هو عروة بن حزام بن مالك بن حزام بن ضبة بن عبد بن عدرة شاعر لبيب حاذق متمكن في العشق.
قيل أنه أول عاشق مات بالهجر من المخضرمين أو من العذريين ولشدة مقاساته في العشق ضرب به المثل بين العرب والمولدين، “قال المجنون عجبت لعروة العذري البيت ..”، وقال أبو عيينة:

فما وجد النهدي إذا مات حسرة

عشية بانت من حبائله هند

ولا عروة العذري إذ طال وجده

بعفراء حتى شف مهجته الوجد

كوجدي غداة البين عند التقائها

وقد طار عنها بين أترابها البرد

وقال آخر:

وقبلك مات من وجد بهند

أخو نهد وصاحبه جميل

وعروة والمرقش هام دهراً

بأسماء فلم يغن العويل

قتيل الجريح من قبل الغواني

فلا قود ولا يودي قتيل

وقال جرير:

هل أنت شافية قلباً يهيم بكم

لم يلق عروة من عفراء ما وجدا

ما في فؤادي من داء يخامره

إلا التي لو رآها راهب سجدا

إنّ الشفاء وإن ضفنت بنائله

قرع البشام الذي تجلو به البردا

وعفراء هي بنت هصر أخي حزام كلاهما ابنا مالك من بطن من العذريين.
يقال إن سبب عشق عروة لعفراء، أن أباه حزاماً توفي وله من العمر أربع سنين وكفله هصر أبو عفراء، فانتشئا جميعاً فكان يألفها وتألفه. فلما بلغ الحلم، سأل عروة عمه تزويجها فوعده ذلك ثم أخرجه إلى الشام بعير له. وجاء ابن أخ له يقال له اثالة بن سعيد بن مالك يريد الحاج فنزل بعمه هصر فبينما هو جالس يوماً تجاه البيت إذ خرجت عفراء حاسرة عن وجهها ومعصميها تحمل أدواة سمن وعليها ازار خز أخضر.
فلما رآها وقعت من قلبه بمكانة عظيمة فخطبها من عمه فزوجه بها. وإن عروة أقبل مع البعير وقد حمل أثالة عفراء على جمل أحمر فعرفها من البعد، وأخبر أصحابه، فلما التقيا وعرف الأمر بهت لا يحير جواباً حتى افترق القوم فأنشد:

وإني لتعروني لذكراك رعدة

لها بين جلدي والعظام دبيب

فما هو إلا أن رآها فجاءة

فأبهت حتى ما يكاد يجيب

فقلت لعرّاف اليمامة داوني

فإنك إن أبرأتني لطبيب

فما بي من حمى ولا مس جنة

ولكنّ عمي الحميريّ كذوب

عشية لا عفراء منك بعيدة

فتسلو ولا عفراء منك قريب

بنا من جوى الأحزان والبعد لوعة

تكاد له نفس الشفيق تذوب

ولكنما أبقى حشاشة مقول

على ما به عود هناك صليب

وما عجبي موت المحبين في الهوى

ولكن بقاء العاشقين عجيب

وقيل أنه لم ينشد في ذلك الموقف سوى البيتين الأولين، وأما قوله: فقلت لعراف اليمامة إلى قوله وما عفراء منك قريب. فإنه أنشده حين أتى به إلى الطبيب وسبب ذلك أنه حين وصل الحي أخذه الهذيان والقلق وأقام أياماً لا يتناول قوتاً حتى شفت عظامه ولم يخبر بسره أحداً، وأنه حمل ليلة إلى فضاء ليتنزه به، فسمع رجلاً يقول لوالده على أي ناقة حملت الشعب، يعني قرب الماء، فقال على العفراء، فأغمي عليه ساعة ثم قام مخبولاً وكان باليمامة عراف يعني كاهناً له قرين من الجن يعرفه الأخبار ودواء بعض الأدواء وكان يقال له رياح بن راشد وكنيته أبو كحلاء مولى لبني يشكر فحملوه إليه فلما رآه أخذ يعالجه بأنواع العلاج والرقي والصب عليه وأصل ذلك أن العرب كانت إذا تخليت بشخص سحراً جعلت على رأسه طبقاً فيه ماء ثم أذابت الرصاص وسكبته في ذلك الماء ودفنته في فضاء من الأرض فيزول عن الشخص ما به، وإن الكاهن فعل بعروة ذلك مراراً فلما ينجع، أخبرهم أن ما به ليس إلا من العشق.
وقيل أنه عرف ذلك من يوم قدومهم به، فلما أحس باليأس أنشد: فقلت لعراف اليمامة الأبيات فحمل إلى عراف آخر بنجد ففعل به مثل ذلك فأنشد الأبيات الآتية في نونيته وهي قوله جعلت لعراف اليمامة.
وقيل أنشده حين حمل إلى ابن عباس ليدعو له بمكة، ولما أيس من الشفاء تمرض بين أهله زماناً حتى شاع انتحاله في العرب مثلاً. وإن ابن أبي عتيق مر به فرأى أمه تلاطف غلاماً كالخيال فسألها عن شأنه، فقالت هو عروة فسألها نضوا الغطاء عنه، فلما شاهده قضي عجباً ثم استنشده فأنشد جعلت لعراف اليمامة حكمه الأبيات ولما علم الضجر من أهله، قال لهم احتملوني إلى البلقاء فإني أرجو الشفاء.

فلما حل بها وجعل يسارق عفراء النظر في مظان مرورها، عاودته الصحة. فأقام كذلك إلى أن لقيه شخص من عذرة فسلم عليه. فلما أمسى دخل على زوج عفراء فقال له متى قدم هذا الكلب عليكم فقد فضحكم بكثرة ما يتشبب بكم فقال من قال عروة قال أنت أحق بما وصفته به والله ما علمت بقدومه وكان زوج عفراء موصوفاً بالسيادة ومحاسن الأخلاق في قومه. فلما أصبح جعل يتصفح الأمكنة حتى لقي عروة فعاتبه وأقسم بالمحرجات أنه لا ينزل إلا عنده فوعده ذلك، فذهب مطمئناً وأن عروة عزم أن لا يبيت الليل، وقد علم به فخرج فعاوده المرض فتوفي بوادي القرى، دون منازل قومه.
وقيل وصلها لرواية ابن العاص، قال استعملني عمر رضي الله عنه في جباية صدقات العذريين فبينما أنا يوماً بإزاء بيت إذ نظرت امرأة عند كسر البيت وإلى جانبها شخص لم تبق إلا رسومه فجلست أنظر إليه فتموج ساعة ثم خفق خفقة فارق الحياة فقلت لها من الرجل قالت عروة فقلت كأنه قضى فقالت نعم، ولما بلغ عفراء وفاته قالت لزوجها قد تعلم ما بينك وبيني وبين الرجل من الرحم وما عنده من الوجد وإن ذلك على الحسن الجميل فهل تأذن لي أن أخرج إلى قبره فأندبه فقد بلغني أنه قضي، قال ذلك إليك فخرجت حتى أتت قبره فتمرغت عليه وبكت طويلاً ثم أنشدت:

ألا أيها الركب المحثون ويحكم

بحق نعيتم عروة بن حزام

فإن كان حقاً ما تقولون فاعلموا

بأن قد نعيتم بدر كل ظلام

فلا لقي الفتيان بعدك راحة

ولا رجعوا من غيبة بسلام

ولا وضعت انثى تماماً بمثله

ولا فرحت من بعده بغلام

ولا لابلغتم حيث وجهتم له

وغصتم لذات كل طعام

وقالت أيضاً:

عداني أن أزورك يا خليلي

معاشر كلهم واش حسود

أشاعوا ما علمت من الدواهي

وعابونا وما فيهم رشيد

فأما إذ تويت اليوم لحداً

فدور الناس كلهم اللحود

فلا طابت لي الدنيا فراقاً

لبعدك لا يطيب لي العديد

ولما قضت دفنت إلى جانبه فنبت من القبرين شجرتان حتى إذا صارتا على حد قامة التفتا فكانت المارة تنظر إليهما ولا يعرفان من أي ضرب من النبات وكثيراً ما أنشدت فيهما الناس فمن ذلك قول الشهاب محمود:

باللّه يا سرحة الوادي إذا خطرت

تلك المعاطف حيث الرند والغار

فعانقيهم عن الصب الكئيب فما

على معانقة الأغصان انكار

وقول صاحب الأصل:

غصنان من دوحة طال ائتلافهما

فيها فجالت صروف الدهر فافترقا

فصار ذا في يد تحويه ليس له

منها براح وهذا في الغلاة لقا

حتى إذا ذويا يوماً وضمهما

بعد التفرق بطن الأرض واتفقا

حنا على العهد في أرجائها فحنا

كل على ألفه في الترب واعتنقا

وتوفي عروة بن حزام في خلافة عثمان سنة ثلاثين من الهجرة ويقال أن وفاته كانت لعشر يقين من شوال سنة ثمان وعشرين ومن محاسن شعره قصيدته التي على حرف النون فقد ضمنها حكاية حاله بألفاظ رقيقة ومعان أنيقة وهي هذه:

خليليَّ منْ عليا هلالِ بنِ عامرٍ

بِصَنْعَاءِ عوجا اليومَ وانتظراني

أَلم تَحْلِفا بِالله أَنِّي أَخُوكُمَا

فلمْ تفعلا ما يفعلُ الأخوانِ

ولم تَحْلِفا بِالله قدْ عَرَفْتُمَا

بذي الشِّيحِ رَبْعاً ثُمَّ لا تَقِفَانِ

ولا تَزْهدا في الذُّخْرِ عندي وَأَجْمِلاَ

فَإنَّكُمَا بِيْ اليومَ مبتَلِيَانِ

أَلَمْ تَعْلَمَا أَنْ لَيْسَ بِالمَرْحِ كُلِّهِ

أَخٌ وصدِيقٌ صالحٌ فَذَراني

أفي كلِّ يومٍ أنتَ رامٍ بلادها

بِعَيْنَيْنِ إنساناهما غَرِقَانِ

وعينايَ ما أوفيتُ نشزاً فتنظرا

بِمَأْقَيْهما إلاَّ هما تَكِفَانِ

أَلاَ فَاحْمِلاَنِي بارَكَ الله فِيكُما

إلَى حَاضِرِ الرَّوْحَاءِ ثُمَّ ذَرَانِي

على جسرة ِ الأصلابِ ناجية ِ السُّرى

تُقْطِّعُ عَرْضَ البيدِ بِالوَخَذَانِ

إذا جبنَ موماة ً عرضنَ لمثلها

جَنَادِبُها صَرْعى من الوَخَدَانِ

ولا تعذلاني في الغواني فإنّني

أَرَى فِي الغواني غَيْرَ ما تَرَيَانِ

إلمّا على العفراءِ أنّكما غداً

وَمَنْ حَلِيتْ عَيني به ولساني

فيا واشِيَيْ عفرا دعاني ونظرة ً

تقرُّ بها عينايَ ثمَّ دعاني

أَغَرَّكما لا بَارَكَ الله فيكما

قميصٌ وَبُرْدا يَمنة ٍ زَهَوانِ

متى تكشفا عنِّي القميصَ تَبَيَّنا

بِيَ الضُّرَّ من عَفْراء يا فَتَيَانِ

وَتَعْتَرفَا لَحْماً قليلاً وَأَعْظُماً

دِقَاقاً وَقَلْباً دائمَ الخَفَقانِ

على كبدي منْ حبِّ عفراءَ قرحة ٌ

وعينايَ منْ وجدٍ بها تكِفانِ

فعفراءُ أرجى النّاسُ عندي مودّة ً

وعفراء عنّي المُعْرِضُ المتواني

أُحِبُ ابْنَة َ العُذْرِيِّ حُباً وَإنْ نَأَتْ

وَدانَيْتُ فيها غيرَ ما مُتَدانِ

إذَا رَامَ قلبي هَجْرَهَا حالَ دونَه

شَفِيعانِ من قَلْبِي لها جَدِلانِ

إذَا قلتُ لا قالا: بلي، ثمَّ أَصْبَحَا

جَمِعياً على الرَّأْيِ الذي يَرَيانِ

فيا ربِّ أنتَ المستعانُ على الّذي

تحمّلتُ منْ عفراءَ منذُ زمانِ

فيا ليتَ كلَّ اثنينِ بينهما هوى ً

منَ النّاسِ والأنعامِ يلتقيانِ

فَيَقْضِي مُحِبٌّ مِن حَبيبٍ لُبَانة ً

ويرعاهما ربّي فلا يُريانِ

أَمامي هوى ً لا نومَ دونَ لِقَائِهِ

وَخَلْفِي هوى ً قد شفَّني وبَرَاني

فمنْ يكُ لم يغرضْ فإنّي وناقتي

بِحَجْرٍ إلَى أَهْلِ الحِمى غَرَضانِ

تحنُّ فتبدي ما بها منْ صبابة ٍ

وأخفي الّذي لولا الأسى لقضاني

هوى ناقتي خَلْفِي وقُدَّامي الهوى

وَإنِّي وَإيَّاهَا لَمُخْتَلِفَانِ

هوايَ عراقيٌّ وتثني زمامها

لبرقٍ إذا لاحَ النجومُ يمانِ

هوايَ أمامي ليسَ خلفي معرَّجٌ

وشوق قَلوصي في الغُدُو يمانِ

لعمري إنّي يومَ بصرى وناقتي

لَمُخْتَلِفَا الأَهْواءِ مُصْطَحَبانِ

فَلَوْ تَرَكَتْنِي ناقتي من حَنِينَها

وما بي منْ وجدٍ إذاً لكفاني

متى تَجْمعي شوقي وشوقَكِ تُفْدحِي

وما لكِ بِالْعِبْءِ الثَّقِيلِ يَدَانِ

يا كبدينا منْ مخافة ِ لوعة ِ

الفراقِ ومنْ صرفِ النّوى تجِفانِ

وإذْ نحن منْ أنْ تشحطَ الدّارُ غربة ً

وإنْ شقَّ البينُ للعصا وجلانِ

يقولُ ليَ الأصحابُ إذ يعذلونني

أَشَوْقٌ عِراقيٌّ وَأَنْتَ يَمَانِ

وليسَ يَمانٍ للعِراقيْ بِصَاحِبٍ

عسى في صُرُوفِ الدَّهْرِ يَلْتَقِيانِ

تحمّلتُ منْ عفراءَ ما ليسَ لي بهِ

ولا للجبالِ الرّاسياتِ يدانِ

كَأَنَّ قَطاة ٌ عُلِّقَتْ بِجَناحَهَا

على كبدي منْ شدّة ِ الخفقانِ

جعلتُ لعرّافِ اليمامة ِ حكمهُ

وَعَرّافِ حَجْرٍ إنْ هما شَفيانِي

فَقالاَ: نَعَمْ نَشْفِي مِنَ الدَّاءِ كُلَّهِ

وقاما مع العُوَّادِ يُبتَدَرانِ

ودانَيْتُ فيها المُعْرِضُ المُتَوَانِي

لِيَسْتَخْبِرانِي. قُلْتُ: منذ زمانِ

فما تركا من رُقْيَة ٍ يَعْلمانِها

ولا شُرْبَة ٍ إلاَّ وقد سَقَيَانِي

فما شفا الدّاءَ الّذي بي كلّهُ

وما ذَخَرَا نُصْحاً، ولا أَلَوانِي

فقالا: شفاكَ اللهُ، واللهِ ما لنا

بِما ضُمِّنَتْ منكَ الضُّلُوعُ يَدَانِ

فرُحْتُ مِنَ العَرّافِ تسقُطُ عِمَّتِي

عَنِ الرَّأْسِ ما أَلْتاثُها بِبَنانِ

معي صاحبا صِدْقٍ إذَا مِلْتُ مَيْلَة ً

وكانَ بدفّتي نضوتي عدلاني

ألا أيّها العرّافُ هل أنتَ بائعي

مكانكَ يوماً واحداً بمكاني؟

أَلَسْتَ تراني، لا رأَيْتَ، وأَمْسَكَتْ

بسمعكَ روعاتٌ منَ الحدثانِ

فيا عمٌ يا ذا الغَدْرِ لا زِلْتَ مُبْتَلى ً

حليفاً لهمٍّ لازمٍ وهوانِ

غدرتَ وكانَ الغدرُ منكَ سجيّة ً

فَأَلْزَمْتَ قلبي دائمَ الخفقانِ

وأورثتني غمّاً وكرباً وحسرة ً

وأورثتَ عيني دائمَ الهملانِ

فلا زِلْتَ ذا شوقٍ إلَى مَنْ هويتهُ

وقلبكَ مقسومٌ بِكُلِّ مكانِ

وإنّي لأهوى الحشرَ إذ قيلَ إنّني

وعفراءَ يوْمَ الحَشْرِ مُلْتَقِيَانِ

وَإنَّا على ما يَزْعُمُ النّاسُ بَيْنَنَا

مِنَ الحبِّ يا عفرا لَمُهْتَجِرانِ

تحدّثَ أصحابي حديثاً سمعتهُ

ضُحَيّاً وَأَعْنَاقُ المَطِيِّ ثَوانِ

فقلتُ لهم: كلاّ. وقالوا. جماعة ً

بلى ، والذي يُدْعى بِكلِّ مكانِ

ألا يا غرابيّ دمنة ِ الدّارِ بيّنا

أَبَا الصَّرْمِ من عفراءَ تَنتحبانِ؟

فَإنْ كَانَ حقاً ما تقُولاَنِ فاذهبا

بلحمي إلى وكريكما فكلاني

إذَنْ تَحْمِلاَ لَحْماً قلِيلاً وَأَعْظُماً

دِقَاقاً وقَلْباً دائمَ الخفَقَانِ

كُلاَني أَكْلاً لَم يَرَ النَّاسُ مِثْلَهُ

ولا تهضما جنبيَّ وازدرداني

ولا يعلمنَّ النّاسُ ما كانَ ميتتي

ولا يَطْعَمَنَّ الطَّيْرُ ما تَذَرَانِ

أَنَاسِيَة ٌ عَفْراءُ ذكريَ بَعْدَما

تركتُ لها ذِكْرا بِكُلِّ مَكَانِ

ألا لعنَ اللهُ الوشاة َ وقولهمْ

فُلاَنَة ُ أَمْسَتْ خُلَّة ٌ لِفُلاَنِ

فَوَيْحَكُمَا يا واشِيَيُ أَمِّ هَيْثَمٍ

ففيمَ إلى منْ جئتما تشيانِ؟

ألا أيّها الواشي بعفراءَ عندنا

عَدِمْتُكَ مِنْ واشٍ أَلَسْتَ ترانِي؟

أَلَسْتَ ترى لِلْحُبِّ كيف تَخلَّلَتْ

عناجيجهُ جسمي، وكيفَ براني؟

لو أنَّ طبيبَ الإنسِ والجنِّ داوياً

الّذي بيَ منْ عفراءَ ما شفياني

إذا ما جلسنا مجلساً نستلذّهُ

تَواشَوا بِنَا حتى أَمَلَّ مكاني

تكنّفني الواشونَ منْ كلِّ جانبٍ

ولو كانَ واشٍ واحدٍ لكفاني

ولو كانَ واشٍ باليمامة ِ دارهُ

وداري بأعْلى حَضْرَمُوت أَتَانِي

فَيَا حَبَّذَا مَنْ دونَهُ تَعْذِلونَنِي

ومنْ حليتْ بهِ عيني ولساني

ومنْ لو أراهُ في العدوِّ أتيتهُ

وَمَنْ لو رآنِي في العَدُوِّ أَتَانِي

ومنْ لو أراهُ صادياً لسقيتهُ

ومَنْ لو يرَانِي صادياً لَسَقَانِي

ومنْ لو أراهُ عانياً لكفيتهُ

ومَنْ لَوْ يَرانِي عانِياً لَكَفَانِي

ومنْ هابني في كلِّ أمرٍ وهبتهُ

ولو كنتُ أمضي منْ شباة ِ سنانِ

يُكَلِّفُنِي عَمِّي ثمانين بَكْرَة ً

ومالي يا عفراءُ غيرُ ثمانِ

ثَمانٍ يُقْطِّعْنَ الأَزِمَّة ِ بالبُرى

ويقطعنَ عرضَ البيدِ بالوخدانِ

فيا ليتَ عمّي يومَ فرّقَ بيننا

سُقيْ السُّمَّ ممزوجاً بِشَبِّ يَمانِ

بنيّة ُ عمّي حيلَ بيني وبينها

وضجَّ لِوَشْكِ الفُرْقَة ِ الصُّرَدانِ

فيا ليتَ محيّانا جميعاً وليتنا

إذا نحنُ متنا ضمّنا كفنانِ

ويا ليت أَنَّا الدَّهْرَ في غيرِ رِيبة ٍ

بعيرانِ نرعى القفرَ مؤتلفانِ

يُطْرِّدُنا الرُّعْيَانُ عَنْ كُلِّ مَنْهَلٍ

يقولونَ بَكْرا عُرَّة ٍ جَربَانِ

فواللهِ ما حدّثتُ سرّكِ صاحباً

أَخاً لِي ولا فَاهَتْ بِهِ الشَّفَتانِ

سِوى أَنَّنِي قد قُلْتُ يوماً لِصَاحبي

ضُحى ً وقَلوصانا بنا تَخِدَانِ

ضُحَيّاً وَمَسَّتْنَا جَنوبٌ ضَعيفة ٌ

نسيمٌ لريّاها بنا خفقانِ

تحمّلتُ زفراتِ الضّحى فأطقتها

وما لي بزفراتِ العشيِّ يدانِ

فيا عَمِّ لا أُسْقِيتَ من ذي قَرابَة ٍ

بلالاً فقدْ زلّتْ بكَ القدمانِ

فأنتَ ولم ينفعكَ فرّقتَ بيننا

ونحنُ جمعٌ شعبنا متدانِ

وَمَنَّيْتَنِي عَفْراء حتى رَجَوْتُها

وشاعَ الذي مَنَّيْتَ كُلَّ مكانِ

منعّمة ٌ لمْ يأتْ بينَ شبابها

ولا عَهْدِها بِالثَّدْيِ غيرُ ثَمانِ

ترى بُرَتَيْ سِتِّ وستِّين وافياً

تهابانِ ساقيها فتنفصمانِ

فواللهِ لولا حبُّ عفراءَ ما التقى

عليَّ رواقا بيتكِ الخلِقانِ

خُلَيْقانِ هَلْهالانِ لا خَيْرَ فيهما

إذَا هَبَّتِ الأَرْواحُ يَصْطَفِقَانِ

رواقانِ تهوي الرّيحُ فوقَ ذراهما

وبِاللّيْلِ يسرِي فيهما اليَرقانِ

ولم أَتْبَعِ الأَظْعَانِ فهي رَوْنَقِ الضُّحَى

ورحلي على نهّاضة ِ الخديانِ

ولا خَطَرَتْ عَنْسٌ بِأَغْبَرَ نازِحٍ

ولا ما نحتْ عينايَ في الهملانِ

كَأَنَّهُمَا هَزْمَانِ من مُسْتَشِنَّة ٍ

يُسْدانِ أَحْيَاناً وَيَنْفَجِرانِ

أرى طائريَّ الأوّلينِ تبدّلا

إلَيَّ فما لي منهما بَدَلاَنِ

أَحَصّانِ من نَحْوِ الأَسَافِلِ جُرِّدا

أَلفّانِ مِنْ أَعلاهما هَدِيان

لِعَفْراءَ إذْ في الدَّهرِ والنَّاسِ غَرَّة ٌ

وَإذْ حُلُقَانَا بِالصِّبَا يَسَرانِ

لأَدنُو مِنْ بيضاءَ خَفَّاقَة ِ الحشا

بنيّة ِ ذي قاذورة ٍ شنآنِ

كأنَّ وشاحيها إذا ما ارتدتهما

وقامتْ عِنانا مُهْرَة ٍ سَلِسَانِ

يَعَضُّ بَأَبْدَانِ لها مُلْتَقَاهما

ومثناهما رخوانِ يضطربانِ

وتحتهما حقفانِ قدْ ضربتهما

قطارٌ منَ الجوزاءِ ملتبدانِ

أَعَفْراءُ كم مِنْ زَفْرَة ٍ قد أَذقْتِنِي

وحزنٍ ألجَّ العينَ بالهملانِ

فلو أنَّ عينيْ ذي هوى ً فاضتا دماً

لفاضتْ دماً عينايَ تبتدرانِ

فهلْ حاديا عفراءَ إنْ خفتَ فوتها

عَلَيَّ إذَا نَادَيْتُ مُرعَويانِ

ضَرُوبانِ للتّالِي القطوفِ إذَا وَنَى

مشيحانِ منْ بغضائنا حذرانِ

فما لكما من حادِيَيْنِ رُمِيتُما

بحمّى وطاعونٍ إلا تقفانِ؟

فما لكما من حادِيَيْنِ كُسِيتُما

سرابِيلَ مُغْلاَة ً من القَطِرانِ

فويلي على عفراءَ ويلٌ كأنّهُ

على النَّحْرِ والأَحشاءِ حَدُّ سِنَانِ

ألا حَبَّذا مِنْ حُبِّ عفراءَ مُلْتقى

نَعَمْ وألا لا حيث يَلْتَقِيانِ

أحقاً عبادَ اللهِ أنْ لستُ زائراً

عفيراءَ إلا والوليدُ يراني

لَوْ أَنَّ النَّاسِ وَجْدا وَمِثْلَهُ

مِنَ الجنِّ بعد الإنس يلتقيان

فيشتكيان الوجدَ تمَّت أشتكي

لأَضْعَفَ وَجْدِي فوقَ ما يَجِدانِ

وما تَرَكَتْ عفراءُ مِنْ دَنَفٍ دوى ً

بِدِوْمة ٍ مَطْويٌّ له كَفَنَانِ

فقد تَرَكْتَنِي ما أَعِي لمحدِّثٍ

حديثاً وإنْ ناجيتهُ ونجاني

وقد تَرَكَتْ عفراءُ قلبي كَّأَنَّهُ

جَنَاحُ غُرابٍ دائمُ الخَفَقَانِ

elhajeb-tv

/http://www.facebook.com/home.php?sk=group_203285086349067

  • Currently 15/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
5 تصويتات / 350 مشاهدة
نشرت فى 14 مارس 2011 بواسطة elhajeb-tv

dark road

elhajeb-tv
welcome to my facebook »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

63,083