<!-- AddThis Button END -->
يبدو أن الأغنية المصرية التي تقول "الأرض لو عطشانة نرويها بدمانا" في حاجة إلى إعادة صياغة، حيث إن الحقيقة العلمية أثبتت أننا سنرويها "ببول البشر"، بعد أن توصلت أبحاث للصندوق الدولي للتنمية الزراعية إلى فكرة مبتكرة تعتمد على استخدام البول البشري كسماد عضوي، وهو ما يعد حلا جذرياً لأزمة غلاء الأسمدة الكيماوية، وندرة المياه في بعض المناطق الصحراوية.
تلك التجربة البسيطة من حيث الفكرة، العالية من حيث القيمة، وصل عدد المستفيدين منها حتى الآن إلى ثلاثين ألفا من صغار الفلاحين في الهند ومدغشقر ونيكاراجوا وجواتيمالا. بينما كانت مدغشقر أول دولة إفريقية تستخدمها. ويروج الصندوق الدولي للتنمية الزراعية لنشر المشروع في عشر دول إفريقية أخرى، من بينها: مالي، والنيجر، وبنين، وتوجو، وساحل العاج.
وهنا يبرز سؤال مهم.. هل تلك الطريقة تجعل الفلاحين يعزفون عن التبول في المراحيض والتوجه إلى حقولهم لقضاء "حاجتهم"؟.. لتنفيذ هذه الطريقة بشكل صحي قام الصندوق الدولي للتنمية الزراعية بتزويد الفلاحين المشاركين في مشروع استخدام البول كأسمدة، بقفازات صحية وبزجاجات يمكن إغلاقها لتجميع البول فيها. وهناك مساع لإقناع الفلاحين في عشر دول إفريقية بهذه الطريقة الصحية.
ويجب أن نفرق بين تلك الطريقة العلمية، وبين عملية ري الأراضي الزراعية بمياه الصرف الصحي الغير معالجة، وهي طريقة تشكل خطورة على الصحة العامة وتضر بالبيئة، لأن مياه الصرف تحتوي على نسبة عالية من العناصر الثقيلة مثل الرصاص والكامبيوم وغيرها، لا تتمكن التربة من امتصاصها فتنتقل من التربة إلى الثمار مباشرة وتتراكم فى جسم الإنسان وتسبب أمراض خطيرة.
آلية العمل
رغم قدم فكرة استخدام روث الماشية في تسميد الأرض، فإن ما يميز الطريقة الجديدة، حسبما أكد الفرنسي لورون سترافاتو أحد الباحثين القائمين على المشروع، أن أجسامنا تتخلص من أربعة أخماس النيتروجين والكالسيوم الذي نتناوله عبر الطعام عن طريق التبول. وهذا يعني سنويا أن بول إنسان واحد يحتوي على 3 كيلوجرامات نيتروجين وكيلو جرام ونصف كيلوجرام من الكالسيوم، وحوالي 500 جرام من الفسفور.
ويأمل سترافاتو أن تستفيد حقول الفلاحين البسطاء من هذه الثروة السمادية، كما تتم الاستفادة من روث الحيوانات لزيادة إنتاج الحقول في الدول النامية التي لا يملك صغار فلاحيها ثمن السماد الكيماوي.
وأكد سترافاتو أن بول عائلة واحدة يكفي لتسميد حقل مساحته 20 إلى 30 مترا مربعا، مشيرا إلى أن الطماطم مثلاً تحتاج إلى عشرين لتراً في الموسم، أما الكرنب فيحتاج إلى أربعين لتراً.
ويتم تسميد الأرض بالطريقة الجديدة عبر خلط البول البشري بماء الري بنسبة 1: 5، ويتم نظام الري توزيع السماد العضوي السائل على النباتات بطريقة التنقيط، وكلما ازدادت مساحة الحقل، ازدادت كمية البول البشري اللازمة لتسميده، ويحتاج الفلاحون إلى القيام بهذه العملية ثلاث مرات سنويا فقط، أي حين يتم تسميد الحقول.
فكرة جيدة
من جانبه، اعتبر الدكتور أسامة البهنسي أستاذ الاقتصاد الزراعي بكلية الزراعة جامعة الأزهر، أن الفلاح البسيط يستخدم تلك الطريقة بالفعل منذ القدم، لكن بشكل فردي وعشوائي، لكن تجربة الصندوق الدولي للتنمية الزراعية جاءت لتقنن الفكرة وتنميها ليس باعتبارها أسلوبا جيدا لتوفير استهلاك المياه عبر استخدام الأساليب الزراعية الحديثة فحسب، بل لتقليل النفقات على الفلاحين البسطاء من خلال تقليل استهلاك استخدام الأسمدة الكيماوية في الزراعة.
ورصد د. البهنسي أهم المميزات التقنية لهذه الفكرة:
1- البعد البيئي: فالطريقة الحديثة تعتمد في تطبيقها على طرق الري الحديثة والموفرة كالري بالرش والتنقيط، وهذه الطرق تسهم بشكل جذري في حل مشكلة المياه التي تتصارع عليها دول حوض النيل، خاصة في ظل وجود سيناريوهات كارثية تتحدث عن انخفاض مستوى مياه النهر، وتنازع دول الحوض على الحصص المقررة فيما بينها.
2- البعد الاقتصادي: ففي ظل الارتفاع الملحوظ في أسعار الأسمدة الزراعية لدرجة أرهقت الفلاحين البسطاء، جاءت تلك الطريقة الحديثة لترفع عن كاهل الفلاح جزءًا من تلك النفقات، فباستخدام التقنية الجديدة منخفضة التكلفة سيقلل الفلاح بشكل كبير من استخدام الأسمدة الكيماوية.
3-البعد التسويقي للمنتجات الزراعية: حيث تعتمد كثير من البلدات المستوردة للخضراوات والفواكه والحبوب على مقاييس تستوجب الحد من الأسمدة الكيماوية، في مقابل استخدام الأسمدة العضوية، وهو ما يعرف بالمنتجات "الأورجانك". لذا فإن الطريقة الجديدة تشجع الفلاحين البسطاء على إنتاج مثل هذه الأنواع من الزراعات، ومن ثم الاستفادة من المردود الكبير إذا تم تصدير منتجاتهم الزراعية.
واعتبر د. البهنسي أن فكرة استخدام البول كسماد جيدة ومناسبة للغاية للأراضي الزراعية في دول الخليج والدول الآسيوية بصفة عامة، لندرة المياه هناك واعتماد طرق حديثة للري كالرش والتنقيط، وعلى اعتبار أن تلك الأراضي الرملية تحتاج إلى كميات كبيرة من الأسمدة.
وأكد صعوبة تطبيق تلك الطريقة في مصر على اعتبار أن معظم الأراضي الزراعية تروى بالغمر من مياه النيل، لكن يمكن تطبيقها بنجاح في الأراضي الزراعية المستصلحة حديثا في المناطق الصحراوية والتي تعتمد في ريها على وسائل حديثا كالري بالرش، وإذا تم ذلك فإن عملية التطبيق تحتاج إلى مجهود كبير من قبل الجهات المعنية لنشرها بين الفلاحين، وهذا الجهد منوط به جهات مثل جهاز الإرشاد الزراعي في مصر.
لكن اختيار الصندوق الدولي للتنمية الزراعية للدول الإفريقية لتطبيق الفكرة جاء لدوافع اقتصادية بحتة، لأن الدول الفقيرة مثل مدغشقر تعاني من ندرة شديدة في المياه من ناحية، وتدني المستوى الاقتصادي للفلاحين من ناحية أخرى، ولانتشال تلك الدول من مشكلة الفقر الغذائي المنتشرة هناك.
محمد السيد علي
المصدر: إسلام أون لاين
ساحة النقاش