حيوانات والطيور والحشرات تعالج نفسها بأساليب متنوعة
جميع الحيوانات تداوي وتعالج نفسها بنفسها، عن طريق استخدام الأعشاب والنباتات والمواد الأخرى، لا لتحسين صحتها فحسب، بل أيضا صحة صغارها وذريتها. ويظهر شريط فيديو التقط في حديقة حيوان مدينة أدنبره في اسكوتلندا فصيلة من القرود وهي تدعك وتفرك وبرها بالبصل، وحامض الليمون، كنوع من المعقمات، ولإبعاد الحشرات. ولاحظ علماء الأحياء أن إناث بعض الفراشات الملكية تقوم أحيانا بوضع بيضها على نوع من العشب البري المضاد للطفيليات الذي يدعى «الصقلاب»، لتوفير العلاج الفوري لصغارها. وثمة طيور أيضا تقطن المدن، وتلتقط أعقاب السجائر لتضعها في أعشاشها، للاستفادة من خصائصها الكيميائية، لأن السجائر المدخنة قد تبعد الطفيليات، استنادا إلى دراسة أجريت في العام الماضي. ويقول مارك هنتر أستاذ البيئة في جامعة ميتشيغن في أميركا، الذي اشترك في البحث الخاص بالفراشات الملكية، إن هنالك الكثير الذي يمكننا تعلمه من مراقبة طريقة استخدام الحيوانات لعالم البرية، كما لو أنه صيدلية كبيرة. وهذا ما فعله الجنس البشري بالذات في أحيان كثيرة، وربما قد يستعين حاليا بذلك بأساليب الهندسة الصيدلانية الحديثة والنمذجة الكومبيوترية.
* ذكاء طبيعي حتى فترة قريبة، كان يعتقد أن القرود الكبيرة هي الحيوانات الوحيدة، التي هي من الذكاء الكافي، لكي تعالج ذاتها، إذ يشير مارك باولر الباحث في معهد «سان دييغو زو غلوبال» لأبحاث المحميات، الذي التقط فيديو القرود في أدنبره، إلى أن قردة الشمبانزي تستخدم مجموعة من النباتات الطبية، «بما فيها تلك التي تملك تأثيرات طبيعية وكيميائية، فهي تبتلع رزما من أوراق نباتات ذات شعيرات وألياف، التي من شأنها تنظيف أنواع من الطفيليات من أمعائها ومعدتها. وقد اختبرت بعضها مع قردة الشمبانزي في حديقة الحيوان بأدنبره، فرأيتها تفعل ذلك بطريقة عفوية، من دون أن ينطوي ذلك على أي تعليم خارجي»، كما قال في حديث نقلته مجلة «ناشيونال جيوغرافيك».
وتصرف قردة حديقة أدنبره للحيوانات بفرك أجسامها بمواد كيميائية، أو عطر ما، يدعى علميا «المسح بالزيت». وتفعل بقية الحيوانات ذلك أيضا. ويقوم باولر حاليا بدراسة ما إذا كان هذا «المسح» لدى بعض القردة الرئيسة، أو الكبيرة، هو للتأشير على المناطق التي تسكنها، والتي لا ترغب أن يشاركها أحد غيرها بها، أم لأمر آخر. لكن يبدو أنها لغرض العلاج الذاتي. وقد يكون هذا «المسح» أيضا لأغراض الدفاع عن النفس. فالسناجب الأرضية تقوم بعلك جلود الأفاعي ذات الأجراس قبل لحس صوفها، وهي حيلة تلجأ لها لردع هذه الأفاعي بالذات عن افتراسها.
* دواء النحل وقد وجد أن الحشرات أيضا تعالج ذاتها بذاتها. فذبابة الفواكه «دروسوفيليا» السوداء البطن، تستخدم الكحول لحماية نفسها من الدبابير الطفيلية. إذ تقوم الأخيرة بوضع بيضها على يرقات ذبابة الفاكهة هذه، لتقوم الدبابير الصغيرة التي فقسها البيض، بالتهام الذباب من داخلها إلى خارجها، لتبرز بعد ذلك من أجسامها الميتة.
واليرقات هذه التي تستهلك كميات كبيرة من الفاكهة المخمرة قد لا تتأثر، وإذا حصل ذلك، فإن الدبابير الصغيرة المتطورة من اليرقات تموت موتا شنيعا، لتخرج أعضاءها الداخلية بعد ذلك من مؤخراتها ومخارجها.
أما نحل العسل فيطبب نفسه بنفسه عن طريق حماية مسكنه. فهو يقوم تقليديا بتبطين أعشاشه بالراتنج (مادة صمغية) الذي يقوم بجمعه من النباتات. وهو يحتوي على تشكيلة واسعة من المركبات المقاومة للميكروبات، وفقا إلى هنتر. والنتيجة الأخيرة لمزج الراتنج مع شمع النحل، تدعى «عكبر»، أو «دنج»، الذي يستخدم كدواء تقليدي منذ قرون. ولكون مربي النحل لا يرغبون في التعامل مع هذا الراتنج اللاصق في كل مرة يفتحون قفير نحل، لذا قد يجري اختيار ترسبات الراتنج هذا من أنواع النحل التجاري على مر السنين. وبعد وضع الخريطة، أو الأطلس الوراثي للنحل، أدرك العلماء أن له نظاما للمناعة يختلف عن سائر الحشرات الأخرى، «ربما لأنه يعتمد على هذا الراتنج»، وفقا إلى هنتر.
لكن هل تتعلم الحيوانات أن تعالج ذاتها بذاتها؟ لا يبدو ذلك واضحا، ولكن الأغلب أنها تفعل ذلك عن طريق الغريزة، أو السلوك الوراثي، استنادا إلى هنتر الذي وصل إلى هذا الرأي عن طريق المراقبة والاستنتاج.
ساحة النقاش