السيد احمد عبد اللطيف حسين

خدمة طلاب العلم

أَضْـــحَى التَّــنَائِـي بَدِيْـــلاً مِــنْ تَدانِــــيْــنــا
وَنَا بَ عَــنْ طِيْـــبِ لُقْــيَانــا تَجـَافِــيْــــــنَــا
ألا وقـــد حـــانَ صُبــــح الــبَيْـنِ صـــَبَّحنـا
حِـــيـنٌ فقـــام بنـــا للحــِيـــــــن ناعِـيـــنــا
مَــن مُـبلـغ المُـــبْلِســينـا بانــــــتزاحِـــهــم
حُزنــــــاً مع الدهــر لا يَـــــبلـى ويُبـلـينـــا
أن الـزمـان الـذي مـــا زال يُضــــحكــــــنـا
أنسًــا بقربـهـم قـــد عـــــــاد يُبــكيـــــنـــا
غِــيظَ العِـدى من تـساقينا الهـوى فـدعــوا
بـأن نَغُـــــصَّ فـقـــال الدهــــر آميـــــنــــا
فانحــــلَّ مــا كـــان معـــقـودًا بأنــفســـنــا
وانـبـتَّ مـا كـــان موصـــــولاً بأيــــدينــــا
لــم نـعتقـد بعـدكـــــم إلا الوفـــــاءَ لكـــــم
رأيًـــا ولـم نـتـقلـــد غـيــــــرَه ديـنــــــــــا
مــا حــقنا أن تُقـــروا عيــــنَ ذي حسـد بنــا،
ولا أن تســـــروا كـاشــحًــــا فيــــنـــــا
كنـــا نــرى اليـــأس تُســلـينـا عوارضُــــه
وقـد يئسنــــا فمــــــا لليــــأس يُغـريــنــــا
بِنتــــــم وبــنـا فـمـا ابتـتــــت جــوانـحُنــا
شوقًـا إلــيكــــم ولا جــــفـــت مآقيـــــــنـا
نـكــاد حيــــن تُناجــيـكـم ضـمائـــــرُنـــــا
يَقضـــي عليـنا الأســــى لـــولا تـأسِّـــيـنـا
حالـــــت لفــقـدكـم أيامـنـــــا فَـغَـــــــــدَتْ
سُـود ًا وكانـــت بكـــم بـيضًـــا لياليـــــنــا

جماليات القصيدة
هذه القصيدة تعكس ما وصل اليه الذوق الاندلسي من تمثيل حياة للفرد ودوافع العشق ، ذاك ان المجتمع الذاي عاشه ابن زيدون كان انفتاحيا الى حد السفور ،فاتنا حد الولعة والضياع ، رقيقا حد الميوعة والانبهار.
وهذه القصيدة تتألف من مجموعة من الوحدات المترابطة فهي تملك الوحدة الموضوعية والعضوية ومطلعها يشي بحالة اعلان نفسي لنعي زمن الوصل وذلك من خلال قوله : -

اضح التنائي بديلا من تدانينا
وناب عن طيب لقيانا تجافينا

وقد استفتح قصيدته بالفعل الماضي (أضحى ) الذي يعتبرر اشارة الى مضمون القصيده وهو اللوعة والحزن على الماضي والذكري التي اصبحت ألما يعانيه الشاعر ..وحرقة على ايام الوصل وتساقي الهوى والتلاقي في رحاب الحب مع ولادة عشيقته وكيف تحولت تلك الليالي البيض الى ايام سود لايطيب له فيها شيء . وعبر بهذا الفعل دون أمسى اشارة الى ان الفراق حدث في وضح النهار اما الاعيان فأمر الوشاة لم يكن مستترا بل كان مكشوف للجميع .
.فقد قطع الوشاه الوصل وانحل مافي القلوب من اعتقاد حب ووفاء واخلاص ,,رغم انه لازال متمسكا بماتبقى من ذكرى الحب فهو دينه المتبع لايحيد عنه مهما كانت الظروف ..فالحب عقيدة راسخة في قلب هذا الشاعر العاشق لمحبوبته فرغم الفراق وتبدل الاحبه إلا أنه لم يخن عهده وباقي على حبه متأملا بعودة محبوبته بعد هذاالجفاء ..
أوقفنا الشاعر في قصيدته على تفاصيل حبه وتبدل حاله وماحدث بينه وبين ولاده جراء فعل الوشاة وكانه يريد منا ان نقف على تفاصيل تلك الحكاية الحزينة ونواسيه بما اصابه ونشعر بما شعر به ونشاركه المه وحزنه ..وقد تجلت بوضوح نفسية الشاعر الحزينة المعذبة المحترقة شوقا وحنينا في هذه القصيدة ..

ومما جعل القصيده بهذا الحد من الروعة والجمال هو قيامها على تلك التخالفية الجذابه المرتكزة على رمز الماضي ومافيه من جمال ووصال ورمز الحاضر وما آل اليه من جفاء وألم ,,(تداني تنائي يخشى تفرقنا يرجى تلاقينا )

وهذه التخالفية أعطت للنص قيمته الفنية من خلال من خلال استدعاء الماضي ومعايشته بكل تفاصيله ثم الالتفات الى الحاضر الحزين بكل مآسيه ولواعته ,وجعلنا نعيش مشاعره واحاسيسه فنشعر بلوعته ونشفق عليه من خلال تعايشنا التام مع النص .

غيظ العدا من تساقينا الهوى فدعو

(استدعاء مشهدي ) للعاشقين وهم يتساقون كأس الهوى وقد أختار تساقي لانها من افعال المشاركة تفاعل التي لاتكون إلا بين اثنين فكأن احدهما يسقي الاخر في صفاء ونقاء وسهولة وعذوبة ..وخلفهم في هذا المشهد عيون الوشاة غاضبة حاقدة حولت هذا التساقي السهل العذب اللذيذ الى غصة في حلوقهم فكان الألم القوي بعد اللذة الممتعة فحدثت الغصة بعد التساقي والكلمتين في تناسق مشهدي رائع ,و هم بهذا الألم والتحول الفضيع نرى الدهر في المشهد متحدثا (استدعاء صوتي ) وهو يقول أمينا فتكابل عليهم الأعداء والدهر في مشهد درامي حزين , ويتواصل المشهد الحزين بآثارة المترتبه والمتعاقبه من خلال حرف الفاء بانحلال مانعقد من حب في قلوبهم وقد وفق باختيار الانحل للنفس والوصل لليد .. فالانحلال للعقد والعقد هو الاعتقاد ومكانه القلب (النفس ) والوصل لمايتشابك ويتلامس للأيدي ,,فكأنما انفلتت ونبتت اصابع ايديهم من بعض في( استدعاء بصري ) يصف لنا بؤرة التحول من حياة الى اخرى .

أما التمني الذي جاء غير مرة في ثنايا القصيده فله مايبرره بعد انقطاع ماكان موصولا وجف ماكان تساقيا ولايخلو هذا التمني من عتاب كقوله :
ياليت شعري ولم نعتب اعاديكم ...

وعندما تقترب صورة الماضي من مخيلته تشده لوعة الحنين وشدة الوجد فيؤكد المواثيق لولادة
لاتحسبو نأيكم عنا

ونقف على تلك المفارقة العجيبه لما كان عليه في الماضي من امن من المفارقة الى يأس وأمن من التلاقي ..

وقد نكون ومايخشى تفرقنا .. فاليوم نحن ومايرجى تلاقينا

القيم الصوتية

الموسيقى واضحة جليه في هذه النونية الاندلسيه وقد تميز الشعر الاندلسي بالاكثار من حروف الصفير والهمس والمد في صورة متناغمه مع حياتهم المتحضرة الهادئة الخلابة الطبيعة ,,

فجأت قافية القصيدة( ي ,ن ,ا)وقد اعطتنا بذلك لحنا خفيفا رقيقا تطرب له الآذان فالموسيقى هنا ظاهرة بوضوح خاصة بالقافية فصوت
النون أنفي يصدر اثناء البكاء من شدة الولع والفراق فلاشك في ان الحزين يصدر من أنفه صوتا شبيه به فكأن صوت النون بصفته هذه مخرجا هذا الحزن الذي يحمله الشاعر بين جوانحه . ..

وكذلك صوت المد اللذي يكثر في القصيده عامة. وصوت المد الألف عادة يخرج النفس من الصدر وكأنه يريد الشهيق والزفير لأخراج حزنه وتجديد حياته اضف الى ذلك سهولة نطق هذا الحرف ,,
وهو مناسب للحاله التي كان عليها الشاعر فأحرف المد والاحرف السهله التي عليها أغلب القصيدة دائما تناسب حالة الحزن والشوق والوجد ..
فأكثاره من الحروف السهله يناسب بلاشك مقام القصيده لأن الالفاظ السهلة والرقيقة المكتسبه من الصوت تناسب اللوعة والذكرى والتألم فتعطي مساحة صوتية ليخرج الشاعر مشاعر الحزن والألم ,
,
ونلحظ عذوبة الموسيقى من التصريع وتكرار صوت المد ( الألف ) واعطاءه مساحه صوتيه حتى كانك ترى البيت بيتين ..
أضْحَى التّنائـي بَديـلاً مِـنْ تَدانِينَـا، وَنَـابَ عَـنْ طـيـبِ لُقْيـانَـا تجافيـنَـا
وكذلك
غِيظَ العِدا مِنْ تَساقِينـا الهـوَى فدعَـوْا بِـأنْ نَغَـصَّ، فَـقـالَ الـدّهـرًُ آميـنَـا
وقوله
كُنّا نرَى اليَـأسَ تُسْلِينـا عَوَارِضُـه، وَقَـدْ يَئِسْنَـا فَـمَـا للـيـأسِ يُغْرِيـنَـا
((نلحظ حرف السين في البيتن الاخيرين وهو صوت تنفيس ))

وبعد صوت المد نجد في البيت الثاني صوت الحاء المهموس الخفيف الرقيق مناسبا الحال الذي انطوى عليه المصير المؤلم
ألاّ وَقَد حـانَ صُبـحُ البَيـنِ، صَبّحَنـا حَيْـنٌ، فَـقَـامَ بِـنَـا للحَـيْـنِ نَاعيِـنَـا
وأجمل ما ارى هنا ه مناسبة هذا البيت لمشاعر الشاعر الواقفه امام هذا الموقف عاجزة عن تصاريف القدر مستسلمه لهذا الجلل فلا قوة تفيد ولافتوة تجدي ..فجاء صوت ضعيف متهالك يائس
في بحة الحزن ينعي الوصال ..

لكنه حين يتذكر سبب هذا الشقاء ((الوشاة )) يأتي صوت الباء بقوته متفجرا بوجههم
مَـنْ مبلـغُ الملبسِينـا، بانتزاحِهـمُ، حُزْنـاً، مـعَ الدهـرِ لا يبـلـى ويُبْليـنَـا..

ونعود للانين مع صوت النون وهوصوت أنفي يصدر اثناء البكاء من شدة الولع والفراق
وهو يتحدث عن ما ال اليه المصير بانحلال الحب وانقطاع الوصل ..

- فَانحَـلّ مـا كـانَ مَعقُـوداً بأَنْفُسِنَـا؛ وَانْبَـتّ مـا كـانَ مَـوْصُـولاً بأيْدِيـنَـا
- وَقَـدْ نَكُـونُ، وَمَـا يُخشَـى تَفَرّقُنـا، فاليـومَ نحـنُ، ومَـا يُـرْجـى تَلاقيـنَـا

غلب على القصيده الحروف السهله وبالاخص حرف المد ...

ونرى ازدواجية اللغة ..في قوله ..

- وَمَـا يُخشَـى تَفَرّقُنـا، ، ومَـا يُـرْجـى تَلاقيـنَـا

تداني ,,, تنائي

والالتفات في قوله
ليتَ شعرِي، ولـم نُعتِـبْ أعاديَكـم، هَـلْ نَـالَ حَظّـاً مـنَ العُتبَـى أعاديـنَـا

وقوله
غِيظَ العِدا مِنْ تَساقِينـا الهـوَى فدعَـوْا بِـأنْ نَغَـصَّ، فَـقـالَ الـدّهـرًُ آميـنَـا
وقوله
كُنّا نرَى اليَـأسَ تُسْلِينـا عَوَارِضُـه، وَقَـدْ يَئِسْنَـا فَـمَـا للـيـأسِ يُغْرِيـنَـا

ورد الاستفهام بقوله

مَـنْ مبلـغُ الملبسِينـا، بانتزاحِهـمُ، حُزْنـاً، مـعَ الدهـرِ لا يبـلـى ويُبْليـنَـا
وقوله

يا ليتَ شعرِي، ولـم نُعتِـبْ أعاديَكـم، هَـلْ نَـالَ حَظّـاً مـنَ العُتبَـى أعاديـنَـا

وورد القصر أسلوب الإثبات بعد النفي هو أسلوب بليغ وأسمى ما يجسد هذا الأسلوب البياني هي كلمة التوحيد

8- لـم نعتقـدْ بعدكـمْ إلاّ الوفـاء لكُـمْ رَأيــاً، ولَــمْ نَتَقـلّـدْ غَـيـرَهُ دِيـنَـا

في الخطاب الشعري لم يذكر ابن زيدون اسم محبوبته اجلالا وتعظيما لها وكان يخاطبها
بضمير الجماعه (تدانينا - بكم - جوانحنا - إليكم - عهدكم - نأيكم - عنكم )
و يستخدم أسلوب الجمع لمخاطبة المفرد إذإذا كان المخاطب
ذا مكانة كبيرة لدى المتكلم وهي تعني الإجلال والإكبار وعظم قدر المخاطب في النفس وهذا ما كان يشعر به ابن زيدون تجاه ولادة

غلب على النص (الجمل الفعلية ) التي تعطي النص حركة وحيوية

وتأتي قيمة هذه القصيدة من كثرة استعمال الكنايات والاستعارات والتشبيهات التي تجات بوضوح في القسم الثاني الذي اشتمل على مضمون الرسالة التي اراد ابن زيدون ان يرسلها مع البرق ونسيم الصبا …حتى آخر القصيدة ؛ وذلك كقوله :

ان كان قد عز في الدنيا اللقاء بكم في موقف الحشرنلقاكم وتلقونا .
وايضا قوله :
كأننا لم نبت والوصل ثالثنا
والسعد قد غض من اجفان واشينا
سران في خاطرالظلماء يكتمنا
حتى يكاد لسان الصبح يفشينا

أما لغة القصيدة ومعانيها فهي رقيقة رقة ابن زيدون سيمحة سماحة طبعه فهو يجتذب الغرب والشرق لحسن ديباجة نظمه وسهولة معاينه فهو يجري في شعره على طبعه كالبحتري في المشرق ، وهذا ما يفسر ما وقع من تلقائية في الفاظه.
والحقيقة ان البحتري له قصيدة جرت على وزن قصيدة ابن زيدون ، في الوزن والقافية وهي في رثاء الخليفة العباسي الموفق ابي احمد طلحة ابن المتوكل .
واذا كانت الطبيعة الاندلسية قد أثرت في لغة القصيدة؛ فان البيئة الاجتماعية الاندلسية قد صبغت القصيدة الغزلية بمسحة اللهجة الدارجة مع مرور الزمن حيث غدا الاندلسيون يستخدمون التعبيرات والمصطلحات التي لم يعرفها العرب المشارقة.

التناص في القصيدة

وقد استطاع الشاعر الاندلسي ان يرسم حبه ولهوه بابيات تحسب من اجمل الشعر الاندلسي .وما ذاك الا من اثر البيئة المشرقية الزاهية في اذواقهم ،ثم ان الاندلس كان لها حظ كبير من الجمال البشري كحظ بيئتها من الجمال الطبيعي ، مما استرعى انظار العرب ونية عواطفهم فقالوا في الغزلما قالوا ، ووضعوا الجمال الفائق الذي ملك اغنية قلوبهم شعرا ، فيه شيء من الصدق ، وكثير من العاطفة .

من الواضح ان ابن زيدون قد عارض البحترى في نونيته التي استهلها بقوله :

يكاد عذلنا في الحب يغرينا
فما لجاجك في لوم المحبينا

ومع اختلاف طبيعة الموضوع لدى كل من الشاعرين يضل اعجاب ابن زيدون واضحا حين اخذ من البحترى مقدمته وبنى على اساس منها قصيدة كاملة تسير في نفس اتجاه شكلها الغزلي بل تختص فيه وطوعها لتجربته الحقيقية فأضاف اليها وضخم فيها فكانت مفتاحاً لنونيته المشهورة .
فمثل هذا التصور بموقف ابن زيدون لايمكن ان يصدر من فراغ قدر مايدل على أن ثمة تأثيرات واضحة لابد أن يكون قد فرضت نفسها على ابن زيدون حين أعجب بفن الشعر عند البحترى فأراد أن يستوحي منه ذلك الخيال الصوتي العذب الذي أستعان به في نونيته إلى جانب ماتوقف عنده من صور أخرى جزئية بدت شديدة التأثير في لوحاته وقبل الجانب الإيجابي في هذا التأثير يحسن أن نقف على طبيعة التجربة عند كل من الشاعرين وما بينهما من مفارقات على مستوى الشكل تبدأ من كون حديث البحترى وحواره الغزلي لم يتجاوز مقدمة قصيدة مدح,في مقابل موقف آخر رسم فيه ابن زيدون لوحة غزلية كاملة فالبحترى في مقدمته كان حريصا على أن يدخل الى ممدوحه بعد حديث ذاتي يصور فيه تجربة ما تخصه سواء عاشها أم اكتفى بتمثلها ,

فعنصر الصدق عنده لاينتهي الى ضرورة المعايشة والمعاناة التي عاشها ابن زيدون وعاناها ,في المقابل توحد الموقف الغزل حول ولادة لدى ابن زيدون وكأنه راح يستكمل مسيرة متيمى الجاهلية أو عذريي العصر الأموي.

كما تظل مقدمة البحترى محصورة في أربعة عشر بيتا يرصد فيها عدة خواطر تبدو متناثرة إذ لايكاد يربطها نفسيا سوى ذلك الحس الغزلي الذي يطرحه في كثير من مقدمات قصائده خاصة في باب المدح.

ومع اختلاف الموقف لاتخفى أوجه التشابه والالتقاء بين الشاعرين ابتداء من تلك الحاسة الموسيقية التي ترنم بها كل منهما, الى جانب أساليب الصياغة اللفظيةوالتصويرية انطلاقا من التماس كل منهما تلك السهولة وذلك الوضوح, والميل الى تجنب التعقيد والانصراف عن الغموض التصويري .

ولقد اندفع البحترى في حواره الغزلي من منطلق تجربة تمثلها فحلق بها خياله في عالم الشعر ليجد الوزن والقافية الملائمين للموقف فنظم النونية بعيدا عن التعقيد والفلسفة من ناحية,وبعيدا ايضا عن الاسفاف او الرداءة أو الركاكة من الناحية المقابلة.
والفارق الأساسي بين الشاعرين من حيث دوافع النظم لنونيته كل منها, ذلك أن تلك الدوافع لا بد أن تترك أثرا واضحا في أوجه الاختلاف التي يمكن تبينها بينهما, فإذا كان الأمر لدى البحترى بمثابة تصوير لمقدمة اعتاد على استهلاك مدائحه بمثلها,
وبذا تبدو فتنة ابن زيدون بالبحترى كامنة وراء ظهور شخصيته بشكل بارز ومستقل عبر من خلاله عن حقيقة مشاعره من خلال معطيات تصويره اختلفت في طبيعتها النوعية عن مادة التصوير لدى البحترى حتى ليمكن بوضوح ان نلتمس عند ابن زيدون اندلسيته المتحضرة.

وكان يلقب ببحتري الغرب تشبيهاً له ببحتري الشرق في روعة ديباجته وسمو خياله وحسن فنّه، غير أنه يتميز من بحتري الشرق بجمال وصفه للطبيعة، وإشراكه إياها في شعوره ولواعج شوقه، وألمه من فراق "ولادة بنت المستكفي"؛ كما أنه يتميّز بنعومة غزله وبراعته في تصوير اختلاجات نفسه ولوعته، ومزجه الغزل بوصف الطبيعة، ولا ريب أن لمحبّ ولادة وحرمانه منها أثراً عميقاً في شعره، بما حباه من رقة عاطفة وحنين وشكوى، وبما ألهمه من تعبير عن إحساساته حتى تبوأ زعامة الغزل في أيامه. ومدائح ابن زيدون كثيرة، غير أنه كان فيها متبعاً لا مبتدعاً، كثير التصنع، والإغراب
وطريقة البحتري في الوصف قوامها المبالغة في تحريك الموصوفات، وبعث الحياة قوية فيها، إلى جانب كمال التشخيص والتعبير عن مواطن الجمال تعبيراً عاطفياً رقيقاً يستغل البحتري فيه ثقافته الأصيلة وانفعاله بمشاهد المدينة والحضارة المستجدة في عصره.

جماليات القصيدة :

هذه القصيدة تعكس ما وصل اليه الذوق الاندلسي من تمثيل حياة للفرد ودوافع العشق ، ذاك ان المجتمع الذاي عاشه ابن زيدون كان انفتاحيا الى حد السفور ،فاتنا حد الولعة والضياع ، رقيقا حد الميوعة والانبهار.
وهذه القصيدة تتألف من مجموعة من الوحدات المترابطة فهي تملك الوحدة الموضوعية والعضوية ومطلعها يشي بحالة اعلان نفسي لنعي زمن الوصل وذلك من خلال قوله : -

اضح التنائي بديلا من تدانينا
وناب عن طيب لقيانا تجافينا

وقد استفتح قصيدته بالفعل الماضي (أضحى ) الذي يعتبرر اشارة الى مضمون القصيده وهو اللوعة والحزن على الماضي والذكري التي اصبحت ألما يعانيه الشاعر ..وحرقة على ايام الوصل وتساقي الهوى والتلاقي في رحاب الحب مع ولادة عشيقته وكيف تحولت تلك الليالي البيض الى ايام سود لايطيب له فيها شيء . وعبر بهذا الفعل دون أمسى اشارة الى ان الفراق حدث في وضح النهار اما الاعيان فأمر الوشاة لم يكن مستترا بل كان مكشوف للجميع .
.فقد قطع الوشاه الوصل وانحل مافي القلوب من اعتقاد حب ووفاء واخلاص ,,رغم انه لازال متمسكا بماتبقى من ذكرى الحب فهو دينه المتبع لايحيد عنه مهما كانت الظروف ..فالحب عقيدة راسخة في قلب هذا الشاعر العاشق لمحبوبته فرغم الفراق وتبدل الاحبه إلا أنه لم يخن عهده وباقي على حبه متأملا بعودة محبوبته بعد هذاالجفاء ..
أوقفنا الشاعر في قصيدته على تفاصيل حبه وتبدل حاله وماحدث بينه وبين ولاده جراء فعل الوشاة وكانه يريد منا ان نقف على تفاصيل تلك الحكاية الحزينة ونواسيه بما اصابه ونشعر بما شعر به ونشاركه المه وحزنه ..وقد تجلت بوضوح نفسية الشاعر الحزينة المعذبة المحترقة شوقا وحنينا في هذه القصيدة ..

ومما جعل القصيده بهذا الحد من الروعة والجمال هو قيامها على تلك التخالفية الجذابه المرتكزة على رمز الماضي ومافيه من جمال ووصال ورمز الحاضر وما آل اليه من جفاء وألم ,,(تداني تنائي يخشى تفرقنا يرجى تلاقينا )

وهذه التخالفية أعطت للنص قيمته الفنية من خلال من خلال استدعاء الماضي ومعايشته بكل تفاصيله ثم الالتفات الى الحاضر الحزين بكل مآسيه ولواعته ,وجعلنا نعيش مشاعره واحاسيسه فنشعر بلوعته ونشفق عليه من خلال تعايشنا التام مع النص .

غيظ العدا من تساقينا الهوى فدعو

(استدعاء مشهدي ) للعاشقين وهم يتساقون كأس الهوى وقد أختار تساقي لانها من افعال المشاركة تفاعل التي لاتكون إلا بين اثنين فكأن احدهما يسقي الاخر في صفاء ونقاء وسهولة وعذوبة ..وخلفهم في هذا المشهد عيون الوشاة غاضبة حاقدة حولت هذا التساقي السهل العذب اللذيذ الى غصة في حلوقهم فكان الألم القوي بعد اللذة الممتعة فحدثت الغصة بعد التساقي والكلمتين في تناسق مشهدي رائع ,و هم بهذا الألم والتحول الفضيع نرى الدهر في المشهد متحدثا (استدعاء صوتي ) وهو يقول أمينا فتكابل عليهم الأعداء والدهر في مشهد درامي حزين , ويتواصل المشهد الحزين بآثارة المترتبه والمتعاقبه من خلال حرف الفاء بانحلال مانعقد من حب في قلوبهم وقد وفق باختيار الانحل للنفس والوصل لليد .. فالانحلال للعقد والعقد هو الاعتقاد ومكانه القلب (النفس ) والوصل لمايتشابك ويتلامس للأيدي ,,فكأنما انفلتت ونبتت اصابع ايديهم من بعض في( استدعاء بصري ) يصف لنا بؤرة التحول من حياة الى اخرى .

أما التمني الذي جاء غير مرة في ثنايا القصيده فله مايبرره بعد انقطاع ماكان موصولا وجف ماكان تساقيا ولايخلو هذا التمني من عتاب كقوله :
ياليت شعري ولم نعتب اعاديكم ...

وعندما تقترب صورة الماضي من مخيلته تشده لوعة الحنين وشدة الوجد فيؤكد المواثيق لولادة
لاتحسبو نأيكم عنا

ونقف على تلك المفارقة العجيبه لما كان عليه في الماضي من امن من المفارقة الى يأس وأمن من التلاقي ..

وقد نكون ومايخشى تفرقنا .. فاليوم نحن ومايرجى تلاقينا

القيم الصوتية

الموسيقى واضحة جليه في هذه النونية الاندلسيه وقد تميز الشعر الاندلسي بالاكثار من حروف الصفير والهمس والمد في صورة متناغمه مع حياتهم المتحضرة الهادئة الخلابة الطبيعة ,,

فجأت قافية القصيدة( ي ,ن ,ا)وقد اعطتنا بذلك لحنا خفيفا رقيقا تطرب له الآذان فالموسيقى هنا ظاهرة بوضوح خاصة بالقافية فصوت
النون أنفي يصدر اثناء البكاء من شدة الولع والفراق فلاشك في ان الحزين يصدر من أنفه صوتا شبيه به فكأن صوت النون بصفته هذه مخرجا هذا الحزن الذي يحمله الشاعر بين جوانحه . ..

وكذلك صوت المد اللذي يكثر في القصيده عامة. وصوت المد الألف عادة يخرج النفس من الصدر وكأنه يريد الشهيق والزفير لأخراج حزنه وتجديد حياته اضف الى ذلك سهولة نطق هذا الحرف ,,
وهو مناسب للحاله التي كان عليها الشاعر فأحرف المد والاحرف السهله التي عليها أغلب القصيدة دائما تناسب حالة الحزن والشوق والوجد ..
فأكثاره من الحروف السهله يناسب بلاشك مقام القصيده لأن الالفاظ السهلة والرقيقة المكتسبه من الصوت تناسب اللوعة والذكرى والتألم فتعطي مساحة صوتية ليخرج الشاعر مشاعر الحزن والألم ,
,
ونلحظ عذوبة الموسيقى من التصريع وتكرار صوت المد ( الألف ) واعطاءه مساحه صوتيه حتى كانك ترى البيت بيتين ..
أضْحَى التّنائـي بَديـلاً مِـنْ تَدانِينَـا، وَنَـابَ عَـنْ طـيـبِ لُقْيـانَـا تجافيـنَـا
وكذلك
غِيظَ العِدا مِنْ تَساقِينـا الهـوَى فدعَـوْا بِـأنْ نَغَـصَّ، فَـقـالَ الـدّهـرًُ آميـنَـا
وقوله
كُنّا نرَى اليَـأسَ تُسْلِينـا عَوَارِضُـه، وَقَـدْ يَئِسْنَـا فَـمَـا للـيـأسِ يُغْرِيـنَـا
((نلحظ حرف السين في البيتن الاخيرين وهو صوت تنفيس ))

وبعد صوت المد نجد في البيت الثاني صوت الحاء المهموس الخفيف الرقيق مناسبا الحال الذي انطوى عليه المصير المؤلم
ألاّ وَقَد حـانَ صُبـحُ البَيـنِ، صَبّحَنـا حَيْـنٌ، فَـقَـامَ بِـنَـا للحَـيْـنِ نَاعيِـنَـا
وأجمل ما ارى هنا ه مناسبة هذا البيت لمشاعر الشاعر الواقفه امام هذا الموقف عاجزة عن تصاريف القدر مستسلمه لهذا الجلل فلا قوة تفيد ولافتوة تجدي ..فجاء صوت ضعيف متهالك يائس
في بحة الحزن ينعي الوصال ..

لكنه حين يتذكر سبب هذا الشقاء ((الوشاة )) يأتي صوت الباء بقوته متفجرا بوجههم
مَـنْ مبلـغُ الملبسِينـا، بانتزاحِهـمُ، حُزْنـاً، مـعَ الدهـرِ لا يبـلـى ويُبْليـنَـا..

ونعود للانين مع صوت النون وهوصوت أنفي يصدر اثناء البكاء من شدة الولع والفراق
وهو يتحدث عن ما ال اليه المصير بانحلال الحب وانقطاع الوصل ..

- فَانحَـلّ مـا كـانَ مَعقُـوداً بأَنْفُسِنَـا؛ وَانْبَـتّ مـا كـانَ مَـوْصُـولاً بأيْدِيـنَـا
- وَقَـدْ نَكُـونُ، وَمَـا يُخشَـى تَفَرّقُنـا، فاليـومَ نحـنُ، ومَـا يُـرْجـى تَلاقيـنَـا

غلب على القصيده الحروف السهله وبالاخص حرف المد ...

ونرى ازدواجية اللغة ..في قوله ..

- وَمَـا يُخشَـى تَفَرّقُنـا، ، ومَـا يُـرْجـى تَلاقيـنَـا

تداني ,,, تنائي

والالتفات في قوله
ليتَ شعرِي، ولـم نُعتِـبْ أعاديَكـم، هَـلْ نَـالَ حَظّـاً مـنَ العُتبَـى أعاديـنَـا

وقوله
غِيظَ العِدا مِنْ تَساقِينـا الهـوَى فدعَـوْا بِـأنْ نَغَـصَّ، فَـقـالَ الـدّهـرًُ آميـنَـا
وقوله
كُنّا نرَى اليَـأسَ تُسْلِينـا عَوَارِضُـه، وَقَـدْ يَئِسْنَـا فَـمَـا للـيـأسِ يُغْرِيـنَـا

ورد الاستفهام بقوله

مَـنْ مبلـغُ الملبسِينـا، بانتزاحِهـمُ، حُزْنـاً، مـعَ الدهـرِ لا يبـلـى ويُبْليـنَـا
وقوله

يا ليتَ شعرِي، ولـم نُعتِـبْ أعاديَكـم، هَـلْ نَـالَ حَظّـاً مـنَ العُتبَـى أعاديـنَـا

وورد القصر أسلوب الإثبات بعد النفي هو أسلوب بليغ وأسمى ما يجسد هذا الأسلوب البياني هي كلمة التوحيد

8- لـم نعتقـدْ بعدكـمْ إلاّ الوفـاء لكُـمْ رَأيــاً، ولَــمْ نَتَقـلّـدْ غَـيـرَهُ دِيـنَـا

في الخطاب الشعري لم يذكر ابن زيدون اسم محبوبته اجلالا وتعظيما لها وكان يخاطبها
بضمير الجماعه (تدانينا - بكم - جوانحنا - إليكم - عهدكم - نأيكم - عنكم )
و يستخدم أسلوب الجمع لمخاطبة المفرد إذإذا كان المخاطب
ذا مكانة كبيرة لدى المتكلم وهي تعني الإجلال والإكبار وعظم قدر المخاطب في النفس وهذا ما كان يشعر به ابن زيدون تجاه ولادة

غلب على النص (الجمل الفعلية ) التي تعطي النص حركة وحيوية

وتأتي قيمة هذه القصيدة من كثرة استعمال الكنايات والاستعارات والتشبيهات التي تجات بوضوح في القسم الثاني الذي اشتمل على مضمون الرسالة التي اراد ابن زيدون ان يرسلها مع البرق ونسيم الصبا …حتى آخر القصيدة ؛ وذلك كقوله :

ان كان قد عز في الدنيا اللقاء بكم في موقف الحشرنلقاكم وتلقونا .
وايضا قوله :
كأننا لم نبت والوصل ثالثنا
والسعد قد غض من اجفان واشينا
سران في خاطرالظلماء يكتمنا
حتى يكاد لسان الصبح يفشينا

أما لغة القصيدة ومعانيها فهي رقيقة رقة ابن زيدون سيمحة سماحة طبعه فهو يجتذب الغرب والشرق لحسن ديباجة نظمه وسهولة معاينه فهو يجري في شعره على طبعه كالبحتري في المشرق ، وهذا ما يفسر ما وقع من تلقائية في الفاظه.
والحقيقة ان البحتري له قصيدة جرت على وزن قصيدة ابن زيدون ، في الوزن والقافية وهي في رثاء الخليفة العباسي الموفق ابي احمد طلحة ابن المتوكل .
واذا كانت الطبيعة الاندلسية قد أثرت في لغة القصيدة؛ فان البيئة الاجتماعية الاندلسية قد صبغت القصيدة الغزلية بمسحة اللهجة الدارجة مع مرور الزمن حيث غدا الاندلسيون يستخدمون التعبيرات والمصطلحات التي لم يعرفها العرب المشارقة.

التناص في القصيدة

وقد استطاع الشاعر الاندلسي ان يرسم حبه ولهوه بابيات تحسب من اجمل الشعر الاندلسي .وما ذاك الا من اثر البيئة المشرقية الزاهية في اذواقهم ،ثم ان الاندلس كان لها حظ كبير من الجمال البشري كحظ بيئتها من الجمال الطبيعي ، مما استرعى انظار العرب ونية عواطفهم فقالوا في الغزلما قالوا ، ووضعوا الجمال الفائق الذي ملك اغنية قلوبهم شعرا ، فيه شيء من الصدق ، وكثير من العاطفة .

من الواضح ان ابن زيدون قد عارض البحترى في نونيته التي استهلها بقوله :

يكاد عذلنا في الحب يغرينا
فما لجاجك في لوم المحبينا

ومع اختلاف طبيعة الموضوع لدى كل من الشاعرين يضل اعجاب ابن زيدون واضحا حين اخذ من البحترى مقدمته وبنى على اساس منها قصيدة كاملة تسير في نفس اتجاه شكلها الغزلي بل تختص فيه وطوعها لتجربته الحقيقية فأضاف اليها وضخم فيها فكانت مفتاحاً لنونيته المشهورة .
فمثل هذا التصور بموقف ابن زيدون لايمكن ان يصدر من فراغ قدر مايدل على أن ثمة تأثيرات واضحة لابد أن يكون قد فرضت نفسها على ابن زيدون حين أعجب بفن الشعر عند البحترى فأراد أن يستوحي منه ذلك الخيال الصوتي العذب الذي أستعان به في نونيته إلى جانب ماتوقف عنده من صور أخرى جزئية بدت شديدة التأثير في لوحاته وقبل الجانب الإيجابي في هذا التأثير يحسن أن نقف على طبيعة التجربة عند كل من الشاعرين وما بينهما من مفارقات على مستوى الشكل تبدأ من كون حديث البحترى وحواره الغزلي لم يتجاوز مقدمة قصيدة مدح,في مقابل موقف آخر رسم فيه ابن زيدون لوحة غزلية كاملة فالبحترى في مقدمته كان حريصا على أن يدخل الى ممدوحه بعد حديث ذاتي يصور فيه تجربة ما تخصه سواء عاشها أم اكتفى بتمثلها ,

فعنصر الصدق عنده لاينتهي الى ضرورة المعايشة والمعاناة التي عاشها ابن زيدون وعاناها ,في المقابل توحد الموقف الغزل حول ولادة لدى ابن زيدون وكأنه راح يستكمل مسيرة متيمى الجاهلية أو عذريي العصر الأموي.

كما تظل مقدمة البحترى محصورة في أربعة عشر بيتا يرصد فيها عدة خواطر تبدو متناثرة إذ لايكاد يربطها نفسيا سوى ذلك الحس الغزلي الذي يطرحه في كثير من مقدمات قصائده خاصة في باب المدح.

ومع اختلاف الموقف لاتخفى أوجه التشابه والالتقاء بين الشاعرين ابتداء من تلك الحاسة الموسيقية التي ترنم بها كل منهما, الى جانب أساليب الصياغة اللفظيةوالتصويرية انطلاقا من التماس كل منهما تلك السهولة وذلك الوضوح, والميل الى تجنب التعقيد والانصراف عن الغموض التصويري .

ولقد اندفع البحترى في حواره الغزلي من منطلق تجربة تمثلها فحلق بها خياله في عالم الشعر ليجد الوزن والقافية الملائمين للموقف فنظم النونية بعيدا عن التعقيد والفلسفة من ناحية,وبعيدا ايضا عن الاسفاف او الرداءة أو الركاكة من الناحية المقابلة.
والفارق الأساسي بين الشاعرين من حيث دوافع النظم لنونيته كل منها, ذلك أن تلك الدوافع لا بد أن تترك أثرا واضحا في أوجه الاختلاف التي يمكن تبينها بينهما, فإذا كان الأمر لدى البحترى بمثابة تصوير لمقدمة اعتاد على استهلاك مدائحه بمثلها,
وبذا تبدو فتنة ابن زيدون بالبحترى كامنة وراء ظهور شخصيته بشكل بارز ومستقل عبر من خلاله عن حقيقة مشاعره من خلال معطيات تصويره اختلفت في طبيعتها النوعية عن مادة التصوير لدى البحترى حتى ليمكن بوضوح ان نلتمس عند ابن زيدون اندلسيته المتحضرة.

وكان يلقب ببحتري الغرب تشبيهاً له ببحتري الشرق في روعة ديباجته وسمو خياله وحسن فنّه، غير أنه يتميز من بحتري الشرق بجمال وصفه للطبيعة، وإشراكه إياها في شعوره ولواعج شوقه، وألمه من فراق "ولادة بنت المستكفي"؛ كما أنه يتميّز بنعومة غزله وبراعته في تصوير اختلاجات نفسه ولوعته، ومزجه الغزل بوصف الطبيعة، ولا ريب أن لمحبّ ولادة وحرمانه منها أثراً عميقاً في شعره، بما حباه من رقة عاطفة وحنين وشكوى، وبما ألهمه من تعبير عن إحساساته حتى تبوأ زعامة الغزل في أيامه. ومدائح ابن زيدون كثيرة، غير أنه كان فيها متبعاً لا مبتدعاً، كثير التصنع، والإغراب
وطريقة البحتري في الوصف قوامها المبالغة في تحريك الموصوفات، وبعث الحياة قوية فيها، إلى جانب كمال التشخيص والتعبير عن مواطن الجمال تعبيراً عاطفياً رقيقاً يستغل البحتري فيه ثقافته الأصيلة وانفعاله بمشاهد المدينة والحضارة المستجدة في عصره.

 

  • Currently 15/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
5 تصويتات / 37880 مشاهدة
نشرت فى 24 إبريل 2011 بواسطة elsayedahmed

ساحة النقاش

السيد احمد عبد اللطيف حسين

elsayedahmed
اهتم بالكتب والمقالات والروابط وكل مايخص طالب العلم »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

90,349