بجد نصيحة شخصية وعن تجربه أقرؤا الموضوع للأخر
أسرار«حسني مبارك»
كما يرويها
كتاب أمريكي
انفرد حسني مبارك عن جمال عبدالناصر وأنور السادات بعزوفه شبه التام عن الحديث عن حياته الشخصية قبل توليه الحكم أو الحديث عن عائلته وجذوره الأسرية الحقيقية، عبدالناصر كان فخورا بتاريخه. كان دائما يتحدث عن عائلته وكفاحه قبل الثوره. حتي أنور السادات ـ رغم عدم دقة الكثير مما كان يرويه ـ كان دائم الحديث عن قريته ميت أبو الكوم. إلا مبارك عزف عزوفا تاما عن الحديث عن جذوره العائلي. ليس هذا فقط بل هناك نقاط مجهولة عديدة عن مبارك وتاريخه الحقيقي لا يعرفها المصريون رغم أن الرجل حكم مصر لمدة 30 عاما تقريبا.
وللأسف فإن كل الأسرار التي تأتينا عن مبارك الآن تأتي من مصادر أمريكية سواء من كتب أو مجلات أو مواقع إخبارية إليكترونية، ومن هذه المصادر ذلك الكتاب الذي نعرضه هنا لأول مرة ورغم أن هذا الكتاب صادر ضمن سلسلة أمريكية عن دار نشر «تشسي هاوس» تحت عنوان «كبار زعماء العالم» ويتميز الكتاب الصادر عام 2008 بتوجه إيجابي عموما تجاه مبارك إلا أنه كشف عن العديد من الأسرار والتي تتميز بها الكتب الأمريكية والإعلام الغربي عموماً.
مبارك يخرج من عبائة السادات: في يوم العرض العسكري يوم 6 أكتوبر 1981 حبس حسني مبارك بجوار أنور السادات وهو في كامل زيه العسكري. في هذا اليوم غادر نائب رئيس الجمهورية الذي اختاره السادات في إبريل 1975 منزله في حي مصرالجديدة مبكراً وذهب لمنزل السادات في الجيزة وانتظر حتي خرجا معا للمكان الذي كان مقرراً لإقامة العرض العسكري السنوي والذي كان مقرراً له أن يستمر 90 دقيقة وكان يتوقع أن يشهد العرض حدثا فريداً في ذلك العام وهو استعراض بالألوان للطائرات العسكرية.
كان السادات حليفا قويا لأمريكا وكذلك نائبه حسني مبارك وهناك روايات كثيرة عن السبب وراء اختيار السادات لمبارك نائبا له ولكن ربما كان السبب الأكبر أن مبارك كان متزوجا من امرأة مصرية انجليزية ميولها غربية مثلما كان السادات نفسه متزوجا من السيده جيهان وهي سيدة مصرية انجليزية لعبت دوراً كبيراً في ميوله الغربية للانجليز والأمريكان.
كانت المخابرات الأمريكية قد بدأت تتغلغل في مصر منذ عام 1975الذي شهد أول زيارة للسادات لأمريكا ومثلت عملية تحول كاملة في السياسة الخارجية المصرية من التحالف مع الاتحاد السوفيتي للتحالف مع أمريكا تعرف الكثير عن مبارك وعائلته وزوجته ويروي كتاب «الحجاب» للصحفي الأمريكي المعروف «بوب وود وارد» أن المخابرات الأمريكية كانت تحتفظ بشريط فيديو عن مبارك وقريته التي ولد فيها وعن زوجته سوزان ذات الأصول الانجليزية. وربما لعبت الولايات المتحدة دورا لهذا السبب في اختيار السادات لـ «مبارك» نائبا له.
في العرض العسكري جلس مبارك بجوار السادات وراء حائط قصير يفصلهما بضعة أمتار عن طريق العرض العسكري وجلس خلفهما عدد هائل من المسئولين الحكوميين وحوالي 1000 من المدعوين الأجانب علاوة على زوجتي السادات ومبارك «جيهان وسوزان» كان هناك حرس خاص قد أعدته المخابرات الأمريكية لحراسة السادات وكان مكونا من أمريكان ومصريين وتم إنفاق الكثير على تدريبيه.
وفجأه وبينما كان السادات ينظر لأعلي لمشاهدة أسراب الطائرات وباعتبار أن مبارك كان طيارا سابقا حاول أن يشرح له حركات طائرات الميراج الفرنسية التي كانت تقوم باستعراضات تدل على براعة الطيارين، وفجأة وبينما كان السادات ينظر لأعلي ويستمع لشرح مبارك عن الطائرات كان هناك طيف لشخص ما يجري نحو المنصة ويلقي بشيء ما. وبدأ حرس السادات يصرخ يطلبون من الانبطاح أرضاً بعد أن بدأ الرصاص ينهمر على المنصة وبعد أن فشلت القنبلة التي ألقاها الشخص الذي اقترب من المنصة في الانفجار. وحاول سكريتر السادات الذي كان يجلس خلفه أن يحميه من خلال القاء الكراسي فوقه ولكن كل هذا كان بلا جدوي فقد تحول السادات إلى جثة هامدة مغطاه بالدماء وفي لحظة انتهي كل شيء. أما مبارك فقد نجا بأعجوبة بعد أن كان على بعد 5 أقدام فقط من السادات.
كان السادات شخصية كارزمية يهوي سياسة الصدمات أما نائبه حسني مبارك فكان شخصية صامتة مجهولة ولم يكن معروفا لأحد حتي يوم 6 اكتوبر. ولكن في أقل من دقيقة وسواء أراد البعض أم لم يرد تحول هذا الشخص المجهول الذي اختاره السادات لمجرد ارتباطه بسيدة مصرية انجليزية إلى رئيس مصر الجديد.
لم يعرف عن حسني مبارك ان عمل يوما بالسياسة أو تأثر بالأحداث السياسية التي حفلت بها مصر مثلما كان الحال مع ناصر والسادات. ولد مبارك في 4 مايو 1928 في قرية تبعد حوالي 80 ميلا شمال القاهرة في محافظة المنوفية التي تقع في قلبي دلتا نيل مصر واسم هذه القرية «كفر المصيلحة لم يهتم مبارك بالسياسة على الاطلاق.كانت عائلته فقيره جدا. ولم يكن والده «فلاحا مزارعا» ولكن كان مجرد حاجب في محكمة تتبع وزارة العدل المصرية. أما والدته فكانت فلاحة تسمي «نعيمة» ويبدو انه كانت هناك قرابة بينها وبين زوجها وكما هي العادة في الريف المصري فإن زواج الأقارب شيء منتشر جداً. كان لمباركثلاثة أخوة وأخت وحيدة وكلهم يعيشون في منزل متسع لحد ما في قرية كفر المصيلحة ويبدو أن الأب قد ورثه من جد مبارك.
أمام هذه الأوضاع المعيشية السيئة كان كل هم مبارك هو الحصول على بيضة يأكلها على الفطور وبعض الأرز واللحم المسلوق لكي يتناوله هو وعائلته في وجبة الغداء. في هذا الوقت من تاريخ مصر كان الملك فؤاد ومن بعده الملك فاروق يعيشان في أبهة وفخفخة أثرت على الطبقات الكادحة وخصوصا الفلاحين في القري مثل عائلة مبارك التي عانت من الفقر. بينما كانت هناك حفنة من العائلات الثرية تمتلك مساحات شاسعة من الأراضي أما ملايين الفقراء فكانت تعيش على حوالي 4 دولارات في الشهر.
ولا يوجد إلا القليل جدا عن طفولة مبارك. كانت عائلته فقيره ولكنها مستورده لحد ما. كل ما نعرفه عن مبارك انه كان لا يهوي الاختلاط كثيرا بالآخرين. كان مجرد طالب عادي وساعده بنيانه القوي على ممارسة لعبة الهوكي في المدارس، مكث حسنيمبارك 6 سنوات في المدرسة الابتدائية ثم ثلاث سنوات في الإعدادية ثم ثلاث سنوات أخري في التوجيهية. كان مأمولا أن يحصلمبارك على درجات كبيرة في الثانوية حتي يتمكن من الحصول على تعليم عال في الجامعة ولكن يبدو أن ذلك لم يحدث. على أية حال وبينما كان مبارك في مرحلة الدراسة اندلعت الحرب العالمية الثانية ونجح في الانضمام للكلية الحربية عام 1947 مستغلا وساطة لأحد ابناء القرية المشاهير وهو المحامي عبدالعزيز فهمي. عندما التحق مبارك بالكلية الحربية كان عمره 19 عاما فقط. وعندما وقعت مصر اتفاقية الهدنة عام 1949 كان قد مر على مبارك عامان فقط في الكلية الحربية ولم يكن قد انتهي بعد من إكمال برنامجه في الدراسة العسكريه بعد أن تم اختصار دفعته في عامين فقط بدلا من ثلاثة أعوام وأصبح بذلك حاصلا على درجة الليسانس في العلوم العسكرية من الكلية الحربية.
في هذه الفترة ورغم حالة الغليان التي كان يعيشها الشعب والجيش المصري بسبب الهزيمة في حرب فلسطين وفساد الملك فاروق إلا أن حسني مبارك ظل بعيدا عن السياسة. كان الملازم حسني مبارك بعيداً بالكامل عن مناخ القلق السياسي الملتهب حوله وربما لذلك السبب لم يهتم تنظيم الضباط الأحرار بقيادة عبدالناصر في ضمه إلى صفوفه.. ثم قرر مبارك الانضمام لكلية القوات الجوية لكي يصبح طيار مقاتل. وحسب مايذكر أحد زملائه لقد انضم مبارك لهذه الكلية لأنه كان يهوي الانضباط والالتزام بالأوامر وساعد على ذلك بنيانه القوي.
وفي عام 1952 ذلك العالم المحوري في تاريخ مصر تخرج مبارك من كلية القوات الجوية كخبير في قيادة الطائرات «سبيتفايرز الانجليزية» وبعد الثورة تم إرساله للاتحاد السوفيتي للحصول على تدريب إضافي في قيادة الطائرات قاذفات القنابل وعاد من هناك وهو يحمل صفة مدرب للطيران.
وفي سنوات الخمسينيات ظل مبارك بعيدا عن السياسة رغم كل ما كانت تموج به تحت حكم عبدالناصر من أحداث في ذلك الوقت. ولكن القدر في ذلك قاد حسني مبارك نحو أنور السادات. كان أخو السادات «عاطف» طالبا في الكلية الجوية وكان مبارك هو أستاذه. وفي أحد الأيام قام أنور السادات ـ الذي كان عضوا في مجلس قيادة الثورة ومقربا جداً من عبدالناصر بزيارة أخيه عاطف في الكلية الجوية وشاهد مبارك وهو يلقي الدروس وأعجب به جداً وقام بكتابة اسمه في مذكرة خاصة به سيعود إليها لاحقا.
في هذه الفترة أيضا «نهاية الخمسينيات» تعرف حسني مبارك على زوجته سوزان ثابت الذي كان أخوها «منير» أحد تلاميذته في الكلية الجوية مثله مثل أخو السادات. ويبدو أن مبارك قد شاهد سوزان لأول مرة عندما كان بصحبة أخيها منير في أحد النوادي الرياضية بحي مصر الجديدة الذي كانت تعيش فيه عائلتها، وسوزان نصف مصرية ونصف ويلزية وفي عام 1957 حدثت الخطوبة بين مبارك وسوزان رغم رفض عائلة سوزان في البداية فقد كان الفرق في العمر شاسعا بين مبارك وسوزان.مبارك كان من مواليد 1928 وكان عمره في عام 1958 حوالي 30 عاما وهو عمر متأخر جداً للزواج في تلك الفترة بينما سوزان ثابت من مواليد 1941 وكان عمرها في 1958 هو 17 عاما فقط. أي أن فارق العمر بينهما 13 عاما وهو فارق عمري شاسع جداً للزواج في تلك الفترة. كان والد سوزان «صالح ثابت» يعمل طبيبا ينتمي إلى مدينة «مطاي» في محافظة المنيا في صعيد مصر وهي المدينة الصغيرة التي ولدت فيها سوزان بينما كانت أم سوزان واسمها «ليلي ماي بالمر» ممرضة في معسكرات الجيش البريطاني في مصر وكانت تنتمي لمقاطعة ويلز غرب بريطانيا. والغريب أن والدي سوزان لم يتعرفا على بعضهما في مصر ولكن في انجلترا عندما كان صالح ثابت يدرس الطب في بريطانيا ويشجع على إتمام الزواج بينهما الفترة التي قضتها والدة سوزان في مصر. وقد أثمر زواجهما عن الطفلة «سوزان» والطفل «منير» وعاشت العائلة في حي مصر الجديدة الراقي والتحقت سوزان بأرقي المدارس الانجليزية «سانت كيلو مصر» بينما كان مبارك ابنا لعائلة من الفلاحين المتعلمين ولكن مؤهلاته ومركزه المرموق في الكلية الجوية ساعدت عائلة سوزان على قبوله زوجا لابنها. وبالفعل تم الزواج في عام 1958 وتقول سوزان إنها عاشت مع مبارك في البداية في شقة متواضعة في حي مصر الجديدة مكونة من حجرتين وصالة ولم يتمكنا من شراء سيارة خاصة إلا بعد مرور 4 سنوات على الزواج. وكان نجلهما الأول هو علاء في عام 1960 والثاني جمال في عام 1963 كانت سوزان تعمل في البداية كمدرسة ابتدائي بمرتب 11 جنيها ولكنها توقفت عن التدريس بعد أن ترقي مبارك وأصبح يتلقي راتبا كبيرا من الجيش. لقد أصبح مبارك مسئولا في تلك الفترة عن الطائرات قاذفات القنابل سوفيتية الصنع وخصوصا بعد ازدياد اعتماد الجيش المصري على التسليح السوفيتي ولذلك قام مبارك في تلك الفترة بزيارات عديدة للاتحاد السوفيتي في أعوام 1959 و1960 و1961 لكي يتدرب على قاذفات الطائرات السوفيتية ماركات «إليوشن» وتوبلوف 16» ورغم أن مبارككان يهرب من السياسة وظل كما هو «العسكري المنضبط» إلا أن السياسة كانت فيما يبدو لم تتركه في حاله. بعد عودته من الاتحاد السوفيتي في 1961 وفي أوائل 1962 بدأ مسار حسني مبارك العسكري يأخذ منحني جديدا مع بداية ما يسمي بـ «حرب اليمن» في هذه الحرب تم إرسال حسني مبارك لقيادة وحدات القوات الجوية التي قاتلت في حرب اليمن وفي 1964 أصبحمبارك رئيسا للوفد العسكري المصري الذي ذهب للاتحاد السوفيتي مرة أخري للحصول على تدريب متقدم في كلية «فرونز» العسكرية في موسكو» وحسبما يتذكر أحد رفقاء مبارك قائلا» عندما تم اختيارنا لتلك الرحلة استدعانا عبد الناصر وقال لنا أريد منكم طلبا واحداً فقط هو أن لا تلتفوا إلى أي كلام عن الشيوعيين سيحاول السوفيت أن يلقوه عليكم ويقول مبارك نفسه «في هذه الرحلة خضعنا لرقابة لصيقة من السوفيت وحاولوا إجبارنا على أخذ دورة في تاريخ الحزب الشيوعي».
وعاد مبارك في نفس العام ـ 1964 ـ إلى مصر وتولي قيادة إحدي القواعد الجوية غرب القاهرة وعندما دمر الإسرائيليون المطارات المصرية صباح 5 يونيه 1967 كان مبارك يتولي قاعدة الطيران في بني سويف جنوب القاهرة ولم يكن هذا المطار من المطارات التي طالها التدمير الإسرائيلي ونجح مبارك في الهروب بسريه إلى مطار الأقصر ولوكان تأخر هبوطه في الأقصر نصف ساعة فقط لنفذ الوقود وتحطمت طائرته.
ورغم أن هزيمة 1967 أضرت بالكثيرين إلا أن مبارك كان من القليلين الذين استفادوا منها وهنا تخدمه السياسة للمرة الثانية. فقد أصبح تحت نظر عبدالناصر والقيادة السياسية بعد عمليات تطهير الجيش المصري في أعقاب الهزيمة وقد وصلت إلى عبدالناصر قصة هروبه بسرية الطائرات من قاعدة بني سويف وإن استطاع النجاة بهذا السرب يبدو أن عبدالناصر لهذا السبب لم يمانع في أن يصبح مبارك مديراً لكلية القوات الجوية في نوفمبر 1967.
ثم توفي عبدالناصر وجاء السادات في أكتوبر 1970 كان السادات على معرفة وثيقة بـ «مبارك» وهكذا جاءت السياسة لصالحمبارك مرة أخري في 1982 كان السادات قد تخلص من خصومه الناصريين ومن الخبراء الروس وكانت هذه الخطوات ترسم الخطة مرة أخري لصالح حسني مبارك ـ وربما دون أن يدري. في أحد الأيام وبينما كان السادات يتشاور مع قادة الجيش حول قراره بالاستغناء عن المستشارين السوفيت اعترض أحد القادة وكانت النتيجة أن قام السادات بخلعه وتعيين مبارك «المطيع» بدلا منه وقام السادات بتعيينه نائبا لوزير الحربية وقائدا لأركان حرب القوات الجوية.كما قام باصطحابه معه في زيارة قام بها للاتحاد السوفيتي في ذلك الوقت.
وأثناء حرب أكتوبر حاز مبارك على إعجاب السادات لإطاعته للأوامر بعكس عدد من القادة الذين عرف عنهم معارضة السادات دائما مثل الفريق سعد الدين الشاذلي رئيس أركان حرب القوات المصرية.
وبعد الحرب ظهرت خلافات بين مصر وسوريا فقام السادات بإرسال «مبارك» لعدد من الدول لشرح موقف مصر من قبول وقف إطلاق النار. ورغم ان مبارك لم يستطع إقناع أي مسئول عربي التقاه بقرار الموافقة على وقف اطلاق النار إلا أن الزيارات في حد ذاتها أوصلته خطوة جديدة نحو المنصب الكبير وعرفته بالعديد من المسئولين العرب.
وفي 1975 دخل حسني مبارك عالم السياسة من أوسع أبوابه وهو العام الذي لم يعرف عنه شيئا إلا القليل والذي تجنبه طوال حياته. قرر السادات إقالة حسين الشافعي نائبه وغريمه السياسي صاحب الهوي «الناصري» وآخر ما تبقي من رجال عبدالناصر وقرر تعيين مبارك بدلا منه.
في هذا الوقت ذكر السادات سببا آخر لقيامه باختيار حسني مبارك نائبا له. يقول السادات «في شهر فبراير 1975 شاهدت على شاشات التليفزيون اغتيال واحد من أعز أصدقائي وهو الملك فيصل ملك السعودية وأدركت أنني لابد أن أعين نائبا لي في حالة ما إذا قرر القدر أن يختار لي نفس المصير الذي اختاره للملك فيصل ولم أجد أفضل من حسني مبارك الذي عرفته كعسكري مطيع علاوة على انه كان معروفا للأمريكان وللبلاد العربية وقررت تعيينه نائبا لي» ولكن مثل اختيار مبارك نائبا للسادات في ابريل 1975 مفاجأة للجميع داخل مصر بالذات. كان الجميع ينظرون لمبارك مثلما كانوا ينظرون للسادات في عهد عبدالناصر: شخص لا يفعل أي شئ سوي أن يردد كالببغاء «نعم» للرئيس ومن يمكن أن يلومهم على هذه النظرة لمبارك. فالرجل لم يحتل أي منصب سياسي. كان هو وزوجته سوزان يحتلان شقة متواضعة وكان كل من كان يعرفه في ذلك الوقت انه يحرص على أخذ تعسيله واستراحة في وقت الظهيرة ويلعب الاسكواش وعندما تم تعيين مبارك نائبا وجد أن عليه أن يتعلم الكثير. إن مبارك يجلس في هدوء وصمت بجوار السادات يستمع لما يقوله بعناية وأن يبتسم بأدب للنكات التي يقولها السادات. ولم يعرف عنه زي معارضة للسادات. لقد كان مبارك نموذجا مثاليا لمستر «نعم» الذي يطيع رئيسه لدرجة أن هنري كيسنجر وزير الخارجية عندما رآه لأول مره بجوار السادات لم يكن يخطر على باله تماما أن هذا هو الرجل الثاني في مصر ولكن مجرد مساعد درجة ثانية للسادات.
وترك السادات لـ «مبارك» مسئوليات عديدة منها رئاسة اجتماعات مجلس الوزراء وقراءة التقارير التي كان يكرهها ولكن المراقبين ظلوا ينظرون لمبارك على أنه مجرد «مهرج القصر» كما قام السادات بإرسال مبارك في مهمات خارجية منها الوساطة بين المغرب والجزائر كما قام بزيارات للصين لشراء قطع غيار لطائرات «ميج» المقاتلة كما حاول التوسط بين سوريا والعراق.
ثم تطورت الأمور بمبارك وأصبح على معرفة بالأمريكان وكانت وكالة المخابرات الأمريكية تعرف كل شيء عنه وعن خلفيته الريفية وعن زوجته المصرية الانجليزية وهيامه وميوله الغربية رغم انه قضي وقتا طويلا في الاتحاد السوفيتي.
بعد أن خسر چيمي كارتر صديق السادات منصب رئاسة أمريكا قام السادات بإرسال مبارك للولايات المتحدة مرتين في عام 1980 لكي يودع كارتر ويحاول اللقاء مع الرئيس المنتظر«رونالد ريجان» في هذه الزيارات ألح مبارك على أمريكا إرسال أسلحة إلى السودان جار مصر لأنها كانت تعتقد أن نظام حكم معمر القذافي الثوري يحاول الإطاحة بنظام حكم جعفر النميري.
إلا أن مبارك في هذه الجولات الأمريكية بدأ يقوم بعمليات بيزنس خاصة به مع رجل الأعمال حسين سالم من وراء أنور السادات. وكاد السادات يقوم بعزل مبارك بعدما علم بهذه الوقائع وكان على وشك تعيين الوزير «منصور حسين» وهو شاب طموح رشحته زوجة السادات «چيهان» لتولي منصب نائب الرئيس. إلا أن كون مبارك كان عسكريا ينتمي للجيش علاوة على صلته القوية بالسادات أبقت عليه في منصبه. كان مبارك يعرف الكثير عن السادات في ذلك الوقت ويعرف مدي ارتباطه بأمريكا والحماية الخاصة التي وفرتها المخابرات الأمريكية لحراسته.
قبل هذا الوقت كان السادات قد اختار مبارك أيضا نائبا لرئيس الحزب الوطني الديمقراطي وهو الحزب الذي كان السادات قد أسسه عام 1978 لمساندته في وجهة المعارض التي توحدت ضده من يساريين وإسلاميين بعد توقيعه معاهدة السلام مع إسرائيل.
كانت المعارضة ضد سياسات السادات قد بدأت مبكرا ووصلت ذروتها في يناير 1977 عندما ثارت الجماهير الجائعة على رفع الأسعار وهاجمت استراحات السادات ومنزل حسني مبارك في مصر الجديدة.
وقد حاول السادات الخروج من هذا المأزق الداخلي وذهب لإسرائيل ولأمريكا ووقع معاهدة السلام ولكن المعارضة لم تهدأ. وطوال هذه المدة ظل حسني مبارك هو ذلك العسكري الصامت المجهول الذي لا يعرف عنه أحد شيئا في صباح 6 أكتوبر ذهب حسني مبارك إلى منزل السادات على نيل الجيزة قرب الأهرامات وحث السادات على ارتداء السترة الواقية للرصاص بعد تزايد محاولات اغتيال إلا أن السادات رفض ارتداء السترة والسبب كان عجيبا. كان السادات يخشي أن تتسبب «السترة» في «كرمشة» الزي العسكري الجديد الذي كان ينوي ارتدائه في العرض العسكري والذي كان قد تم استيراده خصيصا من لندن.
وسقط السادات صريعا وأصبح حسني مبارك ذلك العسكري المجهول رئيسا لمصر.
هل كان لمبارك دور في اغتيال السادات وماذا فعل بعد ذلك وكيف تحولت مصر في عصر مبارك إلى جمهورية عشوائية في التفكير والتنفيذ وكيف تحولت إلى «جملوكية» أو جمهورية شبه ملكية تديرها عائلة مبارك؟! هذا ما سيكشف عنه الجزء الثاني من ذلك الكتاب المثير الذي يتناول أسرارا من علاقة مبارك برجل الأعمال حسين سالم ودور سوزان وجمال في جمهورية مبارك. فإلي الأسبوع القادم والحلقة الثانية من هذا الكتاب الصادر في أمريكا منذ عام 2008
ساحة النقاش