أ.د/ صلاح الدين عبد الرحمن الصفتي Prof. S.A. El-Safty

كلية الزراعة جامعة عين شمس- موقع علمي متخصص في علوم الدواجن - مقالات علمية وثقافية Faculty of Agric

<!--<!--<!--<!--<!--

تقديم: د/صلاح الدين عبد الرحمن الصفتي

يُسعدني أن اعرض عليكم في السطور القادمة مقالة رائعة مليئة بالإحصائيات الهامة للبروفسور والخبير الدولي د/طالب مراد (عراقي الأصل ويحمل الجنسية الإنجليزية) المستشار الإقليمي الأسبق لمُنظمة الأغذية والزراعة لمنطقة الشرق الأدنى وشمال أفريقيا، حيث شرفني العمل معه على المُستوى العلمي وقد تعلمت منه الكثير. مقالة الدكتور/ طالب أوضح فيها الدور الذي تلعبه الصين الأن في مجال الزراعة وتأثيرها المُضاد على الأمن الغذائي العالمي، حيث لم يتغول المارد الصيني صناعياً وتقنياً فقط  بل أمتد تأثيره وسطوته على النشاط الزراعي حول العالم وإليكم فيما يلي نص المقال: 

 

الصين و تاثيرها السلبي على الأمن الغذائي العالمي

طالب مراد- اكتوبر 2012


 ان الصين تملك حوالي مائة وثلاثون  مليون هكتار (هكتار 10,000متر مربع) من الاراضي الصالحة للزراعة اي مايعادل 15% من مساحة الصين و حصة الفرد الصيني الواحد من الاراضي الصالحه للزراعه هي عشر الهكتار(1000 متر مربع) و تعتبر هذه مرتين ونصف اكثر من حصة الفرد المصري والتي تبلغ مساحة اراضيها الزراعية حوالي 3 ملايين هكتار وتزيد قليلا عن حصة الفرد الواحد من سكان بلاد الرافدين والتي تبلغ مساحة اراضيها الزراعية 5.75 مليون هكتار. تملك الصين 10% من الاراضي الزراعية في العالم وفي نفس الوقت فإن النسبة السكانية للصينيين هي(20%) من نفوس العالم.

    قامت الصين بتقسيم الاراضي الزراعية الى 200 مليون وحدة زراعية ( للعائلة ) مساحة الوحدة هي (6500متر مربع) .منذ عام 1984 فإن 99% من الانتاج الزراعي الصيني اصبح بيد الفلاحين واكثرها بيد المزارع الضخمه وانتهت الكمونات الزراعية كوحدات انتاجية بدأها ( ماوتسي تونغ ) في الخمسينيات. في عام 1993 ألغت الحكومة الصينية الحصة التموينية للحبوب والتي استمرت لمدة اربعين عام. في نفس الفترة فتحت الصين ابوابها للاستيراد بأنواعه وخاصة الحبوب و فول الصويا.

 
    بلغ احتياطي النقد الصيني ( ثلاثه وربع ) ترليون دولار امريكي في اواخر عام 2011 مما مكن الصين بإن تصبح اكبر سوق في العالم للبقاليات و الاغذية و شهية الصينيين للطعام اصبح لها صدى وردود افعال على امننا الغذائي وبيئتنا جميعا . لقد تجاوزت الصين الولايات المتحدة واصبحت اكبر سوق في العالم للبقاليات والاغذية ولو استمرت الصين على هذا المنوال ربما ستصرف الصين حوالي (واحد وستة اعشار) الترليون دولار امريكي على البقاليات والمواد الغذائية في عام 2015. مقارنة فإن استهلاك الفرد الصيني من اللحوم _ وهي عادة من اللحوم البيضاء _ قد ازداد بشكل مهول ووصل حتى 55 كغم للفرد الواحد مضاهية استهلاك الفرد السعودي المعروف عنه بشهيته للحوم في حين ان استهلاك الفرد المصري لايزيد عن 12 كغم من اللحوم سنويا.

    ان لغة الملايين والمليارات تختفي من الحسابات وندخل في خانة الترليونات عندما نتكلم عن غذاء واحتياطي النقد وانتاج الصين .ولذا ينتابنا شعور بكوننا اقزام امام هذا العملاق الترليوني . اغذيتنا ومنذ بدء التاريخ كنا ننتجها او نجمعها او نصطادها نحن بأنفسنا او نحصل عليها من قرى وارياف لا تبعد عن سكننا عدة كيلومترات. اصبح غذائنا الان تحت رحمة خبراء التخطيط الزراعي في بكينغ او مجالس ادارات شركات الاراضي والاغذية العالمية الكبرى في عواصم الدول العظمى اننا جميعا اصبحنا تحت رحمة العولمة.

   مثال حي للعولمة: هو لو دخل اي شخص الان اي مطعم وطلب شيش كباب (تكة اي قطع اللحم) فعلى الاكثر ان قطع اللحم مصدرها دول مختلفة ان لم تكن من قارات مختلفة. ان العولمة وتطبيقاتها اصبحت عقبة امام تطبيق شروط وموازين سلامة وصحة الغذاء و السنوات القادمة ستفرز لنا العديد من الامراض المشتركة والعابرة للحدود مما لم يكن لنا به عهد سابقا, انها ضريبة العولمة وفتح التجارة العالمية وعدم الاهتمام بالقطاع الزراعي والامن الغذائي.

   ان كثير من البلدان تهتم بأمنها الغذائي وتضع حلول مستقبلية لهذه المشكله الاهم في استمرارية البقاء السليم والصحي للبشرية . ان بعض الدول الغنيه _ وعادة تكون دول نفطية _ لاتملك مقومات زراعية اخذت تبحث عن اراضي زراعية خارج حدودها لانتاج اغذية لشعوبها وحتى التجاره بمنتجات الاراضي المستحوذة عليها من قبل هذه الدول._الاستحواذ على الاراضي الزراعيه من خارج الحدود قد سمي بالاستعمار الجديد الزراعي. أن الاستعمار القديم المندثر كان يدور بين دول الشمال ودول الجنوب اما الاستعمار الجديد فلا تتحكم فيه القوة او الموقع الجغرافي ولا لون العيون والبشرة بل يتحكم فيه عنصر واحد هو ( وفرة المال فقط) . ألاستعمار الجديد قد نعت باسماء كثيرة سميت بالاستحواذ او التعاون او الاستثمار و لكن كل هذه المسميات تنصب في بوتقة واحدة. حيث تقوم دول غنية ليس لها مقومات زراعيه او انتاجها الزراعي لايكفي لاحتياجات شعوبها فتضطر للحصول على اراضي خارج حدودها اما من دول فقيرة  ونادرا من دول لها فائض من الاراضي الزراعية.

    المؤسسات المالية وصناديق التقاعد في كثير من الدول الغربية وامريكا تستثمر ايداعاتها الهائلة للاستحواذ على مساحات شاسعه من الاراضي في كافة بقاع العالم وخاصة الفقيرة منها. واماالصينيين قد خصصوا 120 مليار هكتار من اراضيهم الزراعية المرويه ( خطوط حمراء ) لانتاج الخضروات والفواكة والاسماك وبعض الحبوب ووضعوا قوانين صارمة لحمايتها وعدم تغير صبغتها الزراعية مهما كانت الظروف والضغوط. واما الحاصلات الاخرى مثل الذرة وفول الصويا والقمح فإن الصين تحصل عليها مباشرة من دول اخرى او تنتجها على اراضي زراعية خارج حدودها .

         الخنازير والدواجن التي كانت توفر اللحوم لسكان المدن و للعائلة الفلاحية والتي هي بدورها يقل اعدادها بعشرات الملايين سنويا نتيجة للهجرة الى المدن. تلك الحيوانات كانت تتغذى على ماينتجه الفلاح من ارضه او من بقايا طعام العائلة.حاليا الصوره تغيرت حيث انتقلت تربية الحيوانات من الزرائب الصغيره الى مزارع تجارية كبيرة. المزارع التجارية الكبيرة تحتاج الى كميات هائلة من العلف لتغذية الحيوانات والطيور. كان الفلاح الصيني يستخدم 1.5 كغم من الحبوب لانتاج 1كغم من لحوم الدواجن اما الحقول الحديثة فإنها تحتاج الى 2.5 كغم من الحبوب لانتاج نفس الكمية. ونفس الفلاح كان يقدم 1.8 كغم الحبوب للخنازير لانتاج 1كغم من اللحم بينما المزارع الصينية الحديثة التي تنتج القسم الاعظم من تللك اللحوم تحتاج3.7 كغم من الحبوب. ان الصينين وحيواناتهم يستهلكون كميات كبيره من الغذاء.

    للاسباب المذكورة اعلاه فإن الصين وبمساعدة وضعها الاقتصادي الممتاز فإنها تمسح الكرة الارضية للحصول على الحبوب والصويا والاستحواذ على الاراضي الزراعية لانتاج الحبوب واما ال 120 مليون هكتار المخصصة للزراعة المروية في الصين فهي مخصصة لمحاصيل اخرى و انتاج بعض الحبوب.

     أن غذاء البشرية وامنها الغذائي يقع بين مطرقة الصين لاستحواذها على الحبوب والاراضي من انحاء مختلفه من العالم ( الجدول ادناه ) وخاصة الفقيرة منها و سندان امريكا لتحويلها ملايين الاطنان من الحبوب التي كانت تستعمل للاستهلاك البشري والحيواني لانتاج الوقود الحيوي للاستهلاك المحلي الامريكي بدل من البترول والذي ترتفع اسعاره باستمرار واستمراريته اصبحت غير مؤكدة.

       الصويا: في اوائل التسعينات بدأت الصين تستورد الصويا لانتاج العلف وبهذا هددت الامن الغذائي العالمي وتشائم الكثيرين انذاك. لقد ازيل اكثر من 30 مليون هكتار من الغابات الاستوائية في جنوب امريكا لانتاج الصويا للصين. ان زراعة الصويا ما بين عامي2000 و2005 قد سببت في ازالت 10% من غابات الامازون وتعتير هذه كارثة بيئية خطيرة تسبب انحباس حراري هائل. لقد حول الكثير من اصحاب المراعي مربي الابقار في جنوب امريكا مراعيهم لزراعة الصويا لتغذية البشر والحيوانات في الصين وصدرت البرازيل في عام 2011 اكثر من 67% من انتاج الصويا الى الصين. تعاظم مشكلة الصويا المنتجة في الصين حيث لم تتمكن من الصمود امام الصويا الرخيصة المستوردة من امريكا اللاتينيه. لقد استوردت الصين 55 مليون طن من الصويا خلال السنه الماضية. اما خلال الثمانية اشهر الاولى لعام 2012 فقد استوردت الصين 40 مليون طن من الصويا ودفعت مقابلها 22 مليار دولار وقد ارتفت الاسعار بنسبة17% عن السنة الماضية.

      الذرة: ان تغذية الصينيين وتعليف حيواناتهم تسبب مشاكل جلى للامن الغذائي العالمي وللبيئة الكونية. الذرة هي المحصول الاخر الذي تحاول الصين الاعتماد على الاستيراد لتوفيره كغذاء وعلف. الصين ستسورد 5 مليون طن من الذرة من امريكا و ستزداد الى 7 ملايين طن في عام 2013.أن هذه الكمية تغطي 5% من احتياجات الصين من الذرة . استيراد الصين للذرة والجفاف الامريكي علاوة على انتاج الوقود الحيوي في امريكا ,كل هذه العوامل ادت الى ارتفاع اسعار الذرة عالميا وهذه بدورها ادت الى ارتفاع اسعار القمح. كل ذالك يؤدي الى ارتفاع اسعار ما يضع على المائدة في العالم كله.

   أن  الوصع السائد  يدل وبلا شك بإننا متجهين نحو الاسوء ويتوقع اقتصادي الصين بإنهم سيستوردون في عام 2020 حوالي 16 مليون طن من الذرة و90 مليون طن من الصويا. فلنتعود على شد الاحزمة على البطون واستعمال الكمامات خوفا من التلوثات ومضار الانحباسات الحرارية الناجمه من تغذية المليار ونصف صيني.

تعليق مُقدم المقال:

لعلي أختلف مع الدكتور طالب في ختمة مقاله، حيث قال فلنتعود على شد الأحزمة على البطون، بل يجب أن نبدأ سريعاً في السعي على أن نأكل من عمل فأسنا، ولنبدأ في العمل بجد نحو مُجتمع زراعي عربي قوي يُمكن من خلاله الاكتفاء ذاتياً من كافة المحاصيل الاستراتيجية كالقمح والذرة والصويا والأرز، فالأراضي الخصبة موجودة (في السودان مثلاً) والأموال المطلوبة موجودة (دول النفط العربية) والقوة والموارد البشرية موجودة (في مصر والمغرب والعراق) فقط علينا أن نبدأ العمل وإن غداً لناظره لقريب.  

 

المصدر: مقالة د/طالب مراد- الأثنين 1 اكتوبر 2012

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

1,117,376