اسامه ابوالسعود عبدالعال الزمرى

مدرس العلوم والاحياء

توماس أديسون .. منجم الاختراعات

اديسون

"إنَّ أمي هي التي صنعتني؛ لأنها كانت تحترمني وتثق في، أشعرتني أني أهم شخص في الوجود، فأصبح وجودي ضروريًّا من أجلها، وعاهدت نفسي ألا أخذلها كما لم تخذلنِ قَطّ"..

كلمات تحمل في طياتها حجر الزاوية والركن الركين في صناعة المخترع الأميركي "أديسون" صاحب الـ 1093 اختراع المنفَّذة، والآلاف الأخرى التي احتوت عليها مفكرته ولم يمهله العمر لتنفيذها، كما أنها تفسر البدايات الأولى له، والتي لم تكن بدايات عادية.. وربما لأن أمه كانت غير عادية!!

أديسون .. البدايات الأولى ودور الأم
في مدينة ميلان بولاية أوهايو الأميركية، وفي سنة 1847م وُلِدَ توماس ألفا أديسون، ومن المفارقات العجيبة أنه أُخرج من المدرسة بعد ثلاثة شهور فقط من دخوله؛ حيث وجده ناظر المدرسة طفلاً بليدًا، ومتخلفًا عقليًّا [1]!!

وهنا جاء دور أمه التي لم تغب عنها المشكلة، فقامت بسحب توماس من المدرسة، وواسته بكل ما تملك، وبدأت تعلمه بنفسها في البيت، وتنمي بداخله حب الدراسة، حتى كان أول مشروع له هو: "قراءة كل كتاب في البيت"، وكان ذلك المشروع هو بداية الطريق نحو التعليم الذاتي، وكان البيت يحوي مكتبة كبيرة في مختلف أنواع العلوم [2].

لم تملَّ أمه قط من تعليمه ودفعه للتعلم ومساعدته في ذلك، يقول أحد جيرانهم: "كنت أمر عدة مرات يوميًّا أمام منزل آل أديسون، وكثيرًا ما شاهدت الأم وابنها توماس جالسين في الحديقة أمام البيت"، فقد كانت تخصص بعض الوقت يوميًّا للتدريس للفتى الصغير وتعليمه.

وإن ذلك الصنيع لم يرحل عن ذاكرة أديسون يومًا ما؛ إذ تراه يقول عن أمه: "لقد اكتشفت مبكرًا في حياتي أن الأم هي أطيب كائن على الإطلاق؛ لقد دافعت أمي عني بقوة عندما وصفني أستاذي بالفاسد، وفي تلك اللحظة عزمت على أن أكون جديرًا بثقتها، كانت شديدة الإخلاص واثقة بي كل الثقة، ولولا إيمانها بي لما أصبحتُ مخترعًا أبدًا".

وقد بان ذلك التأثر الشديد بأمه حين وفاتها سنة 1871م؛ إذ تركت تلك الصدمة في نفسه تأثيرات عميقة، حتى كان يصعب عليه الحديث عنها دون أن تمتلئ عيناه بالدموع!!

وإتمامًا واستكمالاً لدورها، فإنه لما كان للطفل (أديسون) أسئلته الكثيرة، والتي باتت تتخطى إمكاناتها التي ما فتئت تمنحه إياها، ما كان منها إلا أن انتدبت له مدرسًا ليعلمه، لكن المعلم لم يستطع أن يجارى رأس توماس وسرعة منطقه في تفنيد النظريات، فكان أن رحل تاركًا عند أديسون العقيدة الأكيدة وهي: "التجريب أفضل شيء في طريق العلم".

ومن يومها بدأ نبوغ أديسون الطفل يظهر .. ولم يمانع قط في بذل أي مجهود لكسر أي تحدٍ مهما كان!!

أديسون .. يس هناك عائق للتفوق!!
كانت عائلة أديسون عائلة فقيرة، ومن ثم فقد أقنع توماس والديه بأن يسمحوا له بالعمل، فكان يبيع الجرائد في محطات القطار [3].

ولما كانت هناك حرب أهلية أميركية مشتعلة ابتدأت سنة 1861م استغل فرصة عمله في محطة القطار، والتي كان فيها مقر التلغراف الرئيسي الذي يتم إرسال الأخبار إليه والمراسلات، ليقوم بطباعة منشور بسيط فيه أحدث تطورات الأزمة ويبيعه للركاب، فكان بمثابة أول جريدة من نوعها في العالم تكتب وتطبع وتوزع في قطار، وقد سماها: "Grand Trunk Herald".

وحين انتصر إبراهام لينكولن قام أديسون بجمع معلومات عنه وطبعها في كتيب صغير، وزَّعه على ركاب القطارات [4].

ولم يكن الفقر هو المعوق الوحيد في حياة أديسون، وإنما كان المرض أيضًا، وقد تمثَّل ذلك في فقدانه لحاسة السمع، وكما تغلَّب على الفقر، فإن أديسون ربما اعتبر هذا الصمت الذي يلف الكون حوله فرصة لتنمية قدراته على التركيز!! ولطالما وجد لنفسه وسيلة للتغلب على أية مشكلة والاستفادة منها.

وفي إحدى مرات تواجده في محطة القطار رأى أديسون طفلاً يكاد يسقط على القضبان، فقفز -وهو المراهق الشاب- لينقذه ولم يَدُرْ بخَلَدِه أن هذا الطفل هو ابن رئيس المحطة، وكمكافأة لهذه الشجاعة النادرة عيَّنه رئيس المحطة في مكتب التلغراف، وعلَّمه قواعد لغة مورس !!

أديسون .. التطوير في العمل بداية الاختراعات
كان تعيين أديسون في مكتب التلغراف وتعليمه لغته بمثابة فتح كبير له؛ إذ كانت فرصته الكبرى في أن يجرب تطوير هذا الشيء الذي بين يديه،
 والذي نتج عنه ولادة أول اختراعاته، إنه "التلغراف الآلي"، والذي لا يحتاج إلى شخص في الجهة الأخرى لاستقباله، بل يترجم العلامات بنفسه إلى كلمات مرة أخرى.

تقدم أديسون في عمله وانتقل إلى مدينة بوسطن بولاية ماساشوستس، وأسس مختبره هناك في عام 1876م، واخترع برقية آلية تُستخدَم في إرسال العديد من البرقيات عبر خط واحد، ثم اخترع الـ[كرامفون] الذي يقوم بتسجيل الصوت ميكانيكيًّا على اسطوانة من المعدن، وبعدها بسنتين قام باختراعه العظيم "المصباح الكهربائي" [5].

أديسون .. مخترع المصباح الكهربائي
ومما يستحق النظر هنا هو أن أديسون أجرى ألف تجربة فاشلة قبل الحصول على المصباح النهائي أو الحقيقي، وكان تعليقه في كل مرة: "هذا عظيم .. لقد أثبتنا أن هذه أيضًا وسيلة فاشلة في الوصول للاختراع الذي نحلم به"، قالها نحو ألف مرة، ولم يتوقف، ولم يملَّ، ولم يُحبَط!!

والحقيقة أيضًا أن أديسون لم يكن أول من اخترع المصباح الكهربائي، إنما سبقه إلى ذلك كثيرون، كما أن المصابيح الكهربائية قد استخُدِمت لإضاءة شوارع باريس، ولكن مصباح أديسون مع نظام توزيع الكهرباء الذي اخترعه، جعل المصابيح الكهربائية - كما يقول مايكل هارت- صالحة للاستعمال في كل البيوت، وقامت شركة أديسون سنة 1882م بإنتاج الكهرباء لمدينة نيويورك، وبعد ذلك انتشرت الكهرباء في أميركا والعالم [6].

وبعد دخول الكهرباء إلى كل البيوت، وضع أديسون الأساس الحقيقي لتطور الصناعة في العالم، كما أدَّت الأسس التي وضعها لتوزيع الكهرباء على البيوت والمصانع إلى أن أصبحت الكهرباء حدثًا عظيمًا في تاريخ الإنسان.

وقد أسهم أديسون في تطوير كاميرات السينما، وأسهم في اختراع التليفون، خصوصًا أنه هو الذي اخترع الكربون الذي ينقل الصوت، كما أسهم في اختراع أجهزة التلغراف والآلة الكاتبة، واختراع البطاريات الجافة والميكروفونات.

ومن اكتشافاته أيضًا سنة 1882م أنه يمكن أن تتحرك الكهرباء في داخل "فراغ" بين سلكين غير متصلين، وقد أدى هذا الاكتشاف إلى اختراع اللمبات الكهربية المفرغة تمامًا، ووضع أساس صناعة الالكترونيات [7].

وفي عام 1887م نقل أديسون مختبره إلى ويست أورنج في ولاية نيو جيرسي، وفي عام 1888م قام باختراع kinetoscope وهو أول جهاز لعمل الأفلام، كما قام باختراع بطارية تخزين قاعدية، وفي عام 1913م أنتج أول فيلم سينمائي صوتي.
وإبان الحرب العالمية الأولى اخترع نظام لتوليد البنزين ومشتقاته من النباتات، وخلال هذه الفترة عُيِّن مستشارًا لرئيس الولايات المتحدة الأميركية.

أديسون .. اختراعات وأوسمة
وقد أكمل أديسون بعد ذلك اختراعاته ليسجل أكثر من 1000 براءة اختراع !! وهو عدد لا يصدقه العقل.

وعن أسباب عظمة أديسون في اكتشاف هذا السيل الهائل من الاختراعات، يقول مايكل هارت: "إنه أنشأ لنفسه معملاً خاصًا في سن مبكرة، وقد عيَّن في هذا المعمل عددًا من المساعدين، وكان هذا المعمل نموذجًا للمعامل التي أقامتها المؤسسات الكبرى بعد ذلك. ثم يستطرد مايكل معلقًا: ومما لا شك فيه أن إقامة هذا النوع من المعامل المنظمة والتي يعمل فيها عدد كبير من الناس بروح الفريق، هو من أعظم اختراعات أديسون، ومن علامات العصر أيضًا، وهو الاختراع الوحيد الذي لا يستطيع أن يسجله، ولا أن يحتكره!!" [8].

أما الأوسمة والميداليات التي حصل عليها، فقد مُنِحَ وسام ألبرت للجمعية الملكية من بريطانيا العظمى، وفي سنة 1928م استلم الميدالية الذهبية من الكونجرس.

وكان قد مُنِحَ جائزة نوبل سنة 1912م بالاشتراك مع زميله تسلا، إلا أنَّ رفْض تسلا أنْ يقترن اسمه باسم أديسون جعلهما لم يحصلا على الجائزة [9]!!

 

وإنه إذا كان أديسون قد توفي سنة 1931م عن أربعٍ وثمانين سنة، فإنه سيظل مؤسس التطور الحديث الذي نعيشه .. وإنه إذا كان العالم يذكره على أنه مخترع المصباح الكهربائي، فإن اختراعاته الكثيرة الأخرى ليست أبدًا بأقل منه أهمية !!

المصدر: mr.osama
elfananosama

mr.osama

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 69 مشاهدة
نشرت فى 28 يوليو 2015 بواسطة elfananosama

اسامه ابو السعود عبد العال الزمري

elfananosama
وقل رب زدني علما »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

36,624