<!--

<!--<!--<!--


الحقيقة أننى منذ اليوم الأول لإطلاق سراحى وأنا أشعر بأننى مقدم على حياة جديدة لاتقل صعوبة عن أيام السجن , فشعورى بأن هناك فريقاً من إخوانى لم يُفرج عنهم جعلنى فى حالة من الضيق والحزن , وكنت أنتوى الخروج إلى رئاسة الوزراء ورئاسة المجلس العسكرى لتسجيل شكرى وتذكرتى لهم بضرورة الإفراج الفورى عن جميع المظلومين فى عهد حسنى مبارك , ولكنى خرجت فى هذا اليوم متأخراً فلم أتمكن من ذلك , وذهبت إلى بلدتى ناهيا مع حشد من أقاربى وأصدقائى من المحافظات المختلفة واختلطت مشاعر الفرح بالدموع , وعادت إلى ذهنى كثير من الذكريات , ولكنى لم أشعر أننى عدت إلى بلادى لأن كل شئ قد تغير{ الناس ,المبانى , الزحام , الصخب , الأضواء , لغة الخطاب , المعاملات !!} وإذا كنت بصدد كتابة شئ عن هذه الحزمة من الأيام فإن العنوان الذى أخترته هو ما عنونت به هذه المقالات يكون هو أنسب ما يمكن التعبير به عن هذه الفترة .

ولقد شعرت بطعم الحرية حينما كنت سجيناً وذلك لكونى تمسكت بما رأيته حقاً وصواباً ولم أخضع لضغوط السلطة فكانت آثار الهزيمة التى أراها فى أعين الأجهزة الأمنية تثلج صدرى وتتلاشى أمامها كل المضايقات التى كانوا يقومون بها ضدى وضد الدكتور طارق فما لبث أن حاق المكر السئ بمن مكر بنا وصدق قول الله تعالى { ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله }

الصدمة الإعلامية :

لقد وصلت إلى بيتى منهكاً ومجهداً لأجرى بعض الحوارات التليفزيونية التى كانت فى إنتظارى .. وهنا لابد وأن أنوه أننى لم أكن أريد إجراء حوارات تليفزيونية أو صحفية حيث كنت أود أن أعلن كلمة قصيرة ثم أحتجب لفترة زمنية لاتقل عن الأسبوع لتقويم الموقف ودراسة المستجدات وتحديد لغة الخطاب مع الواقع الجديد وبالفعل أعلنت أمام الإعلام هذه الكلمة .

وأكدت أنه لابد من أن يمنحونى بعض الوقت لترتيب الأوراق , ودراسة الواقع , ولكن هذا الأمر لم يتحقق أمام ضغوط متنوعة لإجراء العديد من الحوارات فى وقت قصير , ولقد لاحظت أن بعض القنوات كانت تحاول أن تحاصرنى بالأسئلة فى مساحة الماضى فأجبت بسلامة نية حول مسائل تاريخية حكم فيها القضاء وانتهت فيها الأحكام , ولو أعيدت المحاكمة لايمكن أن يوضع إسمى أو أسم الدكتور طارق وكثير من إخوانى فى قائمة المسئولين عن مقتل السادات .

لأن مواد الإتهام قد سقطت دستورياً بحكم المحكمة الدستورية العليا , فضلاً عن أننى لم أكن فى الخدمة العسكرية ولم أكن من بين المشاركين فى العرض وكنت هارباً بعد تفتيش منزلى بالجيزة , ولم أقابل خالد الإسلامبولى ورفاقه الذين اشتركوا في العرض , بل ولم أكن موافقاً على هذه الفكرة حين علمت بها وعرضت تصورات بديلة عن ذلك لأننى كنت من أنصار التغيير الشامل وليس فكرة إزاحة رئيس ليحل رئيس آخر لا يعرف أحد هويته ولاندرك ماذا سيفعل بمصرنا ؟!

ولكن المجموعة المنفذه صممت على رأيها وتم التنفيذ ... ولقد حمّلنى وزير الداخلية آنذاك مسئولية التخطيط للعملية بالرغم من عدم مسئوليتى فعلاً عن ذلك , فالتصق فى أذهان الناس أننى كنت أحد

المشاركين فى العرض وهو مخالف للحقيقة التى يلزم إيضاحها للكافة كما أسلفنا .

ولذلك استقبلنى الإعلام المصري مستفسراً عن دورى وعن قضايا فقهية متعددة أجبت عنها فى إطارها فلم يعجب ذلك بعض المشاهدين بالرغم من أننى أوضحت رؤيتى الجديدة , ولكن حجم المساحة التى أفردها الإعلام لحادثة مقتل السادات جعلت الحديث عن المستقبل وعن الجانب المضئ يتلاشى أمام المشهد التاريخى للمنصة الذى نال القسط الوافر فى الحديث .

ولقد اكتشفت أن هناك تعمداً من البعض لإبراز المشهد التاريخى وكأنه هو المستقبل الذى أسعى إليه لدرجة أن هناك من الإعلاميين من حذف جوانب المستقبل من حوارى واقتصر على جانب الماضى يدور حوله ويكرر السؤال بأكثر من صورة حتى ينطبع فى ذهن المشاهد أثراً مزعجاً عن شخصيتى وانتبهت لذلك ولله الحمد وقمت بتوضيح ذلك فى مساحات إعلامية كبيرة على مستوى داخل البلاد وخارجها مما أظهر الصورة الحقيقية بعيداً عن التشويه الذى أراده الخصوم من فلول النظام السابق ..

ولقد فوجئت بنائب رئيس الوزراء يقحم موضوع الاستقبال الشعبى الذى حدث معى والدكتور طارق الزمر فى أثناء حديث حول موضوع آخر بشكل أثار إستفهام كثير من الناس الذين أعربوا عن سخطهم تجاه نائب رئيس الوزراء ولكنى عرفت السبب فلقد كان التقدير الذى ناله المستشار طارق البشرى فى تصريحاتنا الإعلامية الأثر المباشر فى إغضابه حيث كان المستشار البشرى يمثل البديل الدستورى الذى حل مكانه بعد أن تم إستبعاده من لجنة صياغة الدستور.

ولقد كانت هناك صدمة إعلامية آخرى أحسست بها حين تمت مهاجمة التيار السلفى كله من خلال قضايا لم يفعلها فنسبوا له أنه يقطع الأذن كحد من حدود الله !! وهذا لم يحدث فليس هناك حد اسمه قطع الأذن , فضلاً عن أن الموضوع لا علاقة له بالسلفية !! ولقد وفقنى الله تعالى للدفاع عن ذلك فى الفضائيات والحوارات الصحفية حين توجهوا الىّ بالسؤال , ولقد كانت الحملة على أشدها فى أعقاب الإستفتاء الذى حصل فيه الرأى الذى كان يدعمه الإسلاميون على 77% فاشتاط العلمانيون غضباً , وزادوا من هجومهم ووحدوا أقلامهم بهدف الالتفاف على نتائج الاستفتاء , وانقلبوا على مبادئهم التى يزعمونها واخذوا من الخطوات العجيبة التى تكشف حقيقة موقفهم من الديمقراطية , وأن الرأى الذى يجب أن يمضى هو رأيهم بصرف النظر عن أنهم أغلبية أم أقلية !! ولكن إرادة الشعب ستنتصر فى النهاية بإذن الله ولن يصح إلا الصحيح فنحن قد ودعنا الدكتاتورية إلى غير رجعة.

ولقد فوجئت بمن يبلغنى أن هناك هجوماً على الفيس بوك يتناول بعض مقالاتى مثل غيرى من كتاب التيار الإسلامى ورموزه فلما نظرت فى التعليقات وجدتها غير ذات موضوع ولايستفاد منها بكلمة فكلها شتائم تدل على أن قائلها لم يتلق فى حياته شيئاً عن أدب الحديث أو النقد فصرفت نظر عن متابعتها فضلاً عن قراءتها أصلاً .

ولم أكن أتصور أنه لازال – بعد الثورة – من يمسك بمقاليد الإعلام ويوجهه نحو ذات الوجه السالفة الذكر والتى ينبغى أن يتطهر الإعلام المصرى من رجس هؤلاء الذين أسهموا فى إفساد الحياة السياسية بكتاباتهم التى تمتلئ نفاقاً وإطراء لمن لا يستحقون إلا الزجر والعتاب والانكار على فعالهم السوداء ..

يوم الاستفتاء:

خرجت من بيت أخى الأستاذ أحمد الزمر إلى لجنة المدرسة بناهيا وسط مجموعة كبيرة من أقاربى كى أدلى بصوتى الانتخابى بعد سجن دام ثلاثين سنة بل إننى لم أدل بصوتى مطلقاً لكونى كنت ضابطاً فى القوات المسلحة وهو ما يمنعه الدستور المصرى واليوم أدلى بالرأى وأنا حر طليق لا يمشى

ورائى ضابط أمن أو شرطى سرى , فكنت سعيداً مع كل خطوة أخطوها نحو اللجنة وبالفعل ذهبت وقلت نعم بعد أن قدمت تحقيق الشخصية ( بطاقة الرقم القومى ) والتى إستخرجتها قبل خروجى من السجن .

ولا أخفى على القارئ سراً أن سعادتى وأنا أرى مدى شفافية التصويت الانتخابى وحياد اللجان كانت أكبر من أن انتظارى لنتيجة التصويت حتى لو جاءت مخالفة لما أراه ما كنت سأغضب أو أحزن لأن استعادتنا لإرادة التعبير بصراحة وعدم تزوير الإرادة الشعبية هى المكسب الرئيس الذى حققناه , ومن هذا المنطلق أقول لكل من صوّت بلا عليك أن ترضى بما إختاره الشعب لأن المسألة من الأمور الاجتهادية لاينكر فيها طرف على آخر ولا يصح أن يتذمر أو يتحرك احتجاجياً ويعطل المرافق ليضغط بهدف إلغاء رأى الأغلبية فهذا من صنع الأنظمة المستبدة التى كانت تعلم أنها أقلية وغير مرغوب فيها وتستخدم الأساليب غير المشروعة كى تحقق ما تريده رغماً عن رأى الجماهير الحاشدة التى ظهرت فى مليونيات كبيرة طالبت بإسقاط النظام كله .

ولقد تعجبت أكثر حين رأيت أن هناك من يطالب بالدستور أولاً لأن معنى هذا هو رفض لإرادة جماهير إختارت الانتخابات أولاً وحسمتها نتائج الإستفتاء ... ومما لا شك فيه أن من حق الشعب أن يطالب بالإسراع فى محاكمة المسئولين عن الفساد بشرط أن تكون المحاكمة عادلة وأمام قضاء طبيعى وفى جو هادئ بعيداً عن التوتر الذى يضغط على أعصاب الهيئة القضائية لأننا باختصار شديد لا نحب أن يحاكم أحد من الشعب وفق نظام لم نكن عنه راضون فليس من العدل أن نرضى لغيرنا ما لم نرضه لأنفسنا قال تعالى { ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا إعدلوا هو أقرب للتقوى } ثم إنه لا معنى لأن تحشد أقلية قوتها فى الشارع لتعطيل حركة الحياة لإجبار الأغلبية على الرضوخ وتغيير الإرادة سوى إستبداد سياسى ورفض للآخر مهما كان ثقله فى الشارع السياسى .

ثم إننى لا أرى ضرورة أن تقوم الأغلبية بحشد قوتها لتقول لنا الإنتخابات أولاً .. لأن النتيجة ظهرت فى الاستفتاء تؤيد رأيها وتعبر عن ثقلها فلا معنى لأن تعيد الكرّة وهى أغلبية ساحقة قالت كلمتها ويبقى على الجهات المختصة التنفيذ ..

الفتنة الطائفية :

هى من أخطر ما يعوق نجاح الثورة حيث استخدمها النظام السابق من خلال جهازه الأمنى لإشعال النار بين المسلمين والأقباط وعدم تطبيق القانون على الجناه وغلق الملفات لتبقى النار تحت الهشيم تتأجج كل فترة لأن النفوس لم تهدأ بعد , ولقد كشفت بعض بقايا الأوراق المحترقة فى أجهزة أمن الدولة عن تدخلات خطيرة للأمن حول دور الجهاز الأمنى فى بعض الأحداث الطائفية , وهذا معناه أن النظام السابق كان يلعب بورقة الفتنة الطائفية لتحقيق مكاسب سياسية وكى يبقى هو وكأنه الحارس الأمين لهذا الوطن فى الوقت الذى كان يقوم فيه بدور العميل الخائن لبلاده .

وحينما تفجرت أحداث إمبابة أُصبت بحالة حزن شديد على إنجازات الثورة من الضياع وشعورى أن فتح هذا الباب فى هذا الوقت بالذات هو من صناعة النظام السابق الذى يريد بالبلاد شراً فأسرعتُ إلى المشاركة فى مؤتمرين شعبيين فى المنيا وأسيوط لرأب الصدع وتهدئة الخواطر لأن هاتين المحافظتين هما أكثر المحافظات تأثراً بالأحداث الطائفية .

وجبنا الشوارع هناك نهتف فى جموع المواطنين شعارات تدعم الوحدة الوطنية وترفض الصراعات الطائفية ومن بين تلك الشعارات شعار يقول { لا للفتنة الطائفية علشان مصر تبقى قوية } فلقينا تجاوباً من أهالى المحافظتين وحضر آلاف المواطنين وأحسنوا إستقبالنا وحيانا المسلمون إلى جوار الكثير من الأقباط فى الشوارع لدعم مساعينا الحميدة نحو تدارك أى صراع فى هذا الشأن ولقد تحدثنا فى المؤتمرات التى عُقدت هناك بما يخدم انجازات الثورة ويغلق الطريق أمام كل من يحاول الالتفاف عليها من بقايا وفلول الحزب الوطنى التى تستخدم أكثر من سلاح فى موجهة الثورة كالطائفية والبلطجة وقطع الطرق وإثارة الذعر بين المواطنين ونحو ذلك من الأمور المعوقة لحركة بناء المجتمع وإعادة ترتيبه .

صعوبات واجهتنى

خرجنا من السجن ولم نكن منقطعين عن العالم بل نتابع الأحداث بشكل منتظم فلم يحدث معنا مثلما حدث فى عصور سابقة حيث كان يخرج السجين ليسأل عن الملك فيكتشف ان الملك مات منذ سنوات طويلة !! ولكننا كنا نعرف التطورات يوماً بيوم ولم يكن ذلك يرضى النظام السابق بل كان يريد أن يمحو ذاكرتنا عن الماضى والحاضر ولا نفكر فى المستقبل من باب أولى !!

ولكن قمنا برفع قضايا فكسرنا الحبس الانفرادى واستعدنا حقنا فى الدراسة بالكليات وكذا فى مطالعة الكتب والمجلات واقتناء الراديو , ونجحنا فى السنوات الأخيرة فى تهريب الدش مفككاً إلى أجزاء وتمت إعادة تجميعه وبالتالى أمكننا متابعة الفضائيات مما جعلنا نستوعب ما يدور على الساحة المحلية والدولية بعد أن أرهقتنا السلطات بمشاهدة القنوات المحلية فكان ذلك أقرب إلى العقاب !! لأن الإعلام المصرى فى القنوات الأرضية كان حكومياً وموجهاً إلى خدمة كرسى الحكم . فكانت البرامج مملة والضيوف لا تأتينا بجديد !!

ولكن الذى شعرنا بصعوبته هو مواجهة الواقع العملى فوجدت صخباً شديداً وزحاماً أشد وأضواء مبهرة ليلاً ولافرق بين الليل والنهار فى الشوارع ولاحظت أن نشاط معظم السكان يبدأ بعد الظهر لأن الكثير ينام حتى هذا التوقيت ونحن اعتدنا على الاستيقاظ مبكراً .

ولاشك أن من أخطر الصعوبات هى معرفة الأشخاص لأن مرور ثلاثين عاماً على الشخص حولته من شاب إلى أب أو جد فيصعب علىّ معرفته فكان مطلوباً منى إعادة رسم خارطة الصور من جديد لعدة الآف من أقاربى وأصدقائي سواء الذى رأيته منهم قبل السجن أو الذين ولدوا من الأبناء والأحفاد خلال الفترة التى قضيتها وراء القضبان وهو عمل شاق على الذاكرة فى خريف العمر .

 

الواجبات أكثر من الأوقات ..

 

وهى مشكلة كبيرة حيث المطلوب منى أداؤه يفوق أوقاتى بكثير وبالتالى يلزم ترتيب الأولويات وتقديم بعض الأمور على الأخرى وهذا ليس سهلاً لأننى لو ذهبت لحضور عقد قران غضب منى من دعانى ولم أحضر لانشغالى بشئ آخر أكثر أهمية كمؤتمر إسلامى أو عزاء لأن الداعى إلى عقد القران ينظر إلى أننى استجبت لفلان ولم ألب دعوته , وهكذا حسابات دقيقة تلزمنى حتى لا يحزن منى المحبين والأصدقاء المقربين .. ومن هذا المنطلق أديت ما أستطيع من الواجبات التى علىّ واعتذرت عن بعضها وكان الناس كرماء معى فى قبول أعذارى وعدم الضغط علىّ والسماح لى بتعديل المواعيد وهو ما ينبغى أن نتحلى به فى العلاقات بأن يعذر بعضنا بعضاً .

 

ملاحظات آلمتنى

لاحظت أن الأبناء لاتحترم جيل الآباء كما كان على عهدنا أو من سبقونا الذين شاهدناهم ونحن صغار السن فالابن يدخن السجائر أمام والده بلا حرج ويجلس وقد وضع ساقة فوق الساق وبرقع صوته فى حضوره وربما يطلب منه أشياء يحضرها له عند خروجه إلى الشارع ووجدت جفوة بين الأقارب فهناك من يقاطع قريبه منذ سنوات لأسباب بسيطة وهناك من لايتصل بأخيه إلا عبر المحمول وهناك من يكتفى بالرنة الصوتية دون حديث وذلك لمجرد الإطمئنان !!

ولقد أصبحت المواصلات تشكل عائقاً كبيراً أمام التزاور الذى كنا حريصين عليه فى الماضى وكذلك التكاليف الاقتصادية التى أصبحت تمثل مشكلة أمام معظم طبقات الشعب كى يقوم ببعض الواجبات تجاه أقاربه فى النوازل أو الأفراح .

ومما لاشك فيه أن نظام مبارك الفاسد يتحمل جانباً كبيراً من هذه المشكلة لبرامجه التى تؤدى إلى تفكيك الروابط الأسرية وتغيير السلوكيات والثقافات وفتح الأبواب أمام تغريب المجتمع وجعل التجويع سياسة ليبتعد الناس عن شئون الحكم وينشغلوا بلقمة العيش يلهثون وراءها معظم الأوقات ..

ولاحظت أن شباباً صغير السن يدخن السجائر فى الطرقات بشراهة وهو ما جعلنى أشعر بالخطر على مستقبل صحة الشباب وقوته.

ومدى عطائه كما وجدت إنشغالاً معظم أوقات الليل على المقاهى بما يوحى للمشاهد أن هذا الكم الهائل سينام حتى الظهر وهو ما يؤكد على أن رواد هذه المقاهى معظمهم من العاطلين عن العمل!!.

وبلغتنى شكاوى عديدة من الأمهات بأن الأبناء فى سن المراهقة يأخذون الأموال من عائلتهم بنوع من الإبتزاز وهناك من يشكو من اختفاء الأموال من الأدراج فى المنازل وربما بعض المصوغات وهم على يقين أن السارق هو أحد الأبناء , وهناك من يشكو من البنات التى تتأخر فى الشارع إلى بعد منتصف الليل وتؤكد أنها كانت عند صديقة لها وهو ما يسئ إلى الأسرة ويضع البنات فى موضع الشبهات التى تحول دون زواجها إذا سأل الخاطب عنها أهل المنطقة التى تسكن فيها وأن الفتيات لا تستوعب معنى سمعة الإنسان وتجدها تقول (أننى واثقة من نفسى ولا يهمنى رأى الناس!!) وكان أيضاً من المحزن لى أن أرى الكثيرين من القراء يهتمون بالعناوين البراقة ولا يقرأون محتوى الخبر الذى غالباً ما يكون فيه التفصيل الذى يوضح غموض العناوين خاصة أن المانشيت الصحفى يهتم بالجذب لصالح التربح فلا يكون العنوان معبراً بدقة عن مضمون الخبر أو التصريح وهو ما أوصى به القارئ كى ينتبه وأعتب فيه على الصحفى الذى ينتهج هذا اللون من الدعاية تحقيقاً لأعلى نسبة من التوزيع ويكون ذلك على حساب الحقيقة فلابد من رعاية ذلك .

كل هذا كان من أسباب آلامى وشعورى بالحزن فى هذه الفترة .

 

ما بين الحزب والجماعة والإنتخابات

 

يوم الجمعية العمومية للجماعة الإسلامية :

 

منذ عدة سنوات كنت أنتظر هذا اليوم وهو أن تختار القاعدة قادتها وتقرر رؤيتها الجديدة لأن تعاقد الجماعة الإسلامية فى الماضى كان على أهداف ووسائل تغيير معينة واليوم هناك أهداف ووسائل تغيير جديدة فلا بد من أخذ الموافقة من جديد وجمع التأييد والدعم من قاعدة الجماعة إلى قمتها التى تفوض فى إدارة شئون الجماعة , والعمل على تحقيق المهام الموكلة اليها على أحسن وجه وكنت فى فترة سجنى أرى أهمية ضبط حركة الجماعة من خلال الجمعية العمومية لانتهاء مرحلة تاريخية أدارها مجلس الشورى بشكل مطلق بما فيها من تحولات تحتاج إلى رضا القواعد العريضة من أبناء الجماعة ..

ومن المفارقات أننى كنت قد انتويت الدعوة إليها قبل خروجى من السجن كى تسترد الجماعة الإسلامية عافيتها وتجتمع لتقوم بدور فاعل فى المجتمع فى رؤيتها السلمية الجديدة بعد مبادرة وقف العنف وكنت أدرك تماماً أن الجماعة الإسلامية لديها قدرة تنظيمية كبيرة على جذب أنصار جدد فضلاً عن عودة النشاط إلى أبنائها بشكل سريع إذا أُتيحت لها الفرصة للعمل بعيداً عن الضغوط الأمنية .

ولقد تحققت الآمال بعد ثورة 25 يناير حيث فتحت الأبواب أمام ممارسة مساحات العمل المختلفة فكانت الجمعية العمومية التى قررت إختياراتها بنفسها وكنت أنتوى عدم المشاركة فى هياكل الجماعة خاصة أن سنى قد تقدمت وإننى أرغب فى أن يشارك الشباب فى قيادة الجماعة بشكل أوسع .

وبالفعل أعلنت عدم رغبتى فى العمل التنظيمى ويكفينى الاحتفاظ بعضوية المجلس التأسيسى الذى له صلاحيات محدودة ولكنى فوجئت بأن هناك من أعضاء الجماعة من يطلب منى عدم الانسحاب من ذلك لأن المرحلة المقبلة دقيقة وتحتاج إلى تضافر الجهود .. ولقد استجاب بعض أعضاء الجمعية لرغبتى فاختاروا عدداً من القيادات الشابة فى حين صمم آخرون على اختيارى مع بعض زملائى القدماء وهو ما أدى إلى وجودى فى عضوية مجلس الشورى وتراجعت عن فكرة الانسحاب إستجابة لهذا المطلب وبشكل مرحلى .

ولقد كانت سعادتى غامرة حين اختارت الجمعية العمومية العمل الحزبى والمشاركة فى الانتخابات وإنشاء الجمعية الخيرية إلى جوار العمل الدعوى والتربوى الذى تهتم بهما الجماعة منذ نشأتها وبهذا تكون الجماعة قد مارست حقها ودورها فى بناء المجتمع وفق آليات سلمية مشروعة نتمنى لها التوفيق والسداد .

 

الحزب السياسى :

 

عقد المجلس عدة جلسات لمناقشة الحزب السياسى تنفيذاً لقرار الجمعية العمومية فأسند إلى عدد من الأعضاء مسؤلية الترتيب لورقة إعلان مبادئ الحزب وأهدافه والمؤسسين له وتم بحمد الله الإعلان عنه فى مؤتمر إعلامى حضره بعض أعضاء مجلس الشورى ومن أراد من أعضاء الجمعية العمومية ولفيف من الشخصيات العامة والعديد من القنوات الفضائية والمجلات والصحف ووكالات الأنباء المحلية والدولية وتم والحمد لله فى شكل طيب بعد مجهود إعداد شاق فى وقت قياسى لتحضير وصياغة وطبع إعلان المبادئ وتمت إجراءات جمع التوكيلات طبقاً لما هو مطلوب من حيث الأعداد والانتشار فى المحافظات تمهيداً لتقديم الأوراق .

ولقد تعرضت لأسئلة كثيرة حول لماذا لا تشكلون حزباً واحداً للتيار الإسلامى فأوضحت أن التعدد ظاهرة صحية الآن لأنها تؤكد على أن الإسلام ليس حكراً على فصيل بعينه وأن هناك تطبيقات متنوعة للرؤية الإسلامية يتسع لها الفقه الإسلامى فضلاً عن إمكانية التعاون بين أعضاء كل فصيل لأداء دوره ولا يتعارض كل هذا مع توحيد الجهود والتحالفات حول قضايا الأمة ومطالب الجماهير .. ومما لا شك فيه أن هناك قطاعات شعبية كبيرة فى عزلة عن المجتمع فإن تعدد الأحزاب ربما يكون سبباً فى حراك سياسى يحقق مشاركة أوسع نطاقاً .

 

حزب البناء والتنمية في سطور:

 

بعد ان تم إعداد الوثائق الخاصة بالحزب تقدمنا بالأوراق إلى لجنة الأحزاب التي اعترضت على الفقرة الخاصة بالشريعة الإسلامية واعتبرتها سبب جوهري للرفض وطلبت خزفها ولكن مجلس شورى الجماعة اجتمع وأصر على الإبقاء على الفقرة المطلوب حذفها وبالتالي تم عرض الأمر على الإدارية العليا التي قضت بأحقية الحزب في ممارسة دوره وأن هذه المادة لا تتعارض وصحيح القانون والدستور .

والذي أحزنني أن المساحة الزمنية بين رفض الحزب من اللجنة وبين صدور الحكم تحركت أيادي أمن الدولة لتبث الشائعات وتحرض بعض كوادر الجماعة إلى الانضمام إلى أحزاب أخرى والتخلي عن حزب البناء والتنمية باعتباره متطرفاً !!.

وهذا لم يكن حقيقياً ولقد اثبتت الأيام أن الحزب يؤدي بطريقة إستحسنها كثير من الساسة وقادة الرأي في المجتمع .

 

انتخابات مجلسي الشعب والشورى

 

يوم صدور حكم المحكمة الإدارية العليا كان الوقت المتبقي على غلق باب الترشح عدة أيام قليلة فأسرع المسئولون في الحزب إلى تجهيز كشوف المرشحين في بعض المحافظات وحاولوا التنسيق مع قائمة الإخوان ولكن العرض كان مجحفاً بحق الجماعة ووزنها في الشارع إذ كان حزب الحرية والعدالة يريد أن ندعمه في مقابل ضمان مقعدين على رأس القائمة!!.

فرفضنا الفكرة وتم التنسيق مع حزب النور السلفي فتم نجاح عضوين على قواثم النور وكان الباقون وهم نحو إثنى عشر قد نجحوا على المقاعد الفردية .

وهكذا تشكل المجلس ودخلت الكتلة البرلمانية لحزب البناء والتنمية إلى مجلس الشعب وقد كوّنت رؤية محايدة تقف فيها مع الصواب ونجحت في رأب الصراع بين حزب النور وحزب الحرية والعدالة وتنازلت عن حصتها في مسئولية اللجان داخل المجلس وطرحت رؤى أشاد بها المراقبون ولكن ملاحظتي على أداء المجلس أنه كان يتحرك باسلوب نمطي وكأنه امتداد لمجلس سابق دون أن يشعر المواطن بطريقة جديدة في أداء البرلمان سواء في طريقة العرض أو ترتيب الأ ولويات في التشريعات لصالح الفقراء وما أتمناه أن يكون في المستقبل دورات إعداد للبرلماني حتى يتفهم فيها اللوائح ويعبر عن حاجات المواطن من خلال القوانين والمشروعات التي يتقدم بها .

 

معركة الرئاسة وقسوتها

 

كنت أحلم أن يكون هناك مرشح واحد رئاسي يمثل التيار الإسلامي ولكن كان هذا من الخيال بعيد المنال فوجدت أكثر من مرشح مصمم على خوض الانتخابات ولا أريد أن أطيل هنا حيث كان الجميع يشعر بهذه المحنة من مجرد سؤال المواطنين لماذا لا تتوحدون لتضمنوا الفوز فلم نكن نجد إجابة سوى أن نسأل الله التوفيق إلى ذلك ولقد رأى حزب البناء والتنمية عدم تقديم مرشح والاكتفاء بدعم أفضل المرشحين او على الأصح أنسبهم لهذه الدورة .. وكان بوسع حزب البناء أن يدفع بمرشح عن الحزب وأيضاً يمكنه جمع التوقيعات لمرشح آخر فضلاً عن وجود نحو خمسة عشر عضواً في مجلس الشعب والشورى حيث يمكنهم المشاركة في دعم مرشح ثالث .. ولكن خرج علينا من الأجواء الإعلامية ما يؤكد أن هناك احتمالات شطب لمعظم المرشحين الإسلاميين مما دعانا إلى التنبيه على الإخوان بفكرة المرشح الاحتياطي أو الاحترازي ولم يكن الإخوان يصدقون أن مرشحهم الأصلي يمكن أن يشطب ولكنهم أخذوا في النهاية بنصيحتنا التي أسديناها إليهم مع غيرنا من الناصحين وتقدموا بأوراق الدكتور محمد مرسي فبقي بعد ذلك في السباق الرئاسي بعد مفاجأة وصول شفيق إلى الإعادة معه وكان يوماً مزعجاً وحزيناً بالنسبة لي حيث تأكدنا أن هناك كتلة قبطية كبيرة أعطته أصواتها وكذلك فلول الحزب الوطني ولولا ستر الله علينا في الإعادة بينهما والحشد الهائل الذي قامت به الجماعة الإسلامية وحزب البناء والتنمية على طول خط الصعيد لكان الأمر على غير ما نريده ولاشك أن وقوف بعض القوى الوطنية والثورية التي ترفض شفيق إلى جوار تأييد الرئيس مرسي كان له الدور أيضاً في تأمين الوصول بفارق تصويت نحو المليون صوت ولقد كاد قلبي يتوقف وأنا أستمع إلى مقدمة المستشار رئيس اللجنة العليا للإنتخابات وهو يعلن النتيجة فلقد كانت المقدمة حزينة ومأساوية إلى درجة كبيرة تساقطت فيها الدموع على الخدود واللحى وعلى مواضع السجود لله شكرا.

الجمعية التأسيسية للدستور

وقع جدل كبير حول التأسيسية والنسبة العددية للقوى ومسألة التوافق وطرق القطع في القرار , ولكن ما أود أن أذكره هنا أنه كادت أن تحدث أزمة حيث تمسكت الأطراف بحصتها في التأسيسية ولكن حزب البناء والتنمية رأى التنازل عن المقعدين الخاصين به للقوى الوطنية الأخرى لتختار من تريده من الترشيحات من غير المحسوبين على التيار الإسلامي فكان موقفاً محموداً للحزب أثنى عليه المراقبون وفي النهاية خرجت الجمعية بالدستور الذي نال تأييد نحو ثلثي الشعب المصري .

ولاشك أن المعارضين لبعض المواد وهي قليلة جداً بالنسبة لعدد المواد الأخرى إلا أن الدستور نفسه فتح باب التعديل من خلال آلية أراها مناسبة لفتح باب الحوار حول ذلك عندما يتم تشكيل المجالس الجديدة , ولقد كنت أتمنى على المستوى الشخصي ألّا يتم استبعاد أحد بنص دستوري ويترك الأمر للجماهير لتحديد ذلك لأنني ضد فكرة الإقصاء التي تعرضنا لها كثيراً طوال حقبة من الزمان شعرنا فيها بحجم الظلم , فلما فتحت الأبواب أمام الاختيار الشعبي عاد التيار الإسلامي إلى مكانه الذي يستحقه في قلوب الجماهير من خلال الصندوق الانتخابي.

أزمة القضاة

إنني مع استقلال القضاء وكنت أكتب ذلك منذ سنوات خلال عهد مبارك المخلوع ولكني ضد أن يتدخل القضاء في الحركة السياسية فيزاولون أدواراً تضر بهم وبأحكامهم وتطعن على عدالتهم وهو ما يجري حالياً من حالة استقطاب داخل المؤسسة القضائية سيؤدي في النهاية إلى فقدان الثقة بين المواطنين والقضاء ..

ولاشك أن وقفة القضاه للدفاع عن استقلالهم بدأت من المربع الخطأ حيث وقفوا إلى جوار النائب العام الذي ضاعت في عهده دماء الشهداء , وأفلت الجناة من قبضة العدالة , وجاءت هذه البداية متحدية لإتفاق إرادة شعب هتف بسقوط النائب العام , فلابد أن يتحرك شيوخ القضاة لاحتواء هذه الأزمات وكذلك لابد أن تستطلع السلطة التشريعية رؤية القضاة فيما يتعلق بقانونهم المهني وتتعرف على مطالبهم قبل أن تصدر أي تشريع , وهذا يجب أن يكون مع كل قانون مهني يصدر عن المجلس التشريعي بالرغم من أن صدور هذه التشريعات عن المجلس هو حق أصيل للسلطة التشريعية , وفقاً للدستور وإرادة الشعب التي خوّلت له هذا الاختصاص .

كما أذكر القضاة بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ( قاضيان في النار وقاض في الجنة ) ولذلك كان السلف الصالح يتهربون من تولي وظيفة القاضي وكانوا يُحملون عليها ويجبرون على توليها وليس كما نراه اليوم من صراع على البقاء لأطول فترة ممكنة على المنصة وهو أمر له دلالته التي ينبغي أن يعالجها القضاة بحكمتهم وحيادهم .

تطهير الإعلام

لقد ظهر لنا بعد الثورة بقاء عدد من المذيعين والمذيعات يسيرون على نهج معاد للنظام الجديد الذي تقوده الأكثرية الإخوانية وبشكل أصبح خارجاً عن القواعد المهنية فرأينا من يسب و�

elsayda

بوابة الصعايدة

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 70 مشاهدة
نشرت فى 13 يونيو 2013 بواسطة elsayda

رئيس التحرير: أشرف التعلبي

elsayda
نحارب الفقر- المرض- الامية -الثأر... هدفنا تنوير محافظات الصعيد- وان نكون صوت للمهمشين »

تسجيل الدخول

بالعقل

ليس كافيا أن تمتلك عقلا جيدا، فالمهم أن تستخدمه جيدا