المهرج لا يستطيع الضحك ديوان شعر للجوهري
تغطية ومتابعة: محمود سلامة الهايشة:
تم مناقشة ديوان "المهرج لا يستطيع الضحك" للشاعر عبدالناصر أحمد الجوهري، بمقر اتحاد كُتاب مصر فرع الدقهلية بمدينة المنصورة، يوم السبت 17 أكتوبر 2009، بدأت الأمسية الشعرية الساعة التاسعة مساءً.
ناقش الديوان بالتحليل النقدي الدكتور/ شريف الجيار-الأستاذ بكلية الآداب جامعة بني سويف، وعضو اتحاد كُتاب مصر، وأدار الندوة القاص الأستاذ/ سمير بسيوني- رئيس اتحاد كُتاب مصر فرع الدقهلية.
بدأت الندوة بتقدم الأستاذ سمير بالترحاب بضيف فرع الدقهلية بالدكتور شريف، وتعريف كوكبة الأدباء الحاضرون بضيف الاتحاد، سوف ألقى عبدالناصر الجوهري، أحد قصائد ديوانه المكون من 27 قصيدة وهي قصيدة "هند ما عادت هند"، وهي رائعة من روائع الجوهري الثمينة.
بدأت د.شريف الجيار حديثة عن شرح ماهية قصيدة التفعيلة؟، وذكر أن القصيدة التي تعتمد على شعر التفعيلة بدء في أوروبا في بداية القرن العشرين، ومن وجهة نظر د. شريف أنه من يعرف الشعر التفعيلي بأنه شعر حر بشكل عام فهذا يعتبر تعريف غير دقيق، والسؤال الذي يجب أن يطرح اليوم: هل هذا الديوان الذي بين يدينا ينتمي للشعر التفعيلي؟، هل هو شعر تفعيلي يعتمد على الدوائر الخليلية؟، والسؤال على لسان د. شريف؛ والذي جعله يسأل هذا السؤال هو أن الشاعر الجوهري وصف هذا الديوان بأنه ينتمي للشعر الحر، فأخذ د. شريف في تحليل الديوان حتى نعرف إلى أي فئة شعرية تنتمي قصائد هذا الديوان لهذا الشاعر المنكسر.
شكر د. شريف الشاعر الجوهري على هذا الديوان، وأجاب على السؤال الذي طرحه، بأن هذا الديوان شعر تفعيلي يعتمد على الدوائر الخليلية. بدء الناقد تحليله بعتبة الديوان "المهرجٌ لا يستطيع الضحك"، هذا المهرج يعني الضحك ويعني البهجة ويعني الاستهزاء ويعني الحركة،...الخ. فهنا قد انكسر المعنى المعجمي إلى ما يعرف بالمعنى المجازي، ويلاحظ في هذا العنوان أنه يعتمد على المفارقة، فالمهرج نبع الاستهزاء كيف لا يستطيع الضحك؟!
يُعلن الشاعر أنه في خصام وانفصام عن العالم المحيط، فربما يكون هذا العالم هو مصر، أو الوطن العربي، أو العالم كله. فالعنوان مفتحاً لغوياً لهذا الديوان.
وصف د. شريف: الشاعر الجوهري بأنه شاعر يمتلك مقومات الشعر التفعيلي في الشعر العربي، فالعتبة عنده تمثل نصاً، ثم تطرق بعد العنوان إلى الإهداء الذي صدر به الشاعر ديوانه، فالإهداء يمثل نصاً تمهيداً، يمثل مفتاحاً دلالياً أخر لهذا الديوان، هنا نلاحظ أن المعاناة مصدراً للدفعات الشعرية لعبدالناصر الجوهري. نلاحظ أن عالم هذا الشاعر من خلال هذا الديوان، فالقارئ للديوان من الوهلة الأولى يقول أنه يسير في خطوط متوازية، فالذات الشعرية عند الجوهري هي ذات محرومة منكسرة، فهذا الشكل الهندسي عند عبدالناصر تحمل في طياتها الوجه السياسي، فهو يبدو محباً عاشق لمحبوبته وهذا هو الشكل الرومانتيكي الظاهر في قصائد ديوانه، ولكن المتبحر في الباطن يعرف أنها تحمل رسالة سياسية من ألم وشجن لما يحدث في مصر، ولا يمكن فصل ما يحدث على أرض مص عن ما يحدث في العالم بشكل عام.
لذا فهناك تشابكاً في الخطوط الشعرية لعبدالناصر الجوهري وليست خطوط متوازية كما ظننا في بداية الأمر؛ نرى أن هناك محبوباً يبحث عن حبيبته.
بالإبداع الذي يستعيد بالمرأة كنموذج يمثل رمز للوطن، فالشاعر هنا وبشكل شبه دائماً في جميع قصائد الديوان، يصور المرأة التي تتمرد على الواقع، وهناك خط آخر في الديوان وهو الخط الوطني.
وهناك مسألة واضحة جدا داخل هذا الديوان وهي مسألة الاغتراب وليس الغربة. فالغربة قصديه أي أنك تسافر وتترك وطنك بإرادتك إلى بلدا أخر، ولكن تكون داخل الوطن وتشعر بالاغتراب وأنت داخل الوطن، هذا ما حدث ما شاعرنا صاحب الديوان، لذلك خرجت كلمة الغربة من معناها المعجمي.
يتناول الشاعر كيف انكسرت الحضارة العربية؟، وهناك موقف واضح للشاعر داخل ديوانه من العولمة، فهو ضدها، ويعلن ذلك بشكل جلي، وعلى الوجه الآخر يقول د. شريف: أن هناك إجبار للتعامل مع العولمة، ولذلك كان لابد للشاعر أن لا يقول رأيه فيها، ولكن يتعامل عبدالناصر بالذات الشعرية بنظرة فلسفية داخل هذا النص الشعري.
آهٍ .. يا غربةَ جيلى
يا حُلمى القاني
يا دمعَ الجوْزاءْ
عصرىُّ ُ ..
فى عصرِ الحاسوب .. أنا
عصرى ..
فى عصر العولمةِ ، الذَّرَّةِ ،
والآلاتِ العمياءْ
يتساءل د. شريف: كيف أضحى الإنسان منكساً على صعيد الحب والرومانسية؟!؛ فالذات الشعرية حدث لها قلق، فانكسر، فغزو، فموت، فاغتراب. معني هذا؟ العودة إلى الماضي. وإذا انتقلنا إلى اللحظة الراهنة، هل هذا الجيل يمتلك مقومات الحب؟، هل يوجد بداخله مقومات الحب؟ وهل عنده مسئولية؟، فالحب مسئولية.
طابع هذا الديوان رومانسي، ولكنه وهم رومانتيكي، يوجد داخله الانكسار العربي، فأين الحضارة العربية؟، أين الأندلس؟، في قصيدة "هند ما عادت هند":
صندوقُ الدُّنيا
يا دنيا
خبأ من أسرارِ .. الغاباتِ .. عريناً للأُسدْ
يحكى للعالمِ ..
رحلةَ بنتٍ كانت )هندْ)
من يتذكَّر :
ضحكتها ،
رقَّتها ،
مُقلتها وقت الهزلِ .. ووقت الجدْ
هندُ ُ ما عادت هندْ
هند هنا أضحت رمزاً للوطن، هند الماضية هي الأندلس، بينما في اللحظة الراهنة هند اغتصبت في الوطن العربي، فكانت دائماً المرأة هي رمز الوطن، فهي واجهة الحياة، ورمز الحرية المسئولة، فإذا دمرت المرأة ضاع الوطن. فهناك الكثير المسكوت عنه داخل النص، فما هو؟!، هو المستوي الثاني من المعني، فلابد من فهم النص الشعري جيداً حتى نصل لهذا المستوى الثاني من المعنى.
فهناك نزعتين لدى الشاعر، نزعة خارجية وأخرى داخلية، فكتابة عبدالناصر الجوهري كتابة أزمة، والمقصود بالأزمة هنا هي أزمة الوطن العربي. وينتقل د. شريف الجيار بنا إلى الشرح العملي التحليلي للديوان، فاختار أول قصيدة في الديوان وهي قصيدة (هذا ما جناهُ قلبي) كنموذج للديوان:
يا مولاتى ..
عيناكِ ضياءُ حياتي
أبحرُ فى سحرهما
وأحطُّ ..
على مرفأ هاجرتي
أتوضأُ ..
من فيضِ الكلماتِ
أتهجَّدُ ..
بين جنانِ الصبوِ العُذريِّ ،
أرتِّلُ كلَّ ترانيمي ،
أُرسلُ طيفَ صباباتى ،
زخَّاتِ براحي ،
ولحونَ قصيدى
كى تطفىءَ نارَ عذاباتي
الآن ..
جنادلُ شوقى الثَّكلى
تشعلُ دوحَ خيالاتى
لكنِّى ..
لن أجرؤَ ..
أن أدخلَ بهو ظلالِكِ وحدى
لستُ) بعنترَ) عبسٍ ..
أو ناطورٍ
يحرسُ أطرافَ الغاباتِ
مازلتُ أسيراً
تجذبنى كلُّ شرايينى ،
أوردتى
والدفءُ الساكنُ فى أبياتى
فالعمرُ / الذَّكرى ،
والذَّكرى / العمرُ ،
المدُّ ،
الجزرُ ،
الشيبُ النازحُ فى مرآتى
يا نبضَ النبضِ المنثورَ ،
ويا ينبوعاً يتفجَّرُ ..
من أفئدتى ،
يتوحَّدُ فى أنَّاتى
عيناكِ وميضُُ
ينأى بين عوالمِ عشقى
حاصر غورَ مفازاتى
وحنينُ ُ
يُنبِتُ دوماً أزهارى ،
يتراقصُ فى جنَّاتى
عيناكِ ..
فآهٍ من عينيكِ ..
أميرةُ عُرسَ الشمسِ ،
ومملكةُ الصلواتِ
عيناكِ تراتيلُُ ..
نام الليلُ على فيضهما ؛
ينتظرُ الفجرَ الآتى
عادة تكون العين مصدر الحب: عيناكِ ضياءُ حياتي، عيناكِ وميضُُ، فآهٍ من عينيكِ، عيناكِ تراتيلُُ ؛ أضحت العين مصدر للحب.
وظهر ذلك أيضا في قصيدة (مُدي حُروفك في دمي)، دائماً ما نشعر بالاغتراب عندما نتذكر الحب الأول الذي لم ضاع وفقده الإنسان ولم يحصل عليه، فمهما مرت السنين نظل نتذكره، ونرجع إلى الماضي دائماً مهما م على الإنسان من سنين وأحداث كثيرة، فقال الشاعر:
وتذكَّرى يوماً
عيونكِ الملامحُ والسرائرُ ..
حين
عادت فى اشتياقٍ
كى تخادنَ مرسمى
مُدِّى جناحَكِ للشجونِ ..
لتعرفَ الأضلاعُ عشقَكِ للجوى
عند اقتلاعُكِ أعظمى
ذاب السُّهادُ .. سُدىً
وما ذابت
عُيونُ ملامحى
فتقبَّلى منِّى النَّسائمَ كلَّها
هدأ الحنينُ ..
ما يزال يبثُّ نفسَ نسائمى
مُدِّى حروفَكِ .. فى دمى
فهذا المحبوب يشع بالانكسار تجاه المحبوبة، ولا يستطيع موجهة الواقع الذي يعيشه. فالمنطقة العربية تمتلك عكازاً هشاً!، ويقول الشاعر من خلال شعره أنه على الرغم من أن هذه الذات التي تمتلك عكازاً هشاً منكسرا ، إلا أن الذات العربية ستعيش مهما كانت الظروف ومهما مرت بأزمات، فالذات مصرة على الحياة والعيش.
فأزمة الوطن العربي بشكل عام، وأزمة مصر بشكل خاص مركزها الذات الشعرية، فيرى الشاعر العالم من خلال الأنا، إذا كان سعيداً أضحى العالم سعيداً، وإذا كان حزيناً أضحى العالم كذلك. فالذات تصرخ وتولول قائلة:
آهٍ .. يا أروقتى
يا مر / المر المنثور بأضلاعى
آه .. يا عُكَّازى الهشُّ
الصُّبحُ لنا ،
والشَّدوُ ..
وزخَّاتُ الأنداءْ
# البناء الشعري:
يبدأ دائماً الشاعر بالليل وينتهي بالصباح، الليل هو الأنا، هل يمتلك صباحاً؟، هذا هو السؤال، يبدأ بالليل وينتهي بالصباح، فالشاعر يمتلك كما قال د.شريف إلى: الجملة المفتاح، أو الجملة المرتكز عليها. فالشاعر في أكثر من قصيدة وفي أكثر من موضع داخل الديوان يبدأ بالليل، فهذه سمة بنائية وسمة أسلوبية في كتابته الشعرية بهذا الديوان، حيث أن الناقد الدكتور شريف الجيار على حسب قوله فهو لم يرى ويطلع على الدواوين الأخرى للشاعر الجوهري من قبل حتى يحكم على جميع شعره السابق.
# عناوين القصائد:
وقد لاحظ د. شريف أن معظم عناوين قصائد هذا الديوان "المهرج لا يستطيع الضحك" طويلة، حيث ذكر أمثلة من تلك العناوين: "بدءُ جديد لانفلاتي ليس إلا"، "لم تكن بلادي غير بلادي"، "الليلُ يفرشُ ليس كعادته مداه!!"، "يقرأون الأسحار على مرقد البُشرى"، ووجهة د.شريف كلامه للشاعر بقوله: كان في إمكانك أن تختصر تلك العناوين، وتجعلها مختزله أكث من ذلك، وطلب منه بأن تكون العناوين التي يختاها لقصائده في المستقبل أقصر من ذلك، فالعنوان رمز للقصيدة، والشاعر دوره ترمز الصورة للمتلقي، فدوره عمل غمامة ودور القراء فك الرموز.
# الجملة المركزية:
انتقل د. شريف إلى نقطة أخرى في تحليله النقدي للديوان، فقراءة جزء من قصيدة "بدءُ جديد لانفلاتي ليس إلا" (ص14):
غيظاً أعضُّ أصابعي
فلنا من الإفراطِ في عشقِ الضِّياءِ ..
ممالكُ ُ
أُمِّى التي فقدتْ سعادتها
انتظرتُ مجيئها دهراً طويلاً فى الصَّباحِ ..
قبيل إرسالي لمدرستي القريبةِ من أمانينا
أُمِّى التى نبهتها
نسيتْ صدى ميقاتِ طابورِ الهتافِ ..
مُجدَّداً
نفسُ الرُّؤى عادتْ تغنينا
غيظاً أعضُّ أصابعي
لم تأتِ بعدُ .. (بفولِنا)
لم تأتِ .. فالفوَّالُ فى أحيائنا من غيظه
دوماً يقايضُ بالكُتبْ
أُمِّي التى عاشتْ كما الأسحارُ ..
ترشفُ حزنها وسط الصَّخبْ
وتمخَّضتْ عن حُلمها – عبثاً –
كما كنَّا على نفسِ المعابرِ ..
نلعقُ الأوجاعَ منكفثين – هناك –
يا وطنى العظيمَ ..
فالشاعر يكتب القصيدة جملة، فيكتب جملة مركزية، وهي قلب للقصيدة، فهي النتيجة ثم يتأتي بالتفصيل، فهذا القالب الشعري يسمى بالقصيدة المقلوبة!
فالذات الشعرية عند الشاعر كل ما تبكي، تسأل عن الحقل؟، تسأل عن الساقية؟، تسأل عن لقمة العيش؟، وقد تسأل الشاعر: هل تستطيع أيها الإنساني العربي أن تنتج؟، أم ستصبح مهرجاً؟!
فهذه التجربة تجربتناً كلنا، نحن جميعاً، نحن العرب، لذلك ليست خطوط متوازية، بل خطوط متشابكة. فالعكاز الذي ذكره الشاعر رمز للجد، والجد يعني التراث، والتراث يعني الحضارة، فإذا ضاع العكاز أو انكسر، ضاعت الأمة وذهبت الحضارة.
فذات الشاعر مغتربة، لذلك سوف تتعاطف أيها القارئ الكريم مع هذه الذات دائماً كلما قراءة قصائده.
فكل شيء من حولنا يشعنا بالاغتراب، فالسبحة التي نسبح ليها صيني، والمصحف الذي نقرأ فيه صيني، والسجادة التي نصلي عليها صيني، والميكروفون الذي نأذن ونفع به الآذان صيني...الخ.
ماذا بعد نحن العرب؟؟!!
ماذا بعد حرب أكتوبر؟؟!!
الجيل الصاعد عنده عقده الآباء!!
كل هذا وأكثر عرضه شاعرنا عبدالناصر الجوهري في ديوانه، كل الجيل الصاعد عنده تضخم في الذات، لذلك يطلق الدكتور شريف الجيار دعوة للجميع وخاصة الشباب يدعوهم فيها للتواضع، "دعوة للتواضع".
الإنسان العبي لابد أن يعيد صياغة نفسه مرة أخرى، لأن الإنسان العربي تعلم خطأ!
وعندما نصل إلى قصيدة "لم تكن بلاداً غير بلادي":
وطني لم يكنْ وطني
كان كهلاً يبيعُ الخرافةَ
- خبزَ الخرافةِ -
للعابرينَ
ولا يستحى أن يلاحقَ عُرِّى الصَّبابةِ
أو يعشقُ النادلةْ
وطني يشربُ القهوةَ ،
الانكساراتِ .. باردةً
ويشاركنى
فى احتلالِ مساءاتِ
كلِّ المقاهى
يكذِّبنى
حين يصرخُ نردى
على الطاولةْ
يمضغُ العتقَ / ريقَ المروءةِ
يلفظنى ،
يسلبُ البوحَ منِّى ،
يساومُ فى أضلعي
ساعتى العاطلةْ
ظلَّ يُنكرُ خارطتى
ظلَّ يصحبنى للمواخيرِ،
فقد الثقة في الوطن، ليس هناك وطن، ليس هناك عربي، ليس هناك إسلام أو مسيحه في الوطن العربي. يبكي الشاعر على ضياع الوطن، فالذات العربية أضحت مستسلمة، فالشاعر فلسفته الدامعة، لا يجد مفر في الحياة، كلنا هذا الرجل.
وظل الشاعر يبكي على ما ضاع وما فقده، إلى أن وصل إلى إعلانه اعتزال العالم!، وذلك في نهاية قصيدة "أقرأ فيك طلاسمنا":
هذا اللُّيلُ الفارشُ ..
فى أروقةِ المنزلِ ..
مُعتاداً أن يشربَ قهوته فى صحبةِ أعنابى
إياكِ بأن يزعجهُ أحدُ ُ
أو يفزعهُ قادمْ
اللَّعنةُ كلُّ اللَّعنةِ ..
قد يذهبُ بصركِ .. أبديَّاً
قد يفترقُ .. كلانا
ونفرطُ فى منزلنا / فى هدأتنا
لغريبٍ ظالمْ
رُدِّى كلَّ خطاباتى
هذا شهرُ ( ينايرَ )
حين يعاودني
أنغلقُ على شعرى
وبسرِّ طلاسمنا
أعتزلُ العالمْ !!
أضحى عالم عبدالناصر الجوهري هو عالم الأنا، فتقوقع إلى أن وصلت الذات العربية إلى وضع مؤسف للغاية، فلم تعد إلا خيال مئاته.
# رؤية منكسرة للعالم:
للشاعر رؤية منكسرة يرى بها العالم، وظهرت هذه الرؤية جلية في قصيدة "خطوةُُُ واحدةُ وألمحُ بيتي!!"، حيث قال الشاعر (ص 52،53):
ضوضاءُ ُ فى الميدانِ تلاحقنى
تزعجُ فى الأبراج ِ.. حماماتى
ويمورُ على الأسفلتِ .. حنينى
ويعجُّ اللَّيلُ .. بأوجاعى
ويماطلُ فىَّ صباحاتى
فى هذا العالمِ ..
أضحكُ وحدى ،
أبكى وحدى
وتلاحقني شمسُ نهاياتي
أفهمُ لغةً
لطيورٍ تشدو
ولشجرٍ يشدو
ولنهرٍ يشدو
لكنِّى لا أفهمُ أبداً .. سرَّ متاهاتى
# طبيعة الحوار:
تعتمد قصيدة "النزوح من أوردة الخوف" (ص58) على الحوار الداخلي، فالمرسل والمستقبل هو الذات، حيث يقول الشاعر:
لو نفرضُ أنَّكَ شخصُ ُ آخرَ ..
أطيبَ منكْ
كيف ستنظرُ فى المرآةِ صباحاً
كى تسترجعَ وجهاً لبشوشٍ
يبحثُ عنكْ
حين تدقُّ طبولَ الغضبِ النَّائمِ ..
قلِّبْ وجهكَ ثانيةً
من أنتَ ؟! ومن كنتْ ؟!
أىُّ قناعٍ لن يُجدى .. ؟!
حتما ستحاولُ هدمَ تقاسيمِ الماضى
كى تبنى كهفاً ما
بمكانِ ما
قبل نزوحكَ للموتْ
وإذا تمعنا في قصيدة "رنين الشعر" (ص67)، سنجد أن سيف الشاعر عبدالناصر الجوهري هو الشعر، فهو يُعلن أنه حر مهما جاء الغزو والانكسار، فيقول في تلك القصيدة:
أعْلمُ أنَّ الزهرَ .. يموتْ
أعْلمُ أنَّ الغصنَ اليافعَ ..فى هَدَرَاتِ خريفٍ
حتماً سيموتْ
أعْلمُ أنَّ دموعَ الشَّجرِ النَّائمِ فى أحلامى
ما هى إلا دموعُ ُ
من شجرِ التُّوتْ
أعْلمُ أنَّ الضِّلعَ النَّاقصَ فى جسدى
يأكله الحوتْ
أعْلمُ أنَّ عصوراً جادتْ
وعروشُ ُ ما
ساحة النقاش