دكتور السيد إبراهيم أحمد

 


تشيع في المجتمعات العربية والعالَمية على السواء ظاهرةُ التدخين بأنواعها، وهي آفةٌ من أخطر الآفات التي أصابت الجنسَ البشري طَوالَ تاريخه، ومِن أقدم الآفات التي صاحبَتْه طوال تاريخه أيضًا، مع ما تجرُّه عليهم هذه العادة التي تحوَّلت إدمانًا قاتلًا مِن أضرار!

 

فقد ثبت علميًّا - ومن خلال الدراسات الكثيرة المذيَّلة بالإحصائيات - أن نصف مَن يُدخِّنون يموتون بسبب تعاطيهم للدخان؛ وذلك حيث يدخنون في صمتٍ ويموتون في صمت، ويتسبَّبون بتدخينهم هذا في قتل مليون مواطن لا يُدخِّن ولا يتعاطى الدخان من قريبٍ أو بعيد، غير أن كل حظه أنه قريب أو يعيش في أجواء تُظلِّلها سحابات كثيفة من هذا الدخان الذي يجثم على الصدور، ويخترق مسامات الجلود إلى الرئتين، الذي يفلح في انسدادها، ثم يخترق نبض القلوب، حتى يُفلِح أن يغيِّر نشاطه ونشاط الجسم الجيني بحمضه النووي، ومن ثَمَّ تصاب آلاف الجينات بالسرطان.

 

لا تتوقف جيوب المدخِّنين عن دفع قيمة مشترياتهم من التبغ والتدخين بأنواعه، وليس من جيوبهم فقط، بل من صحتهم وصحة أُسَرهم، وقُوتِهم وقوت أولادهم، ومن حصة أولادهم في المستقبل، الذي يجب أن يعيشوه بصحة تامة، ونوعية تعليم جيد، ومستوى مستور من العيش الكريم، ولا يدفع المدخن من اقتصاد أسرته، بل من أسرة وطنه! إنه يساهم في تخريب صحته كمواطن، وصحة وطنه الذي يجب أن تكون بيئته نظيفة، يحيا فيها مواطن لا يشكو العلة ولا المرض، صحيحًا معافى من البلاء الذي يجره إلى نفسه وبيته ووطنه!

 

إنه مواطن مخصوم من رصيد أمته؛ إذ يخسر الوطنُ مواطنًا تعلَّم من ماله، واكتسب خبرات عديدة يستطيع أن ينفع بها من حوله، ويبني ويُسهم في إعمار هذا الوطن بحسب مجاله الذي يُجيده، ولكنه آثر أن يموت كل يوم موتًا بطيئًا، يفقد مع كل أنفاس مِن سيجارته رخيصة دقائقَ غالية من حياة وهبه الله إياه، وسيحاسبه عليها.

 

ما أكثر مَن نقابلهم من المدخنين الذين يتصوَّرون أن هذا مالهم وهم أحرار في إنفاقه؛ لأنهم هم الذين جلبوه بظنهم! أيُّ أناسٍ مرضى هؤلاء حين يتجبرون، وفي طغيانهم يَعْمَهون، فينسَوْن المُنْعِم الرازق الذي تفضَّل عليهم بنعمة المال، ويظنون أنهم بامتلاكهم إياه أحرارٌ في وضعه حيث شاؤوا؟!

 

أسرفوا على أنفسهم في جلب المحرَّمات وتعاطيها، وأسرفوا على أنفسهم في قلب الحقائق، حين ظنوا أنهم غير محاسَبين على المال، من أين اكتسَبوه وفيمَ أنفَقوه؟ وهذا مصداق لقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم مُعلِّم البشرية الخير، الذي تنكَّبوا عن طريقه، وخالفوا أوامره صلى الله عليه وسلم، وأولى لهم - وهم يدَّعونَ محبته - أن يُطهِّروا ألسنتهم عند ذكر اسمه الشريف صلى الله عليه وسلم، وليتذكَّر المُدخِّن المُسرِف على نفسِه هذا الحديثَ الشريف؛ عسى أن يُفِيقَ من غَفلته، ويُقلع عن التدخين كله بأنواعه.

 

عن نَضْلَةَ بن عُبيد الأَسْلمي، قال رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تزول قدَمَا عبدٍ يوم القيامة حتى يُسأل عن عُمره فيمَ أفناه؟ وعن عِلمه فيمَ فعَل فيه؟ وعن ماله من أين اكتَسبه، وفيمَ أنفَقه؟ وعن جسمه فيمَ أبلاه؟))؛ [أخرَجه الترمذي في صفة القيامة والرقائق (2341)، وقال: "حسن صحيح"، وذكَره الألباني في الصحيحة (946)، وصحيح الترغيب (1 / 76)].

 

يَتِيه بالسيجارة وهو يتحدَّث وهي بين أصابعه، ويأخذ أطراف الحديث ويحمى وطيس المناقشات، وتدور أكواب المشروبات، فيحتسي المدخِّن مشروبه الساخن وهو يدخن، فيمخر عُباب الدخان فمه، حتى يعانق أجهزته الداخلية، وهو غير عابئ بما يفسده فيها، ولا يفكر مرة في أنها ما خلقها الله لهذا، ولا هو الذي خلقها، بل هي عاريَّة مستردَّة، وسيسأله الله تعالى عنها، وكيف لم يصن صحته وعافيته لِما هو أهم من هذا؟

 

يظن أن شبابه ملكه، من حقه أن يوزعه على طرقات الخسرانِ المبين، بالإسراف في تلك الصحة، وذلك الشبابِ، وهناك من وجوه البر الكثيرة ما تحتاج صحته وعافيته وشبابه وماله ووقته، هل ساءل نفسَه عن أولئك الذين يحتاجون إلى نصف ما يُنفقه من الفقراء والمحتاجين لكي يقيموا به أَوْدَهم وأصلاب أبنائهم؟

 

وقد أفتتِ اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، برئاسة الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله في شرب الدخَان وبَيْعه بالحُرمة، وإليك أيها المدخن نص الفتوى؛ ليحيا مَن حيَّ عن بيِّنة، ويَموت مَن مات عن بيِّنة:

س: ما حُكم الإسلام فيمَن يتَّجر في الدُّخَان (السجائر) التي تُباع بواسطة الرُّخصة من طرف شركة الدُّخَان؟

ج: شُرب الدخان حرامٌ، وزَرْعه حرام، والاتِّجار به حرام؛ لِما فيه من الضرر العظيم، وقد روي في الحديث: ((لا ضرَر ولا ضرار))؛ ولأنه من الخبائث، وقد قال الله تعالى في صفة النبي صلى الله عليه وسلم: ﴿ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ ﴾ [الأعراف: 157]، وقال: ﴿ يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ ﴾ [المائدة: 44].

 

لا يدري المدخن أن الدقائق أو الساعات التي يُنفقها فيما يُغضِب الله تعالى حين خالف أوامره، وانضم إلى جيش المبذرين، أنه التحق بدولة الشياطين حين صار من إخوانهم، هذه الدقائق كانت تكفيه أن ينضمَّ إلى الذاكرين وهم كثر، وأنه لو حافظ على ماله وأنفقه حيث وجوهُ الخير والبر الكثيرة، لانضمَّ إلى جيش المحسنين، ما الذي جعل المدخِّن يهجر أوامر الله تعالى وأوامر رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم بإرادته - وهو يعلمها - حتى ينضمَّ إلى معسكر الشياطين بإرادته أيضًا؟!

 

ليس لأنه قوي وحر؛ وإنما لكونه ضعيفًا، وعبدًا لشهوته وإدمانه، ولسيجارته وهواه، أفلا يُفلح كما أفلح المؤمنون، وليعد إلى الله، كفاه.

أستحلفك بالله أيها المدخن ألقِ هذه اللعينة من بين شفتَيْك وبين أصبعيك، وعُدْ إلى الله، الآن وليس غدًا.





رابط الموضوع: 

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 79 مشاهدة
نشرت فى 9 فبراير 2017 بواسطة elsayedebrahim

ساحة النقاش

السيد إبراهيم أحمد

elsayedebrahim
الموقع يختص بأعمال الكاتب الشاعر / السيد إبراهيم أحمد ، من كتب ، ومقالات ، وقصائد بالفصحى عمودية ونثرية ، وكذلك بالعامية المصرية ، وخواطر وقصص و... »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

70,054