تحية لسليمان خاطر
كلما سقط أحد جنودنا شهيدا برصاص القوات الإسرائيلية الغادر على حدودنا بسيناء، تقفز إلى ذاكرتى على الفور صورة سليمان خاطر، هذا الجندى الشجاع الذى سطر فصولا لإحدى قصص الجندية المصرية فى الكبرياء ورفض الذل والمهانة.
البطل سليمان خاطر |
فى الثمانينات وأثناء قيامه بنوبة حراسته المعتادة بمنطقة رأس برقة جنوب سيناء فوجئ بمجموعة من السياح الإسرائيليين تتكون من 12 شخصا، يحاولون تسلق الهضبة التى تقع عليها نقطة حراسته، فحاول منعهم وأخبرهم أن هذه المنطقة ممنوع العبور فيها، إلا أنهم تجاهلوه وواصلوا سيرهم بجوار نقطة الحراسة التى توجد بها أجهزة وأسلحة خاصة فأطلق عليهم الرصاص طبقا للأوامر وسلم نفسه بعد الحادث.
لكن موقف سليمان خاطر الوطنى لم يكن كذلك فى رأى رجل اسرائيل وكنزها الاستراتيجى فى المنطقة حسنى مبارك، فصدر قرار جمهورى بموجب قانون الطوارئ بتحويله إلى محاكمة عسكرية، طعن محاميه عليه وطلب محاكمته أمام قاضيه الطبيعى، إلا أن طعنه رفض.
ليس هذا وحسب، فقد أطلق النظام حملة قادتها صحف مبارك وقتها وصفت خاطر بالمجنون، حول بعدها إلى الطب النفسى الذى أكد هو الآخر أنه "مختل" بسبب الظلام الذى يحول مخاوفه إلى أشكال أسطورية خرافية مرعبة تجعله يقفز من الفراش فى فزع، ويجعله يتصور أن الأشباح تعيش فى قاع الترعة، وأنها تخبط الماء بقوة فى الليل وهى فى طريقها إليه.
بناء على رأى أطباء وضباط وقضاة الحكومة، عوقب سليمان لأنهم أثبتوا أن الأشباح التى تخيفه فى الظلام اسمها صهيونية.
صدر الحكم عليه فى 28 ديسمبر عام 1985 بالأشغال الشاقة المؤبدة لمدة 25 عامًا، وتم ترحيله إلى السجن الحربى، بعدها نقل إلى مستشفى السجن بدعوى معالجته من البلهارسيا، وفى اليوم التاسع لحبسه، وتحديداً فى 7يناير 1986 أعلن خبر انتحار سليمان خاطر فى ظروف غامضة.
لم يخش سليمان يوما الموت، وفى المحكمة قال: لا أخشى الموت ولا أرهبه.. إنه قضاء الله وقدره، لكننى أخشى أن يكون للحكم الذى سوف يصدر ضدى آثار سيئة على زملائى، تصيبهم بالخوف وتقتل فيهم وطنيتهم.
كل من يعرفون خاطر رفضوا فكرة انتحاره لأنه كان متدينا يعرف جيدا أن الإسلام يحرم ذلك ويعتبر المنتحر كافرا، ومن شاهدوا الجثة أيضا أشاروا إلى أن الجثة كان بها أثار خنق بآلة تشبه السلك الرفيع على الرقبة، وكدمات على الساق تشبه أثار جرجرة أو ضرب.
الشعب المصرى كله انحنى احتراما لجنون سليمان خاطر والتاريخ سطر بطولته فى صفحات شهداء سيناء الأبرار، رغم أنف من حاولوا إيهامنا غير ذلك.
ومنذ رحيل خاطر أصبح جنودنا مشاع لآلة القتل الإسرائيلية على الحدود بلا مقابل، طوال العقود الماضية، وفى أفضل الأحوال اعتذار رخيص من حكومة الكيان لا يثمن ولا يغنى من جوع.
لماذا لا نفتح ملف سليمان خاطر مرة أخرى لنعرف حقيقة ما حدث لهذا الجندى الشريف، الذى أذل الصهاينة فدفع حياته ثمنا لذلك؟!
ساحة النقاش