نعناع المدينة المنورة الذي لا تصح «التبولة» من دونه

اللمام والمرامية والدوش من أسمائه المتداولة والحبق عرفه الفراعنة والمغربي الأكثر شهرة واستخداما * منقوع النعناع مفيد في معالجة التهابات المعدة والالتهابات المعوية وتخفيض الحرارة

 


يعد النعناع أحد أهم مكونات المائدة السعودية سواء في الطبخ من خلال بعض الأكلات أو السلطات الخضراء والمشكلة، أو المشروبات والعصائر، أو حتى عند إضافته إلى الشاي بنوعيه الأحمر والأخضر، أو منفردا ساخنا كان أم باردا.

ولا تخلو الأسواق المركزية الكبرى والبقالات أو حتى محال بيع الخضروات والفاكهة المنتشرة في جميع أنحاء السعودية من نبتة النعناع خاصة النوع المديني ـ نسبة للمدينة المنورة ـ وهو عشب عطري معمر ذو أوراق بسيطة التكوين أزهاره صغيرة ذات نورات هلامية يميل لونها إلى البنفسجي.

والنعناع، الذي يعد من النباتات العشبية الطبية، ويستخدمه الأطباء التقليديون والأهالي في علاج تهيج الأمعاء الغليظة والدقيقة والصداع والزكام وجفاف الحلق والنزلات المعوية والصدرية وغيرها، يدخل أيضا في مجال التصنيع من خلال بعض مشتقاته المستخلصة مثل صناعة العطور والزيوت ومعاجين الأسنان والشامبو والصابون.

أحمد محمد عزوز، من مكتب «الشرق الأوسط» في جدة، سبر أغوار هذا النبات العطري، وطرق إنتاجه والعناية به، وتتبع عمليات استخداماته العديدة، وفوائده الطبية.

* موقع زراعته

* شهدت زراعة النعناع في السعودية أخيرا توسعاً نوعيا، وذلك لسهولة زراعته ومتابعته والعناية به وحصده وجني الأرباح من بيعه، ومن أشهر المناطق السعودية التي تشتهر بزراعة النعناع في المدينة المنورة منطقة «الحسا» التي تعرف باسم «آبار الماشي» المطلة على وادي العقيق الذي يمتد جنوبا إلى مشارف وادي الفرع، إضافة إلى آبار علي، وقباء، والعوالي، كذلك المنطقة الجنوبية المعروفة باسم «قريظة» أو «الحرة»، كما يتوسع في زراعته في مزارع العاصمة السعودية الرياض ومزارع الخرج كذلك في بعض مدن وهجر المنطقة الشرقية السعودية كالهفوف والأحساء، وأيضا المزارع المنتشرة شمال وجنوب مكة المكرمة مثل الجموم والحسينية وفي وادي «وج» في الطائف.

بيد أن مزراع آبار الماشي تعد أكثرها إنتاجا للنعناع والخضر والورود والتمور بأنواعها، حيث تقدر المساحات المزروعة بالنعناع المديني بمختلف أصنافه فقط في تلك المنطقة بأكثر من 3 آلاف كيلومتر مربع، وطاقة إنتاجية قدرها مليون طن سنويا، تدر على أصحابها نحو 3 بلايين ريال سعودي. وفي هذا الصدد قال علي عواض الصاعدي أحد أصحاب مزارع المنطقة لـ«الشرق الأوسط»، ان زراعة الخضر خاصة النعناع بجميع أنواعه شهدت قفزة نوعية في آبار الماشي بالذات لتميز المنطقة بخصوبة الأرض وعذوبة المياه، ولقربها أيضا من المدينة حيث السوق المركزي للخضر والفاكهة ومراكز البيع الأخرى الثابتة والمتحركة. وأكد علي الصاعدي أن النعناع يزرع طوال أيام السنة، وان كان أفضل وقت لزراعته ووفرته إبان فصل الربيع، وقال: إن الإنتاج يقل نوعا في ذروة فصل الصيف، حيث يكون ضعيفا، نسبة للحرارة الشديدة ولعوامل الجو الطبيعية. وعن طرق الرعاية والعناية التي يتبعها مزارعو النعناع أشار الصاعدي ان النعناع يحتاج إلى رعاية ومتابعة تحسين الأرض وتسميدها ووقايتها من الآفات والحشائش والحشرات الطفيلية وعوامل الطقس لأن النعناع ـ والحديث للصاعدي ـ مثله كأي نبتة خضرية تتعرض لهذه العوامل، وأشار إلى أن سقاية الأرض تعتمد على الري المحوري، وأسلوب التنقيط لتوفير المياه، ولضمان سقاية أكبر مساحة مزروعة مع العلم ان النعناع مثل الأرز يحتاج إلى أرض مغمورة بالمياه.

* زبائن سوق النعناع

* وعن أهم الشرائح المستهدفة في سوق النعناع قال الصاعدي ان تجار الجملة في الأسواق المركزية في جميع المناطق السعودية أهم شريحة مستهدفة من حيث شراء الكميات الكبيرة، يليهم صغار التجار أصحاب المحال والمراكز الثابتة والمتنقلة، ومصانع الحلويات، والعصائر، وشركات المستلزمات الدوائية والطبية ومحال الزينة والأفراح.

وتعتبر الحرارة الشديدة والأتربة، وتقلبات الجو والطقس من أشد أعداء النبات العطري بعد حصده، وفي هذا الصدد ينصح علي عواض الصاعدي صغار تجار النعناع بالمحافظة عليه في محالهم طازجا وعدم تعريضه لحرارة الشمس الشديدة، وتهوية المحل مع وضع حوائط مناسبة، وأبعاد الحزم التالفة حتى لا تتعرض الأخرى للتعفن والتلف، وتعد عمليات حصد النعناع وتنضيده على هيئة حزم وجمعه في (ربط) ومن ثم تخزينه مؤقتا لحين حضور الزبائن، شاقة نوعا ما، حيث يبدأ الحصاد بعد صلاة الفجر وحتى قبل منتصف النهار، بينما يبدأ الحصاد أيام الصيف من الساعة الثامنة صباحا وحتى الثانية بعد ظهر اليوم، وبما أن النعناع من النباتات المتجددة لهذا يحرص زراعه على عدم حصده من عروقه، بل يحتفظ بأصول جذوره حتى تنبت الأوراق عليها من جديد.

ويعد (نعناع المدينة) كما أشتهر في التسمية من حيث المكان من الهدايا المحببة للعائدين من زوار المدينة المنورة، الذين درجوا عند العودة من ذلك البلد الطيب، الذي يضم مسجد وقبر الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم وقبور وآثار آل بيته وصحبه وأزواجه وذراريه والتابعين رضي الله عنهم أجمعين، على حمله هدايا بسيطة لمحبيهم تتكون من التمور بأنواعها ـ إذا كانت في موسمها ـ ومعها (شكة) من نعناع المدينة، و(الشكة) كما تسمى محليا تتكون من 16 ربطة من حزم النعناع الذي يباع من خلال الأكشاك التي تقع عند محطة سكة حديد الحجاز (العنبرية) أو سوق المدينة المركزي لبيع الخضر والفواكه (الحلقة) أو مباشرة من المزراع، بل حتى بإمكان المسافرين جوا أو برا شراءه من داخل صالات الركاب أو من الأكشاك المنتشرة في داخل وحول المدينة والتي تبيع إلى جانب النعناع كافة خيرات المدينة الزراعية، لتكون خير هدية من خير ثاني مدينة مقدسة يقصدها المسلمون للزيارة والتعبد.

ولا فصال في البيع، فذلك يختلف سواء كان من المزرعة مباشرة أو من الأكشاك المتخصصة في بيعه أو من محال البقالات، فمن المزرعة قد لا يزيد سعر (الشكة) عن ثلاثة ريالات، فيما يتفاوت سعر الربطة أو (الشكة) النهائي في الأماكن الأخرى ما بين 5 ـ 10 ريالات، بينما تباع الحزمة الواحدة من نبتة النعناع في محل البقالة أو الخضر بريال واحد.

* تجارة رابحة

* وفي الآونة الأخيرة اتجه العديد من الشباب السعودي إلى هذه التجارة حتى خريجو الجامعات، مثل أحمد الشنقيطي خريج كلية الإدارة والاقتصاد من جامعة الملك عبد العزيز في جدة وصاحب محل (خيرات طيبة) في مكة المكرمة، الذي قال: ان اتجاهه لهذه التجارة بدأ منذ ست سنوات، وأوضح أن البداية كانت ابان الدراسة الجامعية خلال الإجازات أو في أوقات الفراغ عندما وجد إقبالا من الزملاء والمارة لشراء النعناع من أحد الباعة الذي كان يعرضه في أحد الطرق الفرعية في مدينة جدة.

وأضاف: على الفور اشتريت سيارة نصف نقل، وبدأت في جلب النعناع من مزارع المدينة ومن ثم بيعه في أسواق مكة وبعض شوارع جدة، وبعد أن أثبتت هذه التجارة، التي يعتبرها الشنقيطي شاقة ومسلية في نفس الوقت، جدواها استأجر محلا ثابتا في مكة المكرمة ليكون ثاني محل من نوعه في مكة المكرمة متخصصا في بيع هذه النبتة، وفي نية الشنقيطي التوسع وافتتاح فروع لمحله في مكة المكرمة وجدة.

وللحفاظ عليه طازجا نديا يعمد الباعة إلى تبليل قطع الخيش بالماء، مع رش النعناع بواسطة بخاخ بلاستيكي خاص، وتجنيبه حرارة الشمس الشديدة، وتقلبات الجو والهواء، حتى يحتفظ بنضارته ورائحته الفواحة الزكية، وفي مكة المكرمة أو جدة أو في باقي مدن السعودية الأخرى تنتشر محال ثابتة أو متحركة لبيع (نعناع المدينة) وغالبا ما تأخذ هذه المحال أسماء مثل (خيرات طيبة) (نعناع المدينة) (تمور ونعناع المدينة) (ورود ونعناع يثرب)، وكثيرا ما يشاهد الباعة في مفترقات الطرق السريعة أو عند مداخل المراكز والأسواق التجارية الكبرى والمستشفيات والمصالح الحكومية والخاصة، وهم يعرضون بضاعتهم التي تتكون إلى جانب النعناع من الورود والتمور والعسل، إلى المارة ومرتادي تلك المصالح، ولا يكلف الأمر سوى سيارة نصف نقل ولوحة قماشية كتب عليها (نعناع المدينة).

وبالنسبة للمحال الثابتة سواء كانت في مكة أو غيرها من المدن البعيدة عن المدينة، يتم جلب النعناع إليها من خلال سيارات نصف نقل صغيرة أو سيارات الصالون المكيفة، ويتم خلالها شراء شكات النعناع من المزرعة ثم تغليفه بـ(الخيش) المبلل بالماء، مع العناية به طوال مسافة الطريق، ويحبذ الكثير منهم السفر خلال الليل أو ساعات الصباح الباكر قبل بزوغ الشمس، لتجنيب الحمولة حرارة الجو، أو زخات المطر أو الهواء الذي يساعد على تبخر الماء من أوراق النبات العطري، ويتم تصدير النعناع إلى الدول الخليجية برا أو عبر الطائرات لبيعه في مراكز خاصة.

* مسميات النعناع

* وتختلف مسميات النعناع المديني وفقا لأنواعه وأصنافه وأحجامه ونوع النبتة، فمنه ما يصلح لمزجه منفردا أو مجتمعا مع الشاي الأحمر مثل (الدوش) و(الحبق) المعروف باسم (الحساوي)، و(العطرة)، و(الميرامية)، ومنه (المغربي) الذي يمزج مع الشاي الأخضر والأحمر أيضا وهو أشهرها وأكثرها مبيعا واستخداما، و(اللمام) الذي يعرف بالشاي الأخضر، وأخيرا (النوامي) وهو نوع من ورق الليمون. واذا كان المغربي من أكثر أنواع النعناع وأشيعها استخداما إلا أن (الحبق) أو النعناع الحساوي يليه مرتبة وشهرة، ومن أسمائه الريحان، واسمه العلمي Ocimumbasilicum وموطنه الأصلي الهند كما يزرع أيضا في جميع البلاد العربية. ومن ناحية الوصف هو نبات شجيري صغير، يزرع في الحدائق كنبات زينة، يغطيه زغب ناعم، وله أوراق بسيطة معنقة بيضاوية حافتها كاملة، وتكون أزهاره متجمعة في هيئة نوارات مكتظة بيضاء أو محمرة قليلاً. والخاصية الطبية في الحبق تكمن في الأوراق والأزهار والبذور، ومنه يستخرج الزيت الذي يسمى الريحان حيث يحتوي على الأوسيميسن. وقد عرف الفراعنة الحبق باسم (ست)، واليمنيون يطلقون عليه (الحابي) أو شجرة الرعاف، وفي الجزيرة العربية باسم (حوك).

وتعد الجاليات التشادية والموريتانية والمغربية من أكثر الجاليات المقيمة في السعودية استخداما للنعناع وان كان التشاديون يفضلون (العطرة) بينما يحرص الموريتانيون عند صنع الشاي الأخضر الذي يتناولونه بكثرة في طقوس فلكورية مميزة تعتبر من أصول الكرم والضيافة عندهم، على تلقيم (براريدهم) الثلاثة بالنعناع (المغربي)، يليهم المغاربة الذين يسمون النوع الحساوي (فلي يو) مع تفضيلهم للمغربي.

ودرج أهالي المدينة المنورة وأصحاب المقاهي على خلط كل أنواع النعناع في مزيج واحد يسمى بـ(البراد المديني) ـ نسبة للمدينة المنورة ـ وتقديمه. أما (التبولة) اللبنانية فلا تصح أبداً بدون نعناع، ومثلها طبق المقبلات الذي يقدم قبل الوجبات في المطاعم الفاخرة، كذلك لا يستغنى عنه في مطاعم الشاورما والكباب، وبلغ من شهرة نعناع المدينة أنه استطاع خلال الأعوام الماضية استقطاب الكثير من السعوديين والمقيمين من زوار مهرجان التراث الوطني للثقافة (الجنادرية) الذي يقام سنويا في الرياض خاصة جناح منطقة المدينة المنورة لشراء (نعناع المدينة) الذي تشتهر به المنطقة.

* فوائده الصحية

* ولا تقتصر فوائد النعناع واستخداماته في الطبخ والشاي والعصائر وحسب، بل يتعدى ذلك إلى المجال الطبي، وللاستفادة منه يعمد البعض إلى تجفيفه في معامل باستخدام أجهزة خاصة حيث يتم تقطيع النعناع وتؤخذ خلاصة النباتات لاستخدامها في صناعة الحلويات والمشروبات الساخنة أو الباردة أو كمسحوق تجميلي أو طبي لعلاج أمراض الثدي عند النساء، أو عصره لاستخلاص زيته وهو زيت طيار يقطر من الأوراق والأغصان الرفيعة، والرؤوس المزهرة، وأهم المركبات التي يحتويها هي المينثول Menthol وقليل من الليمونيين، والصنوبريين، واليوكاليبتول، وحامض التانييك، والمركب الأخير هو المصدر الفعال القابض للنعناع، ويدخل الزيت الطيار الذهبي في صناعة العطور الطبيعية، والمشروبات المختلفة وفي الأطعمة المطبوخة والصلصات والحلويات، كما يستعمل البعض منقوع الأزهار والأوراق كطارد للغازات فيزيل المغص المعوي، وإدرار البول، حيث يعتبر مستحلب النعناع عند بعض الخبراء من أنجح الأدوية لعلاج الاضطرابات المرارية والمعوية.

وينصح بعض الأطباء مرضاهم باستبدال المشروبات الضارة والاستعاضة عنها بالعشبية ومنها النعناع، فمن شأن عصير النعناع إزالة التعب والوهن والإنهاك وإزالة الانتفاخات وتسكين الألم والمغص وتطهير الأمعاء، كم يعد فاتحا للشهية ومفيدا في أمراض الكبد. ووفقا لدراسة طبية أجريت أخيرا فإن زيت النعناع من شأنه معالجة تهيج الأمعاء الذي يعد اكثر الأمراض الباطنية شيوعا في وقتنا الحالي.

وأشارت الدراسة إلى أن زيت النعناع يمكن أن يكون مفيدا في علاج هذا المرض لدى الأطفال لأنه يعد أحد العلاجات الطبيعية الموجودة والتي تفيد في علاج المصابين بمرض صعوبة الهضم، كما يمكن تسكين الآلام العضلية بوضع كيس من الشاش مملوء بأوراق النعناع بعد تسخينه ووضعه على موضع الألم، وفي حالة زكام الأطفال يعالج باستنشاق بخار الأوراق الموضوعة فوق الموقد. وهناك النعناع البلدي الذي يختلف عن النوع الفلفلي بساقه الأخضر وأوراقه غير المعنقة وأزهاره الزرقاء، ويستخرج منه أيضاً زيت طيار ـ زيت النعناع ـ الذي يحتوي على الكارفون والليمونيين، ويستخدم كمشروب ساخن لعلاج الانتفاخ والمغص، وفي تحسين طعم المأكولات والحلوى. ولزيت النعناع خواص مطهرة، ولذلك يدخل في تحضير معاجين الأسنان وصناعة الصابون، أما مغلي البذور في الماء فيستعمل في علاج الدوسنتاريا، وفي الهند يستعمل لعلاج الإسهال المزمن، أما الريحان الكافوري فتستعمل عجينة أوراقه في علاج بعض الأمراض الجلدية. أما الزيت المميز بوجود مادة الكافور فهو الذي يستعمل طبياً، حيث يدخل في التركيبات الخاصة بالروماتزم ونزلات البرد وفي علاج الكدمات والتهاب المفاصل حيث يحتوي الزيت بجانب مادة الكافور على اللينالول واليوجينول وسينمات الميثيل.

كما أثبت بحث طبي ان نبتة النعناع تلعب دورا مهما في علاج الأمراض الجسدية ومنها آلام المعدة خاصة القرحة والالتهابات المعدية بمختلف أنواعها، ويؤكد البحث أن تناول منقوع نبات النعناع له اثر كبير في معالجة التهابات المعدة والحلق والالتهابات المعوية وتخفيض درجة حرارة المريض.

 

المصدر: أ.د/ محمد مكاوى
elazrakgroup

بشير الازرق

  • Currently 130/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
44 تصويتات / 2666 مشاهدة

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

12,884