الحلقة الرابعة:
كتاب: "إحياء علوم الدين"
أوجزت لك الكتاب القيم والشهير كتاب: "إحياء علوم الدين" تصنيف الإمام أبي حامد محمد بن محمد الغزالي، المتوفى (505هـ)، وذلك لأنه من أعظم الكتب الإسلامية في معرفة الحلال والحرام، والذي جمع فيه المصنف أسرارًا دقيقة، وأصول من المسائل والفروع، وحوى فيه من علوم المعاملات التي يتقرب بها العبد لله تعالى بين الظاهر والباطن، حتى قالوا أن من لم يقرأ الإحياء فليس من الأحياء.
ولهذا فقد حظيَّ هذا الكتاب بالطبعات الكثيرة التي صدرت بطول العالم الإسلامي وعرضه، وما زالت تطبع حتى الآن، كما أنه من الكتب والمشتهرة والمنتشرة على مواقع الشبكة العنكبوتية، أي أن الحصول عليه ليس عسيرًا على كل حال، ومن هنا لم أشأ أن أتكلم عن طبعة بعينها، غير أن تكون عنايتي بها جاءت من أحدث الطبعات التي راعت تخريج الأحاديث وتحقيقها بعناية تامة.
كثيرًا ما يخلط بعض المعاصرين من المسلمين بين الشيخ محمد الغزالي، والإمام أبي حامد الغزالي، وسنتعرف على الإمام الغزالي الآن، وسنترك التعرف على الشيخ الغزالي عندما نتعرض لبعض كتبه لاحقًا إن شاء الله تعالى.
لقد أورد الإمام الذهبي سيرة الإمام أبي حامد الغزالي في التاريخ والتراجم من كتابه الشهير "سير أعلام النبلاء" في حديثه عن الطبقة السابعة والعشرين منهم، التي َصدَّر كلامه عنه بقوله: (الشيخ الإمام البحر، حجة الإسلام، أعجوبة الزمان زين الدين أبو حامد محمد بن محمد بن محمد بن أحمد الطوسي، الشافعي، الغزالي، صاحب التصانيف، والذكاء المفرط).
ولد الغزالي بطوس بخراسان من بلاد فارس سنة 450 ه، وكان والده يغزل الصوف ويبيعه في دكان له بتلك البلدة غير أنه مات مبكرًا بعد أن أوصى بابنه لأحد أصدقائه، وقد درس الغزالي الفقه ببلده، ثم علم الكلام، والجدل، والفلسفة، ودخل عالم التصوف متنقلًا بين العواصم العربية، وقد مارس التدريس زمنًا، غير أنه عاد إلى بلده إلى أن توفي بها، وكان له العديد من المؤلفات، منها: المنقذ من الضلال، المضنون على أهله، إلجام العوام عن علم الكلام، أساس القياس، تهافت الفلاسفة، الاقتصاد في الاعتقاد، أيها الولد، قواعد العقائد، وغيرها.
أسس الإمام الغزالي كتابه على أربعة أرباع، كالتالي: ربع العبادات، وربع العادات، وربع المهلكات، وربع المنجيات يتصدرها جميعًا كتاب العلم.
يذكر الإمام الغزالي الأسباب التي جعلته يقسم كتابه هذا التقسيم الرباعي، والتي يرجعها إلى أمرين: الأول منهما، هو أن الترتيب في التحقيق والتفهيم ضرورة يراها مهمة في العلوم التي تتوجه إلى الآخرة وتنقسم إلى علم المعاملة وعلم المكاشفة، وعلم المكاشفة عنده يعني كشف المعلوم فقط، بينما يعني علم المعاملة عنده هو الذي يكون مع المعاملة طريق إلى علم الكشف، غير أنه في كتابه سيلتزم فقط بعلم المعاملة الذي تكلم به الأنبياء والرسل عليهم السلام، لما في علم المكاشفة من رمز وإيماء على سبيل التمثيل والإجمال تكلم به الأنبياء بها لعلمهم بقصور عقول البشر. أما علم المعاملة عند الغزالي فينقسم إلى علم الظاهر وهو علم الجوارح، وعلم الباطن وهو عمل القلوب.
أما الأمر الثاني الذي حدا بالغزالي إلى هذا التقسيم الرباعي لكتابه فيكمن في استدراج قلوب طلبة العلم ومحبي الفقه والتعلم، والعلم يفيد حياة الأبد، وثمرته طب القلوب والأرواح.
وكل ربع من هذه الأربعة يضم عددًا من الكتب تبلغ العشرة، فيصبح مجموع العدد أربعين كتابًا، سنختار كتابًا من كل ربع يعبر ــ ولو جزئيًا ــ عن ذلك الربع الذي ينتمي إليه، وذلك بغية الإلمام ـ إلى حدٍ ما ـ بحدود الكتاب الأربعة للوقوف على فكر الكاتب وتطبيقه لمنهجه الفكري.
يضم الربع الأول الموسوم بربع العبادات عشرة كتب، هي: كتاب العلم، وكتاب قواعد العقائد، وكتاب أسرار الطهارة، وكتاب أسرار الصلاة، وكتاب أسرار الصوم، وكتاب أسرار الحج، وكتاب آداب تلاوة القرآن الكريم، وكتاب الأذكار والدعوات، وكتاب ترتيب الأوراد في الأوقات. وقد اخترت منه كتاب العلم لأوجزه لك.
ويضم الربع الثاني الموسوم بربع العادات عشرة كتب، هي: كتاب آداب النكاح، وكتاب قواع أحكام الكسب، وكتاب الحلال والحرام، وكتاب آداب الصحبة والمعاشرة مع أصناف الخلق، وكتاب العزلة، وكتاب آداب السفر، وكتاب السماع والوجد، وكتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكتاب آداب المعيشة وأخلاق النبوة. وقد اخترت منه كتاب العزلة لأوجزه لك.
ويضم الربع الثالث الموسوم بربع المهلكات عشرة كتب، هي: كتاب شرح عجائب القلب، وكتاب رياضة النفس، وكتاب آفات الشهوتين: شهوة البطن وشهوة الفرج، وكتاب آفات اللسان، وكتاب آفات الغضب والحقد والحسد، وكتاب ذم الدنيا، وكتاب ذم المال والبخل، وكتاب ذم الجاه والرياء، وكتاب ذم الكبر والعجب، وكتاب ذم الغرور. وقد اخترت منه كتاب ذم الغرور لأوجزه لك.
ويضم الربع الرابع الموسوم بربع المنجيات عشرة كتب، هي: كتاب التوبة، وكتاب الصبر والشكر، وكتاب الخوف والرجاء، وكتاب الفقر والزهد، وكتاب التوحيد والتوكل، وكتاب المحبة والشوق والأنس والرضا، وكتاب النية والصدق والإخلاص، وكتاب المراقبة والمحاسبة، وكتاب التفكر، وكتاب ذكر الموت. وقد اخترت منه كتاب التفكر لأوجزه لك.
ساحة النقاش