الرأس والبطن هما مرمى سهام الشيطان الرجيم
النداء الثالث:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (172) إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ
[ سورة البقرة ]
ولدينا حديث لرسول الله صلى الله عليه وسلم يربط هذا النداء برباط وثيق بالنداء الأول والثاني، ويضعهما معا في ميثاق بين العبد وربه.. ميثاق الإيمان بالله العلي العظيم:
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، أَنَا يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ ، ثنا أَبَانُ بْنُ إِسْحَاقَ ، عَنِ الصَّبَّاحِ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ مُرَّةَ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أَنَّهُ قَالَ ذَاتَ يَوْمٍ لأَصْحَابِهِ :
" اسْتَحْيُوا مِنَ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ " ، قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّا لَنَسْتَحْيِي وَالْحَمْدُ لِلَّهِ ، قَالَ : " لَيْسَ ذَاكَ ، وَلَكِنْ مَنِ اسْتَحْيَى مِنَ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ ، فَلْيَحْفَظِ الرَّأْسَ وَمَا وَعَى ، وَالْبَطْنَ وَمَا حَوَى ، وَلْيَذْكُرِ الْمَوْتَ وَالْبِلَى ، وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ ، تَرَكَ زِينَةَ الدُّنْيَا ، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ ، فَقَدِ اسْتَحْيَى مِنَ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ "
مفردات الحديث:
فَلْيَحْفَظِ الرَّأْسَ وَمَا وَعَى
إذا هي عملية انتقاء الأفكار الصحيحة السليمة والإيجابية، أي لا يجب على المؤمن أن يحتفظ في رأسه بفكرة سلبية لأنها من الشيطان، وهذا ما يدعونا إليه ربنا في نداءه الأول وملحقاته من الآيات كما سنرى فيما يلي:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ
( 104 البقرة )
هذا وقد قسم الله الكلام كله إلى طيب وخبيث، ثم أمرنا في كثير من الآيات أن نتكلم بالتى هي أحسن وأن نقول للناس حسنا:
وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ ۚ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا ( الإسراء 53 ).
إذا فلنحفظ رؤسنا من نزغ الشيطان وأفكاره الزبالة، وكلما وسقطنا في حفرة من حفره علينا أن نسارع بالتوبة والإستغفار وطلب الصفح ممن أساءنا إليه بكلمة أو عمل.
فَلْيَحْفَظِ الرَّأْسَ وَمَا وَعَى ، وَالْبَطْنَ وَمَا حَوَى
إذا الحفاظ على الرأس وما وعى والبطن وما حوى هو التطبيق العملي للنداء الثاني، ولنراجع ذلك سويا:
وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156)
ولكي نحفظ رؤسنا من الخوف علينا أن نجعله فقط من الله الواحد القهار، ولكي نحفظ بطوننا من الجوع علينا أن نأكل حلالا طيبا، ولكي نحفظ أنفسنا من الشعور بنقص الأموال والأنفس علينا أن نتذكر أننا مملوكين لله رب العالمين وأننا إليه سنرجع ونعود ونحاسب.
وَلْيَذْكُرِ الْمَوْتَ وَالْبِلَى ، وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ ، تَرَكَ زِينَةَ الدُّنْيَا ، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ ، فَقَدِ اسْتَحْيَى مِنَ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ "
[ الحديث ]
وهذا الجزء من الحديث يمضي في توافق تام مع نداءنا الثالث:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ
طبعا من أهم أصول العبادة هي طاعة الله الطاعة الطوعية الممزوجة بالمحبة الإلهية، وكأني برسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لنا اترك الدنيا بما فيها وتعرف على ربك لتحبه فإن أحببته أطعته، وإن أطعته جعل الدنيا كلها تحت قدميك تطيعك في كل ما تريد.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ
ويستمر شرح سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لهذا النداء ما سبقه من نداءات فيقول صلى الله عليه وسلم :
" الْحَيَاءُ وَالإِيمَانُ فِي قَرَنٍ وَاحِدٍ فَإِذَا سُلِبَ أَحَدُهُمَا تَبِعَهُ الآخَرُ " .
وقال أيضا صلى الله عليه وسلم :
الحياءُ والإيمانُ قُرناءُ جميعًا ، فإذا رُفِعَ أحدُهما رُفِعَ الآخَرُ .
الراوي : عبدالله بن عمر | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح الترغيب الصفحة أو الرقم: 2636 | خلاصة حكم المحدث : صحيح
إذا من الحياء ومن الإيمان أن لا نقول ولا نأكل إلا طيبا، والذي سيعيننا على ذلك الصبرمع الصلاة.