الدم المصرى الطاهر صار رخيصاً وأحياناً بلا ثمن
حامد عبد الحليم الأطير ـ صحفى ومحاسب قانونى
4(جريدة شباب مصر) /10/2008 1:07:00 AM
قتل محمد فؤاد عفيفى (البمبوطى ) على أرضه وفى وطنه ووسط أهله وتحت سمع وبصر جيشه الباسل وشعبه المفدى وقيادته الحكيمة .. أسلم الروح على مياه قناة السويس وبين ضفتيها وكان الزمن قد تجمد عند مايقرب من مائة وخمسون عاما وكأننا نرى موت أحد أجداده الذين حفروا القناة سخرة وإجباراً وإكراهاً من ديليسبس وأعوانه.
وهناك العديد من الأسئلة تطرح نفسها وأولها من الذى قتل محمد عفيفى ؟
والسؤال الثانى هو ما الذى دفع الأمريكى لإطلاق النار على محمد عفيفى ؟ والسؤال الثالث هو هل إقترب مركب عفيفى من السفينة الأمريكية للحد الذى يدفع قبطانها للشك فيه ؟ والسؤال الرابع هو هل تم تحذير المركب قبل إطلاق النار عليه ؟ والسؤال الخامس ما هو السلاح المستخدم فى القتل ؟ والسؤال الخامس هو هل تم التحرك من قبل السلطات المصرية وأوقفت السفينة وتحفظت عليها وقبضت على قبطانها وطاقمها للتحقيق معهم ؟ والسؤال السادس هو هل ما زالت السفينة داخل الحدود المصرية أو داخل مياهنا الإقليمية ؟ والسؤال السابع هو ما الذى تم إتخاذه من إجراءات وقرارات من قبل الحكومة المصرية وخاصة من وزارة الخارجية والسؤال الثامن هو هل تم الإعتذار وإبداء الآسف فى حينه من أمريكا تجاه ما حدث ؟ والسؤال التاسع هو ماذا كان رد الفعل المصرى الرسمى تجاه هذا الموقف ؟ والسؤال العاشر هو هل أثبتت التحقيقات التى أجرتها السلطات المصرية إنتماء محمد عفيفى لأى من التنظيمات المعادية لأمريكا أو لنظام الحكم فى مصر أو إنتمائه إلى حزب سياسى أوغيره من التنظيمات السياسية غير الحزبية ؟
و السؤال الحادى عشر هو ما المهنة التى يمتهنها محمد عفيفى للحصول على رزقه ورزق أولاده ؟
ونجيب على تلك الأسئلة السابقة دفقة واحدة وتباعاً ..
الذى قتل عفيفى أحد الأمريكيين من على متن سفينة أمريكية تجارية أثناء عبورها مجرى مائى مصرى وهو قناة السويس والذى دفعه لذلك هو إعتقاده أن المركب الذى كان يستقله البمبوطى عفيفى وزملائه ( البمبوطية ) قد إقترب من سفينته الأمريكية ويريد بها أذى . و لم يقترب المركب من السفينة وكان على بعد لايقل عن مائة متر منها . ولم يتم تحذير المركب مطلقاً من قبل السفينة الأمريكية قبل اطلاق النار عليه و الذى أُطلق على عفيفى وزملائه هو رصاص محرم إستخدامه دولياً لأنه يدخل الجسم وينفجر بداخله ويحدثً تهتك لكل أعضاء الجسم الداخلية ويصنع فتحة واسعة عند خروجه منه ، والسلطات المصرية لم توقف أو تحتجز السفينة ولا الطاقم تم القبض عليه ولا التحقيق معه ، كما ان السفينة سلكت طريقها وأكملت رحلتها دون أى مضايقة من أحد وظلت تتراقص وتتهادى على مياهنا الإقليمية حتى خرجت منها ووصلت الى المياة التركية . وكل ما تم من وزارة الخارجية المصرية هو قيامها بالتعبير عن أسفها وإستنكارها لهذا الحادث وطلبت تفسير لما حدث من قبل الجانب الأمريكى .. وقد رفض السفير الأميركى بالقاهرة الإعتذار الفورى وكذلك فعل البيت الأبيض . وكان رد الفعل المصرى مخجلاً ولم يفعل شئ سوى الإنتظار للإعتذار الذى جاء متأخر من قبل الجانب الأمريكى . ولم يثبت إنتماء عفيفى إلى إياً التنظيمات المعادية لأمريكا أو معادى لنظام الحكم فى مصر أو إنتمائه إلى حزب سياسى أوغيره من التنظيمات السياسية غير الحزبية ، واتضح فقط انه ينتمى الى الفئة العظمى من مصر وهى فئة الباحثين عن رغيف العيش الحلال حتى لو كان حافاً وجافا ً. و القتيل كان يعمل ( بمبوطى ) والبمبوطى - لمن لايعلم - يقوم ببيع المنتجات المحلية المصرية المتنوعة لربابنة السفن وأطقمها العاملة عليها أثناء عبورها قناة السويس كالأنتيكات الفرعونية والأقمشة والألبسة القطنية وغيرها من التذكارات المصرية والتى يحملها فى قارب صغير يصل به لتلك السفن العابرة ، وبالطبع الحصول مقابلها على عملات أجنبية ، أى الإسهام بشكل مباشر فى حصيلة النقد الأجنبى للدولة .
والآن بعد قرائتك لما سبق لا تحزن ولاتغضب كثيراً للكرامة المصرية التى تم تدنيسها ودهسها من قبل القاتل الأمريكى دون خوف من عقاب أو مسائلة فهو يعلم حدود وسقف الفعل المصرى الرسمى ولا يخشاه ولأنه يعلم أيضاً أن السيد بوش رئيسه وحاميه - وإذا تطلب الأمر وجد الجد وعلا الصوت بالإحتجاج - يستطيع توجيه نظرة نارية الى النظام المصرى فتوقف الكلمات الغاضبة على الشفاة وتخرس الحناجر وتوقفها عن الصراخ غيرالمسموح به .
لاتحزن كثيراً ولاتحس بالهوان أو الإذلال لقتل عفيفى المواطن المصرى فقد سبق إذلالنا ودوس كرامتنا وإستحلال دمائنا بسجون الداخل قبل أن يستبيح هذا الأمريكى دمائنا ويريقها على ارضنا . لقد أصبح المصرى رخيصاً ، ورخص دمه ، رغم أنه والله من أنقى وأغلى وأحر وأطهر الدماء ، لكن النظام وحكوماته المتوالية تسببوا فى ذلك وخاصة عندما اغمضوا العين عن الأذى الذى طال المصريين فى بلاد الغربة وجعل أسافل وأراذل الأقوام يتطاولون على المصريين المغتربين ويأكلون حقوقهم ويسجنوهم بلا وجه حق .. وتعتبر كثيراً من السفارات المصرية سفارات سيئة السمعة فى مسألة حماية المغتربين والدفاع عنهم ، فى الوقت الذى تقوم فيه سفارات دويلات صغيرة بواجبها تجاه مواطنيها وتشملهم برعايتها وحمايتها .
وختاماً سأسوق لك واقعة كان طرفاها دولة القاتل الأميركى ودولة القتيل المصرى لتكتشف أن التفريط بدأ منذ زمن وليس الأن ، واليك الواقعة :
فى العام 1985 حدث أن قامت طائرات حربية أمريكية بإعتراض طائرة مصرية وأجبرتها على الهبوط بمطار سيكونيلا بأحد القواعد الجوية التابعة لحلف الناتو والموجودة بصقلية بايطاليا .. وفور هبوط الطائرة حاصرتها قوات دلتا الأمريكية الموجودة بالقاعدة .. ورغم تحذير الأيطاليين بعدم الإقتراب أو مهاجمة الطائرة المصرية لأنها تتمتع بالحماية الدبلوماسية .. وأن أى إعتداء عليها يعتبر عدواناً على مصر .. وطالبتهم بالإبتعاد .. ولما لم يجدث ذلك قامت القوات الإيطالية بالقاعدة بمحاصرة قوة دلتا الأمريكية .. فرد الجانب الأمريكى بتدعيم قواته ومحاصرة القوات الإيطالية.. فقامت السلطات الإيطالية بإستدعاء قوات الشرطة العسكرية وأعلنت درجة الإستعداد الكبرى وكأنهم فى حالة حرب .. فتراجع القائد العسكرى الأمريكى وأتخذ قرار بالإنسحاب لتجنب أزمة سياسية كادت أن تحدث بين البلدين .
والآن لك أن تسأل لماذا حدث كل هذا حتى كادت ان تسبب تلك الواقعة ازمة عارمة بين ايطاليا وأمريكا .. ولماذا اذكر قصة خطف الطائرة المصرية ؟
حدث هذا بسبب قيام أربعة فلسطينيين تابعين لجبهة التحرير العربية بزعامة ابو العباس بخطف السفينة الإيطالية أكيلى لاورو من البحر المتوسط لتنفيذ عملية فدائية فى ميناء أشدود الإسرائيلى .. ولكن نتيجة لحدوث إشتباك بين الطاقم والخاطفين قتل راكب أمريكى كان على متن السفينة المذكورة .. وقبل ان تصل السفينة إلى ميناء بورسعيد حيث اقتادها الخاطفون اليه .. وقد أنهت السلطات المصرية عملية الإختطاف.. وعلى أن يُنقل الخاطفين إلى تونس لتسليمهم إلى منظمة التحرير الفلسطينية هناك .. وقامت طائرة مصرية بنقلهم الى تونس .. ولكن رفضت تونس استقبال الطائرة .. نتيجة لضغوط امريكية ..ثم رفضت اليونان ايضاً هبوط الطائرة .. ثم قامت الطائرات الأمريكية بخطف الطائرة المصرية واجبرتها على الهبوط بقاعدة سيكونيلا الايطالية .. من أجل القبض على الفلسطينين الأربعة ومعهم أبو العباس ومساعده لمحاكمتهم فى أمريكا .. لقتلهم مواطن أمريكى .!!!
أترى الآن لماذا أذكر تلك القصة ؟ لترى ماذا فعلت أمريكا عندما قتل لها مواطن خارج ارضها .. لقد خطفت طائرة دولة اخرى ولم تحسب لها حساباً وكادت تدخل فى مواجهة مع ايطاليا .. كل ذلك لأنها تحترم مواطنيها وتثمنهم وتثمن دمائهم غالياً.. وتقتص وتثأر لكرامتها وسيادتها .. ولترى فى ذات الوقت ماذا فعلت ايطاليا حين رأت امريكا تحاول ان تعتدى على سيادتها وكرامتها إذ ما اقتحمت الطائرة المصرية وهى على ارض ايطالية ؟ ولترى رد فعل النظام المصرى المتخاذل تجاه امريكا التى خطفت طائرة مصرية واعتدائها بذلك على السيادة الوطنية والكرامة المصرية واذلال كبريائنا .. وربما تفسر تلك الحادثة ان التخاذل والتهاون قد بدأ مبكرا ومنذ زمن وقبل ان يُقتل المواطن المصرى محمد عفيفى فى وطنه بايدٍ امريكية .
ساحة النقاش