بلغ الحجم الاجمالي لديون الأميركيين 14 تريليون دولار في نهاية سبتمبر الماضي، ليصبح الدين مساوياً تقريباً لاجمالي الناتج السنوي لاقتصاد الولايات المتحدة، وفقا لبيانات مجلس الاحتياطي الفيدرالي البنك المركزي الأميركي .
وخلال السنوات العشر الاخيرة بلغت قيمة الديون على الأميركيين ثمانية تريليونات دولار بزيادة 137 في المئة أي مثلي الزيادة التي طرأت على حجم الاقتصاد.
وبعد انسداد سبل الاقتراض أمام المستهلكين الأميركيين الذين اعتادوا شراء كل شيء من الوحدات السكنية إلى البقالة بأموال مقترضة، فإن سداد الفواتير سيكلف أكبر اقتصاد في العالم وشركائه التجاريين ثمناً غالياً.
وكشف انهيار سوق الاسكان عن مدى اعتماد الأميركيين على ارتفاع قيم العقارات السكنية في تمويل الانفاق وتعويض مدخراتهم التقليدية التي أنفقوها، فخلال فترة الازدهار العقاري التي استمرت خمس سنوات وانتهت في أواخر عام 2006 نمت ثروات الاسر وزادت مبيعات تجارة التجزئة بسرعة أكبر من نمو الدخل وفي الوقت نفسه تناقصت المدخرات.
لكن مع اتجاه البنوك لتقليص امكانية الحصول على الرهون العقارية وقروض السيارات وبطاقات الائتمان بدأ المستهلكون يغيرون عاداتهم في الانفاق بسرعة لا تستطيع الشركات أن تكيف أوضاعها وفقا لها بالسرعة الكافية، فالبنوك التي كانت تقدم لعملائها بطاقات الائتمان بكل ترحاب خلال فترة الرخاء بدأت تتجه لخفض سقوف الائتمان بل وتخصص مليارات الدولارات لتغطية الخسائر بعد أن بدأ عملاؤها يتخلفون عن السداد.
وأطلقت شركات السيارات الأميركية التحذيرات من حالة أشبه بانهيار الطلب لان المشترين أصبحوا عاجزين عن الحصول على قروض أو غير راغبين فيها. وتتأهب المتاجر لأسوأ مبيعات في موسم الاعياد منذ 18 عاماً على الاقل.
وتشعر ميريديث ويتني المحللة بشركة أوبنهايمر وشركاه والتي كانت بين من نبهوا البنوك في البداية إلى ضرورة زيادة مخصصات تغطية خسائر الرهون العقارية بالقلق من أن يؤدي تقليص حدود الائتمان إلى فرض قيود شديدة على المستهلكين الذي بدأوا يتصرفون بحذر بما يطيل أمد دائرة مفرغة من خسائر البنوك والتراجع الاقتصادي.
وقالت ويتني في قمة رويترز للتمويل العالمي والتي عقدت في نيويورك مؤخراً: ''إذا فقدت وظيفتك أو مرضت أو حدث أي أمر طارىء فهذا هو سندك الأخير''، وأضافت: ''إذا حدث فجأة أن فقدت هذا الملاذ الأخير أو انه انكمش بدرجة كبيرة وهو ما سوف يحدث فكل شيء حولك يتغير وتصبح أكثر حذرا كمستهلك.. ربما تكون على ما يرام تماما في كل ناحية أخرى من نواحي حياتك لكن خفض حدك الائتماني يغير كل توقعاتك''.
ورغم تنامي عبء الدين ضخ المستثمرون من مختلف أنحاء العالم أموالا في الاوراق المالية المدعومة برهون عقارية ومتحصلات بطاقات الائتمان طوال معظم سنوات العقد الحالي الأمر الذي كان عاملا في بقاء تكاليف الاقتراض منخفضة.
وبفضل الائتمان السهل ظل المستهكلون الأميركيون يزيدون انفاقهم طوال فترة الازدهار العقاري بل وتجاوزوا بكل سهولة نمو الأجور، وفتحت متاجر التجزئة مئات من المتاجر الجديدة لشغل مراكز التسوق الجديدة التي بنيت خصيصا للاستفادة من الطفرة الاقتصادية، وزادت الواردات الأمر الذي أدى الى ارتفاع احتياطيات الدول المصدرة مثل الصين.
وانكمشت مدخرات الأسر الأميركية لتقترب من الصفر، وبدأ كل ذلك يتغير مع تنامي مخاوف العالم من تقديم المزيد من الائتمان للأميركيين الذين تجاوزوا إمكانياتهم.
ومع تزايد حالات التخلف عن السداد تواجه البنوك الان صعوبة في ايجاد مشترين جدد لأي استثمارات ترتبط باقتراض الاسر الأميركية.
ومن المرجح ألا يتحقق الهدف من قرار وزارة الخزانة الأميركية يوم الاربعاء الماضي باستخدام بعض من صفقة الانقاذ التي بلغ حجمها 700 مليار دولار لدعم اقراض المستهلكين وذلك إلى أن يثق المستثمرون أن الأميركيين يمثلون مخاطرة ائتمانية معقولة، وهذا يعني تقليص الدين البالغ 14 تريليون دولار.
لكن ليس هناك اتفاق في الاراء على الحجم الذي يجب أن تقترضه الاسر الأميركية، والشيء الواضح هو أن نسبة ما يدخره الأميركيون من دخلهم تقلصت باطراد خلال الثلاثين عاماً الأخيرة من حوالي عشرة في المئة إلى نحو الصفر وأن هذا الاتجاه يتغير.
ويعتقد الأميركيون أن معدل الادخار سيرتفع إلى حوالي خمسة في المئة في السنتين القادمتين، وبناء على الدخل الحالي للاسر فإن هذا سيمثل تقليص انفاق المستهلكين بنحو 500 مليار دولار أو ما يعادل في المتوسط مبيعات التجزئة لنحو ستة أسابيع.
وأشد ما يبعث على القلق بشأن الاقتصاد أن هذا التحول يحدث بسرعة كبيرة، فقد خفضت الأسر انفاقها كما أن البنوك التي تخشى أن يقبل أصحاب الادخارات على سحب ودائعهم تضيق الخناق أكثر فأكثر على الائتمان.
وسواء كان الامر يتعلق بتراجع الطلب على السيارات اليابانية أو الاثاث الصيني أو الملبوسات من أميركا الوسطى فإن تباطؤ انفاق الأميركيين يلقي بظلاله على الاقتصاد العالمي، وقد تعهدت الصين بتطبيق خطة لتحفيز الاقتصاد قيمتها 586 مليار دولار لدعم النمو مع تراجع الصادرات.
كذلك فإن أوروبا انزلقت إلى ركود اقتصادي كما أن القوى الاقتصادية الصاعدة التي كانت بمنأى عن الأزمة المصرفية بدأت تعاني من تباطؤ النمو. وربما يكون العام المقبل أسوأ حالاً.
إذ تتوقع مؤسسة فيتش ريتنجز للتصنيفات الائتمانية خسائر أكبر في بطاقات الائتمان عام 2009 ربما تصل إلى مستويات قياسية، وتحاول المؤسسات المصدرة لبطاقات الائتمان تقليص الخسائر كلما أمكن.
ويقول جوزيف بيوليو محلل قطاع التجزئة لدى شركة مورننجستار في شيكاجو: ''ترون الكثير من الضربات الوقائية من جانب البنوك.'' ويضيف ''ترون البنوك تخفض سقوف البطاقات الائتمانية وتسهيلات الائتمان للمساكن بصفة عامة.. وترون شركات بطاقات الائتمان تغلق الحسابات غير المستخدمة لأنها لا تريد لأحد أن يستخدم الحد الاقصى لبطاقة لم يستخدمها خلال عامين''.
ونمت ديون بطاقات الائتمان بمعدل سنوي متواضع بلغ 1,2 في المئة خلال سبتمبر الماضي ليصل إلى 971,4 مليار دولار بانخفاض شديد من نسبة 7,4 في المئة التي سجلت خلال
عام ،2007 وذلك وفقا لبيانات مجلس الاحتياطي الفيدرالي البنك المركزي
ساحة النقاش