جارى التحميل
استخدم زر ESC أو رجوع للعودة
في مصر مليونا أصم وأبكم عاجزون عن التواصل مع المجتمع ويعانون من الأمية القانونية
يعتزون بلغتهم الخاصة ويرفضون التحاور مع الآخرين إلا بها ويحاصرهم الظلم الإعلامى
طفلة بكماء تموت حرقًا لأنها لاتدرك معنى النار ، والصم والبكم أكثر تعرضًا لجرائم النصب
ارتكاب الأصم الأبكم لجريمة دليل على أن الكيل فاض به، والتوعية الدينية لهذه الشريحة - بلغة الإشارة - ضرورة
وحيدة عاطف محمد فتاة صماء بكماء استدرجتها فتاتان منحرفتان إلى إحدى الشقق المفروشة بمدينة السلام بالقاهرة وهناك اغتصبها شاب بالقوة، فهددته بالإبلاغ عنه، فقرر الإجهاز عليها بمساعدة شخصين أصمين أبكمين.
ولقيت وحيدة مصرعها لتترك وراءها سؤالاً :
متى يصبح ذوو الاحتياجات الخاصة مجرمين ؟
ومن الذى يمكن أن نشير إليه بأصابع الاتهام حين تقع جريمة أطرافها معاقون ؟ مرتكبوها أم المجتمع بظروفه الضاغطة القاهرة؟
جرائم المعوقين ملف كبير نقترب منه تعاطفًا معهم ، ودقًا لأجراس الإنذار ، فالمعوق المنبوذ من المجتمع تنهار مقاومته الأخلاقية، وتتصدع إرادته ؛ ليصبح قنبلة موقوتة مستعدة للانفجار فى أى وقت !
وفى البداية ترصد إحصائية أعدها مركز التكنولوجيا والبحوث لاحتياجات متحدى الإعاقة عدد ذوى الاحتياجات الخاصة فى مصر بـ 7 ملايين معوق ، منهم مليونان من الصم والبكم، وهؤلاء - كما يصفهم رأفت حلمى المدرس بمدرسة الوفاء والأمل، ومترجم لغة الإشارة بالتليفزيون - أشخاص عاديون يدركون ما حولهم بوعى ، لكنهم عاجزون عن التواصل مع المجتمع ، ولا يمتلكون لغة مشتركة معه ، وتتجمع داخلهم الاحتجاجات والصرخات من سوء معاملة المجتمع ، ولكنهم لا يستطيعون إطلاقها ، وقد يخرجونها فى صورة حادة بارتكاب إحدى الجرائم.
عالم خاص
ويضيف مترجم لغة الإشارة - رأفت حلمي: إن هذا الأصم الأبكم مجتمعه محدود جدًا هو وزملاؤه فى المدرسة ، ومتى انتهى اليوم الدراسى انتهت علاقته بالعالم الوحيد الذى يتواصل معه ، وبعد ذلك يواجه عوالم أخرى لا يستطيع الالتقاء معها على نقاط محددة أخرى بأى حال ، فمرة أخرى يعود للبيت لأبيه وأمه اللذين لا يدركان سوى أشياء بسيطة جدًا عن لغة الإشارة ، فى حين أن هذا الطفل له عالم خاص كامل من الإشارة .
لذلك لا يوجد تفاهم بين الأم والأب وطفلهما الأصم والأبكم الذى يرفض أن يتحدث أحد معه إلا بلغته الخاصة التى يعتز بها ، فعالم الصم والبكم عالم له خصوصيته.
أما محمد عبد الله - المترجم للصم والبكم - فيرى أن هؤلاء بدأوا فى كسر أسوار العزلة التى تحيط بهم من خلال الترجمة أو بمعنى أدق من خلال لغة الإشارة .
ويسرد لنا محمد عبد الله - مترجم الإشارة - إحدى القصص العجيبة لعدم التفاهم بين ابن وأبيه لاختلاف اللغة بينهما، وعدم دراية الأب بلغة الإشارة :
فالابن معوق ( أبكم ) حضر إلى أبيه فى أحد الأيام وأبلغه بأنه سوف يذهب فى رحلة مع أصدقائه إلى الأسكندرية ، وحصل على مبلغ مالى منه، وفهم أن والده وافق بالفعل ، ولم يفهم الأب مقصد الابن، وبعد مرور يوم اكتشف الأب غياب الابن فأبلغ عن غيابه، وبالبحث تبين أن هناك خمسة من الأطفال فى نفس الفصل الدراسى متغيبين واتضح أنهم فى رحلة بالإسكندرية
وعندما تمت المواجهة بين الأب والابن، ظل الولد يؤكد أنه أبلغ والده ، والأب من ناحيته ظل يؤكد أنه لم يعلم شيئًا عن هذه الرحلة، فحين تحدث معه الطفل عن شىء لايفهمه هز رأسه كناية عن موافقته على ما سيفعل، فالأب غير منسجم مع ابنه، غير متفهم له، وكلاهما لا يفهم لغة الآخر.
محو الأمية الإشارية
لذلك يطالب مترجم الإشارة - محمد عبد الله - أن يكون هناك برامج لمحو أمية الأب والأم، وتعريفهم بلغة الإشارة ، فلا بد للأب والأم التحدث مع طفلهما بإشارة الحب التى يفهمها ويحبها، والتوسع فى الحديث معه فلا يكتفيان فقط بالتحدث بالإشارة معه عن الطعام والنوم والمذاكرة ، ولكن لا بد أن تتطرق الأحاديث بينهم إلى اللعب والمشاعر والرياضة.
وينتقد محمد عبد الله الجرعة الإعلامية التى يتم تقديمها للصم والبكم، فهي قليلة جدًا بالنسبة للمعوقين الذين يشعرون بأنهم خدم يضع لهم مخدومهم طبقًا من الطعام على سلم الخدم، وهذا ما يرفضه الأصم الأبكم، فهو لا يريد أن يعامله المجتمع كفرد فى فئة خاصة ، ويسعى إلى الاندماج وإلى أن يعامل كشخص عادى سليم الحواس.
ويضيف محمد عبد الله : إن الأصم الأبكم قد يرتكب جريمةويتأكد اتهامه بها دون أن يكون هو المتهم الرئيس ، فالجريمة الأساسية تتمثل فى عدم وعى الصم والبكم بالمبادئ الأساسية فى الحياة ، وكثير منهم لا يدركون معنى العيب والحرام أو السيىء والحسن فيضرون أنفسهم قبل غيرهم.
فهناك حادثة مؤلمة لطفلة بكماء كانت بمفردها بالمنزل، واشتعلت النيران من حولها بسبب ماس كهربائى ولكنها لم تدرك أن هذا سيدمرها ويودى بحياتها، واستغرقت فى النوم وماتت حرقًا، فلماذا لا يتم اختراع لمبة حريق تضىء وتنطفئ أثناء الحرائق بدلاً من إنذار الحريق 0 الجرس ) الذى يسمع صوته الأسوياء لا الصم.
ال
أما عن جرائم المعوقين فتؤكد نادية عبد الله - محامية وخبيرة الإشارة أمام المحاكم المصرية، والتى تعمل بالمنظمة المصرية لحقوق الإنسان - أن نسبة ارتكاب الجرائم بالنسبة للصم والبكم لاتتعدى 3% سنويًا من مجموع القضايا المنظورة أمام المحاكم، مما يدل على ضآلة نسبة الجرائم التى يرتكبها البكم.
وفى كثير من الجرائم يكون المجنى عليه من الصم والبكم.
فمثلاً فى إحدى القضايا قام شخص أصم أبكم بالمشاجرة مع شخص سوى وضربه، وبالتحرى تبين أن الأول قام بضرب من أمامه لأنه وجده يضحك على أحد تصرفاته، ولم يميز هل هذا الضحك استهزاء به أم أنه يضحك على شىء آخر، وقام بضربه، وبذلك أصبح متهمًا.
والأصم الأبكم كثيرًا ما يتعرض لعمليات نصب ؛ كإجباره على التوقيع على شيكات على بياض ، ولذلك - والكلام لنادية عبد الله - تبنت الدعوة إلى تنظيم دورات للصم والبكم لتوعيتهم قانونيًا.
و هذا النظام قائم منذ ثلاث سنوات، وتم محو أمية حوالى 50 من الصم والبكم قانونيًا.
يحسبون الصلاة رياضة!
وتؤكد نادية عبد الله أن معظم مشاكل الصم والبكم تنحصر فى عملهم، فهم لاينالون حوافزهم كاملة علاوة على حرمانهم من الترقيات والعلاوات ، واستغلال بعض أصحاب العمل لإعاقتهم.
أما عن جريمة اغتصاب وقتل الصماء البكماء فتقول نادية عبد الله: إن هذه الجريمة لم تتكرر طوال عمر الصم والبكم أكثر من ثلاث مرات، وهذا عدد قليل مقارنة بجرائم الأسوياء، والحالة النفسية للصم والبكم.
وتوجه نادية عبد الله صرخة إلى المجتمع لكى يهتم بآدمية الأصم الأبكم، ويعطيه حقه فى العمل والاحترام.
وتؤكد أيضًا أن الأصم الأبكم يتصف بالخوف والتردد قبل ارتكاب أى شىء، فارتكابه أى عمل إجرامى لا يتم إلا إذا كان الكيل قد فاض به.
ويؤكد د. أحمد يونس - رئيس المنظمة المصرية لمتحدى الإعاقة - أن الأصم الأبكم ينقصه الوعي إلى حد أنه قد ينظر إلى أى فرد وهو يؤدى الصلاة فلا يدرك أن هذا فرض فرضه الله عليه ، ولكنه يظن أنها رياضة تُتبع، ولذلك سعينا عند شيخ الأزهر للحصول على موافقته على ترجمة معانى القرآن الكريم إلى لغة الإشارة ، حتى يتسنى للصم والبكم التقرب من الله ، ومعرفة التعاليم الدينية الصحيحة ، وقد تمت الموافقة بالفعل والمشروع قيد التنفيذ.
المصدر: اسلام ويب
حسن علي المدبولي
معلم بمدرسة الأمل للصم بطهطا
ساحة النقاش