تعريف الصناعة وتطورها التاريخي
الصناعة industry هي عملية أو عمليات يتم بموجبها تحويل مادة خام أو مادة أولية إلى منتج نهائي يلبي حاجة المستهلك المحلي أو يهدف إلى التصدير، أو تنتج سلعة نصف مصنعة يتم تحويلها بعملية أو عمليات إلى منتَج نهائي استهلاكي (صناعة تحويلية) أو منتَج رأسمالي (كالآلات).
من المسلم به أن الأمم والمجتمعات في تطور مستمر، إلا أن سرعة التطور مرتبطة بجملة من الظروف التي تختلف باختلاف الشعوب والأقاليم الجغرافية وباختلاف الحضارات والعادات والأعراف والتقاليد. وهذا التطور ينعكس على مجمل الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وعليه فإن المجتمعات قد انتقلت من مرحلة إلى أخرى بسرعة أو ببطء. وبصورة عامة كان المجتمع في بداية الأمر مجتمعاً رعوياً يعمل برعي الماشية ينتقل من مكان لآخر باحثاً عن الكلأ والماء، ثم انتقل بعده ليستقر في مكان محدد مناسب معتمداً في معيشته على الزراعة، فأضحى مجتمعاً زراعياً، ثم تحول تدريجياً إلى مجتمع صناعي متقدم ذي حضارة ومؤسسات عن طريق تحويله المواد الأولية الناتجة من الزراعة أو المواد الخام الموجودة على سطح الأرض أو باطنها إلى صناعة وإنتاج؛ مستخدماً في عملية التحويل قوة البخار ثمّ قوة الماء فالكهرباء، فالطاقات الأخرى، فكانت الثورة الصناعية[ر] التي تبعتها تطورات علمية أدت إلى الانتقال إلى مرحلة أخرى أكثر تقدماً سميت بمرحلة الثورة العلمية والتكنولوجية، رائدها العلم والتقدم التقني.
الصناعة والنمو الصناعي
تقوم الصناعة على اختراع الآلات والأدوات، وهي جوهر العملية التنموية التي سببّها النمو الاقتصادي والتي سببت زيادة في الناتج القومي ومتوسط دخل الأفراد، والصناعة هي رافد أساسي للاستقلال السياسي ومحاولة لتحرير الاقتصاد من التبعية الأجنبية، فالصناعة الأكثر مرونة والأكثر استجابة للمتغيرات المادية والإنسانية هي التي تعمل على الاستفادة مما تجود به الزراعة من مواد وما يستخرج من الأرض لتلبية حاجات الإنسان التي تزداد يوماً بعد يوم كماً ونوعاً، ولكن بالشروط الموضوعية وبالعلاقة السليمة بين القطاعات الاقتصادية (الموارد الطبيعية والموارد البشرية والموارد المادية).
انتقلت البشرية من عصر الثورة الصناعية إلى عصر الثورة العلمية والتكنولوجية التي تقوم على العلم والبحث العلمي بالاكتشافات في علوم الرياضيات والفيزياء التي هي أساس الإنشطار النووي والصناعة النووية والحاسبات الالكترونية وكذلك اكتشافات الكيمياء على اختلافها، وعلم الأحياء الذي هو أساس التغيرات في مجال الزراعة والطب، مما أدى إلى تسريع عمليات التصنيع الحديثة والإنتاج الواسع جداً وإلى التقدم التقني.
التبدلات الاجتماعية والسياسية
مرت وتمر بالعالم تحولات اقتصادية واجتماعية واسعة وتغيرات إقليمية ودولية أدت إلى نشوء النظام العالمي الجديد الذي لم يقم في الحقيقة على الحوار بل فرضته دولة أو دول بفعل قوتها وسيطرتها، لذلك يجب تسميته بالنظام الجديد للعالم الذي نادى بعولمة الاقتصاد. وبحرية التجارة الخارجية واعتماد اقتصاد السوق[ر] والذي من ميزاته الشركات المتعددة الجنسيات[ر] العابرة للقارات ذات السيطرة الكبيرة، والذي يتبنى الحد من تقديم الخدمات الاجتماعية من قبل الحكومة والحد من صلاحياتها والتخلي عن وظيفتها الاجتماعية والاكتفاء بممارستها لحق السيادة أي القيام بوظيفتها التقليدية، والذي ينفذه كل من صندوق النقد الدولي[ر] والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية[ر]. كل ذلك من شأنه التراجع عن المكتسبات الاجتماعية والاقتصادية للمواطنين، ولاسيما في الدول النامية، وخلق حالة من عدم الاستقرار الاجتماعي والنفسي، مما يؤدي إلى عدم زيادة الإنتاج وعدم تطوير جودته في هذه الدول، إذا لم ترافق هذه الإجراءات إصلاحات ضمن تصور كلي وخطة اجتماعية واضحة المعالم.
الصناعة في المجتمعات المتقدمة
الصناعة والتصنيع ليس هدفاً مجرداً بحد ذاته، بقدر ما هو تلبية لحاجات المواطنين ومساهمة في دعم الاستقلال السياسي برفده باستقلال اقتصادي حقيقي، فهو يقوم في الدول المتقدمة على الإنتاج الكبير لسوق واسعة بكميات كبيرة وبكلفة أقل، مستخدمة التكنولوجيا الحديثة التي تعمل على تطوير الإنتاج وأساليبه وإدارته وتسويقه وخلق صناعات مستقبلية متطورة، تستند إلى اكتشافات حديثة وبحث علمي في تطور دائم ومستمر، مما يؤدي إلى خلق مجتمعات صناعية جديدة بأسسها وهيكلها وعلاقاتها، وترك الصناعات الملوثة للبيئة أو التي تحتاج إلى عمالة كبيرة.
الصناعة في العالم الثالث
يمكن أن يوصف العالم الثالث بأنه عالم متخلف ذو تبعية للدول الرأسمالية المتقدمة، أي ذو الاقتصاد التابع، باستيراده للآلات وقطع التبديل والمواد، والمتسّم بناتج قومي ومتوسط دخل فردي منخفضين وصناعة خفيفة ضعيفة كماً ونوعاً ومهارة فنية متدنية وتقنية بسيطة، وتراكم رأسمالي منخفض.
الصناعة في الوطن العربي
أما في الوطن العربي فتتصف الصناعة عامة بأنها ضعيفة متكررة، فهي متنافسة غير متكاملة تعرقل مستقبلاً خطوات التكامل الاقتصادي العربي، الأمر الذي يتطلب القيام بخطوات تنسيق تمهيدية تتبعها خطوات من أجل الوصول إلى تكامل اقتصادي فوحدة اقتصادية عربية، ومن أجل وصف واقع الصناعة في الوطن العربي لابد من الإشارة إلى أن هذه الصناعة تختلف من قطر عربي لآخر حسب ظروف كل منه وحسب تطور اقتصاده. ويمكن تقسيم الدول العربية إلى ثلاث مجموعات حسب هيكلها الصناعي ومكانة الصناعة في اقتصادها الوطني:
فالمجموعة الأولى: تضم كلاً من مصر وسورية ولبنان والأردن والمغرب وتونس وهي دول ذات كثافة سكانية مرتفعة، كونت نواة صناعية استهلاكية مبكرة نسبياً متنوعة الهياكل الاقتصادية وذات إنتاج متوازن إلى حد ما بين عدد من الفروع الصناعية يعادل الزراعة والقطاع المنجمي، فالفوسفات والنفط والصناعات التحويلية كالمنسوجات والألبسة الجاهزة والأغذية والتبغ والجلديات والخشب والأثاث تشكل أساس بنيانها الصناعي.
والمجموعة الثانية: تضم دولاً كالعراق والجزائر وهي كدول المجموعة الأولى، لكنها تختلف عنها باعتمادها الرئيسي على فعاليات البترول والغاز و دولاً أخرى كالإمارات وسلطنة عُمان وقطر وليبيا والكويت ذات كثافة سكانية قليلة تؤدي فيها الصناعات التحويلية دوراً مهماً ودولاً كالسعودية والبحرين اللتين أخذتا تستأثر فيهما الصناعات التحويلية بدور كبير لديها، إضافة إلى المواد النفطية والغازية والبتروكيمياويات.
أما المجموعة الثالثة: فهي تضم دولاً عربية أقل نموا،ً مثل اليمن وموريتانيا والسودان والصومال وجيبوتي، وتؤدي الصناعات التحويلية فيها دوراً ثانوياً مقارنة بالزراعة وقطاع الخدمات، وهي مصدرة للعمالة التي تحول قسماً كبيراً من أجورها إلى الوطن الأم.
الصناعة في الجمهورية العربية السورية
مرت الصناعة في سورية بعدة مراحل:
المرحلة الأولى: هي مرحلة ما بعد الاستقلال، فقد نجح فيها بعض الرواد من المواطنين بإقامة بعض الصناعات، كصناعة الاسمنت والسكر والزجاج والمعلبات (الكونسروة) والطحين، إلا أنها لم تستمر بسبب عدم الاستقرار السياسي وعدم توافر المدخرات الوطنية الكافية واللازمة والتخلف التكنولوجي.
والمرحلة الثانية: هي مرحلة الوحدة بين سورية ومصر، فيها تولى القطاع العام قيادة الاقتصاد الوطني ووضع الخطة التنموية الأولى، إلا أن الانفصال والظروف السياسية والاقتصادية حالت دون استكمال مهام التنمية الصناعية. في حين اقتصر دور القطاع الخاص على إقامة معامل صغيرة وورشات مهنية.
وفي السبعينات، وخاصة بعد حرب تشرين 1973 وتدفق المساعدات العربية، توجهت الاستثمارات نحو مشروعات التنمية الاقتصادية من مشروعات صناعية ومشروعات البنية التحتية التي نجح عدد منها، إلا أنه بالرغم من ذلك فإن هناك مشروعات أخفقت بسبب الأخطاء الفنية والتصميمية وسوء الإدارة. كما أن الزراعة لم تعطَ الأهمية اللازمة، مما أدى إلى تراجع الإنتاج الزراعي دون أن يتحقق النمو الصناعي المطلوب. وفي مرحلة الثمانينات، تم الاهتمام بمراجعة الأخطاء ومعالجتها في المشروعات الحديثة، والاهتمام بتشغيل المعامل الحديثة والقديمة. وفي التسعينات، طرحت مسألة التنمية الصناعية من جديد بتوجه خاص بسبب المتغيرات المحلية والعربية والدولية. وفي المرحلة الراهنة، بدا الاهتمام كبيراً بالإصلاح الاقتصادي الشامل وتحديث الدولة والاهتمام بالإصلاح الإداري والتنمية الإدارية، فإن تمت كلها بنجاح، فإنها ستؤثر إيجابياً في إقامة بنيان صناعي متكامل.
عبد الحميد ملكاني
ساحة النقاش