن إجابة عامة بعيدة عن محدودية الأشخاص والأزمان والبلاد ، ولذا أعادوا طرح السؤال بصورة صحيحة ، فصاغوه على النحو الآتي : ما هي معايير التفكير الناجح ؟

.. وبمعنى آخر نستطيع أن نقول : إنهم سألوا عن أسرار التفكير الناجح ، وبحثاً عن إجابة شافية لهذا السؤال قاموا بالتأمل في مضمون محاضرات وكتابات مشاهير العلماء والناجحين على مر التاريخ ، ثم توصلوا إلى تسعة أسرار مهمة عُدت معايير عالمية للتفكير النموذجي .

:

.. وقبل أن أبدأ في عرض أسرار التفكير عند الناجحين، أريد أن أذكركم بأنه لا أهمية ولا قيمة لتفكير مهما كان ناجحاً أو قوياً إذا خلى من الإخلاص لله -عزوجل-، إن الشرط الأساس لصلاح أي عمل بما في ذلك التفكير أن يخلص العبد نيته لله، وأن يتحرى رضا الله ويتجنب سخطه ، وهذا يستلزم أن يقوم العبد بواجبات عبوديته للخالق سبحانه ، ومن لوازم الإخلاص أن يجرد الإنسان نفسه من الهوى والكبر ويطهرها بكل صفاء ونقاء من الاغترار بالعقل المادي الذي جعله بعض الماديين إلهاً من دون الله فوقعوا في آفة تأليه عقولهم المترعة بالهوى والكبر والغرور والاستعلاء ، فأنى يدرك أولئك الحق وبينهم وبينه حجب وسدود، ولكم في قصة سلمان الفارسي -رضي الله عنه- في بحثه عن الحق في كل مكان ، عبرة تبين لنا ثمرة الإخلاص والصدق في الهداية للحق .

:

.. أقول : وبعد الإخلاص لله -عزوجل-، فإن من أعظم ما يسهل على الإنسان الوصول للتفكير الناجح الدعاء ، والدعاء هو العبادة كما صح بذلك الحديث النبوي الشريف، إن الدعاء صلة بين الإنسان وربه، وما أحسن أن يطلب الإنسان من خالقه أن يهديه في تفكيره وأن يعينه ويرزقه الفرقان الذي يفرق به بين الحق والباطل ، بين الصواب والخطأ ، بين النجاح والفشل ، بين الفوز والخسارة .

:

.. ولأهمية الدعاء في التفكير جاء ديننا باستحباب صلاة الاستخارة ، ذلك أن الإنسان عندما يفكر في أمر ويريد أن يتخذ قراراً يحتاج في تلك الحالة ومهما بذل من تفكير منظم واتباع من خطوات دقيقة أن يستعين برب السموات والأرض ، وتأملوا معي روعة وجمال هذا الحديث النبوي الشريف متأملين العلاقة بين الدعاء والتفكير ، أخرج البخاري في صحيحه عَنْ جَابِرٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: (كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُعَلِّمُنَا الِاسْتِخَارَةَ فِي الْأُمُورِ كُلِّهَا كَالسُّورَةِ مِنْ الْقُرْآنِ).

:

.. ألاحظتم أحبتي.. يعلم رسول الله أصحابه دعاء الاستخارة في الأمور كلها صغيرة كانت أم كبيرة ، كما يعلمهم السورة من القرآن، وما ذاك إلا لأهمية دعاء الاستخارة قبل اتخاذ القرار فيما نفكر فيه. ومما يعرفه الكثيرون منكم أن شيخ الإسلام ابن تيمية وهو بطل من أهم أبطال التفكير في تاريخ الإسلام ، كان يقول : "ربما طالعت على الآية الواحدة نحو مائة تفسير، ثم أسأل الله الفهم وأقول: يا معلم آدم وإبراهيم علمني، وكنت أذهب إلى المساجد المهجورة ونحوها وأمرغ وجهي في التراب، وأسأل الله تعالى وأقول يا معلم إبراهيم علمني ، يا مفهم سليمان فهمني ".

.. :

.. فيا من رام معرفة أسرار التفكير عند الناجحين اعتصم بالله إخلاصاً ودعاء ، فلا فلاح للإنسان اغتر بنفسه وفكره ونسي ربه .

:

.. والآن لنبدأ على بركة الله بذكر الأسرار التسعة للتفكير الناجح مجملة غير مفصلة، ونترك التفصيل لقادم الأيام -إن شاء الله تعالى-، وحتى يسهل علينا حفظ العناصر جمعتها لكم في هذه العبارة : (( أوسعَ صدركم )) ، فالألف من الأهمية، والواو من الوضوح، والسين من السعة، والعين من العمق، والصاد من الصحة، والدال من الدقة، والراء من الرابط، والكاف من الكفاية، والميم من المحكم ..

:

.. وإليكم الآن في عرضها بحسب أهميتها :

:

.. السر الأول هو: الوضوح بمعنى أن يكون تفكيرك مفهوماً بعيداً عن احتمال سوء الفهم أو الغموض أو الابهام ، وانظر اليوم إلى كثير من الرجال والنساء ستجد عندهم حيرة وتردد إزاء أكثر الأمور الحياتية التي يفكرون فيها ، وتفسير هذه الظاهرة أنهم يعانون من عدم وضوح في تفكيرهم ، ولذا يعد علماء التفكير الوضوح أهم سر من أسرار التفكير الناجح وهو الركيزة الأساس في أي تفكير وكل العناصر المهمة في التفكير تعتمد عليه ، فلا بد أن تكون العبارات التي نفكر من خلالها واضحة مفهومة حتى نعرف ما المقصود بها ، وسنفصل في حلقة قادمة إن شاء الله هذا الأمر ونضع آليات عملية وأسئلة محددة لنتعلم كيف نفكر بوضوح .

:

.. وأما السر الثاني من أسرار التفكير الناجح فهو: الصحة أي التأكد من أن المعلومات التي هي محل تفكيرنا تعد صحيحة .

:

.. والسر الثالث: هو الدقة والتحديد وتكون الأفكار أكثر دقة إذا تطابقت مع الواقع ، وهذا يتطلب أن تكون الفكرة تحتوي على تفصيلات محددة أو على أرقام واحصاءات علمية .

:

.. والسر الرابع من أسرار التفكير الناجح : الأهمية أي التركيز على ماهو مهم وجوهري وأساسي ، يعني هل ما يجري من نقاشات أو معلومات وبيانات بالقضية محل التفكير وثيق الصلة أم لا ؟، وكل ما كان المفكر يهتم بمقدار العلاقة والصلة الوثيقة بأصل الموضوع فإن تفكيره يكون منضبطاً ولا يقع في العشوائية والتشتت .

:

.. والسر الخامس: هو الربط بين الفكرة وأصولها وجذورها ، فكل فكرة لابد أنها تعود إلى أصل أو أنها مرتبطة بأخت لها ، وبمعنى آخر كي نفهم الفكرة فهماً جيداً لا بد أن نضع لها شجرة نسب لنربط بينها وبين أقاربها.وعليه فلا بد أن نتساءل دوماً عن الافتراضات السابقة لكل فكرة.

:

.. والسر السادس: هو العمق وهو ضد التبسيط المبالغ إن كل فكرة مهمة هي بمثابة مشكلة تحتوي على تعقيدات ولابد ، مما يتطلب أن نفكر في المعوقات والسلبيات ، والعوامل المتغيرة .

:

.. والسر السابع: هو الاتساع وهو يعني نأخذ في عين الاعتبار بالآراء المخالفة أو وجهات النظر الأخرى ، بمعنى أن التفكير الناجح هو ذلك التفكير الذي يحذر من الغرور والتعصب ويطلب المشورة من الآخرين . ويكون تفكيراً منفتحاً يحب التجريب والإبداع والنظر إلى الأمور بنظرات بعيدة عن التقليدية .

:

.. والسر الثامن: هو الكفاية أي مراعاة الشمولية والعناية بكل العوامل الضرورية مثل التوقيت المناسب ، والزمن الذي نحتاجه للوصول إلى قرار ، فنحن مثلاً عندما نفكر فيما نلبسه أو حين نفكر فيما نأكل فلا نحتاج إلى وقت طويل، ولكن عندما يريد أحدنا أن يختار تخصصاً في دراسته أو يختار وظيفة أو عندما تخطب المرأة فتفكر فيمن تقدم للزواج بها فإنه يحتاج إلى وقت ومعلومات وتفكير في البدائل وإلمام بكل العوامل ، فهذه موضوعات تحتاج إلى وقت في جمع المعلومات وإلى تأمل في البدائل وهل تم استيفاء كل العوامل الأساسية والمؤثرة في الموضوع .

:

.. السر التاسع والأخير هو : أن يكون التفكير محكماً ، بمعنى أنه متقن ومنظم يتميز بالتسلسل المنطقي والترتيب والترابط ، تكون نتائجه مبنية على مقدمات واضحة صحيحة دقيقة ، بعيداً عن العمومية الخالية من التفاصيل المهمة التي يحتاج إليها .

:

.. وسنفصل في المستقبل -إن شاء الله تعالى -هذه العناصر المهمة كلها ، ونشرحها ونضرب الأمثلة لتكون مفهومة للجميع .

:

.. فما رأيك الآن أن تجيب عن هذا السؤال: إن أسرار التفكير الناجح التسعة مجموعة في عبارة " أوسع صدركم " ، فاختر ثلاثة منها ترى أنك تحتاج للتدرب عليها أكثر من غيرها مرتباً لها حسب أهميتها ؟

elshandweily

شريف الشندويلي

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 203 مشاهدة
نشرت فى 20 مايو 2013 بواسطة elshandweily

المدرب شريف الشندويلي

elshandweily
كيف نبي شباب قادرة علي اكتساب المهارات والمعرفة »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

24,535