تحقيق: أشرف التعلبى


رغم انطلاق الحملة القومية لإنقاذ النيل فى يناير ٢٠١٥، لحمايته وإيقاف التعدى عليه وإزالة المخالفات الموجودة، إلا أن ما حدث هو ارتفاع عدد المخالفات بشكل مبالغ فيه على نهر النيل بعد انطلاق الحملة، فقد كان عدد المخالفات عندما بدأت الحملة ٥٠ ألف حالة تعد تراكمت على مدار عقود ماضية، لكن اللافت للنظر أن عدد حالات التعدى زادت لتصبح ١٠٤ آلاف حالة مخالفة.. أى بزيادة ٥٤ ألف حالة منذ بدء الحملة حتى الآن، أى فى أربع سنوات فقط، رغم وجود حملة لتغليظ العقوبات ومتابعة مستمرة للنيل، وهذا تحد صارخ لوزارة الموارد المائية والرى.. بالتأكيد كان هناك جهد واضح للوزارة فى محاولة إزالة التعديات، حيث تم تنفيذ ٤٧ ألف حالة إزالة من هذه المخالفات، لكن هذا رقم أقل من التعديات الجديدة.

البداية كانت فى ٥ يناير ٢٠١٥ حيث تم الإعلان عن حملة قومية لإنقاذ نهر النيل، حيث وقع الرئيس عبدالفتاح السيسى، على «وثيقة النيل» التى أعلن فيها انضمامه للجنة «حراس النيل» التى تستهدف حماية النهر الخالد من التعديات والتلوث وحفاظًا عليه كمصدر وحيد للحياة فى مصر، وذلك إيذانا بإطلاق الحملة الشعبية لإنقاذ نهر النيل.

العقوبة وحدها لا تكفى لحماية نهر النيل، ولابد أن يكون هناك جدية كافية فى التعامل مع ملف حماية النيل، ولا يمكن التهاون للحظة مع أى مخالف، على القوى والضعيف

نصت الوثيقة: «إن نهر النيل هو حياة مصر ومصدر خيراتها وكنز كنوزها، شريانها الوحيد الذى يغذى أراضيها بالخيرات ويغمر أبناءها بالنعم، وعلى مر العصور جعل الله عز وجل نهر النيل باعثاً لحياة مصر وجوهراً لوجودها، على ضفافه قامت حضارتها الخالدة».

وفى ظل ما يتعرض له نهر النيل من تعديات سواء بالتلويث أو البناء فى حرمه وتفعيلاً لمواد الدستور المصرى الذى نص على التزام الدولة بنهر النيل والحفاظ على حقوق مصر التاريخية المتعلقة به وترشيد استخدامه وتعظيم الاستفادة منه وعدم تلويثه، بالإضافة إلى ضمان حق المواطنين بالتمتع بنهر النيل وحظر التعدى على حرمه أو الإضرار بالبيئة النهرية مكلفاً الدولة بإزالة التعديات الواقعة عليه».

بعض خبراء الموارد المائية يرون أن المخالفات الجديدة على نهر النيل التى ظهرت بعد انطلاق الحملة، ترجع لعدم وجود جهاز رقابى يتابع بشكل دورى ويمنع التعديات قبل أن تحدث، فالقضية ليست فى تحرير المحاضر فقط، لكن الأهم منع حدوث التعدى من الأصل ثم حماية الأرض التى تم إزالة التعدى عليها، لأن هناك المئات بل الآلاف من المهندسين والعاملين بقطاع حماية النيل بكافة الإدارات على مستوى الجمهورية، وكل موظف لديه حد يقترب من ٥ كيلو مترات لمتابعته بشكل دورى، بطول مجرى نهر النيل من أسوان حتى مصبى فرعى دمياط ورشيد.

وإذا قامت الوزارة بتحصيل قيمة رد الشىء لأصله فلن يرجع المخالف للتعدى مرة أخرى، فلا يعقل أن تتحمل الحكومة قيمة المعدات التى قامت بالإزالات وعدم تحصيل حق الانتفاع من المخالف، ولائحة حق الانتفاع يتم تعديلها بالوزارة ولا تحتاج صدور قانون.

رد وزارة الرى بشأن التباطؤ أو التقصير فى إزالة المخالفات جاء على لسان المهندس علاء خالد، رئيس قطاع حماية وتطوير نهر النيل الذى أكد أنه عندما تم تدشين الحملة القومية لإنقاذ نهر النيل فى ٢٠١٥ سجلت عدد ٥٠٣٩٩ حالة تعد عند بدء الحملة وعلى مدى ما يزيد على أربع سنوات ونصف السنة أسفرت عن إزالة ٤٧٩٦٤ حالة مخالفة فى حين تم رصد وتسجيل ما يتجاوز ٥٤ ألف حالة تعد جديدة من ٢٠١٥ حتى الآن.

يفند رئيس قطاع حماية وتطوير نهر النيل، أهمية الحملة وأثرها المباشر فى تقليص عدد التعديات إذا ما أخذ بالاعتبار عدد التعديات الذى كان متوقعا أن تحدث لو لم يتم تدشين الحملة والذى كان سيجاوز مائة ألف حالة تعد ولنا أن نتخيل نهر النيل فى هذه الحالة، وكثافة التعديات حينئذ.

والسبب الرئيسى لتزايد حالات التعدى الجديدة خلال هذه الفترة وبما يجاوز ٥٤ ألف حالة كما يقول رئيس قطاع حماية النيل هو اتساع المنطقة المقيدة بالقانون والمحصورة بين النهر وجسريه والتى تمتد لمسافات قد تجاوز الكيلومترات ببعض المحافظات وهى أراض أملاك خاصة يقيد القانون البناء عليها إلا بموجب ضوابط معينة وتراخيص من وزارة الموارد المائية والرى وهو الأمر الذى نأمل فيه جميعاً ووفق ما هو مقرر معالجته فى ظل إصدار قانون الرى الموحد المعروض على مجلس النواب، والذى بصدوره سوف يتم تقليص هذا العدد بقدر كبير، بالإضافة إلى أن هناك عددا من التعديات داخل الكتل السكنية المأهولة وهى ما يقارب ثلاثين ألف حالة ولنا أن نتخيل كم يكون عدد المخالفات المتبقية فيما لو تم التمكن من إزالتها والتى سيتم تقليص عددها بعد إقرار قانون الرى الموحد بما يتضمنه من مواد فى هذا الشأن.

المهندس علاء يؤكد أن أجهزة وزارة الموارد المائية والرى الممثلة فى قطاع حماية نهر النيل وإدارته الممتدة بعدد ١٦ محافظة نيلية لا تألو جهداً فى إزالة كافة أنواع التعديات ولديها من الجاهزية مما يؤهلها لذلك حال انتهاء الدراسات الأمنية، وتشهد محافظات مصر حالياً فاعليات الموجة الثالثة عشرة من الإزالات بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية والتى بدأت فى الشهر الماضى حتى تاريخه وسجلت خلالها إزالة عدد (١٢١٥) حالة تعد، إضافة لذلك تقوم أجهزة القطاع بمجهودات كبيرة لوأد العديد من المخالفات فى مهدها وهى خارج نطاق أعداد التعديات والإزالات المرصودة.

وردا على السؤال الخاص بتحصيل الغرامات أوضح المهندس علاء خالد أن أجهزة القطاع تقوم بتحصيل قيمة رد الشىء لأصله «تكاليف الإزالة» من المخالفين فور الإزالة وقد بلغ جملة ما تم تحصيله كمقابل لتكلفة الإزالات ما يقارب ٥ ملايين جنيه خلال الفترة من بداية يوليه ٢٠١٨ وحتى نهاية يونيو ٢٠١٩.

أما مقابل الانتفاع بالأراضى التى يتم الاعتداء عليها، فإن معظم هذه الأراضى هى من الناحية القانونية فى ولاية الهيئة العامة لمشروعات التعمير والتنمية الزراعية التى تقوم بتحصيل مقابل الانتفاع لهذه الأراضى، وجزء بسيط من هذه الأراضى فى ولاية وزارة الموارد المائية والرى «أملاك رى» يتم تحصيل مقابل الانتفاع به من خلال أجهزة القطاع المعنية ولا شك أن قيم مقابل الانتفاع بنهر النيل سواء «انتفاع أراضى» أو «مياه» يشهد حالياً طفرة غير مسبوقة والدليل أنه خلال العام المالى ٢٠١٨/٢٠١٩ تم تحصيل ما يزيد على ١٤٠ مليون جنيه وتشهد بدايات هذا العام ٢٠١٩/٢٠٢٠ طفرة جديدة غير مسبوقة فى هذا الشأن، حيث بلغت إجمالى متحصلات مقابل الانتفاع خلال شهرى يوليو وأغسطس من هذا العام ما يجاوز ٤٢ مليون جنيه بما يبشر بأرقام غير مسبوقة خلال هذا العام.

فى حين يرى المهندس محمود السعدى، رئيس مصلحة الرى، أن الوزارة قامت بمجهود كبير لإزالة هذه التعديات ولو لم تقم الوزارة بدورها لأصبحت المخالفات أكثر من ١٠٠ ألف مخالفة، ولم تقصر الوزارة فى مخالفة واحدة، بل على العكس نعمل على مدار الساعة لمتابعة كل ما يخص الرى حتى فى الإجازات والعطلات الرسمية.

ويؤكد السعدى أن التوعية مهمة، لأن هناك تصرفات سيئة للغاية من بعض المواطنين، الذين لا يتوقفون عند حد التعدى، وإنما يقومون بإلقاء مخلفات المبانى والحيوانات النافقة وغيرها فى نهر النيل والترع والمصارف دون أى اهتمام أو مسئولية أو إحساس بالخطر أن تلوث هذه المياه يضره وأسرته، ليكون هناك ردع شخصى نابع من داخل المواطن.

كذلك ننتظر صدور قانون الرى الموحد الذى تجرى مناقشته بالبرلمان لتغليظ العقوبات على المخالفات، لتكون هناك أداة ردع قوية تمنع المخالفات.

وهناك جهات كثيرة تعمل مع وزارة الرى لحماية النيل، ونحن نتعامل بشكل سريع مع المخالفين، ويتم التنسيق مع الجهات المسئولة لتنفيذ الإزالة وتوقيع الغرامة على المخالف، كما أن الوزارة تسعى لإنهاء كل الإزالات فى أقرب وقت ممكن، ونعمل على التوازى بوقف أى تعد جديد على النيل، ولا تراجع عن اتخاذ الإجراءات القانونية ضد أى مخالف مهما كان، ولا أحد فوق القانون.

خبير الموارد المائية ومستشار وزير الرى الأسبق، الدكتور ضياء الدين القوصى، يرى أن تغليظ العقوبات فى القانون لا يكفى لردع المخالفين، فليس حلا أن تضع الحكومة مع كل مواطن شرطيا، لكن الأفضل هو عمليات التوعية بخطورة تلوث النيل، وتعليم الأطفال منذ الصغر بأهمية النيل، وعلى كل وزارة فى الدولة دور كبير وليس وزارة الرى فقط، بالإضافة لدعم المجتمع المدنى.

الدكتور ضياء يوضح أن تحرير محاضر بالمخالفات، يؤكد أن العقوبة وحدها لا تكفى لحماية نهر النيل، ولابد أن يكون هناك جدية كافية فى التعامل مع ملف حماية النيل، ولا يمكن التهاون للحظة مع أى مخالف، على القوى والضعيف.

ويقول إن حملة إنقاذ النيل كانت قوية للغاية فى بدايتها، وكان يجب أن تستمر بنفس القوة.

خبير الموارد المائية د. القوصى يرى أن الحل أن يكون هناك ضبطية قضائية لكل مهندسى الرى المسئولين عن حماية ومتابعة نهر النيل، لتحويل القضايا مباشرة للمحكمة، وهناك مثال قوى على ذلك تم تطبيقه فى حماية الأراضى الزراعية من خلال الضبطية القضائية وسرعة تطبيق القانون وتغليظ العقوبة أدى إلى ردع المخالفين وعدم البناء على الأراضى الزراعية.

elsayda

بوابة الصعايدة

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 83 مشاهدة

رئيس التحرير: أشرف التعلبي

elsayda
نحارب الفقر- المرض- الامية -الثأر... هدفنا تنوير محافظات الصعيد- وان نكون صوت للمهمشين »

تسجيل الدخول

بالعقل

ليس كافيا أن تمتلك عقلا جيدا، فالمهم أن تستخدمه جيدا