دكتور السيد إبراهيم أحمد

       

 

الدكتور ممد محمد حسن كامل كاتب ومفكر مصري الجنسية، سكندري المولد، فرنسي الإقامة، عربي الثقافة، مؤسس ورئيس اتحاد الكتاب والمثقفين العرب، رئيس جمعية تحيا إفريقيا بفرنسا، سفير سلام في فيدرالية السلام العالمي التابعة للأمم المتحدة، محرر ومدقق في الموسوعة العلمية العالمية"ويكيبيديا"، دكتوراه الفكر الإسلامي المعاصر.
        لهذا فقد اصطبع إبداعه بالصبغة الإسلامية التي تبدت في تعامله المبتكر والفريد مع كتاب الله الحكيم، فكان  المؤسس لعلم النسبة الذهبية في النصوص القرآنية، ومكتشف المكعب الزمانكاني، وأول من استخدم حساب المثلثات في تفسير القرآن الكريم، كما كان أول من برهن على حقيقة الرقم الذهبي في القرآن الكريم، بعد أن كان مجرد ملاحظات تطبيقية.
        وجاء انحيازه الفريد للغته العربية وآدابها، وهو القابع الغارق في قلب باريس معقل الكاثوليكية دينًا وتراثًا، التي لم تبهره أو تجرفه إلى ثقافتها، فتنكر كما تنكر غيره لحضارته وانقلب عليها فعدد المثالب وسدد السهام لقلبها ليكسب رضا الحداثيين أو المستشرقين.
         ورغم تعدد عوالم إبداعه فسأقصر الحديث على بعضٍ من أقواله المأثورة الكثيرة والعميقة التي سألقي بعض الأضواء حولها، وذلك في محاولة لاستكناه أفكاره الكامنة والمبثوثة في ثناياها بغية التعرف على هذا المزيج الشرقي/الغربي المتفاعل والذي اصطبغ به نسيجه الفكري.
       من أقوال الدكتور كامل الشهيرة: (الكتابة كالمرأة العارية لايسترها إلا ثوب البلاغة والحقيقة).. وهو تعبير يأتي في مفرداته غريب جديد؛ فالكتابة هيَّ رحلة الإنسان المحفوظة في ذاكرة الزمان، والإبداع العبقري الذي ساهم في بناء الحضارات والمدنيات والثقافات.. والمرأة العارية يسترها الثوب الرديء والثوب القشيب، والثوب المودرن والثوب التقليدي، والثوب الغالي والثوب الرخيص وفي كلٍ سترٌ لها وصونٌ وعفاف..وتماس التشبيه بين الكتابة وبين المرأة في عريها المقصود الباطني منه هو التجريد أي أن الكلمة تصبح مجردة بعيدة عن فحواها ومرادها ومعناها.. والفارق بين الكلام هو مانسميه (لغو) على الثرثرة والهراء والحكي الذي لا طائل من وراءه.. وبين (الحكمة) وتلك التي تتناقلها الأجيال عبر الشفاهية أو التدوين في سجلات الكتب التي تحفظ عناوينها عقول العلماء .. فالكتابة أي الكلمة المكتوبة إذا أريد لها السِتر فلابد أن تكون مزدانة بالثوب القشيب الغالي والجيد والمُحاك بعناية.. وتلك هي البلاغة من البيان والبديع، وقد يكون فيه كل هذا أو يبدو فيه هذا ولكنه تقليد أي كاذب، فتصير الكتابة مجرد كلامٌ جميل وخواء لا فكر فيه، ولا يعبر عن حقيقة، ولذا فلابد للكتابة المجردة إذا ما أريد لها الحياة والديمومة أن تتحلى بالاثنين معًا: البلاغة، وهيًّ فن الصنعة الفارق بين الأديب والعامي، والحقيقة وهيَّ الصدق في التبليغ، ومقصود الكاتب بتتميم المعنى وإلا فما فائدة التصنيف والتأليف؟!
      ومن مأثورات الدكتور حسن كامل والتي لاتقل روعة عما سبق، قوله: (المعرفة مثل البورصة في صعود وهبوط).. ومكمن الروعة في هذا التشبيه أنه يمكن أن نقيس المعرفة الثمينة في بورصة الأوراق المالية التي لا تكافئها أو تضاهيها ولكنه هكذا عالم البشر يهتم بالأقل والمستهلك والمتحول.
       والمعرفة تقاس بالصعود والهبوط، وكذلك بالكم والكيف، والتنوع والتوحد، والإقبال والإدبار؛ فقد تقبل الشهية في نهم على قراءة القصة والرواية والمسرح، ثم يتحول الإقبال إدبارًا نحو القراءة في النقد، وقد تجرف الفلسفة البعض في بحرها، وقد يخلب قراءة الفقه بعض ذوي الفهوم، أو يسحر عالم التصوف والمتصوفة من يبحثون عن الخلوة والجلوة، أو يسرق الشعر قريحة الشاعر، وقلب المتلقي الهاوي.  
 
      والكم والكيف يتناوبان، من حيث قراءة الفكر بشكل رأسي أحيانًا فيما يشبه التخصص لحصر كل مداخله ومخارجه لخلق فرصة إبداعية للخوض فيه، وهنا ينتحي الكم جانبًا فليس هو المهم، أو جمع حصيلة معرفية من شتى الأبواب والمسالك، فيتصدر الكم المشهد، أو يأتيان معًا حين يستصحبهما المفكر الموسوغي المتخصص.
 
    وصعود المعرفة وهبوطها .. غالبًا ما يأتي متسقًا مع الإقبال والإدبار.. وكثيرًا ما تشغل أحداث الحياة المثقف والقاريء والباحث، فيتأرجح رصيده في بورصة المعرفة بين صعودٍ بحسب الفراغ، وهبوطٍ بحسب الانشغال، لكن دومًا هناك رصيد يقل أو يكثر، وهذا هو الجميل في بورصة المعرفة التي لايخرج المتعامل منها أو معها خاسرًا أبدًا بخلاف بورصة الأوراق المالية. 
 
 في قولين يحملان دلالة بالغة رأيت أن هناك رابط كبير يجمعهما، وهو رابط الحب والوصال الذي يجلب الاتصال فتكون ثمرته ابنًا شرعيًا، لأن العلاقة بين مكوناته من القراءة والفكر والإبداع والمعرفة ــ سواء كانت مدخلات أو مخرجات ــ علاقة شرعية حلال، يجب أن يستظل الانسان الواعي بظلها الوريف والمثمر،فيقول الدكتور كامل قوله الأول: (الحب هو الابن الشرعي للمعرفة)، والثاني: (القراءة طاقة الإتصال والوصال بين الفكر والإبداع).
    والمعرفة غير التعليم؛ فقد يتعلم المرء ما لا يحب ولكنه مجبرٌ عليه حتى لو خالف الجبلة والميل، وقد ينجح فيه، وهو ما يوهم التناقض.. والمعرفة تستلزم الحب "ومن ذاق عرف".. والحب هو الابن الشرعي للمعرفة، لأنه لو لم يكن شرعيًا لكان حبًا مصطنعًا لايثمر، والحب يتولد من المعرفة فكان نتيجة، وهذا ما يلائم الباحث عن الحق بتجرد، بينما في القول الأخير جاء الفكر والإبداع نتيجتان والقراءة مقدمة لهما وهيً ما تناسب كل محب للعلم على وجه العموم، وتلزم المبدع الخلاق بوجهٍ خاص.
 
وأختم بمقولة لم تكن تغيب عن أهل الحصافة والرجل منهم، إذ أتى بكلمتي "الفكر والكفر" وأعمل فيهما تفكيره، ليستخرج منهما معانٍ غير مألوفة، فلم يغريه منهما هو تباديل الحروف، ولم يجعل احداهما مقدمة والأخرى نتيجة، بل قدمهما على أنهما نقيضان، وساق الحُجةَ فيما ذهب إليه، ومنعه بحثه في جماليات كلمة "الكفر" أن يستجلب المطروق منها، بل ذهب إلى الوجه الذي جاء في الآية العشرين من سورة الحديد: ﴿كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ﴾.. وهو الكفر بمعنى السّتْر وهو الغالب والشائع في اللغة العربية، ولذلك جاء الوصف للزارع بالكافر وليس اسمًا له، لأنه إنما يُلقي البذرة في الأرض ويغطيها أو يسترها فلا يظهر منها شيء..
 
  قدمت الشرح على المقولة حتى نستجلي بلاغتها عند تذوقها حين نسوقها، فيتمكن المعنى من الَلُب والقلب، وأما المقولة فهيَ: )الفكر والكفر، يتكونان من نفس الحروف ولكنهما النقيضان؛ فالفكر هو البحث عن الحقيقة، أما الكفر فهو سترها).

   ولو أطلقت العنان للقلم لاستقصاء مأثورات الدكتور محمد حسن كامل لاستلزم أن يكون كتابًا قائمًا بذاته، وحسبي أني أرشدت إلى أقواله القاصي، وجليت معانيها للمحب الداني، على قدر طاقتي وعلمي.
 
 
 

 

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 68 مشاهدة
نشرت فى 15 يونيو 2014 بواسطة elsayedebrahim

ساحة النقاش

السيد إبراهيم أحمد

elsayedebrahim
الموقع يختص بأعمال الكاتب الشاعر / السيد إبراهيم أحمد ، من كتب ، ومقالات ، وقصائد بالفصحى عمودية ونثرية ، وكذلك بالعامية المصرية ، وخواطر وقصص و... »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

64,309