القرصنة الصومالية ومصالح مصر والعرب
بقلم : أحمد السيد النجار
<!heade>
حقيقية من تأثير هذه القرصنة علي أمن السفن المتجهة للقناة علي نطاق أوسع بصورة تؤدي إلي الإضرار بهذا الممر الملاحي الشديد الحيوية لحركة التجارة العالمية, وتضر بالتالي بالإيرادات المصرية منه التي من المرجح ان تتجاوز30 مليار جنيه في العام الحالي. وقد بدأت موجة عالمية من الحديث عن أمن السفن المارة في قناة السويس, وبدأت وسائل الإعلام العالمية تروج لنية بعض الشركات الملاحية تحويل مسار السفن التي تملكها أو تديرها عن القناة باتجاه طريق رأس الرجاء الصالح كبديل وحيد, بما وضع قضية القرصنة الصومالية في بؤرة الضوء في مصر ومنطقة البحر الأحمر وقطاع النقل البحري العالمي عموما. وقد أثار هذا التصاعد الكبير لعمليات القرصنة الصومالية في خليج عدن وبحر العرب, التساؤل حول أسباب هذه الظاهرة وتضخمها السريع, والآليات الممكنة لمواجهتها في الأجل القصير وفي الأجل الطويل, والحقيقة أن تفكك الدولة الصومالية, جعل أرض هذا البلد العربي المنكوب بصراعات القبائل وأمراء الحرب, مرتعا لكل أنواع الخارجين علي القانون ولكل أشكال التطرف الجنائي والديني, وضمن الظواهر الإجرامية تنامت عمليات السطو علي السفن الصغيرة التي تعمل في مجال الصيد في منطقة بحر العرب وخليج عدن من قبل قراصنة محترفين أو عسكريين صوماليين سابقين كانوا ضمن القوات البحرية الصومالية, والتي لم تتم مواجهتها بأي ردع إقليمي أو دولي مما أغري القراصنة بالتوسع ووفر لهم الأموال الضرورية لتوسيع نطاق أعمالهم وتطويرها وشراء المعدات المتطورة الضرورية لها, كما أن الفقر المدقع الذي انحدر إليه شعب الصومال في غياب الدولة وفي غيبة أي عملية منظمة للتنمية الاقتصادية وللضمان الاجتماعي, جعلت المجتمع الصومالي مستعدا لحضانة المجموعات الإجرامية عسي أن يناله من عائداتها شئ. ويخطئ من يتصور أن أداء أي دولة قائدة إقليميا مثل مصر والسعودية لدورهما في حفظ الأمن والسلام في إقليمه هو نوع من الترف أو الوجاهة الإقليمية التي لا مبرر لها ولتكاليفها, لأن هذا الدور فوق تعزيزه للنفوذ الإقليمي للدولة القائدة, فإنه يجعلها قادرة علي حماية مصالحها المباشرة وغير المباشرة. وإذا كانت هذه هي أهم أسباب تصاعد عمليات القرصنة البحرية الصومالية في البحر العربي وخليج عدن, فإنه من المهم أن نستطلع إمكان تحول مسار التجارة العالمية المارة في قناة السويس إلي ممرات ملاحية أخري بصورة مؤثرة, وفي هذا الصدد ينبغي التذكير بأن كل التجارة النفطية وغير النفطية الخارجة من منطقة الخليج العربي وبعض بلدان جنوب آسيا والمتجهة غربا صوب الأمريكتين وإفريقيا وأوروبا سواء عبر قناة السويس أو عبر طريق رأس الرجاء الصالح, لابد أن تمر في منطقة بحر العرب أو خليج عدن, وبالتالي فإن وجود القرصنة في كليهما, يجعل الحديث عن تحويل مسار السفن من قناة السويس إلي طريق رأس الرجاء الصالح أمرا عبثيا وغير وارد لأنه مع وجود القرصنة فيهما معا, فإن التحول من أحدهما للآخر سيجعل السفن المتحولة كالمستجير من الرمضاء بالنار! وربما يكون اختطاف ناقلة النفط السعودية العملاقة علي بعد800 كيلو متر جنوب ميناء مومباسا الكيني وهي تتجه لطريق رأس الرجاء الصالح أمرا مؤكدا لوجود احتمالات الاختطاف للسفن سواء اتجهت شمالا لقناة السويس عبر خليج عدن, أو اتجهت جنوبا لطريق رأس الرجاء الصالح عبر البحر العربي. لكن جزءا مهما من التجارة العابرة لقناة السويس يتعلق بالتجارة بين بعض بلدان جنوب شرق آسيا وجنوب آسيا وبين الموانيء الشرقية في الأمريكتين, وهذه التجارة هي التي يمكن أن تتأثر فعليا, سواء عبر التحول لمسارات بعيدة عن اليابسة, وعن البحر العربي أو خليج عدن, من خلال الاتجاه عبر المحيط الهندي باتجاه طريق رأس الرجاء الصالح, أو تركيز حركة التجارة مع الموانيء الغربية للأمريكتين عبر المحيط الهادئ, لكن هذا التحول مرتفع التكاليف من ناحية ولا يخلو من المخاطر الاضافية المتعلقة بالطقس وبعد محطات التموين والصيانة وحتي بعمليات القرصنة أيضا, لأنه مادام ازدهر هذا النشاط الإجرامي في بعض مناطق العالم, فإنه سيغري العصابات المنظمة في العالم التي لديها خبرات بحرية علي الولوج إلي هذا المجال إذا لم تتخذ خطوات عالمية وإقليمية لتأمين الممرات الملاحية الحيوية لحركة التجارة العالمية. ومن ناحية أخري فإن قناة السويس تملك ميزة قصر زمن الرحلة البحرية عبرها, عن نظيرتها عبر طريق رأس الرجاء الصالح بنحو ثلاثة أسابيع بكل ما يعنيه هذا من ميزات كبيرة تتعلق بانخفاض التكاليف بصورة مؤثرة, وبسرعة وصول السفن إلي مقصدها الذي يؤثر بشكل قوي في سرعة تلبية الطلب من أي دولة علي السلع التي تستوردها من دولة أخري بالذات إذا تعلق الأمر بالسلع الغذائية. وبرغم كل ذلك, فإنه من المهم تأكيد أن قناة السويس التي تشكل إيراداتها نحو3% من الناتج المحلي الإجمالي المصري, ستتأثر بالفعل بصورة سلبية إذا استمرت عمليات القرصنة الصومالية في خليج عدن والبحر العربي, ولمواجهة هذه القرصنة في الأجل القصير لابد من التدخل العسكري المباشر لتدمير الموانيء الخاصة بالقراصنة, وتسيير دوريات بحرية مشتركة يتم التعاون في تسييرها وتمويلها بين مصر والسعودية واليمن لفرض الأمن في خليج عدن والبحر العربي والقضاء علي كل أشكال القرصنة, أما الانهاء الأكثر فعالية والأطول أجلا لعمليات القرصنة فإنه يتطلب جهدا فعالا من الدول العربية وبالذات من مصر والسعودية لمساعدة الصومال علي استعادة دولته ووحدته وسيادته وانتشال ابنائه من هوة الفقر المريعة, حتي يتم إنهاء الوضع الراهن لهذا البلد العربي كمرتع آمن للقراصنة ولكل المتطرفين والخارجين علي القانون. |
ساحة النقاش