محمد عبد السلام - منسق برلمان دمياط - باحث دكتوراه في الانتخابات

مقدمة

     إذا كانت العلوم بشكل عام يمكن أن تصنف وفق ثلاث مجموعات أساسية بحيث تشمل المجموعة الأولى العلوم الطبيعية، سواء تلك التي تبحث في المادة غير الحية كما هو الحال في الكيمياء والفيزياء، أو تبحث في الكائنات الحية كما هو الحال في علم الأحياء أو النبات. في حين تشمل المجموعة الثانية العلوم الرياضية، والتي تبحث في الكم والخواص المجردة من أعداد وأشكال. أما المجموعة الثالثة فتضم العلوم الاجتماعية والإنسانية، والتي تتمحور حول الإنسان وأحواله كعلم النفس والاجتماع والاقتصاد.

 

     فإننا لا يمكن أن نضع الجغرافيا تحت أي مجموعة من المجموعات السابقة، فهي ليست بالعلم الطبيعي الصرف، كما أنها ليست بالعلم الاجتماعي الصرف. وإنما هي جسر يجمع بين العلوم الطبيعية والعلوم الاجتماعية في نسق واحد تتفاعل فيه البيئة الطبيعية مؤثرة في الإنسان ومتأثرة به. بحيث يخرج في النهاية مركب جغرافي متكامل ناتج عن هذا التفاعل بين المكونات الطبيعية والبشرية للبيئة الجغرافية. ومن هنا نجد أن التفسير المتكامل للعديد من الظاهرات البشرية وفق المفهوم المتكامل لعلم الجغرافيا هو أحد الأمور التي يجب العناية بها.

 

     وعليه فإن تعريف الجغرافيا بأنها " علم التخصص في عدم التخصص"، هو أحد التعريفات الهامة للجغرافيا والتي تؤكد على الطبيعة التركيبية لعلم الجغرافيا والتي تتداخل فيها أفرع الجغرافيا المختلفة سواء منها الطبيعية أو البشرية. وعليه فإن الجغرافيا تدرس البيئة بكل مكوناتها والتي لا يستطيع أن يفهمها أو أن يدرسها بهذا الشكل باحث آخر في أفرع العلوم الأصولية المختلفة بسبب محدودية رؤيته النابعة من طبيعة تخصصه.

 

     ولم تعد الدراسات الجغرافية في الوقت الحاضر دراسات تقليدية نمطية أو كشفية وصفية بل أفرزت الاتجاهات  المعاصرة  في الجغرافية  فروعاً جديدة  ترتبط  بالواقع البشرى المعاصر كجغرافية  الانتخابات "Electoral Geography" وجغرافية الأديان والصراع الدولي والسلام ويمكن القول أن جغرافية الانتخابات كانت من اسهامات المدرسة الجغرافية الفرنسية والتي تطورت لتشمل اهتمام عدد من المختصين في حقل الجغرافية السياسية بهذا الموضوع في الوقت الحاضر وفى مختلف جهات العالم.

 

     ولم تعد دراسات الجغرافيا السياسية في الوقت الحاضر أسيرةً لدراسة الدولة كونها وحدة سياسيةً، إلا أنها اتجهت نحو دراسات عديدة ومتعمقة ترتبط بالتحولات الاقتصادية والسياسية العالمية التي طـرأت عـلى الساحة السياسية خلال العقود الأخيرة من القرن العشرين وأوائل القرن الحادي والعشرين. بالإضـافة إلـى انتشار مفاهيم جديدة مثل: العولمة والمقرطة (إشاعة الديمقراطية)، وأيضاً ظهور بعض الدراسات الخاصة بسلوك الأفراد والجماعات تجاه بعض الظواهر مثـل: دراسـة السلـوك الانتخابي للأفراد وتأثره بالظروف الجغرافية (جغرافية الانتخابات) Electoral geography.

 

     وتعد جغرافية الانتخابات فرع جديد تناولتها الجغرافية السياسية وتعد من المواضيع الحديثة والتي لها تأثير مباشر في الوضع السياسي الداخلي والخارجي للدولة، ومما لا شك فيه أن جغرافية الانتخابات بما تحتويها من دراسات في الأنماط الانتخابية والسلوك الانتخابي، قد أضافت بعدا جديدا للجغرافيا السياسية بشكل خاص وللجغرافيا بشكل عام، فجغرافية الانتخابات هي جزء من الجغرافيا السياسية، وذلك لأنها تهتم بدراسة تباين الأنماط الانتخابية من مكان إلى أخر، وتحديد أسباب هذه الاختلافات، وهذا يعد من صميم اهتمام الجغرافيا كما تستطيع الاستفادة من البيانات والاحصائيات الانتخابية المتاحة في إثراء الجغرافيا بأبحاث ودراسات متميزة على اعتبار أن ظاهرة الانتخابات هي ظاهرة مستمرة ومتغيرة من فترة إلى أخرى، وأن تتبع هذه الظاهرة ومتغيراتها يحقق هذا الإثراء.

     من هذا المنطلق فإن جغرافية الانتخابات هي جوهر الجغرافيا السياسية خاصة وأن الهدف النهائي للجغرافية السياسية هو توضيح المسببات والنتائج المكانية للعمليات السياسية. وفي هذا المجال بالذات – دراسة العمليات المكانية واختلافاتها – تستطيع جغرافية الانتخابات أن تضيف بعدا جديدا للدراسات الجغرافية.

     ويأتي هذا الكتاب كأول كتاب مصري في مجال جغرافية الانتخابات، وإن سبقته محاولات عديدة لدراسة هذا الفرع ولكنها عبارة عن أبحاث ورسائل علمية تناولت جزء أو منطقة معينه، ولعل هذا الكتاب يكون اضافة للمكتبة الجغرافية يؤصل لفرع جديد ويضع ملامحه العامة وطرق البحث فيه.

     ويتألف الكتاب من أربعة فصول، يتناول الفصل الأول جغرافية الانتخابات من حيث ماهيتها ونشأتها وتطورها وأنماطها وأوجه المقارنات الكمية فيها. ويعرض الفصل الثاني مجالات البحث في جغرافية الانتخابات، مثل التنظيم المكاني للدوائر الانتخابية، الهيئة الناخبة وخصائصها، جغرافية المرشحين، التصويت و السلوك المكاني للناخبين، النظم الانتخابية ومغزاها الجغرافي، و جغرافية الحملات الانتخابية.

     ويدرس الفصل الثالث مناهج البحث في جغرافية الانتخابات، والتي من أهمها، المنهج المساحي أو التقليدي، المنهج المكاني أو السلوكي، ومنهج النظم، بالإضافة لعدد من المناهج الأخرى.

     أما الفصل الرابع فيعرض مجموعة من الدراسات التطبيقية لبعض مجالات الدراسة في جغرافية الانتخابات مثل التطور الجيوتاريخي للدوائر الانتخابية بمحافظة الدقهلية، وكذلك التنظيم الديموغرافي للدوائر الانتخابية، وكذلك دراسة تطبيقية لانتخابات مجلس النواب عام 2015، ويختتم الفصل بكيفية تخطيط الدوائر الانتخابية.

     ونحن إذ نقدم للمهتمين بالجغرافية السياسية بصفة عامة وجغرافية الانتخابات بصفة خاصة هذا الكتاب نستهدف منه التثقيف المنهجي وترويج الثقافة الجغرافية خاصة المرتبطة بالجغرافيا السياسية نظرية وتطبيقا، ونتمنى أن يستفيد منه الجميع كأول لبنه في تأسيس مدرسة لجغرافية الانتخابات في مصر، ونرجو من الله الثواب.

وعلى الله قصد السبيل

                                              محمد عبد السلام

 

 

المصدر: كتاب جغرافية الانتخابات بين النظرية والتطبيق تأليف د / محمد عبد السلام
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 82 مشاهدة
نشرت فى 23 فبراير 2019 بواسطة ebnmasr

ساحة النقاش

محمد عبد السلام - معد ومقدم برامج تلفزيونية

ebnmasr
محمد عبد السلام - معد ومقدم برامج تلفزيونية »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

26,696