فلسفة قانون مكافحة غسل الأموال وأهميته
الواقع أن مصر لم تكن في حاجة فعلية إلى إصدار قانون خاص لمكافحة غسل الأموال ، نظرا لان التشريعات المصرية المعمول بها تعتبر كافية لحصار الأنشطة غير المشروعة ، وتحصين الاقتصاد المصري من مثالبها ومخاطرها.
وعلى الرغم من أن التشريع المصري لم يكن يتضمن نصا صريحا يجرّم عمليات غسل الأموال ، إلا أن المشرع قد أدرك مبكرا الدور الخطير الذي يمكن أن يلعبه غسل الأموال في تسهيل واستمرار تصاعد جرائم الكسب غير المشروع سواء من خلال الاتجار غير المشروع والأنشطة المحظورة أو تلك المرتبطة بالفساد الإداري ، ومن ثم فقد حرص المشرع على توفير أطر تشريعية لمواجهة مثل هذه العمليات ، وذلك من خلال تضمين القوانين الموجودة عددا من المواد التي تجرم مثل هذه الأفعال ، أو تغليظ العقوبات المقررة عليها.
وبالرغم من اتفاق رؤية المشرع المصري مع الاتجاهات المعاصرة للمجتمع الدولي بشأن ضبط ومصادرة الإيرادات والممتلكات غير المشروعة ، إلا أن التجريم والعقاب لم يكن يشمل أفعال عمليات غسل الأموال ، ولم يكن يتناول بالتنظيم إجراءات وضوابط تتبع هذه الأموال عبر الدول في تشريع خاص. من هذا المنطلق فقد تزايد الإحساس بان الوقت قد اصبح مناسبا لإصدار تشريع خاص بمكافحة عمليات غسل الأموال بعدما أصبحت تلك العمليات تمثل ظاهرة عالمية تساعد المنظمات الإجرامية الدولية على اختراق وإفساد الهياكل الاقتصادية والمؤسسات التجارية والمالية المشروعة والمجتمع بكافة مستوياته.
عزز من هذا التوجه أن القوانين المعمول بها في مصر لم تكن تجرًم صراحةً ، وبصفة أصلية عمليات غسل الأموال ، ويقتصر التجريم فقط على النشاط غير المشروع الذي يتحقق منه المال القذر ، لذلك جاء إصدار هذا التشريع معبرا عن اتفاق وتجاوب مصر الكامل مع كافة الجهود الدولية المبذولة في هذا الاتجاه ، ومن ذلك اتفاقية منظمة الأمم المتحدة لمكافحة الاتجار غير المشروع في المخدرات ( فيينا 1988 ) والتي انضمت إليها مصر بصدور القرار الجمهوري رقم 568 لسنة 1990 بالموافقة على أحكامها ، ومنسقاً أيضاً وإعلان بازل 1988 ، والخاص بمنع الاستخدام الإجرامي للجهاز المصرفي لأغراض غسل الأموال ، كما جاء مراعياً - أخيراً - التوصيات الاربعين الصادرة عن لجنة العمل المالي لغسل الأموال (FATF) والتي تغطي جوانب متعددة لهذه الظاهرة فيما يتعلق بالمعاملات النقدية المحلية والدولية ذات الصلة بالأعمال غير المشروعة وأهمها التوصية الرابعة التي تطالب كل دولة بان تتخذ الإجراءات الضرورية ، بما فيها الإجراءات التشريعية ، لتتمكن من تجريم عمليات غسل الأموال.
ولأن تدخل المشرع في العمليات المالية – سواء المصرفية أو التجارية – ينبغي أن يتم بحرص شديد أخذاً في الاعتبار أن رؤوس الأموال تحجم عن التواجد إلى البلدان التي تتسم تشريعاتها الاقتصادية بالتعقيد ، فقد حرص المشرع المصري على تحقيق التوازن للمعادلة الاقتصادية الصعبة بين مقتضيات التنمية وتهيئة المناخ المناسب لجذب الاستثمارات المحلية والأجنبية ، وبين متطلبات القضاء على الجريمة الاقتصادية المنظمة وحماية الاقتصاد المصري من أضرارها.
ساحة النقاش