بالصور: «مستعمرات الجذام».. الموت على صخرة الإهمالالجمعة، 18 ديسمبر 2015 02:38 م
<!--Share Icons--> هشام صلاحما أقسى أن تكون مريضًا وملفوظًا من المجتمع في آن واحد.. تعيش خائفًا ومرعوبًا من سقوط أطراف جسمك، الواحد تلو الآخر.. أنهم مرضى الجُذام.. أحد أخطر وأشرس الأمراض.. المنسيون والمعذبون على أرض مصرية.
مستعمرات أنشأتها الدولة، وحصّنتها بقوات من سلاح الهجانة، لعزلها تمامًا عن الدنيا، وكانت المهمة الرئيسية للقوات قديمًا الحد من حركة المرضي لتقليل نسبة انتقال المرض. ومع مرور الزمن، تقلّص عدد حراس المستعمرة، حتى وصل إلى زوج من العساكر يحرسانها باستخدام الجمال.
مرضى الجُذام في ثلاث مستعمرات منذ فترات طويلة، وهى مستعمرة أبو زعبل، وعبدالقادر، والعامرية، ولا يغادروها أبدًا، فمعظم المرضى يتخذونها ملجأ، بينما قديمًا اتخذت أسرهم من المناطق المجاورة مسكنًا ليكونوا بجوارهم، لكن الآن أصبحت المناطق المتاخمة مجتمعًا سكانيًا ضخمًا، اقترب امتداده إلى سور المستعمرة ليصبحا جزءًا واحدًا.
يتطابق شكل المرضى في المستعمرات الثلاث، مع شكل الجنود المهزومين والخارجين من معركة حربية خاضوها بلا سلاح أمام جيش كامل العتاد، ترصد «صوت الأمة» أحوال المستعمرات المنسية..
مستعمرة الجُذام بأبو زعبل
لم تشاهد في الطريق إليها سوى الرمال وبعض حدائق التين الشوكي، ولم نسمع فيها سوى أصوات الكلاب والذئاب، تلك هى مستعمرة الجُذام، الحقيقة السوداء لأسطورة الموتى الأحياء، أناس لا يعلمون أي شيء عن العالم الخارجي، الذي يجهلهم وينفر منهم ويعتقدون أنهم مجرد أشخاص تتساقط أطرافهم بفعل قوة شريرة تقضي عليهم.
تلك هى مستعمرة الجُذام التي تم إنشاؤها سنة 1932، بمنطقة نائية معزولة بناحية أبي زعبل مركز الخانكة محافظة القليوبية، لعزل ورعاية مرضى الجُذام.
حياة متكاملة
المستعمرة تبعد عن محافظة القاهرة مسافة ٥ كيلو مترات، ويحيطها من جهتي الشرق والشمال منطقة صناعية، بينما تلفها مزرعة جبلية مساحتها ١٢٥ فدانًا يرجع الفضل في إعمارها إلي المرضى أنفسهم.
يحيط بالأقسام الثلاثة سور كبير، توجد بجواره محطة لتنقية المياه التي يشربها المرضى، ويُقال إنها السبب في إصابة العديد منهم بالفشل الكلوي، نتيجة لارتفاع نسبة الأملاح، وعدم كفاءة عملية التنقية.
وفي المستعمرة مخبز ينتج ٢٤٠٠ رغيف يوميًا، لا تكفي المرضى الذين اضطروا إلي بيع وجباتهم من اللحوم والدواجن، وشراء خبز إضافي.
مرضى مطاريد
أن المستعمرة ستبقى علامة واضحة على جهل أربعينيات القرن الماضي، الذي كان يتعامل مع هؤلاء المرضى على أنهم وباء، يجب حبسهم في مكان بعيد عن البشرية، فاختاروا هذا المكان المعزول الموجود في قلب الصحراء، وكأنهم المطاريد الذين يتخذون من الجبل مأوى لهم.
تعامل غير إنساني
لم يكن العزل هو الأمر الوحيد الذي يُمكن أن نقول عليه إنه سبب مباشر في التعامل غير الإنساني مع هؤلاء المرضى، ولكن طريقة التعامل في أربعينيات القرن الماضي، خاصة في طريقة نقل المرضى، فعند اكتشاف أي مريض، كانت تذهب إليه قوة من الشرطة تقبض عليه وكأنه فعل جريمة، وتحضره إلى المستعمرة للعزل، وكانت القوة تقوم بالقبض عليه بطريقة همجية على مشهد من أهل الحي أو القرية، الأمر الذي جعل المرضى، خاصة القدامى منهم، يختزنوا فكرة أنهم منبوذون من العالم، خاصة أن هذا الإحساس يزداد مع أسلوب تعامل الأهالي مع مرضاهم.
مشكلة مزمنة
المشكلة الحقيقية أن المرض مازال يصدر حالات جديدة للمستعمرة، فهي تستقبل سنويًا 649 حالة جديدة، ورغم أن الجذام ينتشر في كل محافظات مصر تقريبًا، إلا أن معدل الإصابة بنسب متفاوتة بشكل كبير، وتعد محافظات الصعيد الأكثر عرضة للإصابة بمرض الجذام، وتستحوذ مدينة إسنا بمحافظة الأقصر بمفردها على حوالي ربع المرضى، ثم محافظات قنا وأسوان وسوهاج وأسيوط والمنيا وبني سويف والفيوم، ومُدن القناة والإسكندرية أقل المحافظات إصابة بالمرض.
هذا التعامل الغير إنساني مع المرضى، أختزن بداخلهم انطباع بشع عن البشر جعلهم لا يفضلون ترك المستعمرة، أن المرضى أشعلوا ثورة منذ 12 عامًا رفضًا لتغيير اسم الموقع من مستعمرة إلى مستشفى، حتى لا تطردهم الحكومة، فهم لا يريدون الخروج من المستعمرة ولا يريدون الاحتكاك بالناس مرة ثانية.
مفاجئة مدوية
مفاجأة مدوية بخصوص الأسباب الحقيقية وراء انتشار المرض، وتوطنه بالمناطق المتاخمة للمستعمرة مثل عزبة شكري، وعزبة الأصفر، والباشا، والأبيض، وغيرها داخل الحزام الجغرافي للمستعمرة، مؤكدين أن السبب يعود إلى انتشار مصانع السيراميك، والشبة، والأسمدة والكيماويات، ووجود المصارف، والمستنقعات التي تخترق بيوتهم، فضلًا عن وجود أكوام من المخلفات دون مراعاة لأي أصول صحية لدفنها، في ظل انعدام الضمير وغياب المسئولية لدى القائمين علي شئون البلاد، الأمر الذي جعلهم فريسة لهذا المرض.
مستعمرة عبد القادر للجُذام بالإسكندرية
في مكان معزول في أقصى أطراف مدينة الإسكندرية، بمنطقة عبد القادر، تقع مستعمرة الجذام، مكان معزول مغلق على من فيه من بشر منسيون ومعذبون، بسبب إصابتهم بالمرض الأشرس والأكثر رعبًا، الذي يتسبب في تآكل وتساقط الأطراف، فبعضهم لم يخرج من المستعمرة لسنوات طويلة خوفًا من مواجهة المجتمع بما فعله المرض بوجوههم وأطرافهم.
المستعمرة التي أقامها الإنجليز، مطلع القرن الماضي، على مساحة 40 فدانًا، يعيش المرضى داخلها وكأن لهم عالمهم الخاص، لا يشغلهم ما يحدث في العالم الخارجي، فمرض الجذام وهو مرض فيروسي مُعد، لا يوجد له علاج، ولذلك تكيّف المصابون به على قضاء بقية حياتهم في سجن المستعمرة الأبدي.
مباني متهالكة
وعلى الرغم من الحياة الصعبة والمعاناة، التي يلاقيها قاطنو المستعمرة، إلا أنها لم تسلم من الإهمال الذي ضرب بأوصاله عددًا كبيرًا من المستشفيات الحكومية، فمباني المستعمرة متهالكة لم يتم تجديدها منذ سنوات، حتى أنها أصبحت آيلة للسقوط، كما تنتشر الحيوانات، والقوراض بها وبين أسرّة وغرف المرضى.
معاناة المسنين
تعانى المستعمرة من إهمال من جانب إدارة المستشفى والمسئولين بالصحة، وكذلك انقطاع المياه والكهرباء لفترات طويلة من اليوم، على الرغم من حاجة مريض الجذام للمياه بشكل متواصل. ويقضي المرضى حياتهم في العمل والزراعة وحصاد ما يزرعون، على الرغم من تخطيهم سن السبعين والثمانين من العمر.
مستعمرة الجُذام بالعامرية
45 مريضًا هم ما تبقوا من سكان مُستعمرة الجذام بالعامرية، أشباح من الماضي عُزلوا عن المجتمع عندما كان المرض يشكل خطورة وبائية، ثم فقدوا سُبل العودة إلى حياة طبيعية.
تبعد مُستعمرة الجذام 2 كيلوات من الطريق الرئيسي لمنطقة العامرية غرب مُحافظة الإسكندرية، تحوطها من كل مكان الأشجار الكثيفة المزروعة بثمار التين والصبار والبصل، وهي نتاج عمل المرضى بهذه الأرض على مدار عقود طويلة، أما بالنسبة لحجرات المرضى، فهي مجرد عنابر مبنية منذ أكثر من مائة عام بالطوب الأبيض، علي يد الاستعمار الإنجليزي وقت إنشاء المستعمرة.
حشرات وفئران
حالة من الإهمال الشديد، تعانيها المستعمرة، سواء من انتشار الحشرات الخطرة والفئران من ناحية، أو نقص علاجات المرضى المقيمين بها من ناحية أخرى، وعدم تواجد رعاية صحية وإشراف طبي كاملين، فضلًا عن وجود إهمال جسيم في صحة هؤلاء المرضى من قبل المسؤولين.
وبالرغم من كون حي العامرية، يحتوي علي مناطق سكنية جديدة بها عقارات ومدن جديدة، إلا أنها بدأت تتحول لموطن وبؤر للأمراض، بسبب وجود مستعمرة الجذام التي تقع علي بعد 2 كيلو من الطريق الرئيسي لمنطقة العامرية غرب محافظة الإسكندرية، والتي تحوطها من كل مكان الأشجار الكثيفة.
المحرقة
مستشفى الجذام الذي يعود تاريخ إنشائه إلى أكثر من مائة عام بالطوب الأبيض، إلا أن الطامة الكبرى بالنسبة لأهالي المستعمرة هي المحرقة، التي أُنشئت داخل مستشفى الجذام، والتي تعمل بالسولار وسعتها نحو 100 كيلو جرام في الساعة، وتحرق ما يقرب من 500 600 كيلو جرام كل 6 ساعات، كما تقوم هذه بحرق المخلفات الطبية الخطرة الخاصة بمستشفى المستعمرة، بالإضافة إلى المخلفات الطبية التي يتم تحويلها من مديرية الشئون الصحية، كما أن درجة حرارة المحرقة لا تصل إلي الدرجة المطلوبة لحرق النفايات.
مستعمرة الصعيد المفتوحة
وكأن الجُذام والمرض النفسي المصاحب له، ونبذ المجتمع لم يكن كافيًا، فأصبح هناك تجاهل تام من قبل الحكومة أيضًا، أنها قرى صعيد مصر، المستعمرة المفتوحة لمرض الجزام.
منذ أن تطأ قدماك داخل المبنى الرئيسى لمستشفى الجذام بقنا، تشعر للوهلة الأولى بالخوف من المرض، خاصة بعد رؤيتك للمرضى، الكل يخاف منهم، ويبتعد عنهم.
وباء منتشر
فالمرض أكثر انتشارًا في مدينة إسنا، وهناك قرى داخل المحافظة يستحيل التواصل مع الأهالي بها، فالعديد من المرضى يصابون بالجروح دون ملاحظتها، لأنهم يفتقدون الإحساس في الأطراف، وتبدأ الإصابة ببقع جلدية في اليد أو القدم، ثم تورم، ثم التهاب، ثم إعاقة مستديمة.
وهناك 3 آلاف و146 حالة بإسنا تتلقى العلاج، ولم يتم الإعلان إلا عن عدد محدود، نظرًا لعدم إثارة مسألة المرض إعلاميًا.
قري موبوءة
وصلت عدد حالات الإصابة بالمرض لأكثر من 1200 حالة في مركز إسنا، خاصة في «عزبة المسيحيية والعضايمة، والقرايا، والنمسا، والنمساوية، وكومير، والترعة، وجزيرة راجح»، كما وصلت معدلات الإصابة في أرمنت لأكثر من 100 حالة، بحسب مصدر داخل وحدة الجلدية في مركز إسنا.
قرية النمسا إحدى قرى مركز إسنا، يبلغ إجمالي سكانها تقريبًا 11 ألفًا، يؤكد «نصر» عمدة القرية، أن نسبة المصابين بمرض الجذام تمثل 32% من أبناء القرية.