قولي لنا بنيتي: ماذا لو دار الزمان بنَا؟
سليني: لماذا يا أبتِ هجرت عُشّنا؟!
لماذا خِلتها وحيدة أمّنا؟
وتركتنَــا
يصفعنا موج الهواء
فيردنا ريح الشتاء بلا رجلٍ يذبّ عنــا أفواه الجيران الجائعة
لأرغفة الحكايات الطازجة
وفي كل صبحٍ يلتهمون أخبارنا
صرنا حديث الموائد
كالعلك تلوكه الألسنة
صرنا النخيل بلا جرائد
بالنظرة الشمتاء يقذفننا،
صرنا القنافذ
بتنا نخشى النوافذ
لما يا أبي هجرتنا؟
من بعدُك يكفكف دمعنا
إذا عضّ الجوع بطوننَا
ينحني
يداوي بكفه حبةً من رملٍ خدشت طرفنا
مَن يهدهد هدبنا إذا ما تاه النوم عن عيوننا
فأقبل بسندباد الحكايا
وشهر زاد الليالي
وكنوز القصور فى الأمسيات والفرسان الخوالي
وأغرِي النوم أن يتوسد أرائكنَا
وأسرَّتنا
وأزاح الخوف من أحلامنا
وحارب العفاريت والجان
ونضحكُ: بالله يا أبى أنت
أنت أقوى إنسان تلاطفنا
تضاحكنا
حتى تختفي عنا
وتبقى أنتَ فى مخيلتي الطهر والعطر والتحنان
أبتِ .. صدقني:
زميلاتى فى حجرة الدرس تعيّرني
وصدّقنِي:
غيابك عنا يحيرني
يتضاحكن أين أباكم المزعوم؟
أحيُّ هو؟ أميّتٌ؟
أم سافرَ فى أمرٍ كتوم؟
ولطالما تعلّلتُ يا أبي بالسفر
ولكنه حتى المسافر يعود!
أأنكرتنا؟
أنسيتنــا؟
أمحوتنا من كل ذاكرة الوجود؟
لسنا بقايا يا أبي
ولسنا حطامًا أو نفايا
لسنا رماد سيجارتك يا أبي أودعته المطفأة
ومضيت
نحن وهجُكَ يا أبي
وسينطفىء
ونتساءل من يا تراه أطفأه؟!
أبــــي: في كل حين أذكرك
كأنك بالأمس القريب كنت معي
فى طرقات الحديقة تناديني
مازال صوتك: أيّ بنية
ارجعي!
ونظراتك الحاسمات دون لفظ من وعيد
وأوامرك الصارمات حفظتها دون أن تعيد
وأستعيد وأستزيد
وأدهَش!
أتحولات الزمن القمئ صيّرت قلبك من حديد؟
لا يا أبي
الحنان الدافىء والدم الساخن .. لا يصبح جليد
عفوًا سامحني تجاوزت الحدود
فلتصفعني أبي
لكم قَبْلًا عنّفتني إذا يوماً شططتُ
حذرتني
وأتيتها ثانيةً .. آلمتني
أشتاق صفعك يا أبي
أشتاق عدلك
قسوتك
أشتاق يا أبتِ .. عودتك
يا سيد الأحباب في قلبي
يرتعش قلبي كلما سمعت مثل دقاتك على الباب
كلما رأيت نظارة طبية بجوار جريدة وكتاب
عد يا أبي
بالله عليك عد
ودق بكفك الحبيب الباب
وكفاك ذهابًا يا أبي
أما شبعت ذهاب؟
بالله عليك ..عد يا أبي
فما أحلى الإياب
ساحة النقاش