<!--<!--<!--
<!--<!--<!--<!--
كنت أتوقع أفول نجم الاخوان المسلمين ... كلية بعدما سطع بعيد الثورة المجيدة ، ولكني ألمحت وتوقعت خفوته وتضاؤله الحثيث . جراء سياساتهم المستفزة ، وإقصائهم المتعمد وهيمنتهم الأحادية الولاء .
خاصة ما أسمته المعارضة بأخونة الدولة ، والتحكم والسيطرة على مفاصل الدولة ، فهم يجدون التبرير لأنفسهم بأنهم أحق بها وأهلها .. ولهم الحق ، ولا أنكر عليهم ذلك الأمر، ولكنهم تناسوا أن هذه دولة لكل المصريين ،
لا تراني مبالغاً إن قلت أن الجميع يطمعون في تولي كرسي الحكم في مصرـ في هذه الآونة ـ إلأ الاخوان فحسب ، وذلك بديهي ؛ لأنهم إعتلوا سدة الحكم بالفعل . ولا يطمعون الا في تثبيت دعائم الحكم.
كان الإخوان يتبعون سياسة الحزب الوطني المنحل ، ويسيرون على نهجه شبراً بشبر وذراعاً بذراع ، وهم ليسوا ملومون على ذلك ، فهذا نتاج ما تعلموه وما أكسبته تجارب العهود السابقة ،كغيرها من العادات اللا إرادية وليدة العادة ، والتنشئة ، ربوا عليها من النظام السابق كالتأقلم مع أي جو كان ، ومن سلبية عدم التصدي للفساد ،والإكتفاء بمجرد التلويح فحسب ، فهم ينسجون على منوال النظام السابق .
ومما يوضح محاكاتهم العمياء للنظام السابق ، وإقتفاء أثره وحذو حذوه، وما يزيد حدة التوتر هي السيطرة على البرلمان ، سيطرة محكمة بأغلبية ساحقة ، ولا أرى ذلك مجدياً ، الحق يقال أنها أغلبية جاءت عبر صناديق الإقتراع دون زيف أو تزوير ، ولكن سبقها تدبير قانوني محكم يفرض ذلك فرضاً.
بيد أن الجماعة كانت لا تتبع التوريث بمعناه التقليدي ، بل كانت تتبعه بمعناه الأعم الأشمل ألا وهو (الأخونة) . ومن سيطرة قله على مفاصل الدولة ،وظهور بطانة أو حاشية حول الرئيس ، يستاء الناس منها ، وتعطي إنطباعات سيئة لدى الشعب عن مدى إستقلاليته ،وحيدته من عدمها.
وليس من شك أن شعبية الجماعة بدأت في الإنخفاض ، حتى بين التيارات الاسلامية نفسها ، أو ما يسمى بتيارات الإسلام السياسي ، وأصبحوا يتمتعوا بسخط شعبي يبدأ رويداً رويداً حتى يصل الى قمة الإنحدار.
وهي في الحقيقة عادة المصريين ،التي تأصلت فيهم ملياً ، فقد ثاروا بعد صبر طويل ، وبعد إقصاء متعمد لهم عن ممارسة السياسة ، فما بالنا اليوم ونحن لا نشقى سوى بالسياسة
توقعت للجماعة وبمفهومي ووجهة نظري ،حالما استمروا على هذه الوتيرة ، ما حدث للحزب الوطني المنحل أعرق حزب في تاريخ مصر المعاصر ، وأصبح لاوجود له تماماً ، وهذا ما يلقي بظلاله على تاريخ الجماعة ،الذي أراه ضارباً بجذوره في الحياة السياسية .
وحتى أحقق كلامي بمعطيات علمية سليمة خالية من التحيز لفئة دون فئة ، أو فصيل دون آخر، وحتى لا يكون الكلام على عواهنه ، هناك بعض الفئات التي لا ترتاح الى ذلك الفصيل ، وترفضه من حيث المبدأ رفضاً باتاً، حقيقة ؛ لقد اثاروا إشمئزاز جميع التيارات الأخرى بالدولة ، وبقايا النظام السابق المنحل ، وأجهزة حيوية بالدولة ، والمجتمع الارستقراطي بأكمله ، والمرأة بمختلف الطوائف ، وبعض العاملين بالقطاعات المختلفة ، كالسياحة والفن والوسط الكروي .
وكنت أتوقع عدم وصولهم للحكم كرة أخرى ، حال بقائهم في السلطة . بل أتوقع أنها بداية النهاية لهم ، كما أتوقع عزوف نهائي للشعب عن السياسة ، بعد معاناة اقتصادية وأزمة قريبة ستمر بها مصر ، جراء الخلافات والتنازع على الحكم .
لم تختلف سياسات حزب الحرية والعدالة كثيراً عن الحزب الوطني المنحل ، وخاصة سياسة الحزب الأوحد المسيطر ، على غرار الإتحاد العربي الاشتراكي ، إبان الحقبة الناصرية ،ومحاولة تخوين الفصائل الأخرى ، وإتهامهم بممالأة الغرب وتحقيق مصالحه في مصر.
واعتقادهم بأنهم الفصيل الوطني الوحيد ، وما عداهم إما خائن أو متآمر ، وتجنيد معارضة أو جبهات صورية أو كارتونية ، للتدليل على الديمقراطية ، وهم ليسوا معارضين حقاً ، بل مؤيدين ومتشددين لتلك الأنظمة . ومحاولة الإحتكاك بمؤسسات ضخمة في الدولة كمؤسسة القضاء ؛ تلك المؤسسة التي كانت في صراع مع حكم الإخوان منذ تولي الجماعة الحكم ، بدءاً بعزل النائب العام تارة ، ثم بالتهديد بقانون السلطة القضائية ، وما فيه من مواد تهدد حياة القضاء وتخفض سن التقاعد تارة أخرى ، وهذا كله يتعارض مع طموحات وآمال القضاة بوجه عام ، لا سيما الإحتكاك بالإعلام ومحاولة السيطرة عليه ، بسذاجة ونمط كان متبع في السابق ، أو تركه كما يحلو له ليثير الرأي العام .
ومن دافع المسئولية والخوف على المصلحة العامة أني أرى أن المبادرة الأولى ـ في عصر كثرت فيه المبادرات ـ هي الإصلاح ، والإصلاح ضرورة حتمية لا بد منها .لا سيما الإصلاح السياسي المنشود ، الذي لطالما طالبوا به النظام السابق في الحقبة السابقة. فأذكرهم ، ومن منطلق قوله: أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم .
إن مصر لكل المصريين ، العلمانيين واليبراليين والاسلاميين ،والمسيحيين ، إنها وطن الجميع ، لا مزية لفصيل على آخر ، ولا فضل لفصيل على آخر إلا بالوطنية الحقة ، التي نراها رأي العين دون زيف أو إدعاء.
فطوبى لمن فقه السياسة وألاعيبها ، وسلك دروبها برفق دون الالتفات عن إرادة الشعوب وأمانيها وطموحاتها ، وثبت ركائز حكمة بالتأييد الشعبي العام .