في الدوحة‏:‏
كسبت إسرائيل وإيران‏..‏ وخسر العرب والفلسطينيون

<!heade>
كتب : طـــارق حســـن
في الدوحة كسبت إسرائيل وإيران وخسر العرب والفلسطينيون في المقدمة‏.‏

لم يكن اللقاء الذي جري في العاصمة القطرية أمس اجتماعا عربيا‏,‏ وإن تمحور حول كارثة العدوان الإسرائيلي ضد قطاع غزة‏,‏ ومناقشة تطورات القضية الفلسطينية‏,‏ التي هي قضية العرب الأولي‏.‏

لقاء الدوحة ليس سوي اجتماع محور إقليمي يضم أطرافا عربية‏,‏ وغير عربية‏.‏ دولا وغير دول كما يبدو من مشاركة ثلاث منظمات وحركات فلسطينية فقط لاغير‏..‏ ومجرد انعقاده بهذه الصفة بمثابة إعلان رسمي من جانب اطرافه بقبول وتكريس الانشقاق في الصف العربي‏,‏ وتبني محاور اقليمية علي حساب العرب وقضاياهم‏.‏

لقد عرفت القضية الفلسطينية منذ نشأتها عام‏1948‏ وحتي الآن صورا مختلفة من التضامن الانساني والعالمي‏,‏ الاقليمي والدولي‏,‏ لكن بصفة عامة ظل هذا التضامن يرتكز دائما علي مساندة الموقف العربي وما تقرره الجماعة العربية من سياسات‏.‏

لقاء الدوحة يمثل شذوذا عن هذه القاعدة‏,‏ فهو استغني عن مقتضيات وقواعد التضامن الاقليمي والدولي مع الموقف العربي بمحاولة تقرير وفرض سياسات محور اقليمي علي العرب وقضاياهم وفي القلب منها القضية الفلسطينية‏,‏ فجاءت النتيجة ربحا لإسرائيل بالانشقاق العربي‏,‏ وربحا مماثلا لإيران بالأخص‏,‏ وتركيا بدرجة ثانية‏,‏ بإدخالهما كقوتين اقليميتين في مجال تقرير شئون وسياسات العرب‏.‏

قبل ساعات قليلة من لقاء الدوحة وخلاله‏,‏ سمح الرئيس الإيراني أحمدي نجاد لنفسه أن يملي سياسات بعينها علي الجماعة العربية ازاء العدوان الإسرائيلي الجاري ضد غزة الآن‏.‏

استخدم نجاد كثيرا لغة آمرة في مخاطبة القادة العرب والجامعة العربية أيضا‏.‏

قال ان عليهم قطع العلاقات مع أمريكا وإسرائيل‏,‏ وإلقاء مبادرة السلام العربية‏,‏ بل وأخذ في زرع الشقاق بين العرب أنفسهم باتهام دول عربية بالتواطؤ مع العدوان وخيانة القضايا العربية‏,‏ ثم اتجه ايضا الي محاولة تأليب وتحريض الشعوب العربية علي قادتها وحكوماتها ونظمها السياسية والاجتماعية‏.‏

لم يكن ماقاله‏,‏ وتحرك من أجله الرئيس الإيراني‏,‏ سوي حركة ايرانية محمومة لفرض الارادة الفارسية علي الجماعة العربية‏,‏ تحقيقا لاطماع الهيمنة الفارسية‏,‏ ومحاولة إلهاء العالم‏,‏ واشغاله بقضايا ومشاكل عربية‏,‏ تصرف النظر عن احتمال المواجهة مع إيران ذاتها علي أرضية برنامجها النووي‏..‏

يدل علي هذا مايلي‏:‏
‏1‏ـ ان القائم علي الأرض الآن والذي يجري ويستحق النقاش وحساب النتائج هو خيار محور من يسمون أنفسهم باطراف الممانعة‏,‏ وليس أبدا خيار السلام الذي بادر العرب جماعيا به انطلاقا من قمة بيروت العربية في مارس‏.2002‏

غزة معركة فرضتها ارادتان‏..‏ ارادة الخصم الإسرائيلي‏,‏ وارادة محور الممانعة الذي تقوده إيران وسوريا ويضم قطر وحماس والجهاد وحزب الله بزعامة الشيخ حسن نصر الله‏.‏

واذا كان من نقاش يسعي هذا المحور لفرضه علي الساحة الآن‏,‏ بدلا من وقف نزيف الدم الفلسطيني أولا‏,‏ فهو حول نتائج خيار هذا المحور‏,‏ وليس حول خيار غائب‏,‏ وبالأحري يجري العمل علي تغييبه من جانب الاحتلال الإسرائيلي‏,‏ ومحور إيران في وقت واحد‏.‏

‏2‏ـ ان محاولة المحور الإيراني اتهام العرب الذين لايقبلون الانصياع لأهدافه‏,‏ بموالاة أمريكا وإسرائيل لامحل لها من الاعراب في ظل انعقاد لقاء المحور الإيراني في الدوحة ذاتها حيث مقر القيادة العسكرية الوسطي في العالم‏(‏ قاعدة العيديد‏)‏ وبجوار مكتب التمثيل التجاري الإسرائيلي في الدوحة ذاتها‏

وهو مايثير الاستغراب‏,‏ بل والشكوك ايضا حول حقيقة دعوات المحور الإيراني‏,‏ في ظل هذا الحضور الأمريكي ـ الإسرائيلي الطاغي خاصة في ضوء المعلومات المنشورة والمذاعة حول تزويد قاعدة العيديد بقطر لإسرائيل بانواع متطورة من الأسلحة تستخدمها ضد الأهالي في غزة حاليا‏.‏

‏3‏ـ قد تريد أطراف المحور الإيراني من لقاء الدوحة القول إنها الفاعلة والقادرة علي التأثير والأجدر بالمخاطبة والتعامل والأحق بالسيطرة والهيمنة علي المنطقة العربية وقضاياها‏,‏ لكن مايثير الاستغراب أيضا والكثير من علامات الاستفهام هو أن الرئيس الإيراني نفسه حدد لإيران دورا في مواجهة العدوان علي غزة‏,‏ أقل بكثير مما تقوم به الجماعة العربية فعلا‏.‏

عشية لقاء الدوحة قال نجاد في مقابلة مع فضائية الجزيرة القطرية إن إيران تدعم الفلسطينيين بكل الوسائل المتاحة‏..‏ وأن المتاح لدينا الآن هو الدعم السياسي والمعنوي والثقافي وأن الشعب الإيراني يتظاهر يوميا دعما للفلسطينيين‏.‏

والسؤال الواجب هنا هو أنه إذا كانت إيران تفعل هذا فقط ولا تقدر علي سواه فبأي حق تركز أغلب جهدها علي لعن القيادات العربية التي تضطلع بالدور الرئيسي لانقاذ الأهالي الفلسطينيين من براثن العدوان وتبذل الجهد وتوظف مكانة دولها من أجل تحقيق مكسب سياسي للقضية الفلسطينية‏,‏ وإفشال أهداف العدوان‏...‏ وماهي حقيقة الأهداف الإيرانية من وراء هذا السلوك؟‏!‏

الكارثة أن فضائية الجزيرة سألت نجاد حول ما يتردد عن تقديم إيران أسلحة لحماس والجهاد‏,‏ فرد نصا‏:‏ لدينا معلومات عن أن المؤسسة العسكرية الأمريكية هي المصدر الأساسي لتجارة السلاح غير القانونية‏.‏

المصيبة أن مثل هذا القول الذي لا نصدقه‏,‏ ولا نملك اثباتا ماديا قاطعا عليه‏,‏ يشير في أحد جوانبه إلي تبعية حماس والجهاد لأمريكا‏,‏ لدرجة أن مؤسستها العسكرية تسرب السلاح إليهما‏,‏ بل وتتعاظم خطورة مثل هذا الكلام عندما يربطه العقل بجوانب التحالف الأمريكي ـ الإسرائيلي ومقتضياته في تزويد قاعدة العيديد لإسرائيل بالأسلحة التي تفتك بالأهالي الفلسطينيين‏.‏

فهل يفهم نجاد الذي هو رئيس دولة إقليمية كبيرة مجاورة للعرب ماذا يقول؟‏!‏ وإلي ماذا يشير بالضبط؟‏!‏ وإذا كانت إشارته مقصودة علي هذا النحو فلماذا حرض حماس والجهاد علي الانخراط في هذ المحرقة التي ـ كما يشير بنفسه ـ دبرتها أمريكا علي الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي؟‏!‏

إنه سؤال كبير لا يغمض العين عن حقيقة الطريق المسدود الذي يسير فيه محور إيران‏,‏ فبدلا من أن تعزز طهران علاقاتها مع الدول العربية‏,‏ تسعي لتمزيقها وتوريطها في محرقة تلو محرقة‏,‏ وبدلا من أن تكون القضية الفلسطينية عنوانا للتضامن ووحدة الصف العربي‏,‏ تستخدم كآلية لصنع الشقاق العربي‏,‏ وبناء المحاور الإقليمية علي حساب العرب أنفسهم وقضاياهم‏,‏ والمحزن أكثر فأكثر‏,‏ أن هذا يجري علي حساب الدم الفلسطيني النازف‏,‏ واستغلاله في تحقيق مصالح خاصة لدول وأطراف ومنظمات‏.‏

الشاهد أن الأطراف العربية المشاركة في لقاء الدوحة وضعت نفسها خارج مفهوم وأساليب وقواعد ونظم العمل العربي الواحد لصالح فرض الانقسام داخل الصف العربي‏,‏ وهو ما ينبغي تداركه في قمة الكويت العربية ويقتضي قيام أطراف لقاء الدوحة العربية بمراجعة موقفها لصالح المحافظة والالتزام بالموقف العربي الواحد في مواجهة العدوان الإسرائيلي وإنقاذا للفلسطينيين وقضيتهم العادلة‏.‏
elmasrya

من يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب

  • Currently 93/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
30 تصويتات / 209 مشاهدة
نشرت فى 17 يناير 2009 بواسطة elmasrya

ساحة النقاش

م/محمد المصرى

elmasrya
نعمل فى مجال المقاولات والتشطيبات والديكور لدينا مجموعة متخصصة من مهندسين فى جميع المجالات نقوم ببناء وحدات ابنى بيتك (مفاجاة) وبيع وشراء »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

493,818