المفهوم العام للتخطيط الاستراتيجي القومي:
أصل كلمة استراتيجية:
يُرجِع الكُتـّاب اصل كلمة استراتيجية Strategy إلى الكلمة اليونانية استراتيقوس Strategos وتعني فنون الحرب وإدارة المعارك.
يعرف قاموس المورد Almawrid الاستراتيجية على أنها تعني علم أو فن الحرب وإدارة العمليات العسكرية .
يشير قاموس أوكسفورد The Concise Oxford Dictionary إلى أن الاستراتيجية تعني الفن المستخدم في تعبئة وتحريك المعدات الحربية بما يمكن من السيطرة على الموقف والعدو بصورة شاملة.
من خلال التعريفات أعلاه يتضح أن الاستراتيجية ارتبطت في بداية ظهورها بالعلوم العسكرية وفنون إدارة الصراع العسكري .
وحاليا أصبحت الاستراتيجية تهتم بإدارة الصراع الاستراتيجي الشامل وليس العسكري فقط.
المفهوم العام للاستراتيجية:
كل الاطروحات والوسائل والأفكار المتناسقة والمتكاملة التي من شأنها تحديد وتحقيق المصالح الوطنية وتحقيق ميزات وقدرات تنافسية من منظور عالمي للدولة ومؤسساتها، تمكنها من تحقيق غاياتها عبر احسن استغلال للفرص والموارد، وتستجيب عبرها للمخاطر والتهديدات ونقاط الضعف في البيئة المحلية والدولية، ويتم عبرها تحديد الرؤيا والرسالة والغايات والأهداف الاستراتيجية للدولة. وتعرف الاستراتيجية بأنها قدرة الدولة على حشد وامتلاك القوة الاستراتيجية الشاملة وتهيئة الاوضاع المطلوبة لتحقيق المصالح الاستراتيجية الوطنية. وهي كذلك فن وعلم تشكيل المستقبل وفق الإرادة الوطنية. وهي امتلاك الدولة للقوة الاستراتيجية الشاملة التي تتيح لها تشكيل المستقبل وفق الإرادة الوطنية وتهيئة الأوضاع المطلوبة لتحقيق المصالح الاستراتيجية الوطنية.
التخطيط الاستراتيجي القومي:
هو العملية التي يتم من خلالها وضع الاستراتيجية وتتضمن التحليل الاستراتيجي والاختيار الاستراتيجي وتحديد البدائل، ويعنى بإيجاد الترابط والتناسق بين الأهداف الاستراتيجية والمرحلية والأهداف قصيرة الأجل، وكذا الترابط والتناسق بين الأهداف والتشريعات والسياسات الاستراتيجية، وتحقيق التكامل بين كل منها بما يضمن أن كافة الجهود المتناثرة تصب تجاه تحقيق الغايات المحددة بأفضل السبل والتكاليف وذلك في ظل الظروف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والمهددات والمخاط ر والتطورات العلمية محليًا وإقليميًا ودوليًا.
محاور الاستراتيجية:
المحور الأول: التعرف على موارد الدولة ومزاياها المادية والمعنوية.
المحور الثاني : كيفية استغلال موارد الدولة بشكل أمثل وتنميتها.
المحور الثالث: يتعلق بكيفية التعرف على الفرص وابتكارها واستغلالها.
المحور الرابع: كيفية علاج نقاط ضعف الدولة.
المحور الخامس : يتعلق بالتعامل مع التهديدات الخارجية.
المحور السادس : إجراء التغيير الاستراتيجي المطلوب لتحقيق الغايات.
المحور السابع : تحقيق القدرات التنافسية للدولة.
المحور الثامن : تأسيس التناسق للنشاط الوطني.
المحور التاسع : الترابط الإيجابي بين الدولة وبيئتها.
أهمية التخطيط الاستراتيجي القومي:
يكفي للتدليل على أهمية التخطيط الاستراتيجي أن دولة مثل الولايات المتحدة الأمريكية كانت دولة عادية في بداية القرن العشرين وفي خلال 44 سنة فقط نجحت في حسم الحرب العالمية الثانية بعد إلقاء القنبلة الذرية على هيروشيما ونجازاكي. وتنفرد بحكم العالم مع انهيار الاتحاد السوفيتي السابق بعد 44 سنة أخرى عام 1989.
وقد أجريت دراسة موسعة لأسباب النجاح في دول العالم المختلفة ووجدت أن هناك 13 سببا للنجاح أهمها مدى اتباع الدولة المعنية لمنهج التخطيط الاستراتيجي، حيث مثل هذا العامل 83.5% من أسباب النجاح وباقي النسبة للـ 12 سببا الأخرى.
- أنه يضع الدولة في موضع المبادرة بدلاً عن موطن الاستجابة عند التخطيط لتشكيل المستقبل فهو بذلك يمكن من التأثير بفاعلية اكثـر نتيجة لعنصر المبادرة، عكس أسلوب ردود الأفعال الذي يتميز بمحدودية الأثر والاستجابة من البيئة.
- الاستراتيجية وسيلة أساسية لتحقيق السيطرة سواء على مصالح الدولة في البيئة أو على مصيرها .
- الاستراتيجية تتيح فرصة اكبر للقيادة لفهم نشاط الدولة.
- أنه يعلي ويرقي مستوى الهم الوطني ويجعل كل نشاطات الدولة واهتماماتها تتجه نحو أمور محددة تتعلق بالمصالح الاستراتيجية للدولة وما يرتبط بها من قضايا وتحديات.
- إدارة الصراع الاستراتيجي والتنافس الدولي.
- أنه يشكل الوسيلة الاساسية لتحقيق المصالح الاستراتيجية الوطنية وإدارة صراع المصالح الدولية.
- أصبح المدخل الأساس لبناء القدرات التنافسية العالمية. مما أثبت خطأ نظرية (الميزة النسبية) لريكاردو بسبب انتهاج بعض الدول مثل الصين واليابان لمنهج التخطيط الاستراتيجي مما مكنها من إنتاج السلع والخدمات بجودة أعلى وبتكلفة أرخص رغم عدم توافر المواد الخام بها.
- أن وجود الاستراتيجية يمنع ممارسة أي أنشطـة مضادة أو متناقضة.
- عدم وجود رؤية استراتيجية يعني تشتت الجهود والأموال والزمن دون تحقيق إنجاز استراتيجي. وجدت إحدى الدراسات أن ما أنفقته إحدى الدول النامية على إصلاح شبكات الصرف الصحي خلال فترة زمنية معينة يساوي ما أنفقته إحدى الدول المتقدمة لإنشاء شبكة صرف صحي بطريقة علمية تدوم لفترة طويلة ولا تحتاج سوى لصيانة دورية بسيطة.
- تحقيق النهضة الشاملة الطموحة وإحداث التغييرات الأساسية وتحقيق الأهداف الكبرى لا يتأتى إلا عبر التخطيط الاستراتيجي الذي يوفر الإطار الفلسفي الذي يتم من خلاله إحداث التكامل والتناسق والترابط بين الخطط المرحلية والسنوية وما تشمله من برامج ومشروعات، بما يضمن ان كافة الجهود المتناثرة هنا وهناك تصب في اتجاه تحقيق الأهداف الاستراتيجية.
الفرق بين التخطيط والتخطيط الاستراتيجي:
يوجد بعض اللبس لدى بعض أفراد ومؤسسات المجتمع تجاه فهم التخطيط الاستراتيجي، إذ أن واقع الحال يشير في كثير من الأحيان إلى الخلط بين التخطيط (الطويل، المتوسط والقصير الأجل) والتخطيط الاستراتيجي، حتى إذا نظرنا إلى كثير من الأطروحات المتداولة في هذا الخصوص في بعض الدول النامية نجدها في كثير من الأحيان تتحدث عن خطط وبرامج لا عن تخطيط وأهداف استراتيجية، ولعل ذلك قد انعكس في مستوى الأداء عمومًا سواء على مستوى الدولة أو الشركات والمنظمات عموماً برغم المزايا العديدة المتوفرة لها من موارد طبيعية وموقع جغرافي وموارد بشرية وما إلى ذلك، وان عدم وجود أو وضوح الأطروحات الاستراتيجية والأهداف الاستراتيجية لدى معظم المؤسسات في الدول النامية، قد حول عمليات الاتصال والتفاوض والحوار والتنافس والوفاق تدور حول أجندة أخرى أقل أهمية.
- أن التخطيط بمفهومه العادي يعمل على التنبؤ بالمستقبل، وهي مهمة دائماً ما تعتمد على دراسة وتحليل بيانات ومعلومات الماضي والحاضر. أما التخطيط الاستراتيجي فهو لا يسعى للتنبؤ بالمستقبل وإنما يسعى إلى تشكيل المستقبل من خلال بلورة وتحقيق أهداف كبرى غالباً ما تتصف بالجراءة والمبادرة قد يسبق تحقيقها إجراء تغييرات أساسية وجوهرية في البيئة .
- التخطيط يجاري الواقع، بينما التخطيط الاستراتيجي يسعى إلى تهيئة الواقع بما يتناسب والمصالح المطلوب تحقيقها. وهذا ما يدعو إلى تميز التخطيط الاستراتيجي بعنصر المبادرة.
مثال عملي على ذلك الهدف الاستراتيجي الأمريكي في فترة الخمسينات بخصوص تغيير أذواق المستهلكين للقمح الأمريكي والذي استغرق تحقيقه أربعون عاما.
- يرتكز التخطيط الاستراتيجي على مراعاة أمن الإنسان، والسعي لتحقيق أهداف كبرى والسعي لتحقيق أهداف تتسم بالطموح والارتباط أكثر بالبيئة الدولية والسعي لتهيئة الظروف والأوضاع المناسبة لتحقيق الأهداف الاستراتيجية. التخطيط الاستراتيجي مبادر، عميق، جرئ . ويتميز بوضوح الرؤية.
أنواع التغيير الاستراتيجي القومي:
التغيير الاستراتيجي هو القيام بترتيبات أساسية من شأنها توفير الأوضاع والظروف المطلوبة لتحقيق الغايات والأهداف الاستراتيجية والسعي لإحداث نقلة أساسية في القدرات التنافسية للدولة أو المنظمة وتعزيز قدراتها تجاه تحقيق الأهداف الاستراتيجية. ومن أنواعه:
1- التغيير السياسي: ترتيبات داخلية وخارجية يتم استيفائها لتحقيق الأهداف الاستراتيجية. الترتيبات الداخلية مثل نشر ثقافة التوافق الوطني والسلوك السياسي الإيجابي الذي يعلي قيمة العلم. والترتيبات الخارجية منها الاتحاد الأوروبي كتكتل اقتصادي وسياسي لتحقيق المصالح الاستراتيجية لأعضائه.
2- التجديد والتميز: السعي بعد تحقيق الجودة الشاملة إلى تحقيق التميز حتى تكون السلع والخدمات منافسة عالميا. شركة أدوية حققت التميز من خلال إنتاج نوع من الدواء في شكل حلوى تذوب في الفم ليستسيغها الأطفال.
3- التغيير الإداري: تهيئة النظام الإداري ليتناسب مع تحقيق الاستراتيجية القومية.
4- التغيير في نطاق العمل: هو تغيير الذهنية والتحول من المحلية إلى العالمية.
5- التغيير الهندسي أو الفني: تغيير التقنية القديمة بتقنية حديثة، سواء بنقلها أو بتوطينها.
6- التغيير المؤسسي: ترتيبات للمنظمات الوطنية لإنجاز دورها في الاستراتيجية.
7- التغيير السلوكي والفني. ويتضمن تغيير العادات والتقاليد والسلوكيات المعوقة للتغيير.والعمل على احترام العمل والوقت، ونشر ثقافة التعاون والعمل الجماعي بدلا من الفردية، واحترام النظام والدور والإنضباط والنقد البناء.
الدولة تحتاج المدير القائد لا القائد المدير. بمعنى أن يتميز المدير بصفات القائد، لا أن يكون القائد مجرد مدير.
القيادة الاستراتيجية هي التي ترعى خارطة الطريق أو المسار الاستراتيجي للدولة.
القيادة دائما تهتم بالنظرة الشاملة للأمور وتراعي جميع الأوضاع السياسية والاقتصادية والبيئية والصحية.
القيادة تراعي النظرة المنطقية للأشياء وتحافظ على المصالح القومية للدولة.
محور اهتمام القيادة ينصب على المسار الاستراتيجي والقائد لا تشغله الأزمات اليومية عن السعي نحو تحقيق الغايات القومية الاستراتيجية.
يتميز القائد بالقدرة على الإقناع والتأثير في الآخرين بينما يكتفي المدير بإصدار الأوامر مستندا إلى اللوائح والقوانين التي تخول له حق إصدارها.
القائد يتميز بالقدرة على تحويل الهدف العام إلى هدف شخصي لكل مواطن، وهو قادر على صناعة التحدي.
القائد الناجح يتميز بالقدرة على ابتكار حلول متميزة وتشكيل فرق عمل متميزة، والقدرة على إتاحة فرص المشاركة للجميع في تحقيق الأهداف القومية.
القائد الناجح يتميز بالقدرة على قيادة أفراد ذوي ميول وأهداف وخلفيات مختلفة.
القائد الناجح صاحب تفكير استراتيجي عميق لا محدود.
القائد الناجح يجب أن يتوافر فيه السلوك القيادي : القدوة، بمعنى أن يلتزم بما يريد أن يقوم به المرؤوسين، والثقة بالنفس، والحزم.
أما الإدارة فتمتاز بالاهتمام بالتفاصيل : الجودة والتكلفة والزمن. وهي منشغلة بتنفيذ برامج الخطة القومية على أرض الواقع.
ولهذا يتم تدريب السياسيين في الدول المتقدمة على القيادة من خلال الانخراط في دورات عن التخطيط الاستراتيجي وإدارة الوقت وإدارة الجودة الشاملة وغيرها من العلوم المرتبطة بالإدارة الاستراتيجية للدولة.
في حالة عدم تمييز الممارسين السياسيين في أي دولة بين الحزب والحكومة والدولة يحدث غياب كامل للتخطيط الاستراتيجي للدولة ويبدأ كل مسئول من الصفر ولا يستكمل جهود من سبقه من المسئولين ويحدث الخلط بين أهداف الحزب الذي ينتمي إليه المسئول وبين الأهداف الاستراتيجية للدولة. غياب الخطة الإستراتيجية القومية يعنى غياب الأهداف المرسومة وبالتالي خسارة فادحة في جميع النواحي والمحاور: البشرى ... الزمني ... الطبيعي ... العلمي
يحتوي نموذج SIMPEST على سبعة عناصر في القوة الشاملة
ا- القوة الاجتماعية الثقافية: وهي الأهم لأنها تتعلق بالإنسان وعقيدته.
2- القوة الإعلامية: سواء الإعلام الداخلي أو الخارجي الذي يوفر المعلومات ويشكل الرأي العام.
3- القوة العسكرية: الجيش القوي الذي يحقق عنصر الردع.
4- القوة السياسية: وتضم قوة العلاقات الدولية.
5- القوة الاقتصادية: التوازن بين الموارد الاقتصادية للدولة والاستهلاك.
6- القوة العلمية: التقدم العلمي للدولة في العلوم الأساسية (الفيزياء والكيمياء والأحياء والرياضيات) والاهتمام بالبحث العلمي.
7- القوة التقنية: التكنولوجيا المستخدمة في الإنتاج.
ومن المهم التأكيد على السعي لتحقيق الغايات الاستراتيجية بتوازن بين العناصر المختلفة حتى لا يختل الأداء الاستراتيجي.
ساحة النقاش