جارى التحميل
استخدم زر ESC أو رجوع للعودة
ما الفرق بين الزواج والزنا ؟
لقد أباح الله تعالى الزواج وشرعه لعباده وأمرهم به كما جاء في قوله تعالى:
{وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ} [النور : 32].
وقد حرّم الزنا وذكره في أقبح صورة عندما قال تعالى:
{وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلًا} [الإسراء : 32]
إنه نفس الفعل ونفس السلوك الإنساني ولكنه في الآية الأولى سمي "نكاحًا" أي زواجًا، وفي الثانية سُمّي "زنا".
إذن لماذا هذا التفريق؟
الإجابة على هذا السؤال هو لب موضوعنا في هذا المقال، وهو الهدف الرابع من أهداف الزواج وهو "الإحصان والعفاف"، إن من حكمة الله تعالى أن ركبّ في الإنسان الشهوة لتستمر الحياة على وجه الأرض ويبقى النوع، لذا فإن الغريزة الجنسية تعتبر من أقوى الغرائز وأعنفها، وهي تلح على صاحبها دائمًا في إيجاد مجال لها، فما لم يكن ثمة ما يشبعها انتاب الإنسان الكثير من القلق والاضطراب ونزعت به إلى شر منزع.
والزواج هو أحسن وضع طبيعي، وأنسب مجال حيوي لإرواء الغريزة وإشباعها فيهدأ البدن من الاضطراب، وتسكن النفس عن الصراع، ويكف النظر عن التطلع إلى الحرام، وتطمئن العاطفة إلى ما أحل الله.
إن الزواج هو نواة المجتمع وأصل وجوده، وهو القانون الطبيعي الذي يسير العالم على نظامه والسنة الكونية التي تجعل للحياة قيمة وتقديرًا، وهو الحنان الحقيقي والحب الصحيح، وهو التعاون في الحياة والاشتراك في بناء الأسرة وعمار العالم.
وقبل أن نتطرق إلى معنى الإحصان والعفة وكيف يتحققان بالزواج؟ لنا عزيزي القارئ هذه الوقفة عند حاجة الإنسان إلى الجنس كما أقرها علم النفس.
ما معنى الحاجة إلى الجنس في علم النفس ؟
الحاجة هي:نقص شيء معين إذا وُجد تحقق الإشباع مثل الحاجة إلى الطعام والماء والهواء والجنس، والإنسان كائن حي يشعر باحتياج لأشياء معينة، هذا الاحتياج يؤثر على سلوكه "مثل الإنسان الجائع فهو في حاجة إلى الطعام فقد يسرق ليشبع هذه الحاجة، وقد يعمل يتكسب ليشبع هذه الحاجة".وبالتالي فالحاجات غير المشبعة تسبب توترًا وضيقًا لدى الفرد، ولكي ينهي حالة التوتر فإنه يسعى ويبحث عن طريقه لإشباع هذه الحاجة.
والحاجة غلى الجنس هي من الحاجات الفسيولوجية الأساسية للحياة مثلها مثل الطعام والماء والهواء والنوم... الخ.
وقد وضعها عالم النفس الشهير ماسلو عند قاعدة الهرم الذي سُمي في علم النفس بهرم الحاجات لماسلو.
ما علاقة هذا الكلام بموضوع الإحصان والعفاف؟
لقد شرع الله الزواج وأباحه لعباده لإشباع الحاجة إلى الجنس التي هي من الحاجات الفسيولوجية للإنسان، فهو خالقنا وأعلم بنا من أنفسنا {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك : 14]
الزواج والصحة النفسية:
من مظاهر التمتع بالصحة النفسية:
قدرة الفرد على إرضاء وإشباع حاجاته البيولوجية والنفسية إرضاءً مناسبًا، حيث أن عدم إرضاء الحاجات الأساسية عند الفرد يولد عنده نوع من التوتر لا يزول إلا بإرضاء هذه الحاجات بطريقة يرضى عنها الفرد وترضى عنها الجماعة حتى لا يتعرض للصراعات.
والاستقرار الجنسي أيضًا مظهر من مظاهر الصحة النفسية حيث يجد الفرد الإشباع الجنسي مع شخص بالأسلوب المشروع وهو الزواج.
ما معنى الإحصان والعفاف؟
إن من أهم أهداف الزواج هو التحصن عن الزنا وسائر الفواحش لا مجرد قضاء الشهوة.
وصحيح أن قضاء الشهوة هو سبب للتعفف، ولكن لا يتحقق التعفف إلا بالقصد والنية.
والعفة هي اجتناب الرذائل والرفعة والتنزه عن النقائص، وهي كبح جماح النفس عن شهواتها الردئية.
ومن ثمرات العفة أنها تورث صاحبها الورع والحياء مما يرفع قدره عن الخلق وعند الحق، فالعفيف يجتنب ما حرّم الله عز وجل ويكبح جماح النفس.
والعفة سببًا للعزة لقوله صلى الله عليه وسلم: «ما زاد الله تعالى عبدًا بعفة إلا عزًا».
إن الزواج حصن ووقاية للزوجين وتعفف عن الحرام، واستمتاع كل منهما بالآخر وإشباع هذه الشهوة بالحلال.
والزواج يحمي الإنسان من كثير من الأمراض البدنية والأمراض الأخلاقية، ولذلك يسمى الله المتزوج محصنًا حيث يقول: {وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ أَن تَبْتَغُواْ بِأَمْوَالِكُم مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ} [النساء : 24].
والإحصان: يعني التحصن داخل القلعة، فكأن المتزوج يبني لنفسه حصنًا يدخل فيه لحماية أخلاقه وحماية بدنه، وحماية نفسه من الوقوع في المحرمات.
وهذا هو الفرق الكبير والبون الشاسع بين الزواج والزنا.
فالزواج في الإسلام هو العلاقة الشرعية النظيفة، وهي ضد سفاح الجاهلية، فالنكاح بغير شرع الله سفاح "زنا".
انظر إلى قول الله تعالى: {إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلاَ مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ} [المائدة : 5]، "المحصن"، "المحصنة" هو المتزوج.
أما السفاح فهو أن تكون المرأة لأي رجل، والمخادنة أن تكون المرأة لخدين خاص بغير زوج.
وهذا وذلك كانا معروفين في الجاهلية العربية ومعترفًا بهما في المجتمع الجاهلي قبل أن يطهره الإسلام ويزكيه ويرفعه من السفح الهابط إلى القمة السامقة.
وقد رفع الله قدر الصديقة مريم وخلّد ذكرها قرآنًا يُتلى ...لماذا؟
لأنها أحصنت فرجها خوفًا وإجلالًا لعظمة ربها فقال تعالى عنها: {وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا} [التحريم : 12].
فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج:
لقد أوصى حبيبنا صلى الله عليه وسلم الشباب ودعاهم إلى الزواج وخصهم بالخطاب إذا وجُدت القدرة على مؤونته، ونفقاته والدافع الغريزي نحوه حتى لا تزل القدم في مهاوي الردى، فقال صلى الله عليه وسلم: «يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء» [رواه البخاري].
قال بعض أهل العلم المقصود بالباءة مؤنة الزواج والقدرة على الجماع.
وجاء: أي حماية ووقاية.
ونفهم من الحديث أنه يحدث بالزواج أمرين:
الأول: غض البصر.
الثاني: تحصين الفرج عن "الزنا"، وسائر الفواحش.
فبالزواج يحصل الإحصان والعفاف لكل من الشاب والفتاة فلا يلجآن إلى الحرام.
وقد أكد أيضًا على هذا المعنى في قوله صلى الله عليه وسلم: «إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن في الأرض فتنة وفساد عريض» [رواه البخاري].
هل رأيت أيها القارئ أهمية الزواج في استقامة العبد، فالزواج يضع للغريزة سبيلها المأمون، وبالزواج يهدأ البدن من الاضطرابات وتسكن النفس ويكف النظر إلى التطلع إلى الحرام، فالزواج معين للدين ومهين للشياطين وهو الحصن الحصين.
الزواج صدقة، فتصدّق:
إن من عجائب أسرار الزواج أن الزوج والزوجة عندما يقضيان شهوتهما فإنها يؤجران على ذلك، نجد ذلك في نص حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: «وفي بضع أحدكم صدقة، قالوا: يا رسول الله أياتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: أرأيتم لو وضعها في الحرام أكان عليه فيها وزر؟ قالوا: بلى قال: فكذلك إن وضعها في الحلال كان له فيها أجر» [رواه مسلم والنسائي].
والبضع: يُطلق على الجماع ويطلق على الفرج نفسه.
والوزر: هو الإثم.
إذن الزواج سبيل لقضاء الشهوة ونيل الأجر والبركة.
أنت في عون الله:
هل سمعتم من قبل عن إنسان يريد الزنا والله يعينه على ذلك؟
ولكن لننظر معًا إلى عون الله مع من يريد الزواج من أجل العفاف، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثلاثة حق على الله عونهم: المجاهد في سبيل الله، والمكاتب يريد الأداء، والناكح يريد العفاف» [أخرجه الترمذي والنسائي].
هذا وعد من الله لمن أراد الزواج ليعف نفسه عن الحرام، والواقع يشهد بذلك، فكم من إنسان فقير لما أراد الزواج وهو يريد العفاف أغناه الله تعالى وأغدق عليه.
وكان عمر بن الخطاب يتعجب لمن لا يطلب الغنى في النكاح ويقول: "عجبي لمن لا يطلب الغنى في النكاح" والله تعالى يقول: {إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ} [النور : 32].
ويقول صاحب الظلال: ولا يجوز أن يكون الفقر عائقًا عن التزويج، متى كانوا صالحين للزواج راغبين فيه رجالًا ونساءً، فالرزق بيد الله وقد تكفل الله بإغنائهم إن هم اختاروا طريق العفة النظيف {إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ}، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ثلاثة حق على الله عونهم ... والناكح يريد العفاف».
الزواج نصف الدين:
عن أنس رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من رزقه الله امرأة صالحة، فقد أعانه على شطر دينه فليتق الله في الشطر الباقي» [مستدرك الحاكم]
من أقوالهم:
لقد سارع الإمام علي رضي الله عنه بالزواج بعد موت السيدة فاطمة رضي الله عنها فسألوه في ذلك فقال: خشيت أن ألقى الله وأنا عزب.
وقال ابن مسعود: لو لم يبق من أجلي إلا عشرة أيام وأعلم أني أموت في آخرها، ولي طَوْل النكاح فيهن لتزوجت مخافة الفتنة.
حتى بعد الزواج:
حتى بعد الزواج إذا رأى المتزوج ما يثيره فليرجع إلى زوجته، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
«إن المرأة تقبل في صورة شيطان، وتدبر في صورة شيطان، فإذا رأى أحدكن من امرأة ما يعجبه؛ فليأتِ أهله فإن ذلك يرد ما في نفسه» [رواه مسلم].
فالزواج شرعه الله لطلب شهوة في الحلال وبناء مجتمع، وعفاف زوج وزوجة وطلب من وراء كل ذلك "جنّة".
وخلاصة القول: إن من أهداف الزواج الإحصان والعفاف لكل من الزوجين.
أستغفر الله وسبحان الله ولا حول ولا قوة الا بالله
ساحة النقاش