فهمي هويدي :
صادرت الجمارك شحنة من اللحى الصناعية مستوردة من الخارج
الملتحون المزيفون ...بقلم : فهمي هويدي
صادرت سلطات الجمارك في تونس شحنة من اللحى الصناعية كانت مستوردة من الخارج، بعدما اكتشفت أجهزة الأمن أن أعدادا من الملتحين المزيفين أصبحوا يندسون وسط المتظاهرين ويقومون ببعض الأعمال التخريبية، من قبيل مهاجمة دور السينما والحانات إلى جانب الاعتداء على غير المحجبات. وتحول ذلك الحضور إلى ظاهرة، منذ رأس الحكومة أحد القياديين البارزين في حركة النهضة ذات المرجعية الإسلامية. وكان واضحا أن هدف الملتحين المزيفين هو إرباك حكومة الحزب وإشاعة الخوف منها على الحريات الشخصية والعامة، إلى جانب إشاعة الفوضى في البلاد وإثارة حنين الناس إلى العهد السابق.
في التحقيقات والتحريات التي جرت تبين أن الملتحين المزيفين خليط من عناصر أجهزة الأمن السابقين إلى جانب بعض المتعصبين والعاطلين، والأخيرون وجدوا في التظاهرات التي تخرج بين الحين والآخر «عملا» انخرطوا فيه، وفرصة لتصريف مشاعر النقمة على الحكومة والمجتمع.
ما حدث في تونس قليل ومتواضع إلى جانب ما شهدته تركيا خلال العقود الماضية، حيث تخصصت منظمة «أرجنكون» التي كانت رمزا وتجسيدا للدولة العميقة في إثارة الاضطرابات والتخويف من نمو الظاهرة الإسلامية. واستخدمت في ذلك كل ما يخطر على البال من وسائل الدس والتشهير إلى جانب عمليات التفجير والاغتيال، التي ظلت تمارسها وإلصاقها بالناشطين الإسلاميين حيثما وجدوا.
هذه الخلفية واجبة الاستحضار في الأجواء المصرية حيث كان التخويف من الإسلاميين محورا ثابتا في السياسة المتبعة منذ خمسينيات القرن الماضي. وظلت المنابر الإعلامية تقوم بهذه المهمة طول الوقت، في حين لم تقصر أجهزة الدولة في اتخاذ اللازم من خلال الملاحقات والاعتقالات والمحاكمات العسكرية. وكانت الجماعات التي انتهجت سبيل العنف في الثمانينيات قد وفرت ذريعة لتبرير تلك الحملات والإجراءات، وحين قامت الثورة وأطلق سراح المجتمع تغيرت أشياء كثيرة، لكن شيئا واحدا لم يتغير هو التخويف من التيارات الإسلامية وتكريس فكرة الخطر الذي تمثله على المجتمع. وحين بدا أن تلك التيارات أثبتت حضورا قويا في الاستفتاء والانتخابات التشريعية والرئاسية، فإن ذلك استنفر أطراف وأبواق التخويف والترويع. وإلى جانب الحملات الإعلامية الفجة والشرسة التي استهدفت الإسلاميين، ظهرت في الأفق ممارسات أخرى غير مألوفة تمثلت في حوادث التحرش بالأقباط ومراقبة السلوك الاجتماعي للناس من خلال ما سمي بهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقرأنا أخيرا عن قتل اثنين من الموسيقيين وقتل شاب كان يسير مع فتاة (والعياذ بالله، كما قال بيان نشر بهذا الخصوص)، كما قرأنا أخبارا عن هدم بعض القبور وإحراق تمثال لأحد الفنانين، وشاهدنا أحدهم يؤذن لصلاة العصر في افتتاح مجلس الشعب، ورأينا صور البعض وهم يرفضون الوقوف احتراما للسلام الجمهوري أثناء عزفه، إلى غير ذلك من السلوكيات والمظاهر الغريبة على المجتمع المصري، والتي هي محل استهجان واستنكار في المجتمع.
وليس هناك شك في أن ممارسات بعض السلفيين الذين لم يألفوا الخروج إلى المجال العام أثارت خليطا من الدهشة والاستياء من جانب كثيرين. وبدا أن أحدا لم يكن مستعدا لأعذارهم أو الصبر على تطوير ثقافتهم التي عاشوا في ظلها سنين طويلة. وكانت النتيجة أن المتربصين انقضوا عليهم ولم يرحموهم. ليس ذلك فحسب وإنما عمدوا إلى الخلط بين الصالح منهم والطالح، ثم وضعوهم مع غيرهم في سلة واحدة، وجرى تعميم الاتهام على الجميع، في دعوة مبطنة للعودة إلى إقصاء الإسلاميين أو إبادتهم إذا أمكن، ولم يحمد لهم أحد أنهم لم يمارسوا أي نوع من أنواع العنف ضد المجتمع، مثلما فعل أقرانهم في تونس والمغرب والجزائر.
لكن ما هو أسوأ من ذلك وأخطر كانت تلك الممارسات المريبة التي شكلت اعتداء على الحياة الخاصة للناس وعلى الفنانين بدعوى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وهي الدعوة المريبة التي ظهرت في الأفق منذ أشهر قليلة، ومارس أصحابها المجهولون سلوكيات غير مألوفة في المجتمع المصري من قبيل بعض ما ذكرت. ولأنني أرجح أن هؤلاء جميعا لا علاقة لهم بالجماعات الإسلامية الموجودة على الساحة. فإن ذلك يدعوني إلى القول بأنهم أقران أولئك الذين استوردوا اللحى الصناعية في تونس. وسيظل مستغربا ومريبا أن تفشل الأجهزة الأمنية في التعرف عليهم، كما حدث مع القناصة الذين قتلوا الثوار ثم ابتلعتهم الأرض، ثم لم نعثر لهم على أثر بعد ذلك.
لم تصدمنا تلك الممارسات الفجة فحسب، لكن ما يصدمنا أيضا هو تلك «المناحة» التي نصبها نفر من المثقفين، الذين لم ينتظروا أي تحقيق وسارعوا إلى الولولة والصراخ، بعدما استبقوا وتصيَّدوا الحوادث الفردية ثم عمموها على الجميع، مدعين أن «ملاعين» الإسلام السياسي هم الذين فعلوا كل ذلك. رغم أنهم لم يقترفوا طوال الخمسين سنة الأخيرة شيئا مما ينسب إليهم الآن.
بسبب تسرعهم في إدانة الجمع واتهامهم، ولشدة انفعالهم وكثرة صراخهم فإنني بدأت أشك في أنهم طرف فيما جرى ويجري خصوصا أننا نعرف الآن أن الدولة العميقة ليست كلها غاطسة في الخفاء، ولكن بعض أذرعها موجودة في أوساط المثقفين والإعلاميين أيضا.
صادرت سلطات الجمارك في تونس شحنة من اللحى الصناعية كانت مستوردة من الخارج، بعدما اكتشفت أجهزة الأمن أن أعدادا من الملتحين المزيفين أصبحوا يندسون وسط المتظاهرين ويقومون ببعض الأعمال التخريبية، من قبيل مهاجمة دور السينما والحانات إلى جانب الاعتداء على غير المحجبات. وتحول ذلك الحضور إلى ظاهرة، منذ رأس الحكومة أحد القياديين البارزين في حركة النهضة ذات المرجعية الإسلامية. وكان واضحا أن هدف الملتحين المزيفين هو إرباك حكومة الحزب وإشاعة الخوف منها على الحريات الشخصية والعامة، إلى جانب إشاعة الفوضى في البلاد وإثارة حنين الناس إلى العهد السابق.
في التحقيقات والتحريات التي جرت تبين أن الملتحين المزيفين خليط من عناصر أجهزة الأمن السابقين إلى جانب بعض المتعصبين والعاطلين، والأخيرون وجدوا في التظاهرات التي تخرج بين الحين والآخر «عملا» انخرطوا فيه، وفرصة لتصريف مشاعر النقمة على الحكومة والمجتمع.
ما حدث في تونس قليل ومتواضع إلى جانب ما شهدته تركيا خلال العقود الماضية، حيث تخصصت منظمة «أرجنكون» التي كانت رمزا وتجسيدا للدولة العميقة في إثارة الاضطرابات والتخويف من نمو الظاهرة الإسلامية. واستخدمت في ذلك كل ما يخطر على البال من وسائل الدس والتشهير إلى جانب عمليات التفجير والاغتيال، التي ظلت تمارسها وإلصاقها بالناشطين الإسلاميين حيثما وجدوا.
هذه الخلفية واجبة الاستحضار في الأجواء المصرية حيث كان التخويف من الإسلاميين محورا ثابتا في السياسة المتبعة منذ خمسينيات القرن الماضي. وظلت المنابر الإعلامية تقوم بهذه المهمة طول الوقت، في حين لم تقصر أجهزة الدولة في اتخاذ اللازم من خلال الملاحقات والاعتقالات والمحاكمات العسكرية. وكانت الجماعات التي انتهجت سبيل العنف في الثمانينيات قد وفرت ذريعة لتبرير تلك الحملات والإجراءات، وحين قامت الثورة وأطلق سراح المجتمع تغيرت أشياء كثيرة، لكن شيئا واحدا لم يتغير هو التخويف من التيارات الإسلامية وتكريس فكرة الخطر الذي تمثله على المجتمع. وحين بدا أن تلك التيارات أثبتت حضورا قويا في الاستفتاء والانتخابات التشريعية والرئاسية، فإن ذلك استنفر أطراف وأبواق التخويف والترويع. وإلى جانب الحملات الإعلامية الفجة والشرسة التي استهدفت الإسلاميين، ظهرت في الأفق ممارسات أخرى غير مألوفة تمثلت في حوادث التحرش بالأقباط ومراقبة السلوك الاجتماعي للناس من خلال ما سمي بهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقرأنا أخيرا عن قتل اثنين من الموسيقيين وقتل شاب كان يسير مع فتاة (والعياذ بالله، كما قال بيان نشر بهذا الخصوص)، كما قرأنا أخبارا عن هدم بعض القبور وإحراق تمثال لأحد الفنانين، وشاهدنا أحدهم يؤذن لصلاة العصر في افتتاح مجلس الشعب، ورأينا صور البعض وهم يرفضون الوقوف احتراما للسلام الجمهوري أثناء عزفه، إلى غير ذلك من السلوكيات والمظاهر الغريبة على المجتمع المصري، والتي هي محل استهجان واستنكار في المجتمع.
وليس هناك شك في أن ممارسات بعض السلفيين الذين لم يألفوا الخروج إلى المجال العام أثارت خليطا من الدهشة والاستياء من جانب كثيرين. وبدا أن أحدا لم يكن مستعدا لأعذارهم أو الصبر على تطوير ثقافتهم التي عاشوا في ظلها سنين طويلة. وكانت النتيجة أن المتربصين انقضوا عليهم ولم يرحموهم. ليس ذلك فحسب وإنما عمدوا إلى الخلط بين الصالح منهم والطالح، ثم وضعوهم مع غيرهم في سلة واحدة، وجرى تعميم الاتهام على الجميع، في دعوة مبطنة للعودة إلى إقصاء الإسلاميين أو إبادتهم إذا أمكن، ولم يحمد لهم أحد أنهم لم يمارسوا أي نوع من أنواع العنف ضد المجتمع، مثلما فعل أقرانهم في تونس والمغرب والجزائر.
لكن ما هو أسوأ من ذلك وأخطر كانت تلك الممارسات المريبة التي شكلت اعتداء على الحياة الخاصة للناس وعلى الفنانين بدعوى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وهي الدعوة المريبة التي ظهرت في الأفق منذ أشهر قليلة، ومارس أصحابها المجهولون سلوكيات غير مألوفة في المجتمع المصري من قبيل بعض ما ذكرت. ولأنني أرجح أن هؤلاء جميعا لا علاقة لهم بالجماعات الإسلامية الموجودة على الساحة. فإن ذلك يدعوني إلى القول بأنهم أقران أولئك الذين استوردوا اللحى الصناعية في تونس. وسيظل مستغربا ومريبا أن تفشل الأجهزة الأمنية في التعرف عليهم، كما حدث مع القناصة الذين قتلوا الثوار ثم ابتلعتهم الأرض، ثم لم نعثر لهم على أثر بعد ذلك.
لم تصدمنا تلك الممارسات الفجة فحسب، لكن ما يصدمنا أيضا هو تلك «المناحة» التي نصبها نفر من المثقفين، الذين لم ينتظروا أي تحقيق وسارعوا إلى الولولة والصراخ، بعدما استبقوا وتصيَّدوا الحوادث الفردية ثم عمموها على الجميع، مدعين أن «ملاعين» الإسلام السياسي هم الذين فعلوا كل ذلك. رغم أنهم لم يقترفوا طوال الخمسين سنة الأخيرة شيئا مما ينسب إليهم الآن.
بسبب تسرعهم في إدانة الجمع واتهامهم، ولشدة انفعالهم وكثرة صراخهم فإنني بدأت أشك في أنهم طرف فيما جرى ويجري خصوصا أننا نعرف الآن أن الدولة العميقة ليست كلها غاطسة في الخفاء، ولكن بعض أذرعها موجودة في أوساط المثقفين والإعلاميين أيضا.
ساحة النقاش