دكتور السيد إبراهيم أحمد

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الزكاةُ أحد أهم أركان الإسلام، ولقد قرَنها الله تعالى في كتابه الكريم بالصلاة في اثنين وثمانين موضعًا؛ مما يدل على عِظم شأنها، وكمال الاتصال بينها وبين الصلاة، وقد أجمع المسلمون على فرضيتها، وأنها الركن الثالث من أركان الإسلام، وعلى كُفر مَن جحَد وجوبها، ووجوب قتال مَن منع إخراجها.


وتجبُ على المسلم متى توافرت فيه خمسةُ شروط، وهي: الإسلام، الحرية، امتلاك النِّصاب، التملُّك، ومُضي الحول على المال، هذا في غير الخارج من الأرض؛ كالحبوب والثمار، إنما يبقى تمام الحول مشترطًا في النقود والماشية وعُروض التجارة.


ولقد أوجب اللهُ تعالى الزكاة في بهيمة الأنعام، وهي: الإبل، والبقر، والغَنم، وتجب الزكاة فيها بشرط:

1- أن تبلغ نِصابًا.

2- أن يحول عليها الحول.

3- أن تكون للنَّسل والدَّر، لا للعمل.

4- أن تكون سائمةً؛ أي راعية؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((في كلِّ سائمةِ إبلٍ: في أربعينَ بنتُ لَبونٍ، لا يُفرَّق إبِلٌ عن حسابِها))؛ رواه أحمد، وأبو داود، والنسائي.


وهي أن ترعى الماشيةُ أكثرَ السنة في العُشب العامِّ في الفلاة، ولم يشترطه في وجوب الزكاة الإمام مالك، وهو عملُ أهل المدينة.

والجمهور على اعتبار هذا الشرط، ولم يخالف فيه غيرُ مالكٍ والليثِ؛ فإنهما أوجبا الزكاة في المواشي مطلقًا، سواء كانت سائمة، أو معلوفة، عاملة أو غير عاملة.


لكنَّ الأحاديث جاءت مصرِّحة بالتقيُّد بالسائمة، وهو يفيد بمفهومه أن المعلوفةَ لا زكاة فيها.

قال ابن عبدالبر: (لا أعلم أحدًا قال بقول مالكٍ والليثِ مِن فقهاء الأمصار).


وسأبدأ بأدلة المالكية، باعتبارِهم أصحابَ الرأي المخالف لجمهور الفقهاء، على أنْ أُورِدَ بقيةَ المذاهب على الترتيب الزمني لها، كالتالي:

• أدلة المالكية على حُكم وجوب الزكاة في الماشية المعلوفة:

إن السَّوم عند المالكية‏ لا يشترط في زكاة الأنعام، فأوجبوا الزكاة في المعلوفة من الإبل والبقر والغَنم، كما أوجبوها في السائمة سواءً بسواء؛ لعموم قولِه عليه الصلاة والسلام‏:‏ ((إذا بلغَتْ خَمسًا من الإبل ففيها شاة))،‏ وقالوا‏:‏ إن التقييدَ بالسائمة في الحديث؛ لأنه الغالبُ على مواشي العرب؛ فهو لبيانِ الواقع لا مفهوم له‏.‏


يقول أحمد بن أحمد المختار الجكني الشنقيطي[1]: (ورأي الإمام - يقصد الإمام مالكًا - هنا مبنيٌّ على أن النصاب في هذا الحديث، وفي حديث: ((في أربعين شاةً شاةٌ))، هنا عُيِّن بصيغة الإطلاق، فلم يقل بتقييد هذا الإطلاق المنطوق بمفهوم المخالفة في قوله: ((في الغَنم السائمة زكاة))، وأيضًا فإن علةَ الزكاة نعمة الملك، وهي حاصلة في المعلوفة كما هي حاصلةٌ في السائمة، إلا أن السومَ وصفٌ مكمل؛ فإن نعمةَ الملك مع السوم أتم، فلو قلنا: إن السومَ وصف تترتب عليه الزكاة، لوجبت الزكاةُ في الوحوش السائمة في أرض تملِكها، ولا أحد يقول بذلك، فعُلم أن علة الزكاة متمحضة في نعمة الملك، وهي حاصلة في معلوفة الأنعام وعاملتها).


يقول أبو الوليد الباجي [2]: (السائمة هي الراعية، ويحتمل أن يكونَ إنما قصَد إلى ذِكر السائمة؛ لأنها هي عامَّةُ الغنم، ولا تكاد أن تكون فيها غير سائمةٍ؛ ولذلك ذكر السائمة في الغنم، ولم يذكرها في الإبل والبقر، ويحتمل أن يذكر ذلك صلى الله عليه وسلم في كتابه لينصَّ على السائمة ويكلف المجتهدَ الاجتهادَ في إلحاق المعلوفة بها، فيحصل له أجر المجتهدين).


وقال أيضًا عند شرح قول مالك: "في الإبل النواضح، والبقر السواني، وبقر الحَرْث، إني أرى أن يؤخذ من ذلك كله، إذا وجبَتْ فيه الصدقة": (وهذا كما قال؛ إن الإبل النواضح وهي التي يستقى عليها الماءُ من الآبار لسَقْي الأرض والنخل، والبقر والسواني وهي التي تسقي بالسانية لسَقْي الأرض والنخل، وبقر الحرث، وتجمع هذه كلها العوامل؛ فإن الزكاة واجبةٌ فيها كالسائمة، هذا قول مالكٍ رحمه الله، وقال أبو حنيفةَ والشافعي: لا زكاة في شيءٍ من ذلك، والدليل على صحةِ ما نقوله حديثُ أبي بكرٍ رضي الله عنه المتقدم في أربعٍ وعشرين من الإبل فما دونها من الغَنم، في كل خمسٍ شاةٌ، وهذا عام في السائمة والمعلوفة، فيجب حملُ ذلك على عمومه إلا أن يخصه دليلٌ، ودليلنا من جهة المعنى أن كثرةَ النفقات وقلتها إذا أثرت في الزكاة فإنها تؤثر في تخفيفها وتثقيلها، ولا تؤثِّر في إسقاطها ولا إثباتها؛ كالخلطة والتفرقة والسقي بالنضح والسيح، ولا فرق بين السائمة والمعلوفة إلا في تخفيفِ النفقة وتثقيلها، وأما التمكُّن مِن الانتفاع بها فعلى حدٍّ واحدٍ لا يمنع علفها من الدَّرِّ والنسل).


• وقال القَرافي في الذخيرة: (تؤخَذُ الصدقةُ مِن الغنم المعلوفة والسائمة، وكذلك الإبل والبقر).

ويبسط القَرافي أدلةَ ما استند إليه في الفروق، فيقول: (إذا ورَد أمرُ صاحب الشرع بإخراج الزكاة مِن كل أربعين شاةً شاةٌ؛ كما جاء في الحديث: ((في كل أربعين شاةً شاةٌ))، ثم ورَد بعد ذلك قولُه عليه السلام: ((في الغَنم السائمة الزكاة))، فمَن قصد في هذا المقام حمل المطلق الأول الذي هو الغَنم، على هذا القيد الذي هو الغنم السائمة، اعتمادًا منه على أنه مِن باب حمل المطلَق على المقيد - فقد فاتَه الصوابُ؛ بسبب أن الحملَ هنا يوجب أن المقيد خصَّص المطلق، وأخرج منه جميع الأغنام المعلوفة، والعموم يتقاضى وجوب الزكاة فيها، فليس جامعًا بين الدليلينِ، بل تاركًا لمقتضى العموم، وحاملًا له على التخصيص مع إمكان عدم التخصيص، فلا يكونُ الدليل الدال على حمل المطلق على المقيد موجودًا ها هنا، وهو الجمع بين دليل الإطلاق ودليل التقييد، ومَن أثبت الحكم بدون موجبه ودليله فقد أخطأ، بل هذا يرجع إلى قاعدةٍ أخرى، وهي تخصيص العموم بذكر بعضه، والصحيحُ عند العلماء أنه باطلٌ؛ لأن البعضَ لا ينافي الكل، أو مِن قاعدة تخصيص العموم بالمفهوم الحاصل من قيد السَّوم، وفيه خلافٌ).


• أدلة الأحناف على عدم وجوب الزكاة في الماشية المعلوفة:

يتفق الحنفيةُ مع جمهور الفقهاء من الشافعية والحنابلة وأكثر أهل العلم باشتراط السوم في وجوب زكاة الماشية، فتجبُ الزكاة في السائمة من الإبل والبقر والغنم، وكذلك الخيل عند أبي حنيفة؛ لِما جاء في صحيح البخاري من حديث أبي بكر‏:‏ "في صدقة الغَنم في سائمتها إذا كانت أربعين فيها شاةٌ".


وأما الأنعام المعلوفة فلا زكاة فيها؛ لانتفاء السوم؛ لأن وصفَ الإبل بالسائمة يدل مفهومُه على أن المعلوفة لا زكاة فيها، وأن ذكر السوم لا بد من فائدة يعتدُّ بها؛ صيانةً لكلام الشارع عن اللغو‏.‏


ولِما رواه بَهْزُ بن حكيمٍ، عن أبيه، عن جده، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((في كلِّ سائمةٍ في كل أربعين بنتُ لَبُونٍ))،‏ ومعنى بنت لبون: هي ما أكملت سنتين ودخلت في الثالثة، وسُمِّيت بذلك؛ لأن أمَّها آنَ لها أن تلِدَ فتَصير لبونًا.


وجاء في "المختـار للفتـوى في الفقه على مذهب أبي حنيفة"[3]، باب زكاة السوائم: (السائمة: التي تَكتفي بالرَّعي في أكثرِ حولها، فإن علَفها نصف الحول أو أكثرَه، فليست بسائمة).


وجاء في رد المحتار على الدر المختار شرح تنوير الأبصار[4]: (قال في النهر: وبدأ محمدٌ في تفصيلِ أموال الزكاة بالسوائم؛ اقتداءً بكتبه عليه الصلاة والسلام، وكانت كذلك؛ لأنها إلى العرب، وكان جلُّ أموالهم السوائمَ، والإبل أنفَسُها عندهم، فبدأ بها (قوله: هي الراعية)؛ أي: لغةً، يقال: سامت الماشية: رعَتْ، وأسامها ربُّها إسامةً كذا في المغرب؛ سميت بذلك؛ لأنها تسِمُ الأرض؛ أي: تُعلمها، ومنه: ﴿ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ ﴾ [النحل: 10]، وفي ضياء الحلوم: السائمة: المال الراعي نهرٌ (قوله: وشرعًا المكتفية بالرعي إلخ)، أطلقها فشمِل المتولدة من أهلي ووحشي، لكن بعد كون الأم أهليةً، كالمتولِّدة من شاةٍ وظبيٍ وبقرٍ وحشي وأهلي، فتجب الزكاة بها، ويكمل بها النِّصابُ عندنا).


يقول الإمام علاء الدين الكاساني[5]: (وأما صفة نصاب السائمة فله صفات؛ منها: أن يكونَ مُعَدًّا للإسامة، وهو أن يُسيمها للدَّر أو النسل؛ لما ذكرنا أن مال الزكاة هو المال النامي، وهو المُعَدُّ للاستنماء، والنماء في الحيوان بالإسامة؛ إذ بها يحصُلُ النسل، فيزداد المال، فإن أُسِيمت للحمل أو الركوب أو اللحم، فلا زكاة فيها، ولو أسيمت للبيع أو التجارة، ففيها زكاة مال التجارة، لا زكاة السائمة.


ثم السائمةُ هي الراعيةُ التي تكتفي بالرعيِ عن العلف، ويمُونها ذلك، ولا تحتاج إلى أن تُعلَف، فإن كانت تسام في بعض السنة، وتُعلَف في البعض، يعتبر فيه الغالب؛ لأن للأكثر حُكمَ الكل، ألا ترى أن أهلَ اللغة لا يمنعون من إطلاق اسم السائمة على ما تُعلَف قليلًا مِن السَّنة، ولأن وجوبَ الزكاة فيها لحصول معنى النماء وقلة المؤنة؛ لأن عند ذلك يتيسر الأداء، فيحصل الأداءُ عن طِيب نفس، وهذا المعنى يحصل إذا أُسِيمت في أكثر السَّنة).


• أدلة الشافعية على عدم وجوب الزكاة في الماشية المعلوفة:

السوم عند الشافعية أن يرسل الأنعامَ صاحبُها للرعي في كلأ مباح في جميع الحول، أو في الغالبية العظمى منه، ولو سامت بنفسها أو بفعل غاصب أو المشتري شراءً فاسدًا لم تجِبِ الزكاةُ في الأصح؛ لعدم إسامة المالك، وإنما اعتبر قصده دون قصد الاعتلاف؛ لأن السومَ يؤثِّر في وجوب الزكاة، فاعتبر فيه قصده، والاعتلاف يؤثر في سقوطها، فلا يعتبر قصده؛‏ لأن الأصلَ عدم وجوبها، وبذلك يشترط عند الشافعية أن يكون كل السوم من المالك، أو مَن يقوم مقامه، فلا زكاة فيما لو سامت بنفسها أو أسامها غير المالك، وإن اعتلفت السائمة بنفسها أو علفها الغاصب القدرَ المؤثر من العلف فيهما، لم تجِبِ الزكاة في الأصح؛ لعدم السوم، أو كانت عوامل في حرث ونضح ونحوه؛ لأنها لا تقتنى للنماء، بل للاستعمال؛ كثياب البدن، ومتاع الدار‏.‏


قال الشافعي[6]: (رُوِيَ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((في سائمة الغنم كذا))، فإذا كان هذا يثبت فلا زكاة في غير السائمة من الماشية، ويروى عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنْ ليس في الإبل والبقر العوامل صدقةٌ، ومثلها الغنم تعلف، ولا يبين لي أن في شيء من الماشية صدقةً حتى تكون سائمةً، والسائمة الراعية؛ وذلك أن يجمع فيها أمران؛ أن يكونَ لها مؤنة العلف، ويكون لها نماء الرعي، فأما إن عُلفت فالعلف مؤنة تحيط بكل فضل لها، أو تزيد، أو تقارب، وقد كانت النواضح على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم خلفائه، فلم أعلَمْ أحدًا يروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ منها صدقة، ولا أحدًا من خلفائه، ولا أشك - إن شاء الله تعالى - أنْ قد كان يكون للرجل الخمس وأكثر... وهذا يشبه أن يكونَ يدل على أن الصدقة في السائمة دون غيرها مِن الغنم).


ويقول أيضًا: (فإذا قيل في سائمة الغنم هكذا، فيشبه - والله تعالى أعلم - ألا يكونَ في الغنم غيرِ السائمة شيءٌ؛ لأن كلما قيل في شيءٍ بصفةٍ، والشيء يجمع صفتين، يؤخذ مِن صفة كذا، ففيه دليلٌ على ألا يؤخذ من غير تلك الصفة من صفتيه، بهذا قلنا: لا يتبين أن يؤخذ من الغنم غير السائمة صدقة الغنم، وإذا كان هذا هكذا في الإبل، والبقر؛ لأنها الماشية التي تجب فيها الصدقةُ دون ما سواها).


يقول النووي[7]: (لا تجب الزكاةُ في النَّعَم إلا أن تكون سائمة، فإن عُلفت في معظم الحول ليلًا ونهارًا، فلا زكاة، وإن عُلِفت قدرًا يسيرًا لا يتموَّل فلا أثَر له قطعًا،‏ والزكاةُ واجبةٌ، وإن أُسِيمت في بعض الحول وعُلِفت دون مُعظَمه.


ويقول أيضًا في المجموع: (وهذا المفهومُ الذي في التقييد بالسائمة حُجَّةٌ عندنا، والسائمةُ هي التي ترعى وليست معلوفةً، والسَّوم الرعي).


 أدلة الحنابلة على عدم وجوب الزكاة في الماشية المعلوفة:

يتفق الحنابلةُ مع جمهور الفقهاء من الشافعية والحنفية وأكثر أهل العلم باشتراط السَّوم في وجوب زكاة الماشية، فتجبُ الزكاة في السائمة من الإبل والبقر والغنم.


يقول ابن قدامة[8]: (فإن مذهبَ إمامنا -يقصد ابنَ حنبل- ومذهب أبي حنيفة أنها إذا كانت سائمةً أكثرَ السنة ففيها الزكاة، وقال الشافعي‏:‏ إن لم تكن سائمة في جميع الحول فلا زكاة فيها؛ لأن السومَ شرط في الزكاة‏، ‏ فاعتبر في جميع الحول؛ كالمِلك، وكمال النصاب، ولأن العلَف يُسقِط، والسَّوم يُوجِب‏، ‏ فإذا اجتمعا غلب الإسقاط، كما لو ملَك نِصابًا بعضه سائمة، وبعضه معلوفة، ولنا عمومُ النُّصوص الدالة على وجوب الزكاة في نُصُبِ الماشية، واسم السَّوم لا يزول بالعلَف اليسير).


ويقول أيضًا: (وفي ذِكر السائمة احترازٌ من المعلوفة؛ فإنه لا زكاةَ فيها عند أكثرِ أهل العلم).

ويقول المرداوي[9]: (لا تجب الزكاةُ في غير السائمة، والخارج من الأرض، والأثمان، وعُروض التجارة، وهو المذهب، وعليه جمهور الأصحاب).


 السَّوم الذي تجب فيه الزكاة:

وإذا كان الراجحُ مِن أقوال أهل العلم ـ وهو مذهب الجمهور كما تقدم ـ عدمَ وجوب الزكاة في الأغنام المعلوفة؛ لِمَا ثبت في صحيح البخاري، فإن القائلين بوجوب الزكاة في الأنعام السائمة يختلفون في اعتبار السَّوم الذي تجب به الزكاة؛ فاشترط الحنفيةُ والحنابلة أن ترعى العُشب المباح في البراري في أكثر العام بقصد الدَّرِّ والنسل والتسمين، فإن أسامها للذَّبح أو الحمل أو الركوب أو الحرث، فلا زكاة فيها؛ لعدم النماء، وإن أسامها للتجارة ففيها زكاة التجارة،‏ وإن أسامها بنفسها بدون أن يقصد مالكُها ذلك، فلا زكاة فيها عند الحنفية‏،‏ وأما عند الحنابلة - على الأصح - فلا يعتبر للمسوم والعلف نية، فتجب الزكاةُ في سائمة بنفسها، أو سائمة بفعل غاصبها؛ كغصبه حبًّا وزرعه في أرض مالكه، ففيه العُشر على مالكه، كما لو نبت بلا زرع،‏ ولا تجب الزكاة في معتلفة بنفسها، أو بفعل غاصب لعلفها، مالكًا كان أو غيره‏،‏ وذهب المالكية إلى أنه لا فرق بين السائمة والمعلوفة، فتُزكَّى مطلقًا.


ونقول: إنه إذا كان الإمام مالك قد ذهب إلى وجوب الزكاة في بهيمة الأنعام على الإطلاق، بغير تفرقة بين سائمة وغير سائمة، بما استدل به على ورود لفظ الإبل مطلقًا في بعض الأحاديث، ولم يقيد بالسائمة، كما في كتاب أبي بكر لأنس رضي الله عنهما: (في أربعٍ وعشرين من الإبل فما دونها في كل خمسٍ شاةٌ) - فقد ردَّ الجمهور على استدلاله بأن هذا الحديثَ مطلق، بينما الأحاديث الأخرى مقيدة بالسَّوم، والقاعدة المعروفة في هذا "أن يحمل المطلق على المقيد، إذا كان من جنسه" بلا خلاف[10]، وقد أوردنا الأدلةَ التي ساقوها واستدلوا بها على صحة ما ذهبوا إليه، مما لسنا في حاجة إلى تكراره.


وبعد استعراض أقوال المذاهب الفقهية الأربعة وأدلتهم في التمسك بشرط السوم لوجوب الزكاة، أو من وجوب الزكاة مطلقًا، إنما صدرت عن اجتهاد معتبر، وكان لتمحيص اللغة، وتفسير الأحاديث الشريفة، مع إعمال العقل دورٌ كبير فيه.



[1] أحمد بن أحمد المختار الشنقيطي، مواهب الجليل من أدلة خليل، إدارة إحياء التراث الإسلامي، 1983، قطر.

[2] أبو الوليد سليمان الباجي، المنتقى شرح موطأ مالك بن أنس، مطبعة السعادة، 1332هـ، مصر.

[3] عبدالله بن محمود الموصلي، المختار للفتوى: على مذهب الإمام الأعظم أبي حنيفة النعمان، دار البشائر الإسلامية، 2012، القاهرة.

[4] محمد أمين عمر "ابن عابدين"، رد المحتار على الدر المختار شرح تنوير الأبصار، دار الكتب العلمية، 1992، بيروت.

[5] علاء الدين، أبو بكر الكاساني، بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، دار الكتب العلمية، 2003، بيروت.

[6] محمد بن إدريس الشافعي، الأم، باب "ما يُسقِط الصدقةَ عن الماشية"، كتاب الزكاة، دار المعرفة، 1990، القاهرة.

[7] أبو زكريا يحيى النووي، روضة الطالبين، دار ابن حزم للطباعة والنشر، 2002، بيروت.

[8] موفق الدين بن قدامة المقدسي، المغني، دار عالم الكتب، 1997، القاهرة.

[9] علي بن سليمان المرداوي، الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف، مطبعة السنة المحمدية، 1956، القاهرة.

[10] شيخ الإسلام ابن تيمية، "مجموع الفتاوى" (32 /32).

 

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 286 مشاهدة
نشرت فى 11 أكتوبر 2016 بواسطة elsayedebrahim

ساحة النقاش

السيد إبراهيم أحمد

elsayedebrahim
الموقع يختص بأعمال الكاتب الشاعر / السيد إبراهيم أحمد ، من كتب ، ومقالات ، وقصائد بالفصحى عمودية ونثرية ، وكذلك بالعامية المصرية ، وخواطر وقصص و... »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

70,095