شاع أن العامة يعرفون الفطريات حين يرونها فوق برتقالة عفنة .. أو رغيف خبز تُرك وشأنه أكثر من يوم فى العراء ، فحطت عليه جراثيم الفطريات ، وأنبتت عفناً أخضر اللون مرئيا ً.. ولكن هل يعلم الجميع أن الفطريات كما تصيب وتمرض يُكتب لنا عن طريقها الشفاء .. فها هم يستخلصون من بعض أنواعها المضادات الحيوية الأكثر شهرة وفاعلية، فتعالج بها أمراض ميكروبية أخرى تصيب الإنسان والحيوان والنبات على حد سواء !!
نعم .. فلقد خلقها البارىء جل شأنه على وجهين ؛ بحيث تكون جند تضر وتنفع .. والمقال الحالي يعرض لوجها النافع ، لاسيما وأن وجهها الضار عُرف للأكثرين .. لذا لم يكن من بد من أن نوجه ناظريك - عزيزي القارىء – نحو ما أنعم الله علينا به من فوائد جمة ومنن تستوجب الشكر والثناء ، والتالي ما هو إلا بعض يسير منها :
1- دور الفطريات فى المقاومة البيولوجية :
أصبح الآن لدى العلماء قائمة طويلة عريضة من السلالات الفطرية تلعب أفرادها دوراً بارزاً فى مجال المقاومة البيولوجية .. وتأتي فى الحقيقة أهمية الدور الذى يلعبه ميكروب ضد آخر فى مجال المقاومة الحيوية من كون الأول يمتلك قدرات هائلة لإفراز مواد مثبطة كالمضادات الحيوية ضد الثانى . ومثال ذلك ما يفرزه فطر كبيتوميم جلوبوسيم من مضاد حيوي يُدعى (كيتومين) لمقاومة مرض الجرب بالتفاح ، والذى يسببه فطر فينتيورا انكوليس . أما المضاد الحيوى المسمى (جليوتوكسين) فيفرزه فطر التريكوديرما فيردي ، وبامكانة السيطرة على مرض موت البادرات الذى يسببه الفطر الممرض المسمى بالبيثيم ... الخ . أو افراز إنزيمات محللة للجدر الخلوية الميكروبية أو افراز مركبات تُعرف بـ (سيدروفورات) ؛ وهى مركبات ذات أوزان جزيئية منخفضة ولها ميل شديد للحديد الثلاثى ، وتحدث تثبيط مثلها مثل المضادات الحيوية .. أوافراز مركبات تُدعى (بكتريوسينات) ؛ وهى مركبات عضوية ذات طبيعة بروتينية ، ولها تأثير مشابه لتأثير المضادات الحيوية .
ومن أشهر أمثلة السيدروفورات المستخدمة فى المقاومة الحيوية ؛ السيدوبكتين ، الأجروبسين وغيرهما ، وهما مفيدان مع محصول الذرة ومجموعة البقوليات . يقودنا الحديث عن المقاومة الحيوية – حتماً – إلى دور التكنولوجيا الحيوية في شكل من أشكالها البسيطة والمهمة فى آن واحد وهو التخلص من المخلفات الزراعية والمنزلية بأنواعها بطريقة آمنة عن طريق تدويرها إلى سماد عضوي مكمور أُجريت عليه العديد من الدراسات ، وثبت أنه فعال فى مقاومة أمراض التربة الفطرية وكذا البكترية منها لما يحتويه من بكتريا وفطريات نافعة تؤدي ذات الدور فى المقاومة البيولوجية ..
2- دور الفطريات فى الصناعة :
كم من الأدوار المفيدة والهامة تلعبها الفطريات فى مجال الانتاج الصناعي ، فمن مواد غذائية .. إلى إنزيمات ضرورية .. إلى أحماض آمينية .. إلى منظفات صناعية حيوية .. إلى كحولات ومذيبات عضوية .. إلى أحماض عضوية (كالستريك .. اللاكتيك .. ).. الخ .
انتاج الإنزيمات :
للفطريات كما للبكتريا نصيب فى كونها من المصادر الهامة للإنزيمات المنتجة صناعياً والمهمة تطبيقياً ، وإليك بعض الأمثلة :
§ إنزيم السيليوليز .. تفرز الفطريات - كمصدر رئيسى - إنزيم السيليوليز للاستقادة من المخلفات السليولوزية الوفيرة بالبيئة المحيطة . ولذلك تجدها – أى الفطريات - تستخدم بيولوجياً فى تحضير اللباب الأساسى المستخدم فى صناعة الأوراق ، وذلك عن طريق هدم السيلليوز؛ من مخلفات القش ، والأتبان ، ومخلفات قصب السكر . ومن أشهر الفطريات المستخدمه فى هذا المجال فطر ترايكوديرما كوننجاى ، فيوزاريوم ، كاتيميوم الخ ..
§ إنزيم اللاكتيز .. تفرز بعض الفطريات إنزيم اللاكتيز ، وذلك عن طريق تخمير سكر اللاكتوز إلى حامض لاكيتك . وتكمن أهمية هذا الإنزيم فى أنه يستخدم فى علاج الأعراض الناجمة عن عدم تخمر اللاكتوز فى المعدة فى حالة عدم وفرة اللاكتيز المفرز فى الجسم بفعل البكتريا الطبيعية ..
§ إنزيم الليبيز .. نجح اليابانيون بالفعل فى عام 1988م من إنتاج أول إنزيم (ليبيز) من فطر مهندس وراثياً ، بهدف استخدامه فى صناعة مساحيق الغسيل ليزيل البقع الدهنية أو الزيتية ، حيث ظروف الحرارة العالية والتقليب المستمر والعصر ..
§ إنزيم الاميليز .. تنتج الفطريات إنزيم الأميليز للاستفادة من مكونات الوسط المحيط بها المحتوية على المواد النشوية..
§ إنزيم الكيتينز .. ومن بين أشهر الفطريات التى تفرز إنزيم الكيتينزالهاضم للكتين ؛ الميوكر .. الأسبيرجلس .. الموتيريلا ..
§ إنزيم الليجنينيز .. الليجنينيزهو هذا الإنزيم الذى يقوم بهدم اللجنين حيويا ً. أما اللجنين فهو أحد المكونات الرئيسية للنبات . وتشتهر بعض الفطريات ، كالبوليستيكتس فيرسيكلور والستيريم هيرسوتم ، بقدرتها الفائقة فى هدم اللجنين المتواجد فى النبات الحى مسببة له أمراض تعفن السيقان والجذور . ويمكن لبعض البكتريا أيضاً أن تنتج الليجنينيز ، غير أن معدل التحلل سوف يكون أبطىء كثيرا عما تنتجه الفطريات . أما أهمية إنزيم الليجنينيز فمعروفة فى صناعة الورق ..
§ إنزيم المنانيز .. ويفرزه عدد من الفطريات .. وللمنانيز فوائد جمة من بينها أنه يدخل فى صناعة المواد الغذائية ..
§ إنزيم البكتينيز .. يفرز البكتينيز فطريات كثيرة مثل ؛ الأسبرجيلس نيجر .. أيروباسيديم بولولانس .. ريزوكتونيا سولاني .. بنسيليم أتاليكم .. وأنواع من الفيوزاريوم .. ولإنزيم البكتينيز أهمية صناعية كبرى فهو يستخدم مثلاً فى ترويق عصائر الفاكهة ..
انتاج حامض الستريك :
ينتج فطر (الأسبرجيلس نيجر) حامض الستريك – وأيضاً فطريات ميوكر بيريفورميس وبنيسيليم ريستريكتم .. وغيرهم - فى مزارعه لكي يُستخدم فى صناعات عديدة منها ؛ صناعة المشروبات الغازية .. الأحبار .. الشموع .. مواد الدهانات والطلاء .. بالاضافة إلى أهميته فى الصناعات الدوائية لانتاج الحبوب الفوارة .. وفى الصناعات الغذائية كمكسبات للطعم اللاذع للأغذية .. كما يُعتبر مادة حافظة طبيعية .. أيضاً فهو ذو أهمية كمضاد للأكسدة .. والجدير بالذكر أن هناك فى جسم الكائن الحى دورة تعرف بإسمه ، وهى دورة كريب ، (أو دورة حامض الستريك) والتى أكتشفها العالم البريطاني ذو المولد الالمانى سير (هانس ادولف كريب) .
وحامض الستريك آمن على الصحة جداً ، إلا أنه يحدث عند التعامل معه بشكل مباشر عن طريق اللمس نوع من الحساسية والأكلان للجلد والعين .. ولكن يمكن تفادى ذلك بالحرص فى التعامل معه . ونظراً لأهمية حامض الستريك التجارية والأكاديمية فقد صار انتاجه من الفطريات المعروفة بالأعفان شأناً حيوياً وجاذباً للعديد من الدراسات ..
استخدامات حامض الستريك :
لأنه كما قلنا يذوب بشكل جيد جدا فى الماء ، ولأن سميته منخفضة إلى حد بعيد فإنه يستخدم فى صناعة مكسبات الطعم .. وفى حفظ الأطعمة (الجيلى .. الفواكهة المحلبة .. الخضروات المجمدة .. المشروبات الغازية) وذلك عن طريق إتحاده مع الفلزات النادرة فيمنع تغير لون المشروب .. كذلك فهو يحفظ الوسط الغذائى والسائل عند مستوى منخفض من الأس الهيدوجينى ، أى حامضى ، مما يقلل من فرصة نمو البكتريا والفطريات والخمائر الضارة . وفى الصناعات الدوائية يلعب حامض الستريك دوراً كبيراً كمحلول منظم لقيمة الأس الهيدوجينى . ولأن حامض الستريك له القدرة على الامساك بالفلزات .. فهو يستخدم فى صناعة الصابون والمنظفات ، ولاسيما التى تستخدم مع الماء العسر ، ذلك النوع من الماء الذى لا يصنع رغوة بسهولة . ويلعب الستريك دوراً مهماً فى الأكسدة الفسيولوجية للدهون والبروتينات والكربوهيدرات بتحويلهم إلى ماء وثانى أكسيد الكربون .
3- فوائد اضافية :
فى الحقيقة لا يقتصر ما يقدمه عالم الفطريات للإنسانية من فوائد على ما ذكر وحسب ، بل أن هناك فوائد لم يتسع المجال المتخصص لذكرها، ورغم هذا فما علينا إلا أنه ننوه إلى بعض منها ، وهى كما يلى :
§ تزيد الفطريات من خصوبة التربة حيث تحليل المواد العضوية المعقدة إلى مركبات بسيطة ..
§ تستخدم بعض أنواع الفطريات فى تحضير أنواع شهيرة من الجبن ..
§ تستخدم بعض أنواع الفطريات كغذاء للإنسان ؛ كفطري عيش الغراب (الأجاريكس) ، الذي ينمو فى الأماكن ذات الرطوبة العالية ، والحرارة المعتدلة .. وبعض أنواعه صالحة للأكل ، فى حين أن بعضها الآخر سام يسبب الوفاة ، لذا يُنصح بعدم تناول فطريات عيش الغراب البرية ، والعجيب أن هذا الفطر كان يُستخدم قديماً كمبيد حشري .. وفطر الكمأة (أو الفقع ( ، والذي يتميز بأن له جزء ثمري يُؤكل يبقى تحت سطح التربة ويتراوح قطره بين 2- 10سم .. ويحتوي على قيمة جيدة من البروتينات والسكريات .. ومن أنواعها ما يُعرف بالزبيدي ولونه يميل إلى الأبيض .. والكمأة السوداء(أو الداكنة) ..
§ تعتبر الفطريات مصدراً هاماً لبعض الفيتامينات ..
§ يستخدم بعضها فى صناعة المعجنات مثل الخميرة .. بجانب استخدامها مع البكتيريا فى عمليات التخمر التكافلي .. وكملّين طبيعى للأمعاء .. و كمصدر لفيتامين (ب) وبعض البروتينات.. هذا وتفرز الخميرة إنزيم الدياستيز الذي يقوم بتحويل جزء من النشا إلى سكر جلوكوز ، ويتخمر الأخير فيتصاعد غاز ثاني أكسيد الكربون مما يساعد على انتفاخ العجين .
ساحة النقاش