<!--

ما هي العلل والأسباب التي أدت إلى انحطاط المسلمين في الاخلاقهم؟

موضوع درسنا اليوم في بيان العلل والأسباب التي أدت إلى انحطاط المسلمين في أخلاقهم وأحوالهم الاجتماعية وأفضت إلى انتشار الفساد فيما بينهم حتى أصبحوا بفساد أحوالهم كحجة على الإسلام وإنا لنأسف اشد الأسف على هذه المأساة المحزنة والنكبة العظيمة التي أصبنا بها في أخلاقنا فهوت بنا من سماء العزة والمجد إلى حضيض الضعة والمسكنة وأصبحت بسببها تلك الأمة التي هي خير أمة أخرجت للناس والتي كانت قناتها لا تلين لغامز مفرقة الأوصال مشتتة الشمل وضعيفة الجناح ولكنا مع ذلك أمام أمر واع لابد لنا من درسه وفحصه لتعرف اسباب الفساد وكيف تسرب إلى قلوب المسلمين فإن الداء إذا لم يعرف أصله ومنشؤه عسر علاجه وأعيا الطبيب مداواته.

لو ذهبنا نستقصي العلل والأسباب في هذا الفساد المنتشر لوجدنا أن منشأها الوحيد هو جهل الناس بأصول دينهم وما يرمي إليه من مقاصد سامية وعدم إذعانهم لعقائده وأحكامه عن دليل صحيح يملك زمام النفس وعدم فهم أسرار التشريع وما اشتمل عليه منطرق الإصلاح وانحلال العقائد في قلوب كثير من الناس حتى لقد أصبح الدين عند كثير من الناس كالعادات الوراثية التي يأخذونها بالتلقين عن آبائهم وصار كثير من المنتمين إلى الإسلام مسلمين تبعاً للبيئة التي نشأوا فيها.

فلم يكن لعقائده سلطان على نفوسهم ولا لأحكامه وشرائعه هيبة في قلوبهم وترون هذا الأثر ظاهراً جد الظهور في طبقة العامة من الأمة وهم السواد الأعظم من الشعب بل وفي كثير من الطبقات الأخرى تسأل أحدهم عن دينه فلا يجيبك بأكثر من أنه نشأ مسلماً بين قوم مسلمين فهو لا يعرف من الإسلام إلا الصورة التي شاهد آباءه عليها ومثل هذا لا يؤثر فيه تعليم الإسلام.

كان من نتائج زوال سلطان الدين عن قلوبهم وعدم استيلائه على حواسهم ومشاعرهم أن مات فيهم الوجدان الظاهر والإحساس الشريف، وأصبحت نفوسهم عرضه للآفات النفسية وهذه الآفات أو إن شئت قلبت هذه العيوب هي: الإلحاد – الحرية الكاذبة – تقليد الغربيين تقليداً أعمى في مفاسد مدنيتهم وترك ما نهضوا به من العلوم والعمال النافعة سواء الحالة الاقتصادية أو الاجتماعية.

وسنتكلم على ما لكل آفه من الأثر في انتشار الفساد.

أما الأهواء والشهوات فهي من أكبر الآفات التي أدت إلى انتشار الفساد في بلادنا وللشهوات سلطان كبير على النفوس المريضة فإذا استولى هذا السلطان على قلب الإنسان حال بينه وبين الانتفاع بمواهبه وقد صور الله هذا المعنى في كتابه العزيز بقوله: "أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلا أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلا" وأنت تعلمون أيها الإخوان الكرام أن الشهوات لا حد لها تقف عنده ولا غاية لها تنتهي إليها وهي تتصل بالنفوس اتصالا مباشراً وترتبط بها ارتباطاً وثيقاً محكماً فكان الخطر لذلك عظيماً والبلاء أليماً والرزء جسيماً. لماذا؟ لأن النفس البشرية أشد تأثراً بهذه الأمراض. والقاعد  العامة : متى فسدت النفوس البشرية فسدت الأمزجة ولؤمت الطباع وخبثت العادات وانحلت الأخلاق وبذلك تنحط الأمة.

هكذا استولت الشهوات على نفوس الناس فكان من نتائجها أن دفعتم إلى ارتكاب المنكرات وسولت لهم أن الخير والسعادة في هذه الأمور الخبيثة التي تنفر منها الفطر السليمة وتمجها العقول الناضجة فاندفع الناس تحت هذا التأثير الشديد إلى فعل الجرائم والمنكرات إلا أنهم افترقوا في فعالها إلى فريقين:

فريق يفعل الجريمة ثم يأخذ في تعليلها بالعلل السخيفة الباطلة ليدفع عنه لوم اللائمين وليلبس الجريمة صورة من صور الحق فهو يغالط نفسه في الحقائق ويظن أنه يغالط الناس أيضاً. وأكثر ما يكون هذا في المتعلمين: يشرب أحدهم الخمر إجابة لداعي الشهوة فإذا لامه أحد على شربها قال أنا لا اريد السكر وإنما أستعين بها على الهضم وتقوية البنية ويزنى ويعلل ذلك بأنه إجابة لداعي الطبيعة وبأنه شر لابد منه إلى غير ذلك وهؤلاء يودون الظهور بمظهر الفضلاء ويظنون أنهم بهذا التعليل السخيف وبتلك المغالطة قد خرجوا من حمأة الرذيلة ولقد أخطؤوا في هذا الظن وجنوا على أنفسهم جنايتين: أولا تدنيسها بفعل المنكر، ثانياً خداعها وغشها ومغالطتها في الحقيقة.

والفريق الثاني يفعل الجريمة بدافع الشهوة الخبيثة ولا يبالي أن يكون في نظر الناس مجرماً. وهؤلاء هم الذين فقدوا وازع الحياء واتخذوا الجرائم وسيلة للرزق كاللصوص والنشالين والمحتالين وكلا الفريقين ضال عن صراط الاعتدال.

وقد زين لهم سوء عملهم كما قال الله تعالى في وصف أمثالهم:

" كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ " وقال: " وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ ".

كان من نتائج انتشار هذه الموبقات أضرار اجتماعية وأخرى شخصية. فأما الأضرار الاجتماعية فأعظمها إفساد البيئات وانتشار كثير من الأمراض التي سببها الزنا وتخريب البيوت العامرة وتفريق قلوب الناس وإحداث الشغب.

وأما الأضرار الشخصية فأنكاها أثراً قتل الوجدان الطاهر والإحساس الشريف وتدنيس النفيس وآنحرافها عن أصل الفطرة الطاهرة الزكية التي فطر الله الناس عليها.

الإلحاد: هو من الآفات التي لها أسوأ الأثر في انتشار الجرائم والمفاسد الخلقية فإن الملحد لا يعتد بوجود إله مطلع على جميع أفعاله ولا يعتمد بعثاً ولا نشرا ولا جنة ولا ناراً بل يرى لذته محصورة في هذه الحياة الدنيا فهو يسعى بكل الطرق الممكنة ولا يبالي بارتكاب أي منكر في سبيلها وقد جعل الذة والألم معياراً للفضائل والرذائل فالفضيلة عندهم كل ما حصل لهم من لذة والرذيلة كل ما سبب لهم ألماً بذلك هدموا الحدود الفارقة بين الفضيلة والرذيلة وأصبحت الفضيلة والرذيلة تبعاً لاعتبارهم وتقديرهم ولا يخفى أنه متى طمست المعالم الفارقة بينهما فعلى الأخلاق العفاء. ومن عجيب شأن هذه الفئة أنها لا تكتفي بأن تكون ملحدة في نفسها بل تنفث السم الزعاف في غيرها من أبناء الأمة وشبابها طلباً للعصبية وتكثيراً للتبع كما يفعل أهل المشارب وعبيد المسكر إذ يطلبون الندماء تخفيفاً لعار الفضيحة الذي يلحقهم منه كثير إذا انفردوا والي جرأ هؤلاء الأغرار على الإلحاد، وتعليمه وإذاعته، هو الغرور . والغرور بخور الكبر، والكبر اساس الشر، فما أخرج إبليس من دار الكرامة ، وما جعله رجيماً إلا كبره.

حقاً إن بعض هؤلاء الدعاة إلى الإلحاد مغرورين بأنفسهم لأنهم يحسبون أنهم على شيء كبير من العلم وقد غاب عنهم أن العلم وحده بدون الأخلاق الفاضلة لا ينفع صاحبه بل كثير من العلماء اضله الله على علم كما ال الله تعالى: " أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَىٰ عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِ غِشَاوَةً" أما الذي نخشاه من هؤلاء الملحدين هو سريان سمومهم في عقول الشبان والشابات ضعفاء العقول مثلهم بنشر إلحادهم وأي مسلم يرضى أن يضل شبابنا وشاباتنا بهذا الضلال الذي يفسد العقل ويدعو إلى الفتنة ومن فتن المؤمنين والمؤمنات يستحق العذاب السرمدي حتى يتوب ويندم على ما قدم وصدق الله العظيم الذي يقول: " إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ" .

نعوذ بالله من الضلال بعد الهدى ومن الزيغ بعد الاستقامة ومن الكفر بعد الإيمان.

إذا كنت من فرط السفاه معطلا            فيا جاحد أشهد أنني غير جاحد

أخاف من الله @ آجلا     وأعرف أن الأمر في يد واحد

فإني رأيت الملحد يعودهم    ندامتهم عند الأكف الواحد

وصلى الله على نبينا محمد الذي أخبر عن هؤلاء الملحدين في حيث حذيفة بن اليمان الذي رواه الإمام مسلم في صحيحه قال رضى الله عنه: كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني فقلت: يا رسول الله، كنا في جاهلية وشر، فجاءنا الله بهذا الخير فهل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: قلت: وهل بعد ذلك الشر من خير؟ قال: نعم وفيه دخن (أي فساد). قلت: وما دخنه؟ . قال: قوم يسننون بسنتي ويهتدون بغير هديي تعرف منهم وتنكر. فقلت: هل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: نعم دعاة على أبواب جنهم من أجابهم إليها قذفوه فيها. فقلت: يا رسول الله صفهم لنا. قال: قوم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا. قلت: يا رسول الله فما ترى إن أدركني ذلك؟ قال: تلزم جماعة المسلمين وإمامهم. فقلت: فإن لم تكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال: فآعتزال تلك الفرق كلها ولو أن تعض على أصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك.

التقليد الأعمى في الحرية الكاذبة: هي من أسباب الفساد الفعالة والمراد بها الحرية الشخصية ولقد كانت هذه الحرية من أكبر دعائم العمران لو أن الناس فهموا معناها على وجهه وأحسنوا استعمالها لكنهم أخطؤوا في الأمرين فاتخذوا الحرية الشخصية سبباً في فعل المنكر ودرعاً يتقون به سهام اللوم فعادت شراً مستطيراً . ولو ذهبنا إلى احترام كل حرية شخصية لكان لنا أن نترك الفاسق يفسق جهاراً على قارعة الطريق والسارق يسرق ما يشاء والقاتل يقتل ما يشاء لأن لهم حرية شخصية وهكذا. ولو أن الناس اتخذوا هذا المبدأ في الحدود المعقولة لكان له أكبر الأثر في إنهاض الأمة ولكنهم اتخذوه سبباً لفعل المنكرات فعاد شراً مستطيراً وبلاء خطيراً.

إنه ليحزن المسلم الغيور أن يرى الكثير من مسلمي هذا العصر اكتفوا بشهوة الجسد والجري وراء المدينة الحديثة الكاذبة التي نسجتها أنوال المستعمرين على خيوط حريرية ناعمة براقة ذات بهرج ولمعان إذا رأيتها أعجبك منظرها حتى إذا دخلت في حظيرتها كانت الداء الدفين والعدو المبين كالحية الرقطاء الناعمة الملمس ذات الثوب المزركش إذا مددت يدك إليها أعطتك السم الزعاف فكانت القاضية والعياذ بالله.

ومما جعل هذه المدنية الكاذبة تتغلغل في نفوس الشباب على اختلاف بيئاتهم ودرجاتهم أنهم وجدوا فيها هوى نفوسهم وإشباع شهواتهم فاحبوها وتراموا في احضانها واستهزأ الكثير منهم بالدين ورموه بالجمود والرجعية ونبذوا الأخلاق الكريمة وصار لاهم لهم إلا مخادنة الأجنبيات والجري وراء النسوة الساقطات وأماكن الرقص والحانات ومجالس النس والطرب ولعب الميسر واستنباط ضروب الحيل وغير ذلك من الموبقات.

كما افتتنت الفتاة بمظاهر هذه المدنية الغربية وساعدها على طيشها فئة من الشباب المتهوسين المستهترين الذين يريدون أن يلهوا بكرامتها وطهرها خاصة وهم يرونها قد خرجت للطريق بوجه مصبوغ غير مطبوع لابسة من الثياب ما ينم عما تحته ويلفت النظر إلى استطلاع ما وراءه كاشفة عن فخذيها حاسرة عن ذراعيها مشمرة تختال في مشيتها ذاهبة آيبة عادية رائحة متمايلة تقطع النهار في الشوارع والمنتزهات والمغازات والمنتديات حتى إذا جن عليها الليل تأبتطت ذراع بعض المفتونين من شباب اليوم وسارا معاص غلى الملهى أو المراقص أو السينما وما يجري هناك تتلقنه وتعتاده.

إننا نعلم إنه يوجد كثير من الفتيات الشريفات لا يشاطرن أخواتهن الفتيات الخارجات عن حدود اللياقة والحشمة ولكن ما العمل والإنسان يحكم على الغائب بالحاضر. والبضاعة المعروضة: تكون في بعض الأحيان عنواناً للبضاعة المخبوءة وقد قبل إن الرحمة تخص والبلاء يعم.

نحن حينئذ بين خطرين داهمين الأول امرأة جاهلة تنفث في نفوس الأبناء كثيراً من النقائص كالجبن والخوف والاشتغال بالحقير وضياع الوقت فيما لا يجدى نفعاً.

والثاني فتاة نصف متعلمة لا تعرف حقها وقد ضلت الطريق فأصبحت عنواناً للإسراف والتبذير في كل ما تفعل مسرفة في ملبسها في زينتها وتقليدها هازئة بعوائد قومها ووطنها لا تميز بين ما تعمل وبين ما تحب أن تكون عليه، تلك هي الأسباب التي أدت إلى هذا الشلل في حياتنا الأخلاقية فما الذي يجب علينا الآن أن نفعله لمكافحة هذه العلل.

طرق الإصلاح

لقد استعرضنا آراء الباحثين في طرق الإصلاح فرأينا فريقاً من الناس تغافلوا عن كون آفات الفساد طارئة على فطرة الإنسان واعتبروا الميل إلى الشر أمراً فطرياً عليه الإنسان ورأوا أن خير وسيلة لمكافحة الشرور هي سن العقوبات الصارمة لتاديب المجرمين ولعمري لقد أخطؤوا في كلا المرين فلقد تبين لكم أنه ليس الميل إلى الشر والإجرام طبيعيا في الإنسان وإنما ينشا من الأسباب التي ذكرناها وأما العقوبات فما رأيناها ربت أمة على الفضيلة أو انتزعت منها أصول الرذيلة.

إزاء هذا الرأي صار في أمريكا من عهد قريب رأي آخر يرى أن الجرائم منشؤها الآفات النفسية التي تلم بنفس المجرم وأنه لا سبيل إلى درء الجرائم إلا بمعالجة نفس المجرم فاقترح اصحاب هذا الرأي إنشاء المسارح والصور المتحركة والمراقص في السجون لعلاج تلك النفوس المريضة ومن الأسف أنهم مع كونهم اصابوا في اعتبار الجريمة مرضاً نفسياً أخطؤوا في كيفية علاجه ولم يمض على ظهور هذا الرأي إلى حيز الوجود زمن وجيز حتى انتشر الإجرام إلى ضعف ما كان عليه وقد نددت صحفهم بهذا الرأي تنديداً كثيراً.

وذهب فريق آخر إلى أن العلم متى انتشر هذب النفوس. وفساد هذا الرأي واضح وأكبر دليل على فساد هذا الرأي انتشار الجرائم بكثرة في أعظم مدن العالم علماً ومدنية.

إذن ليس هناك وسيلة لمكافحة هذه الآفات سوى الدين فلننظر ماذا صنع الدين في تهذيب الإنسان.

بين لنا الدين أن الإنسان خلق على فطرة سليمة محباً للخير وأن الفساد طارئ على فطرة الإنسان فقال عز من قائل: "فأم وجهك للدين حنيفاً فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله". وقال رسول الله r: "كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه" (رواه الإمام مسلم) فرأي الدين أن خير وسيلة لإصلاحه هي رجوعه إلى أصل الفطرة وإحياء وجدانه ليكون حاكماً على جميع أفعاله فدعاه إلى توحيد الله تعالى وأعتاد البعث والحساب حتى إذا اعتقد الإنسان أن الله مطلع عليه (يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدر) وأنه سبحانه سيحاسبه على جميع ما يصدر منه (فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره) بعد عن المنكر وفر من كل معصية.

وهذه العقائد التي دعا إليها الإسلام هي الأساس الذي تركز عليه دعائم الفضيلة لأن الإنسان إذا أحس بصوت الفطرة من أعماق قلبه توجهت فيه داعية الخير إلى فعل الفضيلة غير أن الإنسان لما كان مضطراً إلى الاجتماع بأبناء جنسه لأن ضرورة الحياة تلجئه إلى ذلك وهو لا يستطيع أن يعيش منفرداً كان عرضه للغفلة عن هذا الشعور الذي تحدثه في نفسه وهدفاً لسهام الآفات الخلقية لذلك شرع له الله من العبادات ما يوقظ فيه هذا الشعور إذا رانت على نفسه الغفلة وما ينمي فيه تلك العقيدة ويكسر من حدة شهوته ويكبح جماح اهوائه فشرع له الصلاة التي يخشع فيها القلب لعظمة الله وبين أنهاء من أكبر الوسائل لتهذيب النفس قال تعالى: "آتل ما أوحي إليك من الكتاب وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر" (العنكبوت).

وليس ببعيد أن تكون الصلاة التي يخشع فيها القلب كل يوم خمس مرات سبباً في كف الإنسان عن الفحشاء والمنكر لأنها تبدد ضباب الغفلات التي تعتري النفس وتكون سبباً في ارتكاب الجرائم وشرع له الصوم ليلطف من حدة الشهوة التي هي سبب كثير من المنكرات كما تقدم لنا وشرع له الزكاة لتنظيم الأحوال الاقتصادية حتى ينزع الأحقاد من قلوب الفقراء على الأغنياء ويزيل أكبر سبب لانتشار القتل والسرقة ثم حدد للإنسان أصول الفضائل التي ينتظم بها امر الاجتماع وبين له كيف يعامل اسرته وأهله وإخوانه وحيوانه وسائر الناس وحضه على التعاون على البر والتقوى ونهاه عن أصول الرذائل وحددها تحديداً وافياً ولم يتركها لفلسفة طائشة ولم يقتصر على ذلك بل حض الإنسان على العمل بما شرعه لتنمو الفضيلة في نفسه.

تلك هي طريقة الدين في إصلاح النفوس ومرجعها إلى حفظ صفاء الفطرة الإنسانية ثم أحاطه بضروب من الإرشاد فأخذه بالترغيب والترهيب ليلين قسوة فؤاده وبين له سنته في سعادة الأمم وشقاوتها وتلك السنة هي أن لا تسعد أمة إلا بالصلاح والسير على الطريق المستقيم ولا يهلكها إلا الفسوق عن أمره وأبتاع الشهوات فقال: "وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون" وقال: "وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميراً" (الإسراء) .

ويقول في أمة كانت تنعم بأنواع الخير وكان ريفها في غاية الخصب فلما عتت عن أمر ربها وخرجت عن طاعته حاسبها حساباً عسيراً وجعل عاقبة أمرها خسراً  وإلى ذلك تشير الآية الكريمة " لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ (15) فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُم بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ (16) ذَٰلِكَ جَزَيْنَاهُم بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ".

وحث الناس على مطالعة أخبار الأمم ليتعرفوا أسباب رقيها وسعادتها واسباب شقاوتها وهلاكها. فقد أغرق فريقاً من الأمم الماضية وخسف بالزلازل بفريق آخر ومنهم من أرسل عليه حاصباً ومنهم من أخذته الصيحة وفي ذلك يقول الله عز وجل: " فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا ۚ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَٰكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ".

وخلاصة القول إن القرآن الكريم قص على الناس من العبر ما فيه صلاح معاشهم ومعادهم وذكر من أمر القرون الأولى ما فيه الكفاية للمعتبر والمتعظ وكان واجباً على الأمة الإسلامية أن تجعله نصب أعينها لتقيس ماضي العبر بحاضرها لأن الناس هم الناس في كل مكان وزمان وما جاز على فريق يجوز على آخر فإن السنن الكونية عامة لا خاصة "ولقد ضربنا للناس في هذه القرآن من كل مثل لعلهم يتذكرون" " ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر" ثم حث الإنسان على صحبة الأخيار ونب صحبة الأشرار فقال: "ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا وأتبع هواه وكان فرطاً".

وأرى بعد ذلك أنه لابد من مقاومة الإلحاد بكل ما يستطاع من الحجج والبراهين ومقاومة المدنية الكاذبة ومجاهدة كل إنسان نفسه وقيامه بما يجب عليه من تربية أهله وبناته وإرشادهن إلى أن الصيانة خير لهن من هذا التبرج وأن الحياء أجمل بهن وهو رأس الفضائل وعماد المحامد وقد قال عليه الصلاة والسلام "الحياء شعبة من الإيمان" وهو في حفظ الأعراض يسمى غيره وفي النساء يسمى عفة وطهارة.

كما يجب على الأب أن يقص على بناته كيف كانت المرأة في الصدر الأول من الإسلام مثالا في الحياء تستحي أن تمشي في الطريق متعطرة أو متبخترة أو مكشوفة الصدر والساقين وكانت لا تخرج من بيتها إلا بإذن زوجها كما يبين لهن أن بنات اليوم هن نساء الغد وأمهات المستقبل ولهن الشأن في تربية الأطفال ذكوراً وإناثاً وكما يكن يكون الأطفال.

وإن من يتتبع التاريخ يرى أن عظماء الرجال ومشاهيرهم قد اشتملت عليهم أرحام طاهرة وتهدت نفوسهم عظيمات بثثن فيهم حب العظمة ومبادئ النبوغ.

وأذكر من هذا النوع أمير المؤمنين على بن أبي طالب فأمه فاطمة بنت أسد وعبد الله بن عباس فأمه لبابة بن الحارث الهلالية والزبير بن العوام فأمه صفية بنت عبد المطلب وعبد الله بن الزبير فأمه أسماء بنت أبي بكر الصديق ومعاوية بن أبي سفيان فأمه هند بنت عتبة وغيرهم كثير فما كان هؤلاء الأفراد إلا أطفالا صغاراً كبروا وصاروا رجالا قد تلقوا دروسهم الأولى من أمهاتهم فكن الأستاذ الأول لهم لأن الأم المهذبة خير للطفل من سبعين معلماً ذلك لأن الطفل في تكوينه العقلي يحتاج إلى أم صالحة عرفت الطرق المتجهة في تثقيف أولادها فسلكتها لذلك يتغنى شاعر النيل بأخلاق الأم حيث يقول:

الأم مدرسة إذا أعدتها    أعددت شعباً طيب الأعراق

وهذا حق لاشك فيه فالبنت تنشأ على ما تتعوده من والديها وزارع الورد لا يجني شوكاً وغارس الحنظل لا يجني شهداً فالبنت لها كبير الأثر في انتعاش البيت أو كآبته وإذا سعدت الأسرة سعدت الأمة وسعد الوطن وطابت الحياة وكانت العزة وزالت الذلة. كما يضرب الأب الأمثال لبناته من التاريخ الإسلامي الحافل بكثيرات من النساء المسلمات اللائي شرحن صدور أزواجهن وخففن عنهم تعب الحياة وآلامها وصبرنهم على شدائد الدهر فكن بذلك كالبلسم الذي تداوى به القروح وتلتثم به الجروح.

من هؤلاء النسوة السيدة خديجة أم المؤمنين رضي الله عنها فقد شكا لها رسول الله r ما لقيه من الذعر وما أصابه من الخوف بعد أن فاجأه الملك في غار حراء فأمنت خوفه وأذهبت روعه وفزعه وزملته ودثرته ثم اجتهدت في تسليته قائلة له: ابشر فوالله لا يخزيك الله أبداً إنك لتصل الرحم وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق وتكسب المعدوم وتؤدي الأمانة.

لم تكن خديجة خريجة مدرسة من المدارس ولا معهد من المعاهد العلمية ولا كانت يوماً من الأيام تلميذة في كلية أو جامعة ولكنها نشأت في بيئة صالحة لتخريج الطيبات وفي أسرة تتعهد البنات ولم تترك لهن الحبل على الغارب كما يتساهل الآباء مع بناتهن والجماعات.

وهذه السيدة عائشة رضي الله عنها عاشت بعد رسول الله r أربعين عاماً روى عنها في خلالها ألف حديث وعشرة واستقلت بالفتوى مدة خلافة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما حتى قال أبو موسى الأشعري ما أشكل علينا حديث قط فسألنا عائشة عنه إلا وجدنا عندها فيه علماً وقال مسروق رأيت مشيخة أصحاب محمد الأكابر يسألون عائشة عن المواريث.

وهذه السيدة نفيس ابنة الإمام مالك رضي الله عنهما حفظت الموطأ وروى أنها كانت تدق الباب إذا لحن قارئ الموطأ على أبيها حينما كبر أوبها سناً فكان بعض الأخطاء يمر عليه ولا ينتبه له فتدق هي الباب من ورائه فينتبه الإمام مالك ويقول للقارئ: أرجع فالغلط معك فيرجع القارئ فيجد الغلط معه.

وهذه ابنة سعيد بن المسيب الإمام المعروف والمحدث المشهور الذي روى عنه الإمام البخاري ووثقه قد ضربت بسهم في علوم الدين حتى ان زوجها لما أصبح من الليلة التي زفت إليه وكان من تلاميذ أبيها أخذ رداءه يريد الخروج فقالت له إلى أين؟ قال إلى مجلس سعيد يريد أباها أتعلم العلم قالت له: أجلس أعلمك علم سعيد.

كما لا يعزب عنكم أيها الإخوان الكرام ما كان للسيدة سكينة بنت الحسين بن علي رضي الله عنهم من فضل وطول باع في الأدب والشعر والفنون المختلفة فإنها كانت تسمع شعر جرير والفرزدق.

وذكر الأصمعي أنه سمع كلام جارية فقال لها: قاتلك الله ما أفصحك؟ فقالت له: أو يعد هذا فصاحة بعد قول الله عز وجل: "وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ أُمِّ مُوسَىٰ أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ" فجمع في آية واحدة بين امرين ونهيين وخبرين وبشارتين.

ولم يقل الإسلام في المرأة إلا كل ما فيه إجلالها فلقد خص الله النساء بآيات كثيرة وجعل لهن فيه سورة مستقلة سميت سورة النساء بدأها بقوله "يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً" وقد نص القرآن الكريم على أن المرأة المسلمة كانت تدخل في كثير من الشؤون التي يدخل فيها الرجل المسلم فقد بايع النساء رسول الله r كما بايعه الرجال وذكر الله تلك البيعة في كتابه العزيز بقول: "يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَىٰ أَن لَّا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ".

وكان كثير من النساء المسلمات في عصر رسول الله r يذهبن إلى المسجد فيصلين مع الرسول عليه الصلاة والسلام وكن يسألنه عن بعض الأحكام الدينية وكان يجيبهن ولا ينهاهن عن السؤال بل إن بعضاً منهن قلن له "لقد شغلك عنا الرجل فاجعل لنا يا رسول الله يوماً نتعلم فيه". فاجابهن إلى طلبهن كما كانت المرأة في عهد رسول الله r تحضر في ميادين القتال وتراجع الخلفاء وتجادلهم من ذلك ما روى أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه رأى غلو الناس في مهور النساء حين اتسعت عليهم الدنيا في عصره فخاف عابة ذلك وهو ما نشكو منه اليوم فنهى الناس عن أن يزيدوا في المهر على أربعمائة درهم فحاجته امرأة من قريش وقالت: أما سمعت ما أنزل الله إنه يقول: "وَإِنْ أَرَدتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا" فقال عمر اللهم غفراناً اصابت امرأة وأخطأ عمر كل الناس أفقه منك يا عمر وصعد المنبر وأعلن رجوعه عن قوله. هذا ولما كان مركز المرأة من الهمة بحيث يجعل منها أداة صالحة بأن تجعلها شريكة لزوج فأما لطفل كان على المفكرين أن يعملوا على إعدادها وذلك بإلقاء محاضرات في يوم من الأسبوع لتعليم الآنسات والسيدات وتزويدهن بما لابد لهن منه وإرشادهن إلى ما فيه خيرهن ولتعرف المرأة المرأة حقها وما يجب عليها لله ولنفسها ولزوجها ولأولادها حتى تحيا حياة سعيدة وتدرك صلتها بالخالق والمخلوق وتسلك في شؤونها الحيوية ما يكفل لها السعادة والهناءة والإصلاح. أسأل الله الذي لا هادي سواه أن يحفظنا من اتباع الهوى ويرض عنا حتى نكون في الدنيا والاخرة من السعداء وينقشع عنا ما نزل بنا من بلاء.

 

الحياة الروحية ووجوب العناية بها

اخترت أن يكون موضوع حديثي الليلة توجيه المسلمين وجهة الحياة الروحية السامية التي من لوازمها التحلي بالأخلاق الفاضلة العالية من الصد والأمانة والعدل والوفاء بالعهد والرحمة والعطف والمودة والمحبة والسعي في الخير لجميع بني الإنسان على وفق ما هو مرسوم في كتاب الله وسنة رسوله r فبذلك تزكي نفوس المؤمنين وتسمو بهم إلى اعلى عليين وتستنير بصائرهم بنور الله مطمئنة قلبوهم بذكره وعامرة أفئدتهم بحبه.

أما الحياة المادية المحضة فهي حياة مظلمة من شأنها أن تهوى بأصحابها إلى أسفل سافلين وتلقي بهم في حمأة الشرور والآثام متخبطين في ظمأتها لا يخلصون من شر إلا ليقعوا في شر آخر ولا يستشفون من داء إلا بداء. لا هم لهم إلا التهافت على جمع المال من غير وقوف عند حد ومن أي سبيل أمكن ولو بالخداع والغش والتغرير هذا مع الاسترسال في التمتع بالشهوات الجسمانية مستبيحين في سبيل الحصول عليها والوصول إليها كل وسيلة ولو كانت ذميمة وعاقبتها وخيمة، فحلت القسوة في قلوبهم محل الرحمة فصارت قلوبهم كالحجارة وأشد قسوة.

الحق إنه لا يليق بالإنسان الذي كرمه الله أن يرضى لنفسه هذه المنزلة فقد خلقه الله وأعده لمنزلة اعلى منها لا يستطيع الوصول إليها إلا بأن يستبدل الحياة المادية بالحياة الروحية التي كلها خير وبركة على جميع بني الإنسان آخذا نم الحياة لحاجته وكمالاته ما شاء في حدود ما أذن به الله عز وجل .

اليوم وقبل ذلك انغمس المسلمون في الحياة المادية المظلمة رويداً رويداً وانسلخوا من الحياة الروحية المنيرة شيئاً فشيئاً حتى طغت الأولى على الثانية فلم يبق منها إلا الأشكال والقشور على أنه لم يكن لهم من الحياة المادية التي انغمسوا فيها إلا التافه الحقير من متع فردية ولذات بهيمية وقتيه وإطلاق لعنان الشهوات سموه بالحرية وما هو إلا الخزي والعار والويل والدمار فتفككت عري جماعتهم وتقطعت أوصالها وفقدوا السيادة والعزة والكرامة فلا هم حافظوا على الحياة الروحية التي رسمها لهم دينهم وأباح لهم معها متع الحياة الدنيا على أساس العدل والاقتصاد في كل الأمور ونهاهم عن كل ما يضرهم ولا ينفعهم وكل ما يليق بكرامة الإسلام نسوا الله فنسيهم الله إذ حرمهم من لطفه ووكلهم إلى انفسهم ويا بئس ما وكلوا إليه. ولا هم سايروا غيرهم في كل حياتهم المادية حتى يكون في استطاعتهم أن يحاربوهم بالسلاح الذي يحاربون الملسمين به وأعدوا لهم من ذلك ما استطاعوا من قوة ثم هم مع عصيانهم الله ومخالفتهم لأمره يدعوه ربهم أن يعيد إليهم مجدهم وعزهم وسيادتهم وأن يجمع كلمتهم وينصرهم على أعدائهم وإنه لمن المحال أن يستجيب الله دعاءهم حتى يعودوا بالتوبة الصادقة إليه ويخلعوا ثوب المعصية ويلبسوا ثوب الطاعة ويخلصوا الدين له ويوجهوا وجوههم إليه وحده مع اتخاذهم المسببات التي أمر الله بها سنة الله في خلقه ولن تجد لسنة الله تبديلاً.

إذاً فلا نجاح ولا فلاح للمسلمين إلا بعد أن يتوبوا إلى الله توبه نصوحاً ويقبلوا على فعل ما أمرهم به وينتهوا عما نهاهم عنه وبعد ذلك يدعونه بقلوب مملوءة بالإيمان الصادق ونفوس طاهرة زكية فحينئذ يستجيب الله لهم بفضله ورحمته "إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم" صدق الله العظيم.

وإذا كان الأمر كذلك فالواجب المحتم على المؤمنين الصادقين والمسلمين الطائعين العارفين دينهم حق المعرفة  والعاملين بأوامره والتاركين ما نهى عنه أن يرشدوا إخوانهم من المسلمين بالحكمة والموعظة الحسنة والرفق واللين وأن يجعلوا من أنفسهم قدوة لغيرهم ويبينوا لهم أن الإيمان تصديق بالقلب وقول باللسان وعمل بالجوارح تطابق به الأفعال فمن لم يكن بهذه الصفة فهو ناص في إيمانه.

واعلموا أنه متى صد الإيمان بالله فالإنسان يكون في حفظ الله ينصره ويحميه من كل شر ويدفع عنه كل ضر ألم تروا أن الله تعالى قد جعل النار برداً وسلاماً على إبراهيم لما أسلم وجهه لله ولم يلجأ إلى أحد سواه. إن من كمل إيمانه وصدق إسلامه يكون في مناعة من لطف الله تعالى وسيباح من حمايته فلا يمسه بأذى ما ينبعث حوله من كل مكان من نيران الشرور وغواية الشيطان من المجتمع الذي هو عائش فيه بل تكون تلك النيران برداً وسلاماً عليه كما كانت نار النمرود برداً وسلاماً على إبراهيم.

فما أسعد المؤمن المسلم حقاً وما أهنأ حياته وما أعظم لذته وما أصفى سريرته وما أطهر نفسه فمتاع الدنيا زائل مهما طال العمر ولذة التمتع به  لذة مادية حقيرة يشارك الإنسان فيها غيره من سائر أنواع البهائم والحيوان. فهل يليق بالإنسان العاقل أن يهبط من ذورة الحياة العالية إلى دزك الحياة المادية؟ إنه لأحمق مجنون.

إن من مزايا دين الإسلام الذي تكفل لمن آمن به حق الإيمان سعادته الروحية والعقلية والجسمية أنه وجه خطابه إلى الناس من طريق القلب وطريق العقل. يظهر لنا ذلك جلياً ويتضح غاية الوضوح لمن نظر في آيات الله تعالى وهدى الرسول الكريم صلوات الله وسلامه عليه فلا عجب أن كان الإسلام هو الدين الكامل من جميع النواحي، الكفيل بسعادة الناس في الدنيا والآخرة. وأنه لم يبق للناس حاجة بعده إلى دين غيره حيث إنه ليس في عقائد الإسلام عقيدة ولا عباداته عبادة ولا في مبادئه مبدأ أو نسة ولا في نصوصه وتوجيهاته نص أو توجيه إلا وله أثر عملي في تكوين الفرد الصالح والبيت الصالح والأمة الصالحة وما أخر الإسلام المسلمين ولكن المسلمين عطلوا دينهم وشوهوا جماله فلم يسيئوا إليه لأن الله تولى حفظه لمن يريد أن ينفع به وإنما أساؤوا إلى أنفسهم وإلى جماعاتهم وأوطانهم والجزاء من جنس العمل وصد الله العظيم الذي قال: "إن الله لا يغير ما بقول حتى يغيروا ما بأنفسهم".

تأملوا ما في العبادات التي فرضها الله علينا من النفع للمسلم المطيع من تطهير نفسه وتزكيتها وتصفية إنسانيته من أدرانها التي علقت بها وبذلك ترقى النفوس البشرية وتحظى بمشاعدة ربها ويا لها من لذة روحية دائمة باقية تضمحل أمامها كل اللذات المادية الفانية.

ففي الصلاة وقوف العبد بين يدي ربه خاشعاً متضرعاً موجهاً وجهه غليه وحده ممتلئاً قلبه بالإيمان به متقرباً إليه سبحانه بعبوديته في طلب العون منه في كل اعماله فإذا اجتمع في الصلاة عمل القلب وعمل الجوارح كانت صلاة كاملة مرجوة القبول عند الله تعالى. قال صلى الله عليه وسلم: ما من أحد يتوضأ فيحسن الوضوء ويصلي ركعتين يقبل عليهما بقلبه ووجهه إلا وجبت له الجنة وفي الصلاة تزكية النفس وتطهيرها إذا أحسن المصلي إقامتها، يدل على هذا قوله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: أرأيتم لو أن نهراً بباب أحدكم يغتسل فيه كل يوم خمس مرات هل يبقى من درنه شيء؟ قالوا: لا يبقى من درنه شيء. قال: فذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله بهن الذنوب والخطايا.

وفي الصلاة الفوز والفلاح وقرب العبد من ربه ولاسيما في حال سجوده الذي هو منتهي التذلل والخشوع قال تعالى: "قد افلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون". وقال صلى الله عليه وسلم: "أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد.

وفي صلاة الجماعة وراء إمام واحد تسوية بين المسلمين جميعاً في توجيههم إلى الله تعالى وفي هذه المساواة ما فيها مما هو واضح لا يحتاج إلى شرح وبيان.

وفي الصوم تعويد النفس تقوى الله حتى تصير التقوى ملكة راسخة فيها فالصائم إذا حدثته نفسه بأن يفطر وهو في مأمن من أن يراه أحد لا يحول بينه وبين ما حدثته نفسه به إلا مراقبة الله الذي يراه وهو معه أينما كان فيكف حياء من الله. ويتكرر هذا طول شهر رمضان وتزداد المراقبة وتوى عند صاحبها وبهذا الخوف من الله لا يقدر الشيطان أن يتغلب عليه. قال تعالى: "إن الذين أتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون".

وفي الزكاة التي هي حق الله في المال تعويد الإنسان على البذل والجود واجتناب الشح والإنفاق في سبيل الله الذي يعود بالخير العظيم على المنفق مباشرة بطهارة نفسه فيحبه الناس لأنه دفع حاجتهم بما أتاهم من ماله وفرج كربتهم وأنقذهم مما كانوا فيه من الضيق والفقير له حق معلوم في مال الغني. قال تعالى: "وفي أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم".

ولو أن الأغنياء امتثلوا أمر الله في إيتاء الزكاة لفرجت كربة كل فقير عاجز ولكان في هذا حماية للمحتاجين الذين تدفعهم الحاجة الملحة إلى السرقات وارتكاب الجرائم.

وفي الحج اجتماع المسلمين كلهم في وقت واحد في صعيد واحد بلباس واحد في حضرة إله واحد ملبين الدعوة ملتمسين الله الهداية والمعونة موجهين وجوههم إليه وحده تائبين عابدين خاشعين لا فرق بين ملك ورئيس وصعلوك وفي هذا المجتمع العظيم يتعرف أهل كل قطر بالقطر الآخر على اختلاف ألسنتهم وتغاير ألوانهم تجمعهم وحدة الإسلام.

فيعرف بعضهم أدواء بعض وما حل فيه من المحن فيتواصفون الدواء الشافي من الداء ينصح بعضهم بعضاً ويوصي بعضهم بعضاً بالحق والصبر .

أضف إلى هذا أن المسلم الحاج إلى بيت الله الحرام إذا رأى تلك البلاد المتواضعة والصحاري المقفرة التي انبعث منها نور الهداية الربانية وتلك الجبال الجرداء التي انبثقت منها ينابيع الإرشادات المحمدية ونزل بها الذكر الحكيم الذي لم يفرط مما فيه الخير للناس أجمعين إلا دلهم عليه وأنار لهم السبيل الموصلة إليه. إذا رأى المسلم ذلك أيقن أن ذلك الكتاب المنير لم يكن إلا وحياً من الرب القدير العليم الخبير لعبده محمد صلى الله عليه وسلم الذي أصطفاه لرسالته واقام بذلك على الناس بالغ صحته أرسله بالهدى ودين الحق وأيده في جهاده بروح القدس فلم يهن له عزم ولم يصبه ملل ما لاقى في قومه من أنواع الأذى بل جعل يدعو العقول الضالة ويصلح النفوس الطالحة ثلاثة وعشرين عاماً أتم في ختامها بلاغة يوم خطب الناس خطبة وداعه بمكة معلناً كمال دينه وتمام نعمته على أمته: اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً.

وبالجملة فالعبادات الإسلامية على اختلاف أنواعها هي عمليات تصفية وتطهير لما علق ويعلق بنفوس المؤمنين من أدران الخطايا وحرز لهم من نزعات الشياطين فمتى عبد المسلم ربه حتى عبادته طهرت نفسه وسمت روحه وأصبح في مناعة من غواية الشيطان الرجيم ومتى صلح الإنسان استفاد هو في نفسه من صلاحه واستفاد غيره منه إيجاباً وسلباً.

وفقنا الله إلى ما فيه الخير والسداد وألهمنا الرشد والرشاد.

<!--<!--[if gte mso 9]><xml> <w:LatentStyles DefLockedState="false" DefUnhideWhenUsed="true" DefSemiHidden="true" DefQFormat="false" DefPriority="99" LatentStyleCount="267"> <w:LsdException Locked="false" Priority="0" SemiHidden="false" UnhideWhenUsed="false" QFormat="true" Name="Normal" /> <w:LsdException Locked="false" Priority="9" SemiHidden="false" UnhideWhenUsed="false" QFormat="true" Name="heading 1" /> <w:LsdException Locked="false" Priority="9" QFormat="true" Name="heading 2" /> <w:LsdException Locked="false" Priority="9" QFormat="true" Name="heading 3" /> <w:LsdException Locked="false" Priority="9" QFormat="true" Name="heading 4" /> <w:LsdException Locked="false" Priority="9" QFormat="true" Name="heading 5" /> <w:LsdException Locked="false" Priority="9" QFormat="true" Name="heading 6" /> <w:LsdException Locked="false" Priority="9" QFormat="true" Name="heading 7" /> <w:LsdException Locked="false" Priority="9" QFormat="true" Name="heading 8" /> <w:LsdException Locked="false" Priority="9" QFormat="true" Name="heading 9" /> <w:LsdException Locked="false" Priority="39" Name="toc 1" /> <w:LsdException Locked="false" Priority="39" Name="toc 2" /> <w:LsdException Locked="false" Priority="39" Name="toc 3" /> <w:LsdException Locked="false" Priority="39" Name="toc 4" /> <w:LsdException Locked="false" Priority="39" Name="toc 5" /> <w:LsdException Locked="false" Priority="39" Name="toc 6" /> <w:LsdException Locked="false" Priority="39" Name="toc 7" /> <w:LsdException Locked="false" Priority="39" Name="toc 8" /> <w:LsdException Locked="false" Priority="39" Name="toc 9" /> <w:LsdException Locked="false" Priority="35" QFormat="true" Name="caption" /> <w:LsdException Locked="false" Priority="10" SemiHidden="false" UnhideWhenUsed="false" QFormat="true" Name="Title" /> <w:LsdException Locked="false" Priority="1" Name="Default Paragraph Font" /> <w:LsdException Locked="false" Priority="11" SemiHidden="false" UnhideWhenUsed="false" QFormat="true" Name="Subtitle" /> <w:LsdException Locked="false" Priority="22" SemiHidden="false" UnhideWhenUsed="false" QFormat="true" Name="Strong" /> <w:LsdException Locked="false" Priority="20" SemiHidden="false" UnhideWhenUsed="false" QFormat="true" Name="Emphasis" /> <w:LsdException Locked="false" Priority="59" SemiHidden="false" UnhideWhenUsed="false" Name="Table Grid" /> <w:LsdException Locked="false" UnhideWhenUsed="false" Name="Placeholder Text" /> <w:LsdException Locked="false" Priority="1" SemiHidden="false" UnhideWhenUsed="false" QFormat="true" Name="No Spacing" /> <w:LsdException Locked="false" Priority="60" SemiHidden="false" UnhideWhenUsed="false" Name="Light Shading" /> <w:LsdException Locked="false" Priority="61" SemiHidden="false" UnhideWhenUsed="false" Name="Light List" /> <w:LsdException Locked="false" Priority="62" SemiHidden="false" UnhideWhenUsed="false" Name="Light Grid" /> <w:LsdException Locked="false" Priority="63" SemiHidden="false" UnhideWhenUsed="false" Name="Medium Shading 1" /> <w:LsdException Locked="false" Priority="64" SemiHidden="false" UnhideWhenUsed="false" Name="Medium Shading 2" /> <w:LsdException Locked="false" Priority="65" SemiHidden="false" UnhideWhenUsed="false" Name="Medium List 1" /> <w:LsdException Locked="false" Priority="66" SemiHidden="false" UnhideWhenUsed="false" Name="Medium List 2" /> <w:LsdException Locked="false" Priority="67" SemiHidden="false" UnhideWhenUsed="false" Name="Medium Grid 1" /> <w:LsdException Locked="false" Priority="68" SemiHidden="false" UnhideWhenUsed="false" Name="Medium Grid 2" /> <w:LsdException Locked="false" Priority="69" SemiHidden="false" UnhideWhenUsed="false" Name="Medium Grid 3" /> <w:LsdException Locked="false" Priority="70" SemiHidden="false" UnhideWhenUsed="false" Name="Dark List" /> <w:LsdException Locked="false" Priority="71" SemiHidden="false" UnhideWhenUsed="false" Name="Colorful Shading" /> <w:LsdException Locked="false" Priority="72" SemiHidden="false" UnhideWhenUsed="false" Name="Colorful List" /> <w:LsdException Locked="false" Priority="73" SemiHidden="false" UnhideWhenUsed="false" Name="Colorful Grid" /> <w:LsdException Locked="false" Priority="60" SemiHidden="false" UnhideWhenUsed="false" Name="Light Shading Accent 1" /> <w:LsdException Locked="false" Priority="61" SemiHidden="false" UnhideWhenUsed="false" Name="Light List Accent 1" /> <w:LsdException Locked="false" Priority="62" SemiHidden="false" UnhideWhenUsed="false" Name="Light Grid Accent 1" /> <w:LsdException Locked="false" Priority="63" SemiHidden="false" UnhideWhenUsed="false" Name="Medium Shading 1 Accent 1" /> <w:LsdException Locked="false" Priority="64" SemiHidden="false" UnhideWhenUsed="false" Name="Medium Shading 2 Accent 1" /> <w:LsdException Locked="false" Priority="65" SemiHidden="false" UnhideWhenUsed="false" Name="Medium List 1 Accent 1" /> <w:LsdException Locked="false" UnhideWhenUsed="false" Name="Revision" /> <w:LsdException Locked="false" Priority="34" SemiHidden="false" UnhideWhenUsed="false" QFormat="true" Name="List Paragraph" /> <w:LsdException Locked="false" Priority="29" SemiHidden="false" UnhideWhenUsed="false" QFormat="true" Name="Quote" /> <w:LsdException Locked="false" Priority="30" SemiHidden="false" UnhideWhenUsed="false" QFormat="true" Name="Intense Quote" /> <w:LsdException Locked="false" Priority="66" SemiHidden="false" UnhideWhenUsed="false" Name="Medium List 2 Accent 1" /> <w:LsdException Locked="false" Priority="67" SemiHidden="false" UnhideWhenUsed="false" Name="Medium Grid 1 Accent 1" /> <w:LsdException Locked="false" Priority="68" SemiHidden="false" UnhideWhenUsed="false" Name="Medium Grid 2 Accent 1" /> <w:LsdException Locked="false" Priority="69" SemiHidden="false" UnhideWhenUsed="false" Name="Medium Grid 3 Accent 1" /> <w:LsdException Locked="false" Priority="70" SemiHidden="false" UnhideWhenUsed="false" Name="Dark List Accent 1" /> <w:LsdException Locked="false" Priority="71" SemiHidden="false" UnhideWhenUsed="false" Name="Colorful Shading Accent 1" /> <w:LsdException Locked="false" Priority="72" SemiHidden="false" UnhideWhenUsed="false" Name="Colorful List Accent 1" /> <w:LsdException Locked="false" Priority="73" SemiHidden="false" UnhideWhenUsed="false" Name="Colorful Grid Accent 1" /> <w:LsdException Locked="false" Priority="60" SemiHidden="false" UnhideWhenUsed="false" Name="Light Shading Accent 2" /> <w:LsdException Locked="false" Priority="61" SemiHidden="false" UnhideWhenUsed="false" Name="Light List Accent 2" /> <w:LsdException Locked="false" Priority="62" SemiHidden="false" UnhideWhenUsed="false" Name="Light Grid Accent 2" /> <w:LsdException Locked="false" Priority="63" SemiHidden="false" UnhideWhenUsed="false" Name="Medium Shading 1 Accent 2" /> <w:LsdException Locked="false" Priority="64" SemiHidden="false" UnhideWhenUsed="false" Name="Medium Shading 2 Accent 2" /> <w:LsdException Locked="false" Priority="65" SemiHidden="false" UnhideWhenUsed="false" Name="Medium List 1 Accent 2" /> <w:LsdException Locked="false" Priority="66" SemiHidden="false" UnhideWhenUsed="false" Name="Medium List 2 Accent 2" /> <w:LsdException Locked="false" Priority="67" SemiHidden="false" UnhideWhenUsed="false" Name="Medium Grid 1 Accent 2" /> <w:LsdException Locked="false" Priority="68" SemiHidden="false" UnhideWhenUsed="false" Name="Medium Grid 2 Accent 2" /> <w:LsdException Locked="false" Priority="69" SemiHidden="false" UnhideWhenUsed="false" Name="Medium Grid 3 Accent 2" /> <w:LsdException Locked="false" Priority="70" SemiHidden="false" UnhideWhenUsed="false" Name="Dark List Accent 2" /> <w:LsdException Locked="false" Priority="71" SemiHidden="false" UnhideWhenUsed="false" Name="Colorful Shading Accent 2" /> <w:LsdException Locked="false" Priority="72" SemiHidden="false" UnhideWhenUsed="false" Name="Colorful List Accent 2" /> <w:LsdException Locked="false" Priority="73" SemiHidden="false" UnhideWhenUsed="false" Name="Colorful Grid Accent 2" /> <w:LsdException Locked="false" Priority="60" SemiHidden="false" UnhideWhenUsed="false" Name="Light Shading Accent 3" /> <w:LsdException Locked="false" Priority="61" SemiHidden="false" UnhideWhenUsed="false" Name="Light List Accent 3" /> <w:LsdException Locked="false" Priority="62" SemiHidden="false" UnhideWhenUsed="false" Name="Light Grid Accent 3" /> <w:LsdException Locked="false" Priority="63" SemiHidden="false" UnhideWhenUsed="false" Name="Medium Shading 1 Accent 3" /> <w:LsdException Locked="false" Priority="64" SemiHidden="false" UnhideWhenUsed="false" Name="Medium Shading 2 Accent 3" /> <w:LsdException Locked="false" Priority="65" SemiHidden="false" UnhideWhenUsed="false" Name="Medium List 1 Accent 3" /> <w:LsdException Locked="false" Priority="66" SemiHidden="false" UnhideWhenUsed="false" Name="Medium List 2 Accent 3" /> <w:LsdException Locked="false" Priority="67" SemiHidden="false" UnhideWhenUsed="false" Name="Medium Grid 1 Accent 3" /> <w:LsdException Locked="false" Priority="68" SemiHidden="false" UnhideWhenUsed="false" Name="Medium Grid 2 Accent 3" /> <w:LsdException Locked="false" Priority="69" SemiHidden="false" UnhideWhenUsed="false" Name="Medium Grid 3 Accent 3" /> <w:LsdException Locked="false" Priority="70" SemiHidden="false" UnhideWhenUsed="false" Name="Dark List Accent 3" /> <w:LsdException Locked="false" Priority="71" SemiHidden="false" UnhideWhenUsed="false" Name="Colorful Shading Accent 3" /> <w:LsdException Locked="false" Priority="72" SemiHidden="false" UnhideWhenUsed="false" Name="Colorful List Accent 3" /> <w:LsdException Locked="false" Priority="73" SemiHidden="false" UnhideWhenUsed="false" Name="Colorful Grid Accent 3" /> <w:LsdException Locked="false" Priority="60" SemiHidden="false" UnhideWhenUsed="false" Name="Light Shading Accent 4" /> <w:LsdException Locked="false" Priority="61" SemiHidden="false" UnhideWhenUsed="false" Name="Light List Accent 4" /> <w:LsdException Locked="false" Priority="62" SemiHidden="false" UnhideWhenUsed="false" Name="Light Grid Accent 4" /> <w:LsdException Locked="false" Priority="63" SemiHidden="false" UnhideWhenUsed="false" Name="Medium Shading 1 Accent 4" /> <w:LsdException Locked="false" Priority="64" SemiHidden="false" UnhideWhenUsed="false" Name="Medium Shading 2 Accent 4" /> <w:LsdException Locked="false" Priority="65" SemiH
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 106 مشاهدة
نشرت فى 17 ديسمبر 2015 بواسطة drshawkey

عدد زيارات الموقع

3,776