اطلقوا سراح مصر وافرجوا عن فجرها الرهين 

حامد عبد الحليم الأطير 

 جريدة شباب مصر  

                               

اما آن الاوان لشعب مصر ان ينهض من الغيبوبة العميقة التى غشيته منذ مولد التاريخ وفجره وحتى اليوم ؟ ام تُرى ان اهل مصر استعذبوا تلك النومة وهذة الغيبوبة التى تعفيهم من المسئوليات والواجبات والتضحيات والمشاق التى تتطلبها ممارسة اختيارهم لمن يحكمهم  ؟ لقد علمنا التاريخ ان الأيام دول بين الناس وان الدول دورات متعاقبة متراتبة منذ الميلاد وحتى الأفول .. الا شعب مصر قد خرج عن حكم التاريخ وحكمته .. وعاش- ومازال – دورة  واحدة من عمره شبيهة بـما يمكن ان نسميه "مرحلة النشوء المستضعف او الشيخوخة الدائمة أوالموت الأبدى وكلها تدل على عجز المصرى شبه التام عن الفعل أو رد الفعل ..  شعب مصر وعلى مر التاريخ عاش محنى الرأس ميمماً وجهه شطر ارضه الخصبة إخلاصاً وعشقاً لها ..  يسقيها بعرقه قبل ان يسقيها بنيله .. عاش مكافحاً لايجد من يخفف عنه الم الإنحناء والإنكفاء .. ويظل مزروعاً بأرضه مثل نبتها  شهوراً طوال متحملاً اعتداءات وتقلبات المناخ سواء كانت برداً زمهريراً أو حراً هجيراً حامياً  لزرعه راعياً له حتى يحين موعد حصاده ثم لا يجنى سوى  الحسرة واللوعة والألم ..  لأن زرعه الذى استوى على عوده قد اعجب الفرعون فاستولى على حصاده إلا قليلاً .. ولما لا ؟ اليس هو رب المصريين الأعلى ؟ الم ينصب نفسه فرعوناً للبلاد ؟ أى حاكماً لها .. الم يؤلهه المصريون عن رضا وطيب خاطر ؟ الم يباركوا دوماً توارث السلطة  فى الاسرة الواحدة  ؟ حتى اننا نجد عهداً بأكمله فى التاريخ المصرى القديم يُطلق عليه " عصرالأسرات " .. الم يبنوا له مسخرين صروح المجد التى يُعبد أو يدفن فيها ؟ وشيدوا له العمائر والمعابد الجنائزية مثل الأهرامات والمقابر الملكية التى مازالت شاخصة تشهد على ذلك ..والمصري صاحب عقلية فذة ميزته بخصوصية ثقافية وحضارية وتفرد معرفى سبق به البشرية بآلاف الأميال وآلاف السنون وهو صاحب إرث هائل من العلوم والفنون  والهندسة والعمران المُعجز حتى اليوم .. وهو صاحب  أول  ابجدية و هو أول من خط وتهجى وأول من كتب وأول من رسم ونقش ولون وأول من عزف وهو أول من اخترع وهو الذى سما وعلا وحلق فى الآفاق مغرداً بالحكمة واليقين .. وهو الذى انشأ الدولة المركزية الأولى فى التاريخ تعبيراً عن إستقراره الرائع .. وأول من استكشف العالم قديماً .. وأول من وقع  معاهدة سلام فى التاريخ مع الحيثيين فى عهد رمسيس الثانى .. وأول من اوجد  كتب ونصوص ادبية مثل كتاب الموتى ونصوص الأهرامات ..  .. وهو قبل غيره  من صنع آلات ومعدات الحروب المتقدمه منذ أقدم العصور مثل العجلات الحربية والرماح والسهام الخ .. وهو المعدن النفيس المتفرد لأنه  خير اجناد الأرض بشهادة خاتم الأنبياء وسيد ولد آدم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم  ..  وهو الشجاع المقدام الذى لا يستكين كثيراً ويأبى الضيم والإنكسار وأسالوا من جاء مصر غازياً مغتراً بقوته .. اسألوه كم جرعه المصرى الذل والهوان والإنكسار والمهانة والهزيمة .. بداية من الهكسوس الرعاة  مروراً بالحيثيين والآشوريين والفرس واليونانيين والرومان والتتار والصليبيين والفرنسيين  والبريطانيين .. وصولاً الى الملك فاروق آخر ملوك الأسرة العلوية فى مصر والتى تنسب الى محمد على ذلك الجندى الألبانى القادم ضمن جنود الحامية العثمانية ابان حكم الأمبراطورية العثمانية لمصر .. تلك الأسرة التى بدأ حكمها لمصر من  العام  1805 وانتهى فى العام 1952على يد مجموعة من ضباط الجيش المصرى حينما قاموا بحركة 23 يوليو فى العام  نفسه وخلعوا الملك الشاب فاروق الذى رحل الى ايطاليا واستقر بها حتى مماته ... وابتدء عهداً جديد فى تاريخ مصر هو عهد العسكريتارية أو العهد العسكرى لأن كل من تولى حكم مصر منذ ذلك الحين كان من ابناء المؤسسة العسكرية .. ورغم كل ما سبق نجد ان هذا المصرى غير المستكين فى مواجهة الإعداء وغير المقصر فى الدفاع عن وطنه .. نجده وعلى مر تاريخه مستسلماً استسلاماً شبه تام لحاكميه .. ما الأسباب التى تدفعه لهذا الخضوع والخنوع والتسليم بسلطة والوهية الحاكم ؟ وتقديس اوامره قبل طاعتها.. وما الذى جعل هذا الخضوع امراً لصيقاً به ؟ .. حتى نكاد نظن انه امسى جُزءً من عقيدته او انه اختلط بجيناته  فيولد به مجبولاً عليه لا حيلة له فيه ؟  هل هو الجبن والخوف ؟  هل هى فلسفة  الصبر وحب الإستقرار وحب العيش فى هدوء حتى لو شاب هذا الإستقرار بعض الظلم  ؟ هل هو يقين دينى وقر فى وجدانه من وجوب عدم الخروج على الحاكم أو عصيانه  لتجنب الفتنة والإقتتال الداخلى وتجنب القلاقل وتجنب سفك الدماء ؟ .. وهل كان ينظر الى المستقبل ويستشرفه ويتنبأ بما سيأتى به الإسلام لاحقاً لتأييد هذا الإعتقاد ؟ حين دعا الرعية الى عدم الخروج على الحاكم حتى ولو كان ظالماً أو فاسقاً لما قد ينتج عن هذا  الخروج من مفاسد عظيمة، وشر مستطير مثل سفك الدماء و ذهاب النظام وغياب القانون..  ورغم الخلاف الذى مازال محتدماً حول مسألة الخروج على الحاكم  إلا اننا نتسائل كيف توصل المصرى بوجدانه العبقرى لتلك القاعدة الإسلامية قبل الإسلام بزمنِ طويل ؟ هل لأن المصرى منذ القدم  صاحب وجدان سليم وفطرة مستقيمة  ؟  فقد كان يؤمن ان  للكون خالق وان هناك حياة اخرى خالدة مخلدة أى انه كان يؤمن بالله  ..

ونعود للتساؤل عن سبب استسلام المصرى لحاكميه .. هل نعتبر ذلك سمو خلق وأخلاق منه ؟ و هل توقع ان يقابل الحاكم سمو اخلاقه  هذا بسمو مماثل فيحكم بالعدل والقسطاس .. وإذ كان ذلك صحيحاً فهل قدر وثمن حكامه سلوكه الراقى هذا وحكموا بالعدل كما توقع ؟ للأسف لم يحدث ذلك .. لأن التاريخ انبأنا بقلة قليلة من الحكام ذوى العدل مثل " امنحوتب الأول " الذى لقب بالعادل والذى اصدر تشريعاً وقانوناً بمنع السخرة ووضع معايير للإجور والحوافز و مثلما ذكر من اقتصاص لمواطن مصرى من ابن الخليفة عمرو ابن العاص ومثلما حدث فى عهد الملقب  بخامس الخلفاء الراشدين الخليفة الأموى العادل عمر بن عبد العزيز .. عدا ذلك فان للسلطة غرورها وقوتها وبطشها وغوايتها التى تزين للحاكم البطش والسيطرة واسكات اى صوت يبوح أو يهمهم بما يتعارض مع سلطته وغروره .. وأسالوا الرئيس عبد الناصر والرئيس السادات والرئيس مبارك وهم ابناء الطبقة البسيطة التى تملأ ربوع  مصر والتى تصل نسبتها الى 95% من ابناء الشعب المصرى .. أسألوهم هل حققتم امال وتطلعات شعبكم خاصة تلك الطبقة التى أتيتم منها والتى هى ملح الوطن وعدته وعتاده وحائط الصد عنه فى الملمات.. وهل أفرجتم عن احلام المصريين السجينة والتى تتمثل فى العدل والحرية والمساواة والعيش بكرامة وعدم ممارسة الذل والمهانة عليهم  .. وهل منحتموهم الحرية فى اختيار دستورهم وتشريعاتهم وقوانينهم واختيارمن يمثلهم ومن يحكمهم .. هل منحتموهم الحرية فى ان يكونوا مثل كثير من الشعوب لهم حق مسائلة المُخطئ وحق عزله وحق محاكمته ومحاسبته .. هل منحتموهم الحرية فى ان يلجموا من يحكمهم  ويوقفوه إذا ما زين له شيطان السلطة الإنفراد بالأمر أوالعمل ضد صالحهم ومصالحهم  أو ممارسة الظلم والعدوان عليهم وعلى حريتهم .. اعتقد انهم لم يحققوا للمصريين شئ من ذلك .. ولا حتى حققواما يحققه كثيراً من الحكام الديكتاتوريون.. حيث يقوم هؤلاء بتلبية احتياجات شعوبهم وتوفير رغد العيش والرفاهة لهم مقابل ما يمارسوه عليهم من قهر سياسى .. ان كل ما تحقق للشعب المصرى منذ  العام 1952 هو مزيد من الجهل والتخلف رغم زيادة اعداد المتعلمين .. ومزيد من المرض والأمراض رغم زيادة عدد الأطباء وعدد كليات الطب.. ومزيد من الجوع والفقر ونقص الأرزاق رغم زيادة الموارد وتنوعها ورغم التوقف عن الحروب المكلفة المدمرة من اشباه حرب 1967 التى اهانت المصريين والعرب .. وكزيد من فقدان الأمن والأمان رغم زيادة عدد جنود وضباط الشرطة اضعافاً مضاعفة .. ومزيد من فقدان ومصادرة حرية الرأى وحرية التعبيروتحريم تداول السلطة بين الأطياف والتيارات السياسية فى المجتمع واحتكارها عن طريق حزب سلطوى واحد أوحد رغم نشأة وتواجد عدد كبير من الأحزاب السياسية  ..  وزيادة قهر المصريين فى وطنهم وخارج وطنهم رغم  زيادة وسائل التعبير والإعلام .. ونود هنا ان نؤكد ان الرئيس القادم اياً كان شخصه  وأياً كانت خلفيته السياسية والإجتماعية فأنه لن يحقق شئ من آمال المصريين وطموحاتهم ولن يغير من الأمر شيئاً .. لأن الأمرسيكون مرهون ومرتبط بهواه وهوى المنتفعين حوله .. حتى لو كان مخلصاً لقيم الخير والعدل والحق ولو كان محباً للشعب المصرى .. لأنه لا احد يضمن عدم انقلابه على عقبيه فى لحظة ما  ليتحول الى ديكتاتور ؟ وإن أحسن فلا أحد يضمن ان من يليه فى الحكم سيسير على نهجه ؟ إذاً يجب الا يتم ربط احلام الشعوب وطموحاتها وامالها وحريتها وخيرها بمزاج أى حاكم أواجتهاده  .. بل يجب ان تكون هناك قواعد حاكمة وفاصلة بين الشعب والحاكم .. توازن محسوب ودقيق بين السلطات بحيث يوازن بعضها بعضاً و بحيث لا تجور إحداهما على الأخرى .. ويجب الا تترك الشعوب لعشوائية الحاكمين وامزجتهم المتقلبة ونفوسهم المستبدة .. ويجب الا تكون الشعوب إرثاً أو ميراثاً لأحد سواء كانت اسرة أم فئة أم طبقة أم حزب ..  ويبقى ان نعود لسؤالنا الكبير والمحير.. لماذا يستسلم المصريون ويسلموا امرهم لحكامهم ويصبروا على ظلمهم وديكتاتوريتهم ؟ وأياً كانت الإجابة على هذا السؤال فأنىى اطالب المصريين بألا يعيدوا الينا عصر الإسر الفرعونية الحاكمة والآ يقفوا على حافة التساؤل رئيسهم القادم .. واطالبهم ان يقفوا وقفة شجاعة وصلبة وفارقة فى تاريخهم لينالوا دستوراً جديداً يستحقوه عن جدارة.. وليتمتعوا بحرية حقيقية لأنها حقهم المقدس وليحفظ لهم عزتهم وكرامتهم  فى وطنهم .. وحتى لا يظن الحاكم انه يمن أويتفضل عليهم بتلك الحرية.. كما أطالبهم ان يعملوا على اطلاق سراحهم من سجن الكبت والقهر والعهر السياسى الذى يُمارس عليهم ، وان يفرجو عن فجرهم الرهين .. وان يطلقوا شمسهم الكاسفة خلف غمام الديكتاتورية الأسود .. لكى تشرق وتنير وتدفئ ربوع مصر.. وأنا اثق ان المصريين قادرون على ذلك لأنهم خير اجناد الأرض وأول الموحدين لرب السماء .

  • Currently 63/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
22 تصويتات / 131 مشاهدة
نشرت فى 3 مارس 2010 بواسطة elatiar

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

11,388